ليبيا

قبائل وأعيان ليبيا في القاهرة.. “مصر وليبيا مصير واحد”

تكتسب الزيارة التاريخية، التي قام بها اليوم ممثلو قبائل وأعيان ليبيا إلى القاهرة، أهمية خاصة بالنظر إلى التطورات الأخيرة المتعلقة بالاحتلال التركي للمنطقة الغربية في ليبيا، وتهديد الميليشيات والمرتزقة المدعومين من الجيش التركي باجتياح قريب لمدينة سرت وقاعدة الجفرة الجوية.

زيارة الوفد الذي يمثل كافة القبائل الليبية، سواء في المنطقة الشرقية أو الجنوبية أو الغربية تأتي في سياق مواقف قبلية أساسية من التدخل التركي في ليبيا، بدأت ملامح هذه المواقف في التبلور بصورة أوضح في فبراير الماضي، حين اجتمع أكثر من سبعة آلاف شيخ من مشايخ القبائل الليبية في مدينة ترهونة تحت شعار (حي على الجهاد)، واعلنوا حينها النفير العام ضد الغزو التركي، وقد تم التأكيد على هذا أواخر مايو الماضي، حين صرح رئيس ديوان المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا محمد المصباحي، إنه لا يستبعد مهاجمة الميليشيات ومجموعات المرتزقة المدعومة تركيًا، منطقة الهلال النفطي لمحاولة السيطرة عليها، وجدد حينها دعوته الدول العربية الرئيسية ومنها مصر والإمارات والأردن والسعودية، لتفعيل اتفاقيات الدفاع العربي المشترك.

فيما يتعلق بالزيارة الحالية، يأتي على رأس أجندة الوفد الزائر حسب ما صرح به المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي فتحي المريمي تفويض الرئيس المصري والقوات المسلحة المصرية للتدخل لحماية السيادة الليبية، واتخاذ كافة الإجراءات لتأمين مصالح الأمن القومي لليبيا ومصر، ومواجهة التحديات المشتركة، وذلك تماشيًا مع البيان الصادر من البرلمان منذ أيام، والذي طالب القاهرة بالتدخل العسكري في حالة حدوث أية هجمات من جانب الميليشيات والمرتزقة على خط سرت – الجفرة.

تأتي هذا المواقف في سياق تقدير من جانب القبائل ومجلس النواب لدور مصر، وفي نفس الوقت تقدير من جانب القبائل الليبية لمجلس النواب، الذي تعتبره الجسم التشريعي الوحيد الذي يخول له القانون طلب أي تدخل عند تعرض البلاد للخطر.

عبدالكريم العرفي المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا قال في تصريحات صحفية إن زيارة الوفد الليبي إلى مصر تأتي في إطار تأكيد العلاقة التاريخية المتينة بين القبائل الليبية والقبائل المصرية، مضيفًا “أن الوفد يدرك أن علاقة الشعبين المصري والليبي ببعضهما غير مبنية على أي طلب، وإنما على انتماء ومصير متلاحم يتأثر بكامله عندما يتعرض أي منهما للخطر، مؤكدًا أن المجلس دعا القبائل للتطوع لمقاومة الغزو، وبالفعل فتحت القبائل سجلات التطوع وهناك الكثير من المتطوعين الذين انخرطوا في الاستعداد للمعركة”.

العرفي أشار في تصريحاته إلى نقطة مهمة، تتعلق بما يردده البعض حول عدم تمثيل قبائل المنطقة الغربية في هذا الوفد وفي تجميع مشايخ وأعيان ليبيا، فقال “القبائل الليبية في المنطقة الغربية مع الجيش الوطني وضد المليشيات الإخوانية والمرتزقة، وهناك العديد من مشايخ القبائل الغربية هم أعضاء في المجلس”. المبروك أبو عميد رئيس المجلس الأعلى لقبائل ورشفانة، والمتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية أكد من جانبه خلال تصريحات صحفية أن زيارة وفد أعيان ومشايخ ليبيا إلى القاهرة تأتى في إطار تنسيق المواقف وتفعيل اتفاقيات الدفاع المشترك، والعمل من أجل مساعدة الشعب الليبي متمثلًا في قواته المسلحة، في مواجهة الإرهاب والغزو الخارجي، وتهديد الأمن القومي العربي نظرًا لقوة وعلاقة الشعبين المشتركين في الهدف والمصير.

رئيس ديوان المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا محمد المصباحي، أكد أن الوفد الذي يزور القاهرة يمثل كافة القبائل الليبية، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة جاءت لتأكيد دعم القبائل للتصدي للغزو التركي، وأن القبائل الليبية تدعم بقوة الموقف المصري بشأن ليبيا في مواجهة الأطماع التركية. مضيفًا أن ليبيا في حاجة لدعم القوات المسلحة المصرية لطرد المستعمر التركي الذي يرغب في إعادة العثمانية. 

مسؤولة العلاقات المصرية الليبية بمجلس قبائل ليبيا، علياء العبيدي، صرحت بأن الوفد الليبي سيعلن دعم التدخل المصري في التصدي للعدوان التركي، وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ودعم الجيش الليبي، كما سيبحث تنفيذ فكرة تدريب وتسليح شباب القبائل الليبية في مصر تلبية لدعوة الرئيس المصري، مشيرة إلى أن الوفد خلال زيارته التي ستستمر لمدة يومين، سيقدم الشكر لمصر شعبًا وحكومة وقيادة سياسية على ما قامت به تجاه ليبيا، وسيطالب بدعم عربي لمصر في الحفاظ على الأمن القومي الليبي والعربي.

الرئيس المصري يكرس تدعيم الإرادة الحرة الليبية

مصر ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي تريد من خلال استقبالها لوفد القبائل الليبية ترسيخ عدة قيم ومبادئ مهمة في العلاقات العربية – العربية، فهي تريد إعادة الاعتبار لدور القبائل الليبية، كلاعب أساسي ومهم لا غنى عنه في المعادلة الليبية، تعرض للتهميش طيلة السنوات الماضية، من المجتمع الدولي وبعض الدول الإقليمية، وهذا كان سببًا أساسيًا في استفحال الأزمة الليبية طيلة السنوات الماضية.

كذلك تريد القاهرة التأكيد على أن أي انخراط لها في الميدان الليبي هو وجود توافرت له الشرعية الكاملة، ممثلة في الثالوث الليبي (البرلمان – القبائل – الجيش الوطني)، وبالتالي يعد تجاوب مصر مع مطالب هذه الأطراف هو ترسيخ التوجه المصري نحو تفعيل الإرادة الحرة الليبية، التي ترفض الإرهاب والاحتلال، وتدعم العمل العربي المشترك، لإيصال ليبيا إلى بر الأمان.

شعار الجلسة التي جمعت الرئيس المصري بالوفد الليبي، وحضرها عدد كبير من كبار رجال الدولة المصرية، منهم رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ووزراء الدفاع والخارجية ورئيس جهاز المخابرات العامة كان معبراً بصورة بليغة عن إطار التعاون بين البلدين الشقيقين في هذه المرحلة الدقيقة، (مصر وليبيا شعب واحد.. مصير واحد).

الرئيس عبد الفتاح السيسي أوضح خلال هذه الجلسة، أن مصر ملتزمة بحفظ وحماية الأمن القومي الليبي، وأنها ستتحرك بكل قوة في حالة محاولة أي طرف اختراق خط سرت – الجفرة، وحينها سيكون التدخل المصري مؤثرًا بشكل سيغير المشهد العسكري على الأرض بحسم وسرعة فائقة، نظرًا لأن القوة العسكرية المصرية مصنفة ضمن أقوى القوى العسكرية في المنطقة. 

وفي هذا الجانب قال الرئيس “إن الخطوط الحمراء التي أعلناها في سيدي براني هي بالأساس دعوة للسلام وإنهاء الصراع في ليبيا، إلا أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة أية تحركات تشكل تهديدًا مباشرًا قويًا للأمن القومي ليس المصري والليبي فقط وإنما العربي والإقليمي والدولي”

في نفس السياق، أكد الرئيس على دعم مصر المستمر لكافة الجهود الرامية لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، خاصة وأن مصر صاحبة مبادرة (إعلان القاهرة)، التي لاقت دعمًا إقليميًا ودوليًا كبيرًا، مشيرًا إلى أن مصر ليس لها مواقف مضادة لمكونات المنطقة الغربية في ليبيا، لكن المشكلة تمكن في غياب الإرادة السياسية المستقلة لدى هذه المكونات، نتيجة لتأثير قوى خارجية توظف هذه المكونات من أجل تنفيذ أجندتها.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى