
إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية السورية (2) .. المعوقات والآفاق
بالنظر إلى الخريطة الحالية للفصائل المسلحة في سوريا وما اتُخذ من خطوات في مسار إعادة تأهيل المؤسسة العسكرية والأمنية السورية –وهو ما جرى تفصيله في الجزء الأول من هذه الدراسة- يمكن القول إن من أهم نقاط الضعف الحالية في منظومة إعادة الهيكلة تكمن في العنصر البشري، حيث فقد هذا العنصر –سواء كان موجودًا ضمن تشكيلات الجيش السوري النظامي السابق أو ضمن تشكيلات الفصائل المسلحة بشكل عام في سوريا- وفي ظل الاعتماد بشكل أساسي على تكتيكات حرب العصابات من جانب هذا العنصر خلال السنوات الماضية، فقد اتصاله بأساليب الحرب النظامية –الأساسية والمستحدثة على حد سواء– وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على مدى تمسك هذا العنصر بالانضباط والتراتبية العسكرية، كذلك فقد هذا العنصر التواصل بشكل شبه كامل –على الأقل فيما يتعلق بالضباط النظاميين– مع التقنيات العسكرية الحديثة.
المنشقون عن الجيش النظامي… غياب أم تغييب متعمد؟

في هذا الإطار تطرأ عدة تحديات يأتي على رأسها ملف المنشقين عن الجيش السوري النظامي. حيث يلاحظ أن التعيينات العسكرية التي تمت حتى الآن -خاصة في المستويات القيادية العليا بالجيش السوري الجديد- تجاهلت بشكل عام الاعتماد على الضباط المنشقين، واقتصرت الاستعانة بهم حتى الآن على جزء يسير من الضباط الذين انضموا بعض انشقاقهم إلى الجيش السوري الحر، ومن بعده “الجيش الوطني”. وكان لافتًا أن مرسوم الترقيات الذي صدر في ديسمبر الماضي غابت فيه أسماء الضباط المنشقين، ولم يحضر أي ممثل لهؤلاء الضباط، مؤتمر “النصر” الذي عُقد في دمشق يوم 29 ديسمبر الماضي. يضاف إلى ذلك أن الترقيات والتعيينات التي تمت في صفوف الجيش السوري الجديد خلال الأشهر الماضية تصدرتها عناصر لا تمتلك خلفية عسكرية سابقة، في حين استُعين بعدد قليل من الضباط المنشقين، ووضعهم في مناصب هامشية لا ترسم سياسات، مثل منصب نائب قائد الكلية الجوية، الذي أُسند إلى العميد معتز رسلان، الضابط المنشق، الذي كان يتولى قيادة الفيلق الأول في الجيش الوطني السوري.
بشكل عام يمكن تصنيف الضباط المنشقين عن الجيش السوري السابق، إلى فئتين أساسيتين: الفئة الأولى انخرطت بالفعل خلال السنوات السابقة في العمليات العسكرية ضمن الفصائل المقاتلة، أما الفئة الثانية فتمثل ضباطًا وجنودًا منشقين، كانوا خلال السنوات الماضية مقيمين بشكل دائم في مخيم مخصص للمنشقين قرب الحدود السورية – التركية، دون أن ينخرطوا في أية عمليات عسكرية.
وتشير التقديرات المتوفرة إلى أن مجموع الضباط المنشقين عن الجيش السوري النظامي يبلغ نحو خمسة آلاف ضابط، ونحو 630 ضابط شرطة، في حين يبلغ عدد صف الضباط والأفراد الشرطيين المنشقين 12 -13 ألف عنصر، ويتراوح عدد صف الضباط المنشقين عن الجيش بين 6000 و6500، أما بالنسبة إلى الجنود المنشقين عن الجيش فتشير التقديرات إلى أن عددهم يبلغ 170 ألفًا تقريبًا. يتوزع هؤلاء بين الأردن وتركيا وسوريا، ودول أوروبية وعربية أخرى، ويتوقع أن تضطر الإدارة السورية الجديدة إلى توسيع قاعدة استفادتها بهم في تشكيلات الجيش السوري الجديد، خاصة تلك التشكيلات التي تحتاج إلى خبرات فنية وهندسية، علمًا أن وزارة الدفاع الجديدة قد استحدثت مؤخرًا مكتبًا في العاصمة السورية، لتسجيل أسماء الضباط المنشقين الراغبين في الانخراط في جيش سوريا الجديد.
وعلى الرغم من محاولة الإدارة السورية الجديدة تدارك تجاهلها للضباط المنشقين، وذلك عبر مقابلة وزير الدفاع السوري مع مؤسس الجيش الحر، العقيد رياض الأسعد، في يناير الماضي، وكذا إعلان وزارة الدفاع السورية، عقب تشكيل مجلس الأمن الوطني في مارس الماضي، أن العمل جارٍ لإعادة جميع الضباط المنشقين إلى صفوف الجيش كل منهم وفقًا لخبرته وكفاءته؛ فإنه يلاحظ تغليب الإدارة الجديدة أولويات أساسية في هذه المرحلة، تتركز في توحيد الفصائل وضمها في الجيش الجديد، ووضعها ملف الضباط المنشقين في مراحل تالية توضع خلالها خطة تنظيمية لعملهم ضمن الوزارة، يتوقع أن تقتصر على منحهم أدوارًا استشارية أو إدارية بحتة، خاصة أن حيز مشاركتهم في أي أدوار مهمة داخل المؤسسة العسكرية الجديدة يبدو ضيقًا جدًا؛ في ظل وضع شروط صعبة على عمليات قبول طلبات انتساب المدربين العسكريين في المؤسسة الجديدة، منها ألا يتجاوز عمر المدرب 45 عامًا، ما يعني إغلاق الباب تمامًا أمام أغلب الضباط المنشقين بحكم أعمارهم.
