
تشكيل حكومة وحدة وطنية في جنوب السودان.. خطوة على طريق السلام
في العشرين من فبراير الجاري، اتفق طرفا النزاع في دولة جنوب السودان على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية قبل المهلة المحددة بيومين؛ ليتم تشكيلها أمس السبت وذلك بعد تأجيلها مرتين عن الموعدين السابقين في مايو ونوفمبر من العام الماضي.
جاءت تلك الخطوة بعد مشاورات بين رئيس دولة جنوب السودان “سيلفا كير” وزعيم المعارضة “رياك مشار” ونائب رئيس مجلس السيادة السوداني “محمد حمدان دقلو”.
ويعد تشكيل حكومة الوحدة جزءا من اتفاق السلام فيما تظل القضايا العالقة التي سيتم حسمها من خلال الحوار داخل حكومة الوحدة الوطنية الجديدة.
وتتألف حكومة الوحدة الوطنية من خمسة وثلاثين وزيرا بدلا من ثلاثين وزيرا في السابق، بحيث يكون عشرون وزيرا للحكومة ومختلف فصائلها، وتسعة للحركة الشعبية، وثلاثة لتحالف المعارضة، واثنان للمعتقلين السياسيين، وواحد للأحزاب السياسية.
بالإضافة إلى عشرة نواب لوزارات الخارجية، والمالية، والإعلام، والزراعة، والتعليم، والعدل، وخمسة للحكومة، وستكون الحكومة لمدة ثلاث سنوات ويتم خلال هذه الفترة وضع الدستور وبعدها تتم العملية الانتخابية على كافة المستويات.
مؤشرات جيدة
عاد الأمل إلى جنوب السودان؛ إذ تبادل كلٍ من “كير” و”مشار” السلام فيما يمكن وصفه بـ”اللحظة التاريخية” بعد سنوات من القتال، حيث أدى زعيم المعارضة “رياك مشار” اليمين الدستورية كنائب للرئيس “سلفاكير” كبداية لنهاية الحرب.
ويمكن توضيح ذلك من خلال هذه المؤشرات:
- التوافق حول عدد الولايات؛ كان من ضمن عقبات اتفاق السلام تحديد عدد الولايات داخل دولة جنوب السودان حيث كانت الخيارات المتاحة بالنسبة لتقسيم الولايات ما بين 10 ولايات أو 21 ولاية أو 32 ولاية وفي الخامس عشر من فبراير 2020 استجاب رئيس جنوب السودان” سلفا كير” إلى أحد أهم مطالب المعارضة، بالعودة إلى نظام فيدرالي يقسم الدولة إلى عشر ولايات كما كانت في السابق.
بالإضافة إلى ثلاث تقسيمات إدارية في مناطق روينق وبيبور وأبيي، ولكن دون تحديد الصلاحيات والواجبات لها حتى الآن. وأثقل عدد الولايات السابق اقتصاد الجنوب مزيدا من الإنفاق الحكومي في ظل الضغوط الاقتصادية الشديدة.
- عودة اللاجئين؛ يفتح تشكيل الحكومة الجديدة الطريق أمام اللاجئين والمشردين داخلياً للعودة إلى ديارهم، حيث دعا الرئيس “سلفا كير” أبناء الجنوب اللاجئين والنازحين إلى العودة للوطن لدعم السلام والمساهمة في مسيرة البناء والتعمير في ظل تداعيات الحرب الأهلية التي أودت بحياة 400 ألف شخص وتسببت في أكبر أزمة لاجئين في أفريقيا منذ الإبادة الجماعية في رواندا 1994.
- دعم عسكري؛ في الحادي والعشرين من فبراير 2020 وصلت إلى مطار جوبا طائرة سودانية تحمل مساعدات عسكرية مُقدمة من السودان بتوجيهات من الفريق “عبد الفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي إلى قوات دفاع جنوب السودان في إطار دعم السودان للترتيبات الأمنية التي نصت عليها اتفاقية السلام في جنوب السودان وتحديداً دعم القوات الخاصة المُكلفة بحماية الشخصيات المهمة باعتبار السودان راعياً لاتفاق السلام، وهي الرئيس الحالي لمنظمة ” الإيجاد”.
تحديات حكومة الوحدة الوطنية
وبرغم بريق الأمل بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الذي لاح مجددا، لكن لا يزال هناك كثير من التحديات التي يجب على الحكومة الجديدة التغلب عليها لتحقيق السلام المستدام.
وتتمثل هذه التحديات في:
- تفاقم الفساد؛ من خلال انتشار واسع للفساد في بعض كافة مؤسسات الدولة ويتمثل ذلك في عمليات السرقة لموارد الدولة وتحديدا من الهيئة الوطنية للإيرادات، فيما يُعرف “بجرائم اقتصادية” وإثراء العديد من الأشخاص على حساب الفقراء، بالإضافة إلى حالات فساد النخب من قبِل الحركة الشعبية وسوء إدارتهم للحكم، وعلاوة على ذلك العلاقات السرية التي تربط هذه النخب بشركائهم؛ كالشركات العاملة في مجال صناعة النفط في جنوب السودان، وعلاقات هذه الشركات بتسليح وإمداد الميليشيات الداعمة للنظام في الجنوب مما يوضح مدى استفحال الفساد في مؤسسات الدولة.
- قضايا عالقة؛ اتفق أطراف النزاععلى تأجيل مناقشة القضايا الخلافية بعد تشكيل حكومة الوحدة، ومن أهمها تكامل القوى وإعادة تنظيم الأحزاب السياسية والعدالة الانتقالية، والترتيبات الأمنية ودمج القوات المقاتلة المعارضة في الأجهزة الأمنية وتشكيل جيش موحد جديد من خلال دمج عشرات الآلاف من القوات المتناحرة السابقة في ظل افتقار بعض هذه القوات إلى الإمدادات.
- تجنيد الأطفال والعنف الجنسي؛ من خلال حالة الانتهاكات واسعة النطاق للأطفال وحالات العنف الجنسي في ظل ضعف آليات العدالة والمساءلة عن الانتهاكات الجنسية، واستخدام العنف الجنسي ضد النساء والرجال كسلاح في الحرب، وفيما يتعلق بتجنيد الأطفال؛ فقد تم تجنيد 19 ألف طفل، وتخلف 2,2 مليون طفل عن الذهاب إلى المدرسة، بالإضافة إلى أن 30 % من المدراس لا تزال مغلقة.
- إعادة الانسجام بين أبناء الشعب؛ ومع تحول الصراع إلى تكثيف العنف الاثني على المستوى المحلي في ظل حالة الاشتباك بين القوات الحكومية وقوات المتمردين مع بعضها البعض خلال الحرب الأهلية، حيث قُتل ما يقرب من 2500 شخصاً بمن فيهم العديد من النساء والأطفال، ومن أجل تهيئة المناخ لإجراء أول انتخابات عامة بعد انفصال الجنوب، لابد من تشكيل حكومة كفاءات تستطيع إعادة الثقة للمواطن الجنوبي وتؤدي إلى إحداث حالة من الانسجام الاجتماعي بين المواطنين.
وختاماً؛ يُعدتشكيل حكومة الوحدة الوطنية خطوةً مهمة على طريق تحقيق الاستقرار وإنهاء الحرب الأهلية في جنوب السودان، وهو حجر الزاوية في اتفاق السلام، لكن لا تزال المخاوف بشأن صمود الاتفاق الجديد ووصول البلاد إلى الأمن والاستقرار.