تركيا

أثر الازمة الاقتصادية التركية على دعم أنقرة لحكومة الوفاق في ليبيا

لا يوجد مشهد أكثر عبثا وسخريه من المشهد التركي في الوقت الحالي، ففي ظل وضع يعاني فيه  اقتصاد تركيا من الأثار الناجمة عن فيروس كوفيد -19 وعملة تنهار بأكثر من 18%، وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي بحوالي 20 مليار دولار منذ بداية العام، تنصرف سياسات المسؤولين عن تقديم العون للشعب في مواجهه فيروس كورونا المستجد إلى استنزاف موارد البلاد لتمويل زعزعة الاستقرار الليبي في ساحة لا تتشارك معها في حدود جغرافية و تبتعد عنها بأكثر من 2000 كم، بهدف تحقيق مجد شخصي لقادتها، وإرضاء لمطامع تركية في الحصول على نصيب من ثروة الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، وبالرغم من معارضة الشعب التركي لذلك التدخل إلا أن أردوغان لا يكترث لرغبة مواطنيه، ممارسا لأبشع سياسات الدكتاتورية التي يمكن رؤيتها في عصرنا، ومقدما عظة للشعوب عن كيف يمكن للقادة الفاسدين أن يدمروا دولة كانت يوما ما ذو مكانة عالية.

كمثل باقي دول العالم أصاب فيروس كوفيد-19 تركيا، متسببا أعلى نسبة إصابة بين دول العالم خارج كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، تسببت تداعيات تلك الجائحة في إغلاق الاقتصاد التركي، وتسارع التدفقات النقدية الأجنبية للخارج، حيث سحب المستثمرون الأجانب أكثر من 8 مليار دولار من أسواق الأسهم والسندات بالعملة المحلية، وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي منذ بداية العام بمقدار 20 مليار دولار ليصل إلى مستوي 86 بنهاية أبريل، وهو المستوى الأدنى منذ عام 2018،  مما دفع عملة البلاد (الليرة) للانخفاض إلى مستوى قياسي جديد متجاوزة أسوأ مستوى قد وصلت له في أزمة العملة الخاصة بالبلاد لعام 2018.

انخفضت العملة بنسبة 18% منذ بداية العام لتصل إلى 7.249 ليرة لكل دولار، وبذلك تأتي تركيا في المرتبة الرابعة في ترتيب أسوا عملات الأسواق الناشئة تأثرا بفيروس كورونا، وعلى الرغم من أن محافظ البنك المركزي التركي قد أعلن أن البلاد ليس لديها سياسة للدفاع عن مستوي معين لقيمه العملة، وأنها ستحافظ على نظام التعويم للعملة، إلا أن الإجراءات على أرض الواقع تختلف عن تلك التصريحات، حيث قامت هيئة الرقابة المصرفية بإعادة تعريف التلاعب بالأسواق المالية ليتوسع ويشمل العديد من الأنشطة الأخرى في محاولة للسيطرة على الانخفاض في قيمة عملتها، ووفقا لتلك التعديلات الجديدة فإن عمليات التداول المصرفية ستؤدي إلى تسعير مضلل لقيمة العملة أو إبقاء الأصول عند مستويات مصطنعة وهو يمثل تلاعب في البيانات.

من جانب آخر ستساهم القيود المفروضة في التأثير على حجم الليرة التي يمكن للمستثمرين الأجانب الوصول إليها حيث أنه تم تحديد الحد الأقصى لمعاملات إعادة الشراء، والودائع، والقروض، وغيرها من صفقات الليرة في الخارج إلى 0.5% من أسهم الشركات، ومن المقرر أن تستمر حتى إنهاء الفيروس التاجي، وهو أمر من شأنه أن يتسبب في حدوث نقص دوري للعملة في الأسواق الخارجية، واجبار المتداولين المراهنة على العملة، أو التحوط ضد مخاطر تقلب تلك العملة كمحاولة لإدارة مخاطر استثماراتهم في البلاد.

وعلى الرغم من أن تصريحات المسؤولين الأتراك تشير إلى أنه لا داعي للقلق وأن احتياطيات البلاد كافية، ومن ثم فإنها لن تذهب للحصول على دعم من صندوق النقد الدولي، إلا أن حقيقة الأمر أن المطلوبات من البلاد بالعملات الأجنبية خلال فترة الـ12 شهرًا المقبلة فقط تبلغ 168 مليار دولار (ضعف احتياطي العملات الأجنبية للبلاد تقريبا).

يُعدُّ الوضع الاقتصادي التركي الحالي مأزومًا للغاية؛ حيث إنه بعد الخفض الثامن لسعر الفائدة أصبح معدل الفائدة الحقيقي سلبي (معدل التضخم أكبر من معدل الفائدة المعلن)، وهو أمر وضع الليرة التركية في موقف أكثر عرضة لعمليات البيع العالمية، ومن ثم فقد سعت تركيا إلى محاولة الوصول إلى اتفاق تبادل العملات مع مجموعة الدول العشرين وبعض الدول الأخرى مما يسهل وصولها إلى سيولة بالدولار، لكن وفقا لآراء عدد من الاقتصاديين منهم “تاثا غوث” كبيرة الاقتصاديين في “كومرز بنك”، فإن محاولات صانعي السياسة التركية استخدام تلك التدخلات معقدة وغير فعالة للحصول على العملات الأجنبية عبر صفقات المبادلة، حيث إن الأصول الأجنبية التركية لن تتحسن إلا بالذهاب لصندوق النقد الدولي.

وفي ظل تلك الأزمات في الشأن الداخلي تنفق تركيا أموالها على تمويل الحرب الأهلية في ليبيا في ظل معارضة شعبيه وهجوم حاد على سياسات أردوغان إزاء الدعم العسكري المقدم لحكومة الوفاق الليبية، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وقدرة محدودة للحكومة على دعم النشاط الاقتصادي واحتياطي نقد أجنبي متراجع بشكل خطير، ومن ثم فإنه من المعقول ألا يستطيع اردوغان المضي قدما في تحمل التزام أكبر لدعم ليبيا في الوقت الحالي لتعتبر الهدنة الليبية الحالية بمثابة طوق النجاة له في ظل تلك الازمة الاقتصادية الطاحنة، لكن ذلك يظل في نطاق المعقول فقط.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى