أوروبامصر

أوجه الشراكة الاقتصادية بين مصر وأوروبا

أصدر البرلمان الأوروبي، أمس الجمعة، بيانًا ينتقد “أوضاع حقوق الإنسان” في مصر، ليقوم مجلس النواب المصري بالرد في الحال على هذا القرار عن طريق التأكيد على أنه يتضمن العديد من المغالطات المغايرة للواقع. وأعرب مجلس النواب عن استنكاره للبيان معتبرًا أن قرار البرلمان الأوروبي غير مقبول ولا يلائم الشراكة الاستراتيجية ‏المصرية-الأوروبية.

وجاء الرد المصري من منطلق تاريخ العلاقات المصرية – الأوروبية الممتدة عبر التاريخ والتي تشمل جميع النواحي السياسية والاقتصادية، إذ تعد مصر شريك أساسي للاتحاد الأوروبي سواء من ناحية المبادلات التجارية أو المساعدات والقروض التي يقدّمها إلى مصر، كما تُعد مصر واحدة من أهم الدول التي تلعب دورًا مهمًا بالمنطقة. وكان سفير وفد الاتحاد الأوروبي لدى مصر “إيفان سوركوش” قد أكد في تصريحات أن الاستقرار والأمن المستدام لمصر في غاية الأهمية ليس لجميع المصريين وحدهم، بل للمنطقة بأكملها وللاتحاد الأوروبي.

 وانطلاقًا مما سبق، يتناول هذا المقال مجالات التعاون بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي، مع استعراض تطور معدلات التجارة المصرية الأوروبية.

أوجه التعاون المختلفة بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي

دائمًا ما يؤكد المسؤولون من الجانب الأوروبي على حرص الاتحاد على تعزيز التعاون مع مصر باعتبارها أحد أهم شركاء الاتحاد في منطقتي الشرق الأوسط والمتوسط. وانطلاقًا من هذا يعقد المسؤولون من الجانبين اجتماعات ولقاءات بصورة دورية من أجل إجراء مناقشات حول الموضوعات محل الاهتمام المشترك، فضلًا عن تبادل الزيارات رفيعة المستوى بشكل دائم ومستمر.

فعلى سبيل المثال، عقد الجانبان المصري والأوروبي اجتماعًا في أكتوبر الماضي بحضور ورزاء الخارجية “سامح شكري”، والتخطيط والتنمية الاقتصادية “هالة السعيد”، والتعاون الدولي “رانيا المشاط”، مع مفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار ومفاوضات التوسع “أوليفر فاريلي”، بهدف تحديد أولويات التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي للفترة 2021-2027.

وشدد الجانب المصري على أهمية بدء المرحلة الجديدة من التعاون بين الجانبين لتلك الفترة، مؤكدًا استعداد ورغبة مصر في تعزيز التعاون في المجالات ذات الاهتمام المُشترك كالزراعة والري، وتحسين مناخ الاستثمار، والنمو الاقتصادي الشامل والقضاء على الفقر، والطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر، ودعم الاقتصاد الرقمي وقطاع الاتصالات، ودعم القطاع الصحي. وفيما يلي أبرز مجالات التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي:

  1. المساعدات الإنمائية:

كشف الاتحاد الأوروبي خلال عامي 2015 و2016 النقاب عن مساعيه إلى دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في مصر؛ لتحسين الآفاق المستقبلية للمصريين، والمساهمة في تحقيق الاستقرار والرخاء طويل الأمد في البلاد، والمنطقة برمتها. وقدم الاتحاد الأوروبي لمصر خلال تلك الفترة ما يتعدى 1.3 مليار يورو، في شكل مِنح بنسبة نحو 45% موجهة للاقتصاد والتنمية الاجتماعية، والتي تشتمل على توفير فرص عمل، و45% مُكرسة للطاقة المتجددة والمياه والصرف الصحي وإدارة المخلفات والبيئة، و10% لأجل التحسين من مستوى الحوكمة، وحقوق الانسان، والعدالة والإدارة العامة.

كما يُعد  البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية من أبرز الوكالات التنموية التي تسعى إلى لتقديم المساعدات لمصر؛ حيث أكدت “رانيا المشاط”، وزيرة التعاون الدولى، أن البنك قد ساهم بشكل قوى فى دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى مصر وتعزيز قدرتها على مكافحة آثار فيروس كورونا على أعمالها، من خلال دعم البنوك المحلية، حيث وفر البنك 200 مليون دولار للبنك الأهلى ومثلها لبنك مصر و100 مليون دولار لبنك الكويت الوطنى و100 مليون دولار للبنك التجارى الدولى، فى إطار دعم القطاع الخاص وتوفير السيولة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يعكس الشراكة القوية التى تربط البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية بجمهورية مصر العربية.

أما عن الوكالة الفرنسية للتنمية، فقد وقعت “المشاط”، ومدير الوكالة الفرنسية للتنمية الدولية في التاسع من ديسمبر تمويلات تنموية بقيمة 715.6 مليون يورو، في العديد من القطاعات التنموية، ضمن فعاليات الزيارة التي قام بها الرئيس “عبد الفتاح السيسي”، لجمهورية فرنسا لبحث التعاون الثنائي في كافة المجالات.

  1. استضافة مصر للقمة الأوروبية – العربية الأولى:

استضافت مصر أول قمة بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية وتلك الأعضاء بالاتحاد الأوروبي يوميّ 24 و25 فبراير 2019 بشرم الشيخ، بحضور رؤساء دول وحكومات نحو 50 دولة من الجانبين، بهدف بحث سُبل تعزيز التعاون لمواجهة التحديات المشتركة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية. 

وشهدت القمة نقاشات عميقة حول مختلف الموضوعات التي تستهدف تعزيز التعاون بين أوروبا والعالم العربي، حيث اتفق القادة المشاركون على أن تعزيز التعاون الإقليمي هو السبيل إلى إيجاد حلول مشتركة لمواجهة التحديات المشتركة. 

  1. التعاون في مجال الطاقة:

وقعت مصر والاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة في أبريل 2018، وذلك في ظل دعم الاتحاد الأوروبي لرؤية مصر في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة؛ حيث يمكن استخدام منشآت الغاز الطبيعي المُسال المصرية في إدكو ودمياط لتصدير الغاز وتسهيل التعاون الإقليمي مع دول أخرى في شرق البحر المتوسط.

وفي نهاية نوفمبر الماضي، بحث وزير البترول والثروة المعدنية “طارق الملا” مع سفير الاتحاد الأوروبي بالقاهرة “كريستيان برجر” مبادرات الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة وفرص تعزيزها خلال الفترة المقبلة.

  1. التفاهم حول ملف مكافحة الهجرة غير الشرعية:

حرصت مصر منذ تولي الرئيس “عبد الفتاح السيسي” منصبه على التعامل مع موضوعات الهجرة من منظور شامل يتضمن معالجة الأسباب الجذرية التي تدفع المواطنين إلى الهجرة، دون التركيز فقط على الحلول الأمنية قصيرة الأجل؛ إذ نجحت الدولة المصرية في وقف تدفقات الهجرة إلى أوروبا وإحكام عمليات ضبط الحدود، ووضع إطار تشريعي وطني لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين، ما أسفر عن عدم خروج مراكب هجرة غير شرعية من الشواطئ المصرية خلال السنوات الماضية.

التبادل التجاري بين مصر والقارة العجوز

شهدت العلاقات المصرية الأوروبية خلال السنوات الماضية، تطورًا على المستويات الاقتصادية والاستراتيجية والتي تستند على تاريخ طويل من العلاقات، حيث تقوم مصر بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي حول العديد من الموضوعات الإقليمية والدولية من ضمنها قضايا الهجرة واللاجئين ومكافحة الإرهاب والأوضاع في سوريا والعراق وليبيا واليمن، وذلك في إطار سعي مصر لتوحيد الجهود الدولية فيما يتعلق بتلك الموضوعات الهامة.

وينظر إلى الاتحاد الأوروبي على إنه واحد من أهم شركاء التنمية لمصر حيث يصل حجم مشروعات التعاون التنموية المخصصة لمصر من الاتحاد الأوروبي إلى 1.1 مليار يورو سنويًا، كما أنه الشريك التجاري الأكبر لمصر؛ إذ يشكل حجم تجارة مصر مع الدول الأوروبية نحو 30% من إجمالي حجم تجارتها السلعية مع العالم.

ودخلت اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر حيز التنفيذ منذ عام 2004، والتي أنشأت منطقة تجارة حرة بين الجانبين من خلال إلغاء التعريفات الجمركية على المنتجات الصناعية وتسهيل تجارة المنتجات الزراعية. وقد ساعدت اتفاقية الشراكة على تحسين ظروف التجارة بين الاتحاد الأوروبي ومصر؛ إذ تضاعفت التجارة بينهما بأكثر من الضعف من 11.8 مليار يورو في عام 2004 إلى 27.9 مليار يورو في عام 2017، وفيما يلي عرض لأبرز بنود التجارة بين مصر والدول الأوروبية:

  • تمثلت الواردات الرئيسية للاتحاد الأوروبي من مصر خلال عام 2017 في الوقود ومنتجات التعدين (3.2 مليار يورو) والمواد الكيميائية (1.3 مليار يورو) والمنسوجات والملابس (8.6 مليار يورو).
  • تتضمن قائمة الصادرات الرئيسية للاتحاد الأوروبي إلى مصر؛ الآلات ومعدات النقل (6.9 مليار يورو) والمواد الكيميائية (3.1 مليار يورو) والوقود ومنتجات التعدين (2.6 مليار يورو) والمنتجات الزراعية (1.3 مليار يورو).
  • تعد كلٌ من ايطاليا وألمانيا واسبانيا من أهم الأسواق التصديرية لمصر داخل الاتحاد الأوروبي بنسبة 50% من إجمالي الصادرات المصرية للاتحاد، يليها كل من فرنسا واليونان وبلغاريا وهولندا وبلجيكا.
  • وبشكل عام تتمثل السلع الصادرة والواردة من وإلى الاتحاد الأوروبى ومصر في الأثاث والمنتجات الطبية والجلود والمنتجات الجلدية والحاصلات الزراعية والسلع الهندسية والإلكترونية والصناعات الغذائية والغزل والمنسوجات والكتب والمفروشات والملابس الجاهزة والمنتجات الكيماوية والأسمدة ومواد البناء والمنتجات اليدوية.

الشكل (1): التجارة السلعية بين مصر والاتحاد الأوروبي (مليار يورو)

Source: European Commission, EU-Egypt: Trade in goods.

يتبين من الشكل السابق أن حجم الصادرات السلعية الأوروبية إلى مصر شهد ارتفاعًا بنحو 3.8% خلال الثلاث سنوات الماضية من 18.4 مليار يورو إلى 19.1 مليار يورو، كما زادت قيمة الورادات الأوروبية من مصر بحوالي 12.1% من 7.4 مليار يورو إلى 8.3 مليار يورو. ومع ارتفاع الصادرات بنسبة أقل من الواردات، انخفص حجم الفائض التجاري الذي يصب لصالح الاتحاد الأوروبي من 11 مليار يورو إلى 10.8 مليار يورو.

تطور الاستثمارات الأوروبية المباشرة في مصر

تسعى مصر لتعزيز التعاون الاستثماري المشترك بين مصر والاتحاد الأوروبي عبر فتح أسواق جديدة للتصدير وجذب مزيد من الاستثمارات الأوروبية إلى مصر، خاصة أن مصر تمتلك فرصًا استثمارية واعدة خاصة بعد نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نفذته مصر خلال السنوات الأخيرة. وتقدر حجم الاستثمارات الأوروبية في مصر 15.1 مليار دولار. ويُمكن الاستعانة بالشكل التالي لعرض تطور استثمارات الدول الأوروبية في مصر.

الشكل (2): الاستثمارات الأوروبية في مصر خلال 5 سنوات

Source: The Central Bank of Egypt, Foreign Direct Investment (FDI) in Egypt by county.

يتسم الاتجاه العام للاستثمارات الأوروبية في مصر بإنه موجب، حيث سجلت ارتفاعًا متتاليًا خلال الخمس سنوات الماضية عدا العام المالي 2017/2018 الذي شهد انخفاضًا طفيفًا. وبشكل عام، صعدت الاستثمارات الأوروبية بنحو 52.5% خلال الفترة محل الدراسة من 6.52 مليار دولار في 2014/2015 وحتى 9.95 مليار دولار بحلول 2018/2019.

وعن العام المالي 2019-2020، أعلن البنك المركزي، زيادة استثمارات دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 74% خلال الربع الأول من العام المالي الحالي 2019 – 2020 (نهاية يونيو – نهاية سبتمبر 2019) مقارنة بالفترة المماثلة من العام المالي السابق، لتصل إلى 2.4 مليار دولار مقارنة مع 1.38 مليار دولار في الشهور الثلاثة الأولى من العام المالي 2018 -2019. وتصدّرت استثمارات الاتحاد الأوروبي بذلك قائمة الجهات المستثمرة في مصر خلال الربع الأول من العام المالي الحالي بنسبة بلغت 57% من إجمالي 4.2 مليار دولار تدفقات استثمارات الأجانب المباشرة إلى مصر خلال الفترة.وفي الختام، يُمكننا التأكيد أن العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ومصر ممتدة وشاملة لجميع الأصعدة المختلفة مع وجود توقعات باحتمالية تعزيزها بشكل أعمق خلال الفترة المقبلة.

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

بسنت جمال

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى