
من هو بلومبيرج المنافس المحتمل في سباق البيت الأبيض الذي يخشاه ترامب ؟

كانت القدرة المادية الهائلة أحد أهم العوامل التي رجحت كفة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال طريقه نحو البيت الأبيض في انتخابات2016 متفوقاً على المرشحين الجمهوريين للترشح للسباق الرئاسي بعدما أنفق أكثر من 66 مليون دولار على حملته الانتخابية الأمر الذي أسهم بشكل كبير في وصوله لمنصبه.
لكن قد يتغير ذلك مع دخول مرشحين للسباق نحو البيت الأبيض أكثر ثروة ويتمتعون بعدة نقاط قوة قد تؤدي لمنافسة حامية مع ترامب على مقعد الرئاسة الأهم بالعالم.
وقد يحدث ذلك بسبب رجل الأعمال مايكل بلومبيرج والذي يتفوق على ترامب في إجمالي الثروة.
بلومبيرج أعلن ترشحه للسباق الرئاسي نوفمبر الماضي بعدما أعلن امتناع عن الترشح احتراما منه للمرشح الديمقراطي ونائب الرئيس السابق جو بايدن الذي تربطه علاقات جيدة معه وبالرغم من أن حظوظ بلومبيرج ليست كبيرة مقارنة بمنافسيه الديمقراطيين إلا أنه يبقى مصدرا للقلق لدى حملة دونالد ترامب فقد وعد الرجل الثاني عشر في لائحة أغنى أغنياء الولايات المتحدة والأغنى بولاية نيويورك بدعم غير مسبوق للمرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية حتى وإن خسر بلومبيرج سباق الترشح عن الحزب الديمقراطي أملاً منه في إسقاط دونالد ترامب من على كرسي المكتب البيضاوي.
فمن هو مايكل بلومبيرج ، لماذا يخشاه دونالد ترامب ، وما هي حقيقة حظوظه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟
الملياردير اليهودي ذو ال78 عاماً هو عمدة نيويورك الأسبق في الفترة من 2002 حتى عام 2013 ، المدير التنفيذي لمجموعة بلومبيرج العملاقة التي أسسها في 1981 و يمتلك الحصة الأكبر من أسهمها 88% ، بدخوله لسباق الرئاسة الأمريكي يصبح هو أغنى رجل في تاريخ الولايات المتحدة يدخل السباق الانتخابي.
بلومبيرج أعلن الانفاق على حملته من ثروته الخاصة على عكس منافسيه الذين يعتمدون على حملات جمع التبرعات مما يرجح كفة الرجل صاحب الثروة المقدرة ب 64,7 مليار دولار أي 12 مرة ضعف ثروة الرئيس الحالي دونالد ترامب المقدرة ثروته ب 3مليار دولار وفقا لمجلة “فوربس”.
بدأ بلومبيرج حياته العملية في سن مبكر بعد تخرجه من جامعة هارفاد للاقتصاد كما حصل على درجة في الهندسة من جامعة هوبكنز ليبدأ مسيرته في سوق الأوراق المالية ” وال ستريت” ليحصل على الخبرة والأموال الكافية لتأسيس ” حلمه” شركة بلومبيرج والتي أصبحت بعد ذلك عملاق صناعة الإعلام وتبادل المعلومات في العالم حيث وصلت قيمتها السوقية ملياري دولار عام 1980.
.
11 سبتمبر دخول بلومبيرج لعالم السياسة
ومع بزوغ نجمه على ساحة رجال المال والأعمال قرر بلومبيرج الدخول للساحة السياسية عندما ترشح لمنصب عمدة نيويورك عام 2001 بعد أسابيع قليلة من حادثة 11 سبتمبر مستغلاً التقلبات السياسة وحاجة مدينة نيويورك لمنقذ ” اقتصادي” يزيل أثار سقوط برجي التجارة العالميين سواء النفسي أو الاقتصادي عل مواطني المدينة.
وخلال فترته عمدة نيويورك رفض بلومبيرج تقاضي راتبه الحكومي عن المنصب مفضلاً التبرع به ليتقاضى دولارا واحدا عن كل شهر قضاه في منصبه ليس ذلك فحسب بل كان بلومبيرج يصرف من ثروته الخاصة على رحلاته للعمل خلال وجوده بمكتب عمدة نيويورك .
ووفقا ل(فوربس) فقد وصل إجمالي ما أنفقه بلومبيرج خلال 12 عاما عمدة نيويورك إلى ستة ملايين دولار.
وبرزت حنكة بلومبيرج السياسية في عدة مواقف خلال عمله عمدة لنيويورك أبرزها عندما قرر خوض فترة ثالثة وهو ما يتعارض مع القانون الذي حدد ولايتين فقط في منصب عمدة المدينة لكن ذلك لم يوقف بلومبيرج حيث تمكن من عمل حملة تنادي بالسماح له بفترة ثالثة ، دعمها بمبالغ طائلة من المال مكنته من ولاية ثالثة بمنصب العمدة ليبقى بالمنصب ١٢ عاما أي حتى عام 2013 .
وبعد خروجه من المنصب ركز بلومبيرج على إدارة شركته كما برز أسمه في العمل الخيري بعد تبرعه بمبالغ طائلة لعدد من المؤسسات الخيرية والتعليمية بمدينة نيويورك وكان التحول الأبرز في مسيرته في ذلك الوقت هو تحوله من عضو بالحزب الجمهوري لعضو في منافسه الديمقراطي.
وفي مارس من العام الماضي .. أعلن بلومبيرج عدم نيته الترشح لرئاسة الولايات المتحدة معللاً ذلك باحترامه لنائب الرئيس وصديقه المقرب جو بايدن المرشح المحتمل من الحزب الديمقراطي ، لكن مع انخفاض حظوظ بايدن الانتخابية أعلن بلومبيرج نيته للدخول للسباق الإنتخابي في نوفمبر الماضي.
مصادر قوة حملته

بسبب تأخره عن الإعلان عن ترشحه لم يتمكن بلومبيرج من الظهور في المناظرة الأولى الخاصة بمرشحي الحزب الديمقراطي للرئاسة ، ليقول بعدها لصحيفة “نيويورك تايمز” إنه ينوي الدفع بأموال أكثر لزيادة انتشار حملته من خلال حملات أكبر على التلفزيون وتعيين أفراد أكثر للعمل في حملته وعمل حملات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ، وهو ما يستطيع فعله بسهولة بسبب ثروته الطائلة.
الرئيس ترامب الذي اعتمد على ثروته بشكل كبير لضمان الفوز بالانتخابات الماضية ربما لن يستطيع فعل ذلك مع بلومبيرج الذي تفوق ثروته ثروة ترامب 12 ضعفا.
ليس هذا فحسب بل أن سمعة ترامب بأنه ” رجل الصفقات” مهددة كذلك لأن بلومبيرج رجل اقتصادي ولديه خبرة قوية في مجال عقد الصفقات كذلك ، كما أنه يتفوق على ترامب في مقدار الثروة مما يعد بحملة انتخابية هي الأغلى في التاريخ بعدما كانت حملة الرئيس ترامب في 2016 هي الأغلى في التاريخ الأمريكي.
بالإضافة لذلك فإن بلومبيرج يخالف الرئيس ترامب في عدد من التوجهات الجوهرية والتي تهم الناخب الأمريكي.
بلومبيرج معروف عنه أنه من مناصري خفض انبعاثات الكربون ومن المهتمين بقضية التغير المناخي على عكس الرئيس ترامب الذي يرفض شروط اتفاقية باريس للمناخ كما ولا يلتزم بوعود سلفه بارك أوباما فيما يخص التزامات الولايات المتحدة من قضية التغير المناخي ومواجهتها التي أضحت خطراً يهدد العالم.
كذلك موقفهما من تجارة السلاح فمن المعروف أن أحد أهم داعمي الرئيس الأمريكي ترامب للوصول للمكتب البيضاوي كان لوبي تجار السلاح الأمريكي حيث يؤمن ترامب بحرية تجارة السلاح كونها من مقومات الاقتصاد الأمريكي كذلك رفض ترامب الانصياع مراراً وتكراراً لضغوطات الكونجرس للحد وفرض رقابة أكثر على تجارة السلاح مع تصاعد وتيرة جرائم الكراهية.
،أمر أخر يختلف فيه الرجلان الغنيان تماماً فبلومبيرج يؤمن بضرورة وضع قيود على تجارة السلاح والحد منها أمر قد يفيده خلال تصويت الحزب الديمقراطي لاختيار مرشحه لكنه سيخسره دعم لوبي تجارة السلاح الأمريكي حال وصوله لمنافسة ترامب.
وبالرغم استراتيجية حملته المتأخرة في الدخول للسباق لكن حملته استطاعت السيطرة على سوق الإعلانات سواء في التلفزيون والراديو والسوشيال ميديا على حساب المرشحين الديمقراطيين.
ومع حملة بلومبيرج التي ركزت على مهاجمة سياسات إدارة ترامب والتركيز على موضوع الرعاية الصحية أكسبه تقدما ملحوظا ، تشير استطلاعات الرأي الى أن نسبة قبول بلومبيرج ارتفعت بين الديمقراطيين خمس نقاط خلال الأسبوعين الماضيين كما أنه يتقدم المرشحين الديمقراطيين في ولايتي أركانساس وفلوريدا.
الهجوم عليه:
برغم من قدراته المادية والتنظيمية غير المسبوقةلكن يبقى تاريخ بلومبيرج يطارده ، فبلومبيرج له عدد لا بأس به من الفضائح والقضايا التي شغلت الرأي العام الأمريكي في بداية الألفية وبالأخص مع توليه منصب عمدة نيويورك ، فبلومبيرج يعاني من سجل سئ من القضايا العنصرية ضد الأقليات وقد وجهت له دعوات قضائية بسبب ذلك سابقاً وهو ما سهل من هجوم المرشحين الديمقراطين عليه في المناظرة الأولى له مع المرشحين الأخرين بولاية نيفادا فقد قام منافسوه بتشويه سمعته تماما ً خلال الدقائق الأولى من المناظرة وفقاً لصحيفةة” نيويورك بوست”
كانت أول من بدأ الهجوم على بلومبيرج في المناظرة السيناتور إليزابيث وارن التي كانت الأكثر تركيزاً على أنتقاده من بين المرشحين حيث بدأت في الهجوم عليه وحيث قالت “أود التحدث عن أحد المنافسين الذي يطلق أسماء مسيئة على السيدات “السمينات” وأصحاب الوجه الحصاني” وأضافت وأرن ” أنا لا أتحدث عن ترامب بل أتحدث عن بلومبيرج” مشيرتاً لبعض من تصريحاته العنصرية السابقة للإنتقاص من شعبيته وتشويه سمعته عن طريق تذكير الديمقراطين بماضيه مع العنصرية ،أما المرشح بيتيجيج قال ” إن يلومبيرج وبيرني ساندرز أثنين من أكثر الشخصيات إستقطاباً على المسرح.
بينما هاجمت المرشحة السيناتور إيمي كلوبشر حملة بلومبيرج الإهلامية الضخمة وأشارت إلى أنه الشئ الوحيد الذي يستطيع التفوق به بسبب ثروته منتقصتاً من قدراته وترى أنه دون ثروته لما كان حتى بأمكانه الدخول للمنافسة بين الديمقراطين ، قالت كلوبشر خلال المناظرة والتي أذيعة على الهواء مباشرتاً بحضور بلومبيرج” لقد رحبت بحضور بلومبيرج للمناظرة ، على الأقل لن يستطيع الإختباء خلف إعلاناته الأن”
وبالعودة إلى المرشحة إليزابيث وارن فقد كانت الأكثر هجوماً على بلومبيرج وهو ما أثار غضبه بسبب تركيز هجومها عليه لمعرفتها الكبيرة بتاريخ بلومبيرج سواء في العمل الإعلامي أو تاريخه السياسي حيث عملت وارن لفترة طويلة داخل “وال ستريت” نفس المكان الذي بدأ منه بلومبيرج ، لكن كانت أكثر اللحظات إثارة للجمهور عندما طلبت السينتور وأرن من منافسها بلومبيرج الكشف عن أسماء العشرات من السيدات التي تحرش بهن و أساء لهم طوال السنوات الماضية والتي وقعن إتفاقية عدم الإفصاح عن ما جرى لهم بعد تعينهم في مؤسسته العملاقة وبرواتب مرضية كما وذكرت وأرن بلومبيرج بالقضايا التي رفعت ضده ببسبب العنصرية ضد الأمريكيين من أصول إفريقية مما أثار غضب بلومبيرج وأثر على أدائه خلال المناظرة .
بيرني ساندرز الذي تصدر الأنتخابات التمهيدية نال نصيباً من هجوم المرشحين كما لايزال يتصدر إستطلاعات الرأي ، لكن يبرر المحللين ذلك بدخول بلومبيرج المنافسة متأخراً فبلوبرج لم يدخل الإنتخابات التمهيدية في الولايات الأربع الأولى سعياً منه للتركيز على يوم “الثلاثاء الكبير” في الثالث من مارس حيث تصوت 14 ولاية ومدينة أمريكية وفقاً لمدير حملته كيفين شيكيي ، فربما لو كان بلومبيرج دخل للسباق في مبكراً لتصدر على حساب بيرني ساندرز الذي يلقى الكثير من الإنتقاد بسبب توجهاته الإشتراكية.
فالرغم من الهجوم عليه وتصدر ساندرز ودخوله المتأخر لاتزال حظوظ بلومبيرج جيدة ضمن مرشحي الحزب الديمقراطي جيدة فهو الثاني في إستطلاعات الرأي من حيث الشعبية من قبل الديمقراطين كما أن بلومبيرج أستفاد من الظهور الضعيف لجو بايدن في ولاية نيو هامبشر خلال الإنتخابات التمهيدية والذي أثر على شعبيته ليحل ثانياً بدلاً منه في أستطلاعات الرأي ، وفقاً لأستطلاع رأي صدر عن لجنة إستطلاع الهاتف الوطني فإن بيرني ساندرز يتفوق بنسبة 31% ويليه مايك بلومبيرج بنسبة 19% متفوقاً على نائب الرئيس السابق جو بايدن الذي حل ثالثاً ب15% تلته السيناتور إليزابث وارن ب12%
.لماذا يخشاه ترامب؟

لكن قد يعتقد البعض أن الثروة فقط هي مصدر قوة بلومبيرج الذي يعتمد عليها في تمويل حملته والدعاية لها ، أمبراطورية بلومبيرج المبنية على الاقتصاد والإعلام وجمع المعلومات وهو ما تشتهر به وكالة بلومبيرج تستطيع بسهولة توفير دعم كبير من خلال توجيه حملته الإعلامية كما والهجوم على خصومه سواء الديمقراطيين أو الرئيس ترامب حال وصل لمنافسته يعني ذلك أن هجوم بلومبيرج على أي منهم سيكون مركز ومبني على معلومات وهو ما قد يثير خوف خصومه.
كما أن حملاته الدعائية ستكون مركزة بشكل أكبر حيث ستصل إعلانات تناقش قضية العدالة بين العرقين للأمريكيين من أصول أفريقية كمثال ، بينما ستصل إعلانات مركزة أكثر على موضوع كالرعاية الصحية للعائلات الأكثر حاجة لها .
تستطيع حملة بلومبيرج التفوق في هذا المجال بسهولة معتمدة على وكالته بنك المعلومات العملاقة.
وبالرغم من القدرات التي تمتلكها حملته إلا أن بلومبيرج قد لا يمتلك ما يكفي من الحظوظ بسبب تاريخه مع النساء الذي سيستغله خصومه للهجوم عليه كما حدث مع منافسه نائب الرئيس الأسبق جو بايدن مع إعلانه عن بدأ حملته كما أن دخوله المتأخر لسباق الديمقراطيين أفقده الأفضلية التي ربما كان قد يحصل عليها إذا ما كان خطط للأمر مبكراً يضاف لذلك تحوله منذ ثلاث سنوات من الحزب الليبرالي إلى الحزب الديمقراطي لا يكسبه الكثير من المصداقية برغم من أعماله الخيرية الضخمة بالأخص في فترة شغله لمنصب عمدة نيويورك، وبغض النظر عن حظوظه الشخصية لكن تصريحات ترامب و تغريداته على تويتر ضد بلومبيرج توحي بقلق الرئيس الأمريكي من بلومبيرج ليس بسبب ترشحه وثروته لكن بسبب تصريحاته عن دعمه للمرشح الذي سيختاره الحزب الديمقراطي لمنافسة ترامب فقط لإسقاطه ، فدخول بلومبيرج سيضيف قوة لقدرة ترامب في التنظيم والدعاية وحجم الحملة التي يفتقدها الحزب الديمقراطي فيما ينذر بأشرس وأغلى سباق انتخابي في تاريخ الولايات المتحد
باحث ببرنامج السياسات العامة