
حصاد كارثي.. الموازنة العامة التركية 2021
اعتمد البرلمان التركي ميزانية العام 2021 يوم السبت الموافق 19 ديسمبر 2020، بعد نقاشات حادة بين الحكومة والمُعارضة استمرت لنحو أسبوعين، وذلك نتيجة لما تضمنته الوثيقة من حصاد كارثي لمجمل السياسات الخارجية والاقتصادية للرئيس أردوغان وحكومته، وعلى وجه الخصوص ما أبداه من عناد بشأن أسعار الفائدة وطريقة تفاعلها مع معدلات النمو والتضخم، ما أسفر في النهاية عن ضغوط هائلة تزامنت مع جائحة كورونا لتٌسفر في النهاية عن هروب ما يزيد عن 85 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المُباشرة وغير المُباشرة، وذلك على نحو ما تعرضنا له بالتفصيل في مقال سابق، أفرزت مُجمل هذه الضغوط في النهاية عن زيادة في مصروفات العام الجديد، مما أدى إلى أن بلغ عجز موازنته عتبة تاريخية غير مسبوقة.
ذهبت الحكومة إلى تقدير إيرادات الموازنة خلال العام الجديد بنحو 1.1 ترليون ليرة، بزيادة نحو 50 مليار ليرة عن العام 2020، كما توقعت نفقات إجمالية بنحو 1.34 تريليون ليرة، بزيادة قدرها نحو 200 مليار ليرة في 2020، مما رفع العجز وفقًا لهذه التوقعات إلى 245 مليار ليرة بما يوازي 31 مليار دولار، وذلك مُقارنة بنحو 139 مليار ليرة كانت قد توقعتها للعام الجاري. وبهذا يكون مقدار العجز المتوقع للعام القادم نحو 170% من العجز المتوقع للعام الجاري الذي توقع له أن يبلغ 139 مليار ليرة، وقد بلغ حتى نوفمبر 129 مليارًا. يوضح الشكل التالي إيرادات ونفقات الموازنة العامة التُركية المُتوقعة خلال العام القادم مُقارنة مع السنوات بداية من 2010:
شكل 1 – يوضح الصورة العامة للموازنة العامة التُركية

ويتضح من الشكل مدى فداحة نتائج العام الجاري على الاقتصاد التُركي حيث نمت الإيرادات بنحو 5% فقط عن توقعات العام الماضي، فيما ارتفعت الإيرادات بنحو 18%، وهو ما أسفر عن ارتفاع العجز إلى 73%، ليُسجل -بالإضافة إلى أعلى عجز في تاريخ الموازنة العامة- أعلى مُعدل زيادة مُنذ أزمة عام 2000.
ورغم فداحة الكارثة وارتفاع العجز المُتوقع إلا أن هذه التوقعات من غير المُرجح أن تتحقق، وذلك لاعتماد إيرادات الموازنة العامة التُركية أساسًا على الضرائب التي يتوقع لها أن تنخفض بشدة خلال العام القادم نظرًا لما حققته الأعمال من خسائر خلال العام الحالي، وهو ما ترتب عليه انخفاض مُعدلات النمو خلال كامل العام وخصوصًا خلال الرُبع الثاني حينما انكمش الاقتصاد التُركي بنحو 10%.
ورغم أن مُعدلات النمو عادت للارتفاع خلال الرُبع الثالث بنسبة 6% تقريبًا إلا أن حصيلة نمو الأرباع الثلاثة مازالت تقف عند مُستوى 1.3%، مما يعني أن الحصيلة الضريبية إن لم تقل فسترتفع بنسب ضئيلة أو هامشية للغاية، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى انخفاض الحصيلة الضريبية أو استمرارها على ذات الوضع الحالي، وكانت هذه الحصيلة قد بلغت خلال الأشهر 11 الأولى من العام نحو 754 مليار دولار من إجمالي 912 مليار دولار هي كامل الإيرادات، ويوضح الشكل التالي نسب الضرائب من الإيرادات العامة:
شكل 2 – يوضح مُساهمة الحصيلة الضريبية في الإيرادات العامة التُركية

يتضح من الشكل أن الضرائب تُشكل المصدر الرئيس للإيرادات بحيث لم تقل نسبتها في أي من أعوام الفترة الموضحة عن 79%، فيما بلغت في مُتوسط أعوام الفترة نحو 85% من إجمالي الإيرادات، بالتالي فإنه يتوقع للإيرادات العامة أن تنخفض إذا ما تأثرت الحصيلة الضريبية بأي شكل. من جانب آخر تجب الإشارة إلى أن الحصيلة الضريبية تتناسب طرديًا مع مُعدلات النمو كما يوضح الشكل التالي:
شكل 3 – يوضح الارتباط الخطي بين مُعدلات النمو والحصيلة الضريبية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي

يُظهر الشكل وجود ارتباط خطي بين المؤشرين بما يُتوقع معه أن تنعكس مُعدلات النمو المُتدنية على الحصيلة الضريبية وهو ما سينعكس في النهاية على حجم الإيرادات المُتوقعة بنسب مُعتبرة تؤدي في النهاية إلى رفع مُستويات العجز.
من جانب آخر يتوقع كذلك زيادة الإنفاق في ظل ارتفاع مُستويات الدين العام، وذلك بسبب اضطرار الحكومة إلي زيادة قروضها خلال العام الجاري إلي أقصى مُستوى على الإطلاق، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى تحميل الخزانة العامة بمبالغ أعلى كأصل لهذه القروض، وثانيًا أعباء خدمتها في شكل فوائد ورسوم إدارية، وهو ما سيُسفر كذلك عن زيادة الإنفاق عما هو مُتوقع، يوضح الشكل التالي تطور مستويات اقتراض الحكومة التُركية بداية من 2010:
شكل 4 – يوضح مُعدلات الاقتراض التُركي ونسبة القروض المحلية منها.

يتضح من الشكل أن الحكومة التُركية مالت خلال العامين الأخيرين إلى زيادة مُعدلات اقتراضها، بحيث اقترضت خلال العاميين السابقين نحو 396 مليار ليرة وهو ما يزيد عن مُستوى جميع السنوات التسع السابقة بأكملها والذي بلغ 314 مليار ليرة. من ناحية أخرى يتضح أن مُعدل الاقتراض خلال العام 2020 حتى شهر نوفمبر تجاوز مرة ونصف مستوى العام 2019. وتجب الإشارة إلى أن اقتراض العام الحالي جاء مُعظمه وبنسبة 98% من إجماليه داخليًا بسبب عدم قُدرة الحكومة على الاقتراض من الخارج في ظل سوء موقفها وتردي سعر صرف الليرة، وانخفاض تصنيفها الائتماني إلى المستوى B2 في الوضع غير الاستثماري مع نظرة مُستقبلية سالبة، وهو ما انعكس بالتبعية على الشركات المحلية فيما يُسمى بأثر التزاحم.
لابد كذلك في النهاية من الإشارة إلى أن الضغوط التي تُشكلها مُستويات التضخم المُرتفعة والتي بلغت 14% خلال نوفمبر وسعر الصرف المُنخفض والذي وصل إلى 7.64 ليرة للدولار الواحد مُقارنة بمستوى 5.94 ليرة للدولار في ذات الوقت من العام السابق ستؤدي كذلك إلى مزيد من الإنفاق بسبب انخفاض القوة الشرائية لليرة، وهو ما سيؤدي في المُطلق إلى ارتفاع العجز بسبب الانخفاض المتوقع في الإيرادات والارتفاع في النفقات.



