سياسة

هل تقف مصر على أعتاب “فرصة ديموغرافية”؟

في بيان صحفي أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء مطلع أكتوبر 2020، تم الإعلان عن بلوغ عدد سكان جمهورية مصر العربية بالداخل (101) مليون نسمة، مقابل 100 مليون نسمة في 11 فبراير 2020. ولقد تحققت زيادة المليون الأخيرة خلال 235 يوما فقط (سبعة أشهر و25 يوما)، مقابل 205 يوما استغرقها المليون السابقة عليها، الملاحظ إذا هو تزايد الفترة الزمنية اللازمة لتحقيق زيادة سكانية قدرها مليون نسمة، بما يشير إلى اتجاه معدل الزيادة السكانية للتراجع، وإلى أن مصر تقف على أعتاب فرصة ديموغرافية، يمكن تعزيزها إذا ما طبقنا سياسات داعمة لهذا الاتجاه.

ماذا نعني بالفرصة الديموغرافية

تحدث الفرصة الديموغرافية عندما تبدأ معدلات الإنجاب المرتفعة في الانخفاض، مما يجعل نسبة السكان في الشريحة العمرية من (15 الى 64) تزداد، ويؤدي ذلك إلى انخفاض معدلات الإعالة الديموغرافية؛ حيث يزداد نصيب الفرد من الناتج المحلي وهو ما يساعد على تحقيق مستوى معيشي أفضل للسكان.  

وتبين المؤشرات أن هناك فرصة ديموجرافية تلوح في الأفق في مصر، مع بدء معدلات زيادة السكان في الانخفاض، وقد تعود أسباب إنخفاض معدلات الزيادة السكانية في مصر في السنوات الأخيرة الى:

  • زيادة  تمكين المرأة ، حيث بلغت نسبة تمثيل النساء الوزيرات في مجلس الوزراء من 6% في عام 2015 إلى 20% في عام 2017 ثم إلى 25% في عام 2018. وفي عام 2019 وصلت نسبة المرأة في منصب نائب محافظ إلى 31%. أيضًا حصلت المرأة على زيادة نسبة التمثيل في البرلمان المصري من 2% في عام 2013 الى 25%  عام 2019.  
  • اما في مجال التمكين الاقتصادي فقد تم تنفيذ عدة مشاريع منها   مشروع قرية واحدة منتج واحد، كذلك مشروع الإقراض والإدخار “قدم الخير”من خلال نموذج “مجموعات الإدخار والإقراض”. استفادت منه (18000) سيدة من المجتمعات الفقيرة، وبلغ عدد المشروعات المنفذة 4000 مشروع بقيمة ادخارية 8 مليون جنيه . إضافة الى منح قروضاً ميسرة بدون فوائد لإقامة مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر.  وقد بلغ عدد المشروعات التي تم تنفيذها منذ بدء المشروع 11976 مشروعا. ويعني ذلك زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وهو ما يؤدي عادة إلى الحد من الإنجاب.تكثيف حملات تنظيم الأسرة وفي مقدمتها برنامج “2 كفاية”، كما تم تنفيذ ٣مليون زيارة طرق ابواب منذ بداية المشروع وتم تحويل ٥١١ الف سيدة بحاجة الى خدمات تنظيم الأسرة الى العيادات  منهن   63,571  ترددن علي العيادات الاهلية التي طورها البرنامج، إضافة الى تجهيز 31 عيادة جديدة من عيادات تنظيم الاسرة في القرى التي ينفذ بها المشروع لتصل عيادات 2 كفاية الي ٦٥عيادة.
  • ارتفاع معدلات الطلاق وانخفاض نسب الزواج

ارتفع معدل الزواج عام 2013 حتى بلغ 10.7 زيجة جديدة لكل ألف من السكان، ثم حدث إنخفاض تدريجي حتى وصل الى 9.6 لكل ألف من السكان عام 2017، واستمر الإنخفاض حتى وصل الى 9.1 لكل ألف من السكان عام 2018.

في نفس الوقت أخذ معدل الطلاق اتجاها هابطا، فقد بلغ معدل الطلاق 1.9 حالة طلاق جديدة لكل ألف من السكان في عام 2013، وواصل الارتفاع ببطء، حتى وصل إلى 2.2 لكل ألف في 2018.

حجم السكان ومعدل النمو

يأتي الاهتمام بالمشكلة السُكانية على كافة المستويات نتيجة الربط بين مشاكل التنمية وتأثير الزيادة السكانية المضطردة عليها والتي تؤدي في النهاية الى زيادة معدلات الإعالة والتكاليف الاقتصادية على الأسرة المصرية.

 وتوالت الزيادات السريعة لعدد السكان خلال القرن العشرين وبدايات القرن الحالي فقد بلغ عدد السكان عام 1897 حوالي 9.7، ليصل عدد السكان الى 11.39 مليون نسمة بمعدل نمو 1.43% عام 1907، والى 12.7 في عام 1917 بمعدل نمو قدره 1.31%، ووصلت الى 14.2 مليون نسمة في عام 1927 بمعدل نمو 1.10%. وفي عام 1937 وصل عدد سكان مصر الى 15.9 مليون نسمة بمعدل نمو قدره 1.15. وفي عام 1947 قفز عدد السكان الى 18.9 مليون بمعدل نمو 1.75%، وفي عام 1960 وصل عدد السكان 26.1 بمعدل نمو قدره 2.30%. وقفز عدد السكان الى 36.6 مليون نسمة عام 1976 بمعدل نموه قدره 2.12%. وفي عام 1986 وصل عدد السكان الى 48.3% مليون نسمة بمعدل نمو 2.86%. وفي عام 1996 وصل عدد السكان الى 59.3 مليون نسمة، بمعدل نمو قدره 2.06%. بينما بلغ عدد السكان 72.8 مليون عام 2006 بمعدل نمو سنوي قدره 2.05% ووصل عدد السكان الى 89.6 بمعدل نمو قدره 2.30 % عام 2015، بينما وصل عدد السكان الى 94.8 مليون نسمة عام 2017 بمعدل نمو قدره 2.5%. ليصل عدد السكان عام 2020 الى 101 مليون نسمة بمعدل نمو قدره 1.7%.

جوهر الأزمة

أدت الزيادة السريعة للسكان الى وجود قاعدة عريضة من السكان دون سن العمل، وذلك يمثل عبئًا على المجتمع، حيث أنها فئة مستهلكة تحتاج دائمًا الى الخدمات حتى تُصبح منتجة. ووفقًا لتصريح د. مصطفى مدبولي رئيس الوزراء في الندوة التثقيفية الـ 32 للقوات المسلحة “أن الدولة تنفق على كل فرد 13100 جنيه سنويا حتى يصل إلى 20 عاما، بداية من مولده وتشمل الخدمات التعليمية والرعاية الصحية وتحسين جودة الحياة، والرعاية الشبابية، حيث أن الدولة استثمرت 585 مليار جنيه على كل الخدمات لفئة عمرية بداية من المولد حتى عام 2020″. وهي تكلفة كان من الممكن الاستفادة بها في دفع عجلة التنمية مع المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة.

وبإضافة فئة كبار السن، وهي فئة غير منتجة في الغالب وتحتاج الى مزيد من الخدمات ذات الطبيعة الخاصة، وذلك يؤثر على معدلات الإعالة الكلية، ويتضح من الرسم البياني ان نسبة كبار السن مرتفعة خاصة في آخر ثلاث فئات.

وتتلخص أبرز أسباب الزيادة السُكانية في:

الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، التعداد العام للسكان أعوام 1996،2006

الهجرة الداخلية: وفقًا لمؤشرات صافي الهجرة في مصر ما بين تعداد 1996 وتعداد 2006 نجد أن هناك نمطا