بالتالي يرجح غياب أية نوايا واضحة لإعادة تجنيد الضباط والجنود المنشقين في المرحلة الحالية بالجيش السوري الجديد، ويوجد في المقابل ميل واضح لتجنيد عناصر وقيادات الفصائل التي شاركت في عملية “ردع العدوان” وهو ما سيرتب مشاكل كثيرة في تدريب وتنظيم القوات الجديدة في وحدات عسكرية نظامية.
المحاصصة المناطقية والفصائلية في التعيينات الجديدة

رغم استمرار حالة الغموض حيال كثير من تفاصيل خطة وزارة الدفاع السورية لحل الفصائل وإعادة دمجها في الجيش الجديد، فإن نظرة سريعة تكشف انقسام البنية الحالية للجيش إلى شقين: أحدهما لألوية هيئة تحرير الشام، والآخر للفصائل التابعة للجيش الوطني السوري، كما تُظهر تقسيمات الفرق العسكرية وتعيين قادتها أن الفصائل الموالية لتركيا حازت النصيب الأكبر، قياسًا بتلك التي لم تنسجم مع التوجهات التركية. كما أن القادة الموالين لأنقرة حصلوا على مناصب قيادية رفيعة، خصوصًا في المحافظات الشمالية المحاذية للحدود التركية، في حين لم ينل بعض قادة الفيالق سوى مناصب إدارية أو تعليمية داخل المؤسسة العسكرية.
من الأمثلة الأساسية في هذا الصدد، انتماء كل من وزير الدفاع ورئيس الأركان لهيئة تحرير الشام، ما عزز التوقعات بأن فصائل الهيئة سوف تكون العمود الفقري للجيش الجديد، خاصة أن قادة الهيئة المنتمين في أغلبهم لمحافظة حماة، حظوا بأبرز المناصب العليا في وزارة الدفاع والجيش. من الأمثلة التي تشير إلى ارتباط تعيينات المناصب العليا في المؤسسة العسكرية الجديدة بالولاء لتركيا والتماشي مع توجهاتها تعيين فهيم عيسى قائد الفيلق الثاني في الجيش الوطني السوري في منصب نائب وزير الدفاع وقائد المنطقة الشمالية، وهو يعد من أقرب المقربين لأنقرة في سوريا؛ ليس لانتمائه إلى المكوّن التركماني فحسب، بل أيضًا لأنه كان شديد التماهي مع السياسات والمصالح التركية خلال سنوات التحاقه بالجيش الوطني السوري ، وهذه الأمور كانت المرجح الوحيد له كي يتولى هذا المنصب القيادي الرفيع، رغم غياب الخلفية العسكرية عن خبرته السابقة.
كذلك كان واضحًا من خلال التعيينات التي تمت حتى الآن لقادة الفرق، الحرص على تولي أكثر القادة ولاء لأنقرة، المواقع القيادية في الفرق التي تتمركز للمحافظات المحاذية للحدود التركية ولا سيما منها حلب وإدلب، وفي نفس الوقت يتم منح مواقع أقل أهمية لقادة الفصائل التي لم تكن على وفاق بشكل كامل مع التوجهات التركية. ومن أمثلة ذلك تعيين قائد الفيلق الثالث بالجيش الوطني السوري عزام غريب -الملقب أبو العز سراقب- في منصب مدني هو محافظ حلب، بدلًا من توليه منصبًا عسكريًا أسوة بقادة فيالق أخرى في الجيش الوطني، ويعزى هذا إلى حقيقة أن عزام غريب كان في الأساس قائدًا لفصيل “الجبهة الشامية”، وهو فصيل رفض التجاوب مع أنقرة في عدة ملفات، من بينها ملف إرسال مقاتلين لدول خارج سوريا.
ويرتبط جانب آخر فيما يتعلق بالتعيينات بأن الذهنية الحاكمة لها لا ترتبط بعقلية “الدولة” بل بعقلية الجماعة العابرة للحدود، وهذا يظهر من خلال تعيين عدة قادة عسكريين موضوعين تحت طائلة العقوبات والتصنيفات الإرهابية، سواء من ذوي الجنسيات الأجنبية أو سوريين. ومن أمثلة ذلك تعيين محمد جاسم -الملقب أبو عمشة- قائدًا للفرقة 62، حيث يخضع لعقوبات أمريكية بسبب الانتهاكات التي مارسها فصيل “فرقة سليمان شاه” الذي كان يقوده ضمن الجيش الوطني. من الأمثلة الأخرى، تعيين العميد أحمد إحسان فياض الهايس -الملقب “أبو حاتم شقرا”- قائدًا للفرقة 86 المسؤولة عن قطاعات في محافظات دير الزور والحسكة والرقة، رغم أنه مدرج على لوائح العقوبات الأمريكية على خلفية تورطه بقتل القيادية الكردية هفرين خلف، وارتكابه انتهاكات وجرائم ضد حقوق الإنسان، وعلاقته بتنظيم داعش.
بالتالي يتناقض هذا السلوك مع ضرورة أن يُشكّل الجيش السوري الجديد وفق المعايير الدولية حتى تعترف به الدول الأخرى، وبالتالي في حالة استمرار وجود شخصيات معاقبة دوليًا ضمن المواقع العليا في الجيش الجديد خلال المدى المنظور، فمن غير المرجح أن يتعاون معه حتى الغربيون، كما هو الحال مع حكومة طالبان في أفغانستان، التي سلكت سلوكًا مماثلًا.
المقاتلون الأجانب… الملف الأكثر حساسية

تشير الوقائع الحالية إلى أن القيادة العسكرية الجديدة في سوريا تعتمد على مزيج من القيادات المحلية والمقاتلين الأجانب الذين لعبوا دورًا في إسقاط نظام “الأسد”. وعلى الرغم من أن الترقيات التي أُعلن عنها في ديسمبر الماضي، وتضمنت ترقية عدد من حاملي الجنسيات الأجنبية، يمكن اعتبارها ترقيات “تشريفية” أكثر منها ترقيات عسكرية حقيقية؛ فإن بعض هؤلاء أُعطوا أدوارًا عسكرية مهمة، من بينهم العميد عبد الرحمن الخطيب، وهو أردني الجنسية، وكان يعرف سابقًا بلقب أبو حسين الأردني، الذي تولى قيادة الحرس الجمهوري الجديد، وكانت أولى العمليات التي باشرت قوة الحرس الجمهوري بقيادة الأردني تنفيذها هي تطهير الحدود السورية-اللبنانية، خصوصًا في ريف بلدة القصير. ويعد الخطيب من أبرز القيادات العسكرية التي أثبتت ولاءها لأحمد الشرع عندما كان يقود هيئة تحرير الشام.
كذلك أُسندت قيادة فرقة دمشق العسكرية إلى العميد عمر محمد جفتشي، وهو تركي الجنسية، وكان يعرف بلقب مختار التركي. وكان من رجالات الظلّ التي وقفت إلى جانب “الشرع” وساندته بقوة، خاصة في المواقف التي توترت فيها العلاقة بين “الشرع” ومجموعات المقاتلين الأجانب في هيئة تحرير الشام. ويضاف إلى ذلك أن “التركي” بمثابة “قناة التواصل” مع الاستخبارات التركية بسبب جنسيته. لذلك فإن إسناد قيادة الحرس الجمهوري وقيادة فرقة دمشق إلى شخصيتين أجنبيتين له دلالات عدة، أهمها تفضيل القيادة السورية الجديدة عامل الولاء الفصائلي على عامل الكفاءة، اعتمادًا على عناصر أجنبية لا تطمح في أدوار سياسية أو عسكرية أكبر.
بشكل عام، ينقسم المقاتلون الأجانب في سوريا -كمكون عسكري- إلى عدة أطياف على المستوى العقائدي؛ فهناك مجموعات تبنت فكرًا متشددًا وشكلت فرعًا لتنظيم القاعدة، وواجهها كل من هيئة تحرير الشام والتحالف الدولي، مثل تنظيم “حراس الدين” الذي أعلن حل نفسه عقب سقوط نظام “الأسد”. وهناك فصائل أجنبية لم تتناغم مع هيئة تحرير الشام، فانخرطت مع المقاتلين الشيشانيين. وهناك فصائل تماهت مع هيئة تحرير الشام، مثل كتيبة “الغرباء” الفرنسية، و”المقاتلون الألبان” و”الحزب الإسلامي التركستاني”. يبقى المقاتلون المنحدرون من الشيشان، الأكثر عددًا وخبرة وتنظيمًا بين المقاتلين الأجانب في سوريا، ومن فصائلهم “جيش المهاجرين والأنصار”، و”جند الشام”، بالإضافة إلى المقاتلين القادمين من آسيا الوسطى، كالأوزبك والطاجيك والتركمان والكازاخ، ومن فصائلهم “كتيبة التوحيد والجهاد” الأوزبكية، و”الحزب الإسلامي التركستاني” الذي ينحدر مقاتلوه من قومية “الأيغور” الصينية.
تشير التقديرات المتوفرة إلى أن عدد المقاتلين من جنسيات غير سورية يزيد على الـ7500 مقاتل في إدلب، يعملون جميعًا تحت راية هيئة تحرير الشام، منهم نحو 6200 تقريبًا من الإيغور والقوقاز والطاجيك والشيشان، يمثلون رأس الحربة القتالية الأبرز على جبهات مناطق سيطرة الهيئة. فيما يشغل الأجانب العرب، وأكثرهم من شمال أفريقيا، مناصب إدارية أمنية وعسكرية.
وحقيقة الأمر أن ملف المقاتلين الأجانب لا يتضمن بين ثناياه فقط توليهم مناصب قيادية أو ميدانية، بل يرتبط أيضًا بجانب مهم يتعلق بمسألة حصولهم على الجنسية السورية. قانونيًا، ووفقًا للمادة السادسة من المرسوم التشريعي السوري رقم 276 لعام 1969، يمكن منح الجنسية السورية بمرسوم، بناء على اقتراح الوزير المختص، دون التقيد بالشروط المنصوص عليها في المادة الرابعة من نفس المرسوم، للأشخاص الذين “أدوا للدولة أو للأمة العربية خدمات جليلة”.
هذه الجملة الأخيرة تفتح المجال واسعًا أمام منح الجنسية السورية لأي شخص أجنبي، في ظل عدم تحديد القانون لتفاصيل أو معايير محددة لتعريف “الخدمات الجليلة”، ما يترك تقدير نوعية هذه الخدمات وأهميتها للسلطات السورية الجديدة. وقد قال الرئيس السوري الانتقالي، خلال زيارته إلى فرنسا في مايو 2025، أن “الدستور السوري سيحدد حق من سيحصل على الجنسية من المقاتلين الأجانب وعائلاتهم”، مضيفًا: “قدمنا ضمانات لجميع الدول بأن المقاتلين الأجانب الذين في صفوفنا سيلتزمون بالقانون السوري وعدم الإضرار ببلادهم”. وهي التصريحات التي تشير إلى أن الإدارة الجديدة في دمشق مازالت مصرة على وجودهم ودمجهم في أجهزتها الأمنية والعسكرية الجديدة –رغم الاعتراض الأمريكي الواضح على هذا الأمر– وهي نقطة ستكون محل خلاف بين الجانبين في المدى المنظور، إلا إذا تقدمت دمشق بضوابط واضحة للغرب بشأن هذا الأمر، علمًا أن نقطة التمركز الأساسية لهؤلاء المقاتلين في سوريا باتت في الساحل السوري.
فصائل خارج السيطرة… توجس وعدم يقين

من أبرز الصعوبات التي تواجه تشكيل الجيش السوري الجديد هي التشرذم والمشهد الفصائلي الذي لا يزال حاضرًا في بعض الأماكن، خاصة أنه لم تكن هناك كتلة عسكرية واحدة تحت سيطرة قيادية واحدة خلال عمليات “ردع العدوان”، بل كانت هناك فصائل متعددة شاركت في المعركة، مثل: “هيئة تحرير الشام”، و”الجيش الوطني”، و”جيش سوريا الحرة”، والفصائل في الجنوب، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية.
وتفرض خصوصية كل فصيل تحديات عدة ترتبط بمدى انضباطية هذه الفصائل، ومدى التزامها التام بالدخول ضمن وزارة الدفاع السورية، خاصة في ظل وجود دلائل على أن عملية دمج الفصائل في وزارة الدفاع لا تتضمن “تفكيك” الفصائل، بل إعادة توزيعها على الهيكلية العسكرية الجديدة للوزارة، كل حسب اختصاصه، وهو الأمر الذي يضاف إلى حقيقة أن عددًا من الفصائل لا يزال عمليًا قائمًا ولم يعلن عن حل نفسه، مثل حركة “أحرار الشام” على سبيل المثال.
يضاف إلى ذلك حقيقة أن موقف تكتلات فصائلية كبيرة مازال غامضًا ولم يحسم فيما يتعلق بالانضمام بشكل كامل وتام لوزارة الدفاع الجديدة، وهذه التكتلات هي:
1- فصائل الجيش الوطني: رغم أن هذه الفصائل -المدعومة من تركيا- تعد حليفًا طبيعيًا لنظام الحكم الجديد في دمشق، لم تعلن حتى الآن أغلبيتها عن حل نفسها، ومن انضم منها لوزارة الدفاع الجديدة انضم بتشكيلاته الحالية وبنيته التنظيمية، وهو أمر قد ينشأ عنه معضلات ترتبط بالانضباط العسكري أو مدى الاستجابة للأوامر.
2- جيش سوريا الحرة: الذي يتواجد في نطاق منطقة التنف، حيث لم يعلن حتى الآن عن حل أي من تشكيلاته، ولم يُتخذ أي اجراء بشأن انضمامه إلى وزارة الدفاع الجديدة رغم حضور قائده، العقيد سالم التركي، مؤتمر “النصر” في دمشق، وإلقائه كلمة أمام “الشرع”، حيث مازال مصير هذا الفصيل المدعوم أمريكيًا غير واضح حتى الآن، حتى بعد اللقاء الذي جمع قائده ووزير الدفاع السوري في يناير الماضي، ومازال هذا الفصيل عمليًا قائمًا بكافة تشكيلاته.
3- قوات سوريا الديمقراطية: تعد عملية دمج قوات سوريا الديمقراطية أكثر تعقيدًا من عملية دمج أي تكتل عسكري آخر موجود في سوريا؛ نظرا إلى أنها تضم عددًا من التشكيلات، أبرزها “وحدات حماية الشعب”، والتشكيلات العربية، و”الخابور العالمي” الذي يضم مقاتلين أجانب، وقوات الأمن الداخلي “أسايش”، والمجالس العسكرية في دير الزور، وغيرها. وعلى الرغم من الاتفاقات التي وُقّعت مؤخرًا بين قوات سوريا الديمقراطية وحكومة دمشق فإن هذه الاتفاقات كافة كانت ترتبط بمناطق غرب الفرات، لكن مازالت عمليًا مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة، خارج سيطرة دمشق.
وقد ظهرت إشارات عدة بشأن التوجهات الانفصالية لقوات سوريا الديمقراطية، منها تلميحات قائدها بشأن وجود خلاف مع دمشق حول ملف السيطرة على المناطق ذات الغالبية العربية مثل دير الزور والرقة، في ظل وجود مؤشرات حول وجود بعض الخلافات بين الذراع العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية والذراع السياسية لها “مسد”، حيث تسعى الأخيرة إلى الدفع نحو تطبيق مشروع “فيدرالي” بين العشائر العربية في مناطق شمال شرقي سوريا، وتعمل في الوقت الحالي على الترويج لهذا المشروع في عدة مناطق شرقي البلاد، لإقناع العشائر بالفيدرالية، وتصويرها على أنها من المطالب الشعبية، لتقوية موقفها في المفاوضات مع الدولة السورية.
4- فصائل السويداء: مازالت هذه الفصائل -في ظل اشتباكها في مناسبتين أساسيتين مع قوات وزارة الدفاع السورية- بعيدة كل البعد عن الاندماج ضمن الجيش السوري؛ نتيجة وجود مخاوف درزية بشأن توجهات الإدارة السورية الجديدة، وهو ما دفع هذه الفصائل إلى رفض مبدأ تسليم أسلحتها، واقتصر التوافق بينها وبين دمشق في الوقت الحالي على الاتفاق بشأن نشر قوات شرطة من عناصر محلية في محافظة السويداء، دون أن يُلزم هذا الاتفاق صراحةً الفصائل الدرزية الرئيسة في محافظة السويداء بنزع سلاحها. وهو ما إن وضعناه بجانب تصريحات محافظ السويداء، مصطفى بكور، أن الحكومة السورية لن تسمح لأي عناصر مسلحة من خارج الدولة بالعمل في محافظة السويداء، سيطرح هذا في المجمل معضلة كبيرة على المستوى الميداني، تجعل من عملية اندماج هذه الفصائل في الجيش السوري، صعبة في المدى المنظور.
بجانب هذه الفصائل، تظهر معضلة الفصائل “المنفلتة” ضمن تشكيلات وزارة الدفاع السورية، والتي تمارس عمليات قتل على الهوية رغم أنها عمليًا أصبحت ضمن تشكيلات نظامية. من أمثلة ذلك “مجموعة الزبير” التابعة لهيئة تحرير الشام التي داهمت في أبريل 2025 بلدة ذات أغلبية سنية في ريف حمص، واعتدت على سكانها. وكذلك جماعة “سرايا أنصار السنة” -وهي جماعة تنتمي لتيار السلفية الجهادية- التي تنفذ عمليات اغتيال مستمرة لعناصر سابقين في الجيش السوري في عدة محافظات أهمها حلب وحمص.
يضاف إلى ذلك معضلة أخرى غير ظاهرة في التوقيت الحالي تتمثل في تأسيس “مجالس شوري” في مناطق محددة في الداخل السوري، مثل الغوطة الشرقية لدمشق. فقد تسارع تفعيل هذه المجالس خلال الأسابيع الماضية، وتولى رئاستها قادة لمجموعات مسلحة محلية في هذا النطاق، مثل “جيش الأمة” في الغوطة الشرقية على سبيل المثال الذي تولى قائده رئاسة مجلس وجهاء مدينة دوما، وهو مجلس من ضمن مجالس أخرى توجد في عدة مناطق بالغوطة الشرقية. ويمثل جود هذه الأجسام في حد ذاته تحديًا لعمليات إعادة هيكلة وتأسيس الجيش السوري الجديد يضاف إلى ما سبق الحديث عنه بشأن عدم إعلان فصائل عدة عن حل نفسها بشكل رسمي، وبقاء أخرى على نفس تشكيلاتها السابقة بعد أن ضُمّت إلى الفرق الـ 20 التي جرى تشكيلها.
فصائل معادية للحكم الجديد… تحدٍ ميداني مستمر

خلال الأشهر الماضية التي تلت سقوط نظام “الأسد”، ظهرت عدة تنظيمات مسلحة مناهضة للإدارة الجديدة في سوريا، تحت مسميات مختلفة لكنها ترتبط -بشكل أو بآخر- بالمحور الذي كان النظام السوري السابق يتموضع فيه، وأبرز هذه التنظيمات (جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا (أولى البأس) – المجلس العسكري لتحرير سوريا – لواء درع الساحل – حركة الوعد الصادق – كتائب أسود بني هاشم – المقاومة الشعبية السورية). يضاف إلى هذه المجموعات مجموعة كانت ناشطة سابقًا ضمن تشكيلات الميليشيات الرديفة للجيش السوري السابق، وهي “كتيبة أسود الجبل”، التي كانت تحت قيادة بسام حسام الدين.
المجموعات السابقة كافة اكتفت منذ الإعلان عنها بإصدار بيانات مكتوبة تهاجم الإدارة السورية الجديدة. إلا أن “لواء درع الساحل”، و”المجلس العسكري لتحرير سوريا” يمثلان رأس الحربة التي من خلالها نُفّذت الهجمات الأخيرة في الساحل السوري، حيث يقود لواء درع الساحل العقيد مقداد فتيحة، وكان هذا الضابط يخدم سابقًا ضمن صفوف الحرس الجمهوري السوري السابق، وفي الفرقة 25 قوات خاصة، وبعد سقوط النظام شكل هذا التجمع المسلح في الساحل السوري، وأصدر سلسلة من التسجيلات المصورة التي أكدت ضلوعه في الهجمات الأخيرة على الساحل. أما المجلس العسكري لتحرير سوريا فأُعلن عنه في السادس من مارس الماضي، ويترأسه العميد أركان حرب غياث دلة، وهو أحد قيادات اللواء 42 في الفرقة الرابعة بالجيش السوري، وقاد خلال السنوات الأخيرة لواءً سُمّي باسمه، تضمن تجنيد متطوعين مدنيين بجانب عسكريين نظاميين من الفرقة الرابعة.
سبق ونفذت هذه المجموعات السالف ذكرها هجمات محدودة جدًا في نطاق مدن الساحل ومدن حماة وإدلب ودير الزور والميادين، ومؤخرًا داخل العاصمة دمشق. وتراوحت هذه الهجمات بين إطلاق النار على تمركزات الأمن العام ودورياته، وإشعال الحرائق في مناطق محددة، خاصة في منطقة الساحل. ورغم تراجع وتيرة هذه الهجمات فإن استمرارها بشكل متقطع في منطقة الساحل ومناطق أخرى يفرض تحديًا ميدانيًا على الجيش السوري الجديد. هذا التحدي تصاعد خلال الشهر الجاري بعد أن أُعلن عن انضمام عدد من المجموعات العسكرية المسلحة سالفة الذكر إلى فصيل “جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا – أُولي البأس”، من ضمنها مجموعات “درع الساحل” و”سرايا العرين”، ومجموعات “المقاومة الشعبية”، حيث باتت هذه المجموعات عاملة ضمن “مجلس عسكري موحد”.
من الأمثلة الأخرى على الفصائل المناهضة للحكم الجديد في دمشق تنظيم “حراس الدين” –أحد أفرع تنظيم القاعدة في سوريا- الذي سبق وأعلن حل نفسه في يناير الماضي، لكن تضمن بيان حل التنظيم نصيحة إلى الإدارة السورية بـ “إقامة الدين وتحكيم الشريعة”. وبالنظر إلى ماضي هذا التنظيم ومواجهته لهيئة تحرير الشام خلال السنوات السابقة، لا يمكن استبعاد عودته إلى أنشطته مرة أخرى في حالة تعارض توجهات الإدارة الحالية في دمشق مع رؤيته “للحكم الرشيد”. مثال آخر يتمثل في اشتباك شهده حي القدم في دمشق في أبريل الماضي بين عناصر من جهاز الأمن العام وفصيل مسلح يسمى “سرايا بركان الفرات”، حيث دعا هذا الفصيل الذي ينحدر مقاتلوه من المنطقة الشرقية إلى الانتفاضة ضد “حكومة الجولاني”.
مسألة العقيدة القتالية والتسليح

لم تتضح بشكل يقيني حتى الآن ملامح العقيدة القتالية الجديدة للجيش السوري، لكن يرجح أن تكون هذه العقيدة عقيدة “ردع داخلي”؛ نظرًا إلى تراجع القدرات التسليحية السورية التي تسمح بعمليات ردع خارجية. هذا الترجيح تؤيده بعض الشواهد من بينها إدخال سلاح حرس الحدود السوري كإدارة عامة ضمن إدارات وزارة الداخلية، ما يؤشر على تغير مهم في العقيدة القتالية السورية، بالنظر إلى أن سلاح حرس الحدود كان سابقًا ضمن تشكيلات وزارة الدفاع.
فيما يرتبط بالتسليح، أشار تقرير صدر عن “معهد الدراسات الاستراتيجية” في لندن إلى أن نحو 40% من المدرعات السورية خرجت من الخدمة بسبب نقص قطع الغيار، فيما تعتمد الوحدات الحالية على ذخائر تعود إلى الحقبة السوفيتية، ما يضعف قدرة الجيش السوري الجديد الحالية على تنفيذ مهامه بكفاءة. يضاف إلى ذلك أن الأنشطة الجوية الإسرائيلية قد أدت إلى تدمير كامل القدرات البحرية السابقة للجيش السوري، واغلب المقاتلات والقاذفات العاملة في سلاح الجو السوري، ليقتصر النشاط الجوي والبحري العسكري لسوريا في الوقت الراهن على أعداد محدودة من مروحيات النقل “مي-8” والمروحيات القتالية “غازيل”، تعمل انطلاقًا من مطاري كويرس والمزة. وعلى المستوى البحري، تشغل القوات البحرية السورية عددًا محدودًا من الزوارق السريعة، بدأت عبرها منذ الخامس والعشرين من أبريل الماضي، في تنفيذ دوريات روتينية على طول الساحل السوري.
هذا الوضع يطرح إشكالية ترتبط بتسليح الجيش السوري، خاصة بعد أن دمرت إسرائيل بغاراتها الجوية الكثيفة منذ اليوم الأول لسقوط “الأسد” أكثر من 85% من القدرات التسليحية البرية والبحرية والجوية للجيش، بما في ذلك المرافق العسكرية الأساسية مثل القواعد الجوية. بالتأكيد العامل الخارجي -وتحديدًا التركي- سوف يكون له دور أساسي في هذا الإطار، خاصة بعد ظهور معدات عسكرية تركية ضمن تجهيزات الجيش السوري الجديد، منها كاسحات الألغام المتحكم بها عن بعد “MEMATT”. لكن نظرًا لهيمنة العامل الإسرائيلي، يتوقع أن تمنع تل أبيب أي محاولة لتسليح الجيش الجديد بأسلحة استراتيجية هجومية ودفاعية، وستحاول إجبار أي جهة داعمة للجيش السوري على اتباع نموذج دعم الجيش اللبناني.
العامل الخارجي… بين الحاجة إلى الدعم وشروط التنفيذ

من المتوقع أن تجد الإدارة السورية الجديدة نفسها في الوقت الحالي، مطالبة بالتجاوب مع مطالب ومخاوف عدد من الأطراف الإقليمية والدولية، أهمها:
1- الولايات المتحدة الأمريكية: على الرغم من بدئها عملية انسحاب جزئية من بعض القواعد في محافظة دير الزور فإنها عمليًا مازالت تحافظ على وجودها في عدة مناطق بمحافظتي الرقة والحسكة، ومستمرة في دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يجعل التأثير الأمريكي كبيرًا على مستقبل المؤسسة العسكرية السورية. هذا يظهر بشكل أو بآخر من خلال قائمة المطالب الثمانية التي قدمتها واشنطن لدمشق، وتجاوبت الأخيرة مع خمسة مطالب منها، وهي (نبذ الإرهاب، الأسلحة الكيميائية، مصير الأمريكيين المفقودين، إيران ووكلائها، ضمان الأمن والحريات). أما المطالب الـ 3 ألأكثر حساسية، وهي (المقاتلون الأجانب، السماح لأمريكا بشن هجمات، وملف الفصائل الفلسطينية)، فمازالت مثار تفاوض وعدم اتفاق حتى الآن، رغم بعض الحلحلة في موقف دمشق منها، مثل قرار “تعليق” الرتب العسكرية التي مُنحت لمقاتلين أجانب، والكشف عن شروع دمشق في مراقبة نشاط الفصائل الفلسطينية، واعتقال قياديين اثنين في حركة الجهاد الإسلامي، واعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية “القيادة العامة”.
2- تركيا: بدأت تركيا منذ عدة أشهر في وضع أسس استنساخ تجربتها في ليبيا في الداخل السوري، فقد أظهرت الصور الجوية بدء القوات التركية عمليات إنشاء قاعدة عسكرية للدفاع الجوي داخل مطار منغ العسكري السوري، جنوب مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي. تشير الصور الجوية إلى وجود إنشاءات جديدة في القسمين الجنوبي والشرقي من القاعدة، ويرجح أن تشمل العمليات الجارية حاليًا إعادة تهيئة المطار العسكري ليكون قاعدة للدفاع الجوي، وكذا تأهيل مهبط المروحيات الموجود بالمطار، حيث يعد هذا المطار اساسًا مطار للمروحيات العسكرية، ويضم مدرجين يبلغ طول كل منهما 1.2 كيلومتر.
تزامن ذلك مع تصريحات نشرتها صحيفة “حرييت” التركية”، تفيد بأن تركيا ستسهم في إعادة هيكلة الجيش السوري، وستعمل على تزويد الجيش السوري بمنتجات صناعاتها الدفاعية، وستقوم بتعيين أحد ضباطها مستشارا عسكريا للجيش السوري. ويتوقع أن تتحول هذه القاعدة خلال المدى المنظور إلى نسخة من قاعدة “الوطية” الجوية التركية في ليبيا، بحيث يتم تحويلها إلى قاعدة جوية تركية سورية مشتركة، تتسلح بطائرات مسيرة وأنظمة دفاع جوي تركية، وقد تتعزز هذه الخطوة لاحقًا، خاصة في ظل وجود أنباء عن استطلاع ضباط أتراك مطارات سورية عسكرية أخرى، مثل مطار “التي فور” في ريف حمص الشرقي، وهو ما يصب في النهاية بخانة تعزيز الحضور العسكري التركي في سوريا، وقوامه القوات التركية المنتشرة في منطقة إدلب وأجزاء من ريف حلب وريف حماة وريف اللاذقية.
3- روسيا: رغم حالة التوجس التي تشوب العلاقة بين دمشق وموسكو فإن تصريحات أدلى بها مؤخرًا الرئيس السوري الانتقالي حول “وجود اتفاقات مع روسيا” تشير إلى وجود هامش من التوافق حاليًا بينهما بشأن مستقبل علاقاتهما، خاصة أن روسيا تبدو حريصة على استمالة السلطة الجديدة وعدم الصدام معها، ومحاولة الحفاظ على حد ادنى من الوجود العسكري الروسي في الساحل السوري، وهذا يظهر من خلال استمرار إرسال موارد اقتصادية روسية إلى سوريا، سواء النفط أو القمح، وقد يتعدى ذلك الدعم ليشمل تجهيزات عسكرية.
4- إسرائيل: يمكن إجمال الأهداف الإسرائيلية الأساسية من تكثيف عملياتها الجوية في سوريا مؤخرًا في محاولة وضع ضغوط أكبر على نظام الحكم الجديد في إطار استراتيجية إبقاء سوريا في دائرة الضغط الإسرائيلي الأقصى، وإظهار مدى جدّية إسرائيل في فرض تصوّراتها لسوريا الجديدة، وتعزيز موقف التيار الدرزي المُتماهي معها، في ظل وجود تيارات درزية أخرى لا تتماهى مع التوجهات الإسرائيلية الحالية. يضاف إلى ذلك اختبار حدود رد الفعل التركي في الوقت الحالي، ومدى استعداد انقرة للتعايش مع القواعد التي تسعى إسرائيل لفرضها.
وقد ظهرت مؤخرًا ثلاثة مؤشرات على تحول في النهج الإسرائيلي في سوريا: المؤشر الأول يرتبط بالدخول في محادثات غير مباشرة مع الحكم الجديد –عبر الوساطة الإماراتية–، والثاني يرتبط بتقديم مطلبين رئيسين إلى تركيا هما ضمان عدم وجود أي قوة عسكرية تهدد أمنها قرب الحدود والتأكيد على خلو سوريا من أسلحة استراتيجية يمكن أن تشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل، فضلًا عن المؤشر الثالث وهو اتفاق المكون الدرزي مع دمشق. هذه المؤشرات الثلاثة تعكس في جانب الضغوط المتزايدة على النهج الذي اتبعته إسرائيل في سوريا منذ سقوط نظام الأسد، وفي جانب آخر ما يبدو أنه ميل متزايد إلى طرح مطالب يُمكن التفاوض بشأنها، وتوفير هامش أوسع للوساطات وقنوات الاتصال غير المباشرة، وهو ما تقوم به الإمارات في الوقت الحالي.
التأثير الإسرائيلي على مستقبل المؤسسة العسكرية السورية يتركز بشكل أساسي في التحدي الذي يمثله استمرار احتلال القوات الإسرائيلية لمناطق مختلفة في ريف القنيطرة وريف درعا والجولان، وكذلك عمليات التدمير المستمرة لأية قدرات عسكرية سورية نوعية، والاعتراض الذي ستضعه تل أبيب أمام اي محاولة لتعزيز قدرات الجيش السوري بمنظومات نوعية، خاصة ما يرتبط بالدفاع الجوي.
5- بريطانيا – المملكة العربية السعودية – الأردن: قررت لندن مؤخرًا رفع العقوبات عن وزارتي الداخلية والدفاع وإدارة المخابرات في سوريا، وهو تحرك لافت لأنه يعد اول تحرك غربي تجاه مؤسسات أمنية واستخباراتية سورية، وقد يكون بداية لتحركات مماثلة. يعتقد أن هذه الخطوة مُصممة لتمكين الدولة السورية الجديدة من التعامل بفاعلية مع التحديات الأمنية، لا سيما على مستوى مكافحة الإرهاب، ولتسهيل التعاون معها في مجالات الأمن والاستخبارات وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية السورية بما يتماشى مع المعايير الغربية.الأردن من جانبه أعلن في يناير 2025 عن نيته دعم وتدريب نواة الجيش السوري الجديد. وكذلك أعرب المملكة العربية السعودية عن رغبتها في دعم بناء قدرات الجيش السوري الجديد، وليس فقط قوات الشرطة، وفق “عقيدة استراتيجية وطنية”.
في الخلاصة، يمكن القول إن الإدارة السورية الجديدة تطبق نمطًا معدلًا من احد أنماط أعادة تأهيل المؤسسات العسكرية، وهو نمط “نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج” -المعروف اختصارا باسم “DDR”- حيث أزالت من هذا النمط مبدأ “تسريح مقاتلي الفصائل”، وعملت على نقل المقاتلين وفصائلهم بشكل كامل إلى داخل تشكيلات وزارة الدفاع الجديدة، ومن ثم بدء عمليات التدريب والتسليح.
في هذا الإطار تظهر معضلتان أساسيتان تشوبان المرحلة الحالية من إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية السورية: الأولى هي تغليب الفصائلية و”حجم الدور الذي مورس في إسقاط نظام الأسد” كمعيار أساسي لاختيار القادة العسكريين -حتى لو كانوا من جنسيات أجنبية-؛ والثانية هي الارتباط بالتمويل والتدريب والولاء لدول خارجية، وهو ما قد يلعب دورًا في تقويض الطابع الوطني لهذا الجيش ويُبقي على شبهة الارتزاق التي التصقت ببعض فصائله.
بشكل عام، فإن كل الفصائل المقاتلة تبدي استعدادها ورغبتها التامة في الانخراط ضمن وزارة الدفاع والدولة الجديدة، لكن ضمن اشتراطات سياسية تضمن للبعض الخصوصية القومية أو الدينية وهو ما ترفضه الإدارة الجديدة حتى الآن. ومن المتوقع أن تجبر الإكراهات السياسية والجغرافية والخوف على المصير جميع الأطراف على تقديم التنازلات في سبيل إتمام المشروع، خصوصًا إذا تبددت المخاوف لدى الأطراف المتحفظة.
المصادر:
1- Boaz Shapira, “Disbandment of the 8th Brigade, Alma Research & Education Center”, https://2u.pw/ByNcl, April 14, 2025, accessed May 11, 2025
2- AGNES HELOU, “From rebuilding the armed forces to selling drones, how Turkey can enhance Syria’s defense”, Breaking defense, https://2u.pw/nv9vV, February 13, 2025, accessed May 11, 2025
3- Dominique Soguel, “Facing internal and external foes, Syria rebuilds and rethinks its army”, The Christian Science Monitor, https://2u.pw/oMM61,April 07, 2025, accessed May 11, 2025
4- Francesco Salesio Schiavi, “Forging a united front: The challenges of building Syria’s new army”, The new arab, https://2u.pw/1jv9k, February 03, 2025, accessed May 11, 2025
5- Mahmood Alhosain, “From rubble to rebirth: A model for Syria’s reconstruction”, Atlantic Council, https://2u.pw/FCINF, May 8, 2025, accessed May 11, 2025
6- Amir Abdullah and Nawwar Shaaban, “Rebuilding Security in Syria: Challenges and Strategies for Disarmament, Demobilization, Reintegration, and Security Sector Reform,” Harmoon Center for Contemporary Studies, https://2u.pw/ERCF6, April 11, 2025, accessed May 11, 2025
7- Arab Center for Research and Policy Studies, “Israel’s Policy Towards Syria After the Fall of Bashar al-Assad’s Regime”, https://2u.pw/1Drd5k ,March 9, 2025, accessed May 11, 2025
8- Ömer Özkizilcik, Israel is making a miscalculation in southern Syria. Here is why, the Atlantic Council, https://2u.pw/NoUe6, April 1, 2025, accessed May 11, 2025
9- Sary Mumayiz and Hamdi Malik, “Uli al-Baas (Part 1): A New Islamic Resistance Front in Syria?”, Washington Institute, https://2u.pw/HFIXh, March 9, 2025, accessed May 11, 2025
10- Michael Young, “What Was Syria’s Violence About?”, Carnegie Middle East Center, https://m-r.pw/nLeP, March 11, 2025, accessed May 11, 2025
10- Brian Carter, “UNDERSTANDING SYRIA’S EMERGING INSURGENCY”, The Institute for the Study of War (ISW), https://2u.pw/JnsVg, March 10, 2025, accessed May 11, 2025
باحث أول بالمرصد المصري