
مبادرة التمويل الجديدة: خطوة جديدة لتحفيز القطاع العقاري المصري
يحظى القطاع العقاري بأهمية كبيرة نظرًا للدور الذي يلعبه في نمو الاقتصاد القومي؛ إذ يعد أحد أهم مؤشرات تقدم ونمو الدول، وقاطرة للنشاط الاقتصادي. وترجع أهمية هذا القطاع إلى مردوده الإيجابي على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي على حدٍ سواء. فعلى الصعيد الاقتصادي يتم ذلك من خلال تشغيل العديد من الصناعات والأنشطة التي تتكامل معها، مما يدفع عجلة الإنتاج وينعكس إيجابيًا على الناتج القومي للدولة. أما على الجانب الاجتماعي فإن تدعيم نشاط القطاع العقاري له دور إيجابي خاصة في الحفاظ على السلام الاجتماعي من خلال خلق فرص عمل بالمشروعات والصناعات المختلفة إلى جانب توفير إسكان مناسب.
وانطلاقًا من تلك الأهمية، وجه السيد الرئيس “عبد الفتاح السيسي” بأهمية إطلاق البنك المركزي برنامج جديد للتمويل العقاري لصالح الفئات من محدودي ومتوسطي الدخل لدعم قدرتهم على تملك الوحدات السكنية، وذلك بقروض طويلة الأجل تصل إلى 30 سنة وبفائدة منخفضة ومبسطة لا تتعدى نسبة الـ3%.
ما هي مبادرة التمويل العقاري؟
اجتمع الرئيس “السيسي” مع محافظ البنك المركزي “طارق عامر”، ونائب محافظ البنك للاستقرار المصرفي “جمال نجم”، ونائب محافظ البنك للاستقرار النقدي “رامي أبو النجا”، فضلًا عن وكيل أول محافظ البنك “مي أبو النجا.” وقد تناول الاجتماع استعراض نشاط البنك المركزي في إطار المنظومة النقدية والمالية للدولة، وتم استعراض نتائج المبادرة الرئاسية التي تم إطلاقها عام 2015 الخاصة بالشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، حيث بلغ إجمالي حجم التمويل الخاص بها حوالي 234 مليار جنيه، استفادت منها مليون و260 ألف منشأة تجارية وصناعية، ووفرت حوالي مليون فرصة عمل، وقد وجه السيد الرئيس بزيادة حجم هذا التمويل بمقدار 117 مليار جنيه إضافية خلال العام الحالي والقادم.
وعن أهم التفاصيل المُعلنة عن تلك المبادرة؛ فيُمكن رصدها على النحو الآتي بحسب تصريحات كلٍ من نائب محافظ البنك المركزي “جمال نجم”، ورئيس اتحاد البنوك ورئيس بنك مصر “محمد الأتربي”:
- تبلغ قيمة المبلغ المخصص للمبادرة نحو 100 مليار جنيه، وهو قابل للزيادة.
- تقدم قروضًا طويلة الأجل بفائدة متناقصة 3% لمدة تصل إلى 30 عامًا.
- يتميز البرنامج بالفائدة المتناقصة كي يدفع المواطن الفائدة على المبالغ المتبقية عليه مع خصم المبالغ المسددة.
- ستراعي المبادرة أن تكون الأقساط سواء الشهرية أو الربع سنوية في متناول المواطنين.
كيف ستصب المُبادرة في الصالح العام والخاص؟
تستهدف تلك المبادرة بشكل أساسي الفئات غير القادرة على تملك وحدات سكنية خاصة بها نظرًا لارتفاع أسعار الشقق السكنية بما يفوق قدرتهم الشرائية، ولهذا ستساهم المبادرة في تحفيز شريحة كبيرة من فئات المجتمع على تملك الوحدات السكنية بفائدة منخفضة.
ونظرًا لارتفاع عدد السكان في مصر بشكل مطرد، ولزيادة عقود الزواج بين المواطنين، فمن المتوقع أن تخلق المبادرة قاعدة كبيرة من الأفراد الراغبين في تملك وحدة سكنية. وهو ما يُمكن إيضاحه من خلال الشكلين التاليين:
الشكل (1): أعداد السكان (بالمليون)
الشكل (2): عدد عقود الزواج (بالألف)
يتبين من الشكل (1) ارتفاع عدد السكان في مصر بنحو 1.6% على أساس سنوي من 99.4 مليون نسمة في أكتوبر 2019 إلى 101 مليون نسمة بحلول أكتوبر 2020. فيما يوضح الشكل (2) ارتفاع عدد عقود الزواج بنحو 3.9% على أساس سنوي ليسجل 93.7 ألف عقد بحلول سبتمبر 2020.
ومن هذا المنطلق، من المتوقع أن تزيد المبادرة من الإقبال على التمويل العقاري وزيادة نسبته فى مصر، وهو ما سيصب في نهاية المطاف في تنشيط القطاع وكذلك زيادة الإقبال على شراء الوحدات من خلال ذلك البرنامج مما قد يسفر عن حدوث رواج لقطاع العقارات في مصر خلال العام الجاري وعلى المدى البعيد. ومع تحفيز الطلب، ستجد الشركات العاملة في القطاع العقاري دافعًا لزيادة المعروض من الوحدات السكنية لتلبية الطلب.
وبالتبعية، ستحفز المبادرة القطاعات الإنتاجية التي تتعامل مع قطاع العقارات مثل مواد البناء، وفي نفس الوقت، سيساعد البرنامج على زيادة نسبة القروض من الودائع من خلال إعادة توظيفها واستثمارها بشكل آمن. ويُمكن إجمال المزايا السابقة في النقاط الآتية:
- دعم برامج الإسكان بصورة مباشرة، والمساهمة في تنشيط حركة المبيعات والقضاء على الركود الذي يعانيه السوق في الوقت الراهن.
- توفير سيولة للشركات، بما يضمن استدامة نشاطها خلال الفترة المقبلة.
- إدخال شرائح جديدة من العملاء وتلبية احتياجات الفئات التى تمثل طلبًا فعالًا وحقيقيًا.
- تراجع معدلات البناء على الأراضي الزراعية بسبب وجود فرصة أمام المزراعين للحصول على وحدة سكنية بسهولة.
وبناء على تجارب البنك المركزي السابقة، نجد أن مبادرات البنك المركزي للتمويل العقاري حققت نجاحات ملموسة في هذا السياق؛ إذ استطاعت مضاعفة عدد طالبي التمويل العقارى بحوالي 10 أضعاف خلال فترة لا تزيد عن 5 سنوات، فقد ارتفع عدد المستفيدين من التمويل العقارى منذ بدأت المبادرة عام 2014 وحتى عام 2019 إلى 350 ألف أسرة مقارنة مع 35 ألف مواطن مستفيد فقط منذ عام 2004 وحتى عام 2014.
نظرة على القطاع العقاري المصري
يعد سوق العقارات من القطاعات المهمة للاقتصاد المصري، حيث يمثل حوالي 10.32% من الناتج المحلي الإجمالي بتكلفة عوامل الإنتاج وفقًا للأنشطة الاقتصادية، في العام المالي 2019/2020، وهو ما يُمكن إيضاحه على النحو التالي:
الشكل (3): الناتج المحلي الإجمالي بتكلفة عوامل الإنتاج لقطاع الأنشطة العقارية بالأسعار الجارية
يتبين من الرسم السابق ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لقطاع الانشطة العقارية بشكل ملحوظ بنحو 120.8% من العام المالي 2015/2016 عند 2799.19 مليار جنيه وحتى 6182.78 مليار جنيه بحلول العام المالي 2019/2020. أما عن مساهمة القطاع في إجمالي الاستثمارات، فيمكن توضيحها من الشكل التالي:
الشكل (4): مساهمة القطاع في إجمالي الاستثمارات
ويتضح من الشكل السابق ارتفاع مساهمة القطاع في إجمالي الاستثمارات بحوالي 3.4% من الربع الثالث للعام المالي 2018-2019 إلى الربع الثالث (يناير – فبراير – مارس 2019) من العام المالي 2019-2020.
جهود البنك المركزي السابقة لدعم القطاع العقاري
تعد تلك المبادرة الأولي من نوعها؛ إذ إنها تقدم فائدة منخفضة للغاية مقارنة بباقي المبادرات السابقة التي تراوحت أسعار الفائدة بها من 5% وحتى 10% تقريبًا، ولذا فهي تعتبر موجهة لفئة محدودي الدخل بالأساس. وخلال 2020، قدم البنك المركزي 33 مبادرة من “المركزي” لدعم الاقتصاد والمواطنين والمستثمرين، من بينها عدة مبادرات تستهدف القطاع العقاري بشكل أساسي، من بينها ما يلي:
- في يناير 2020، أصدر البنك المركزي ثلاث مبادرات بإجمالي 200 مليار جنيه، تهدف إلى توفير تمويل للقطاع الخاص بعائد منخفض شملت معظم القطاعات الاقتصادية الرئيسية، (الصناعة، التمويل العقاري، السياحة)، بسعر عائد سنوي 10% (متناقص) قبل أن يخفضها لـ 8% متناقصة.
- مبادرة التمويل العقاري لفئة العملاء من متوسطي الدخل، وأن يتم توفير التمويل العقاري اللازم للعملاء الذين تنطبق عليهم شروط المبادرة من خلال البنوك أو شركات التمويل العقاري (لمدة حدها الأقصى 20 سنة) بهدف توفير سكن مناسب لهذه الفئة من المواطنين، وتنشيط القطاع العقاري في نفس الوقت.
باحثة ببرنامج السياسات العامة