للحراك الجغرافي للسكان يأتي في غالبيته من مناطق طاردة في اغلب محافظات الوجه القبلي وتعتبر محافظات (سوهاج وأسيوط وبني سويف والمنيا) من أكثر محافظات الوجه القبلي الطاردة للسكان.  بالإضافة الى بعض محافظات الدلتا مثل (دمياط والغربية والدقهلية والمنوفية والبحيرة وكفر الشيخ) الى جانب محافظة السويس. وتتجه تلك الهجرة الى المحافظات الجاذبة وهي (القاهرة والإسكندرية والجيزة ومطروح وشمال وجنوب سيناء وبورسعيد والبحر الأحمر والاسماعلية والقليوبية والشرقية والوادي الجديد والأقصر). وقد يكون تركز النمو الاقتصادي في أقاليم أو محافظات محددة وتوافر فرص العمل وارتفاع مستوى الخدمات بها هو العامل الحاكم والمؤثر في جعل تلك المناطق جاذبة للسكان، مما قد يؤدي الى ارتفاع الكثافة السكانية بشكل غير مسبوق.

  • الحالة التعليمية: هناك تفاوت واضح بين محافظات الجمهورية في نسبة الأمية، حيث تتراوح ما بين 12% في محافظة البحر الأحمر الى أكثر من 37% في محافظة المنيا، ونسبة الأمية بوجه عام في محافظات الوجه القبلي ترتفع عن المتوسط العام للجمهورية، وعليه؛ فبالربط بين معدل المواليد ونسبة الأمية بالمحافظات المختلفة نجد ان هناك علاقة طردية بين معدل المواليد ونسبة الأمية.
  • الفقر: تتركز مشكلة الفقر المطلق والمدقع في محافظات الوجه القبلي، وتحتل محافظة أسيوط المرتبة الأولى من حيث ارتفاع نسبة الفقر المطلق (حوالي 66%) من سُكانها يقعون تحت خط الفقر المطلق. تليها محافظة سوهاج (65.8%)، بينما تأتي أقل نسبة للفقراء في محافظتي الإسكندرية وبورسعيد (11.6%) و (6.7%). وبالتالي يرتفع معدل الفقر في المحافظات ذات نسبة المواليد المرتفعة عكس تلك المحافظات التي سجلت نسبة مواليد متوسطة ومنخفضة. وهو ما يعكس ارتباط مؤشر الفقر بالزيادة السكانية ارتباطًا طرديًا.

ما الحل؟

تبرز أهمية التوسع في برامج تنظيم الأسرة خاصة في القرى والنجوع، ويتم إتاحة وسائل منع الحمل المتنوعة (خدمات الصحة الإنجابية) بشكل أكبر واوسع في كافة مكاتب الصحة وعيادات تنظيم الأسرة على مستوى الجمهورية.

الاهتمام ببرامج محو الأمية وتعليم الإناث خاصة في القرى والأرياف، حيث ان تدنِّي مستويات تعليم الإناث أحد أسباب الحمل غير المرغوب فيه، وغير المخطط له.

محاولة تغيير العادات والموروثات الثقافية ولتكن البداية حملات توعوية في مرحلة التعليم الجامعي وقبل الجامعي ومؤسسات رعاية الشباب، برعاة الهيئة الوطنية للإعلام ومؤسسات الدولة المعنية ومنظمات المجتمع المدني

المصادر

  • الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، اليوم العالمي لمحو الأمية، 2019.
  • وزارة التضامن الاجتماعي، برنامج (2 كفاية).
  • الهيئة الوطنية للاستعلامات، استئناف حملات طرق الابواب لمشروع 2 كفاية، 10 يوليو 2020.
  • الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، التقرير التحليلي للنشرة السنوية لإحصاءات الزواج والطلاق،2017.
  • الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان صحفي، 3 أكتوبر 2020.
  • الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، اليوم العالمي للأسرة، 2019.
  • الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان صحفي “المواليد والوفيات”، 2019.
  • الهيئة العامة للاستعلامات، مصر وقضية المياه.
  • مركز بصيرة، المركز القومي للسكان، صندوق السكان التابع للأمم المتحدة تحليل الوضع السكاني في مصر، 2016.
  • المسح السكاني الصحي- مصر 2014.
  • معهد التخطيط القومي، تقرير حالة السكان في مصر وتبايناتها المكانية 2017.
  • الجامعة اللبنانية الأمريكية، القضية السكانية في مصر، 2019.
+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

د.هالة فودة

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى