
فورين بوليسي: الشباب التركي لرئيسهم “لن تحصل على أصواتنا”
في السنوات الأخيرة بدا أن كل الأمور تسير من سيء إلى أسوأ بالنسبة لتحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحتى محاولته لاستقطاب قطاع الشباب والتعويل عليه في الانتخابات القادمة من خلال بث حي في أواخر يونيو الماضي باءت بالفشل وانعكست التوقعات.
وفي هذا الإطار نشرت ” فورين بوليسي” مقالًا للكاتبين “جونول تول” و “ألكا ألميدار أوجلو” عرضا فيه تفاصيل الواقعة، خطاب أردوغان الذي تم بثه عبر الإنترنت متوجهًا فيه للطلاب الأتراك كان آخر الإشارات على فشل جهوده في تكوين جيل من الشباب الداعم له.
وانهالت الآلاف من الانتقادات اللاذعة على مقطع الفيديو الذي تم بثه عبر موقع اليوتيوب، وأكد الشباب لأردوغان أنه لن يحصل على أصواتهم، مبررين ذلك بالإحباط المتكرر الذي أصابهم جراء تغيير موعد امتحانات القبول بالجامعات عدة مرات، مما يشير إلى تخبط الدولة التركية في التعامل مع تبعات وباء كوفيد-19
الفيديو الذي تم بثه في السادس والعشرين من يونيو الماضي حصد ما يزيد عن 422 ألف “لم يعجبني” عبر اليوتيوب وأطلق على إثره هاشتاج غدا الأكثر شيوعًا في تركيا وهو ” لن نصوت لك”، كما تسببت ردود الفعل على مقطع الفيديو في انتكاسة جديدة لمناخ الحرية على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا وذلك بعد أن لوح أردوغان بإجراءات تنظيمية جديدة لتلك المواقع او إغلاقها بالكامل.
ويشير الكاتبان إلى أنه بالنظر إلى أن جيل كامل من الشباب الأتراك نشأوا تحت حكم أردوغان كرئيس للوزراء ثم كرئيس، فهم يدركون تمامًا محاولات الرئيس التركي لاستقطاب هذا القطاع من الشعب منذ العام 2012 عندما أطلق مشروعه لتربية الأجيال المتدينة عن طريق التغلغل في نظام التعليم في البلاد.
وحسب الكاتبين فقد ضخ الرئيس التركي مليارات الدولارات في التعليم الديني، خصوصًا المدارس الثانوية التي أنشأتها الدولة في الأصل كمؤسسات مهنية لتدريب الشباب ليصبحوا أئمة ودعاة وخطباء مساجد. ولاحقًا تم التوسع في هذا المشروع ليشمل الفئات الأقل سنًا، خصوصًا في المدارس الحكومية التي لا تتبع فكر العدالة والتنمية الديني، كما زاد عدد الساعات المخصصة لتدريس المناهج الدينية وحظر على الجميع إدخال أي تطوير في المناهج الدراسية الأخرى.
ثم يشير كاتبا المقال إلى أنه على الرغم من المبالغ الطائلة التي تم إهدارها على التعليم الديني فإنه لم يلاق الكثير من الإقبال لدى الشباب التركي، وذلك بطبيعة الحال لأن هذه الفئة العمرية تميل لنمط حياة مغاير، والغريب في الأمر أن حتى الطلاب في ثانويات أردوغان الدينية يرفضون التعاليم الإسلامية من الأساس!
وفي ورشة عمل نظمتها وزارة التربية الوطنية في بلدة قونية ” المحافظة” خلال عام 2018 وجدت أن الطلاب في مدارس الأئمة والخطباء يضعون الدين الإسلامي برمته موضع تساؤل، وذلك في أعداد متزايدة. فهم يؤمنون بالله الواحد ولكن لا يلتزمون بتعاليم ومبادئ الإسلام، وعلى ذلك سار إهدار المال العام وخيبة نظام أردوغان جنبًا إلى جنب.
ويرجح الكاتبان أن السبب في الفشل الذي لحق بمشروع الرئيس التركي لتعميم التعليم الديني يرجع إلى أن الإسلام في عهد أردوغان تم تجريده من جوهره واستخدامه للتستر على الفساد وإضفاء الشرعية على حكم الفرد، وهو ما دفع أجيال الشباب للبحث عن مصدر آخر للسلطة الأخلاقية.
إضافة إلى ذلك نما نوع من السخط لدى أولياء الأمور بسبب تردي جودة العملية التعليمية بشكل عام، وهي نتيجة طبيعية لتصاعد جرعة التعليم الديني وتحولها إلى جرعة مكثفة أثرت على جودة تدريس المواد الأساسية الأخرى.
وفي جزء لاحق في المقال يشير الكاتبان إلى أن العوامل التي أدت إلى سخط قطاع الشباب على العملية التعليمية لا ترجع فقط لسطوة التعليم الديني، وإنما ترجع أيضًا إلى التدخلات السافرة من قبل أردوغان في نظام التعليم الجامعي وكيفية القبول فيه.
وقد تصاعدت هذه الموجة بعد أن تحولت تركيا إلى النظام الرئاسي في العام 2018 حيث اكتسب أردوغان سلطة جديدة أُضيفت لسلطاته المتعددة وهي تعيين رؤساء الجامعات والكليات والمعاهد، وبالطبع فإن الموالاة للنظام كانت المطلب الأبرز لشغل الوظيفة وليس الكفاءة الأكاديمية.
مما أدى إلى أن الكثير من الشباب الأتراك أصبح يسعى للحصول على فرصة تعليم جيدة في بلد غربي، وذلك وسط تزايد مستويات البطالة ووصولها إلى 27%، كما أن الوساطة والمحسوبية ارتفعت لمستويات غير مسبوقة إلى الحد أن حتى أولئك الذين يدعمون الرئيس التركي لا يعتقدون أن بإمكانهم الحصول على وظيفة لائقة.
ثم يطرح الكاتبان فكرة مفادها أن النظام التركي متخوف من ثورة الشباب، وذلك وفقًا لاستطلاعات أجريت في 2018 وأظهرت أن الغالبية العظمى تقدس حرية التعبير، وتتسامح مع اختلاف الديانات والمعتقدات بل وحتى مع المثلية الجنسية وذلك بمستويات متضاعفة عن نظيرتها في عام 2008. علاوة على أن الأغلبية نددت بحظر الأحزاب السياسية.
وعليه يشير محللون إلى أنه إذا استمر الفشل الأردوغاني في تشكيل جيل شاب لدعمه فإن كل جهوده من إقالة رؤساء البلديات وإعادة الانتخابات ستذهب أدراج الرياح، خصوصًا بعد أن خسر قطاع الشباب الكردي بسبب سياساته العدائية.
وبنظرة أكثر موضوعية يشير كاتبا المقال إلى أن بعض جهود أردوغان ربما تكون قد نجحت نسبيًا، إذ تم التأكيد منذ عام 2012 على جذور تركيا الإسلامية والعثمانية، وهو ما آتى ثماره حيث شعر الكثير من الشباب الأتراك بأنفسهم جزءًا من الشرق الأوسط على عكس الأجيال السابقة التي نشأت في ظل حكومات أكثر علمانية.
إلا أن نفس هذا الجيل الذي يشعر بانتماء أكبر لماضيه ما زال يريد الحصول على تعليم علماني، والعيش في بلد حديث وحر وديمقراطي، على أية حال لم يعرف الشباب التركي حتى الآن قائدًا سوى أردوغان، وقد شاهدوه عن كثب وهو يتحول من زعيم ديناميكي يريد بناء تركيا إلى شخص منهك بالأوتوقراطية متمسك بالكرسي والحكم.
وقد كان تغيير موعد امتحانات القبول والثورة الإلكترونية التي نجمت عنه مجرد إشارة حديثة توضح فشل أردوغان. لم يفشل الرئيس التركي في مشروعه للتعليم الديني فقط، وإنما فشل في صناعة جيل من المؤيدين يسانده إذا ما أوشكت النهاية.
باحث أول بالمرصد المصري