
السودان من ملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية لرقم هام في معادلة الأمن الإقليمي
الجنوب، لطالما كان أكثر جهات مصر استقراراً عبر تاريخها، مقارنة بالاتجاه الشمالي الشرقي الذي جاء من خلاله غالبية التحديات الكبرى التي هددت الأمة المصرية، وانتهت بعض منها بالاحتلال، بدءاً من احتلال الرعاة الهكسوس لشمال شرقي البلاد المصرية قبل ثلاثة آلاف عام، وصولاً للاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء قبل خمسين عاماً.
فلا عجب أن تنطلق موجات التحرير الأولي للبلاد المصرية من قبضة المحتل الهكسوسي البغيض، من جنوب مصر، بعد أن احتوت الملكة “إياح حتب” تمرد قبائل النوبة، وسكّنت جبهة الجنوب، لتنطلق من بعدها الفيالق المصرية بعد أن أكملت تجهيزاتها لسحق المحتل ومطاردته حتى فلسطين الحالية. ولتبدأ واحدة من أعظم فترات التاريخ المصري القديم “الأسرة الثامنة عشر”، الدولة الحديثة. منذ ذلك الحين لم تتعرض مصر لأخطار مصدرها الجنوب وصولاً لمحطات تاريخها المعاصر. بل ان اشتداد عود الدولة المصرية وارتفاع سقف قدراتها العسكرية ارتبط بنشاط ميداني لها في الجنوب وهو ما ظهر جلياً في الحملات العسكرية لمحمد علي باشا ومن جاء بعده من أسرته؛ صوب الشلال الرابع وأقاصي السودان 1820 – 1824.
بيد أن منذ تأسيس محمد علي باشا لمصر الحديثة وصولاً لثمانينات القرن المنصرم، اتسمت جبهة الجنوب بالاستقرار النسبي، وأضحت التفاعلات والتحولات الأمنية المصرية بهذا الاتجاه تنحصر في مكافحة عمليات التهريب والهجرة غير الشرعية، إلى أن وصل البشير – أحد أعضاء الجبهة الإسلامية القومية – وقتها، للحكم عام 1989 بانقلاب عسكري على حكومة الصادق المهدي. حيث غير ذلك الانقلاب من موضع السودان في النظام الإقليمي إثر وقوع مفاصل الدولة تحت سيطرة تنظيم الإخوان. فاحتفظت السودان بعلاقات قوية مع قوتين متضادين “تركيا – إيران”، على أن علاقاتها مع إيران عسكرياً وسياسياً كانت أعمق وأقوي، حتى وصل حزب العدالة والتنمية التركي لسدة الحكم 2003. وذلك نتيجة سيطرة أدبيات ومفاهيم الحاكمية الإسلامية بنسختها الأحدث والأكثر تطرفاً التي وضعها سيد قطب؛ على النخب والقيادات الحاكمة في كل من “طهران – أنقرة – الخرطوم”. ما جعل الارتباط بين تنظيم الإخوان في أي دولة ينشط بها، ونظام الملالي في طهران يمكن عدّه تحالف عقائدي استتر بالسياسة، أو سياسي استتر بالعقيدة.
من هذا التموضع القريب للسودان من طهران وأنقرة، في عهد البشير، انتقل مستوي التحولات والتفاعلات الأمنية المصرية بجبهة الجنوب من الاستقرار النسبي للتهديد في أحيانِ كثيرة. إثر تحول السودان كملاذ آمن للتنظيمات والعناصر المسلحة والإرهابية على حدِ سواء طيلة ثلاث عقود من حكم البشير. تجدر الإشارة أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، أقام بالسودان في الفترة الممتدة 1990 – 1996، ونفذ فيها العديد من المشروعات الاستثمارية والتجارية كانت عائداتها مخصصة لتمويل النشاط الإرهابي الموسع بعد تجربة القاعدة في أفغانستان، وقدمت له الحكومة السودانية وقتها عدة مزارع كحصة استثمارية، حولها بن لادن تحت عِلم البشير، معسكرات لتدريب مقاتلي القاعدة وإعدادهم لتنفيذ كبريات العمليات الإرهابية لاحقاً في القارة الإفريقية ولاسيما في منطقة القرن الإفريقي وسواحله. فضلاً عن تحول السودان لمركز إيواء لعناصر تنظيم الجهاد المصري، الذي نفذ عدة عمليات إرهابية داخل مصر في تسعينيات القرن المنصرم منها محاولة اغتيال رئيس الوزراء المصري الأسبق عاطف صدقي 1993، حتى تورط نظام البشير في محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا 1995. إلا أن موقع السودان من مشاريع التوسع العقائدية التركية – الإيرانية ازداد علي نحو مطرد بعد انفجار موجات ما يُسمي بالربيع العربي وتحولها من حركات احتجاجية اجتماعية، لكرة لهب كبري من الاقتتال المسلح الداخلي، الممهد لإنهاء احتكار الدولة المركزية للقوة الإكراهية وتباعاً تشظي الجماعات المسلحة والإرهابية ولاسيما بعد تبوء إقليمي شمال إفريقيا ودول الساحل والصحراء مواقع ذات أهمية كبري في أجندات القوي الإقليمية الكبرى الغير عربية، التي ملئت بقوة السلاح والميليشيات الفراغ الاستراتيجي بطول الجبهة الشرقية للمنطقة العربية ولاسيما بعد مغادرة كل من سوريا والعراق لمعادلة القوة العربية. وعليه؛ فإن الدولة المصرية تعاطت مع السودان وقيادته في ذلك العقد، الذي تكابد فيه دول المنطقة العربية والشرق أوسطية تداعيات موجة المد الرابع لظاهرة الإرهاب العابر للحدود منذ تأسيس تنظيم القاعدة، من منطلق الأمن القومي، ووحدة المصير، علي اعتبار أن تهديد استقرار السودان يضر باستقرار وثبات القاهرة في واحدة من أعقد الصراعات التي تختبر سقف القوة والقدرة الشاملة للدولة. ذلك التعاطي اتخذ مسارين:
المسار الأول: الاحتواء 2011-2019
بدا واضحاً منذ صعود البشير للسلطة انتمائه الحقيقي، وتموضع نظامه في مصفوفه الأدوار الإقليمية الرامية لتقويض الدور التاريخي المصري بالمنطقة. وفصل ارتباطه الاستراتيجي بالسودان، القائم على أسس تاريخية وعرقية، وجغرافية راسخة تمتد عبر جذور التاريخ. علي الرغم من المد والجذب في العلاقات بين البلدين منذ اعتلاء البشير للسلطة، إلا أن دينامية العلاقة المصرية – السودانية شهدت تغيراً ملحوظاً مع تطورات الربيع العربي، مع الإبقاء علي محددات الخلافات الرئيسية بينها المتمثلة في ملف سد النهضة، والنزاع الحدودي علي مثلث حلايب وشلاتين، وإيواء المعارضين، والعلاقات الاستراتيجية مع طهران وأنقرة. وعلى إثر تلك المحددات، تعاطت القاهرة مع الخرطوم بمحاولات من رفع سقف التعاون الأمني والاستخباراتي وتدعيم الشراكات الاقتصادية التي تدفع بتقوية الترابط الاستراتيجي بين العاصمتين بشكل تصعُب معه محاولات فكه وفصله، وكلها محاولات هدفت لعدم تحييد السودان أو جعل حالة من العداء تسود نمط التفاعلات بين البلدين ولاسيما بعد تصادم الأيديولوجية الحاكمية الإسلامية في النظام السوداني بمفهوم الدولة الوطنية المستقلة الذي تتبناه مصر في مجمل انخراطها الإيجابي النشط بالإقليم. وعليه يمكن تقسيم سياسة الاحتواء في تلك الفترة لشقين:
1- التطابق المؤقت (2012-2013)
فور وصول تنظيم الإخوان المسلمين للحكم في مصر، منتصف يونيو من العام 2012، وقبلها من سيطرة التنظيم على النظام التشريعي المصري، شهدت العلاقات بين البلدين حالة من التطابق المؤقت، أفرزتها انتماء كلا الرئيسين في ذلك الوقت للإسلام السياسي وادبيات الحاكمية الإسلامية لـ أبو الأعلى المودودي وسيد قطب، التي تقوم في العديد من أركانها على الأممية، والتعدي على السيادة الوطنية من منطق هذه الفكرة، وهو ما ظهر في تصريحات الرئيس السوداني الأسبق عمر البشير إثر زيارة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي للخرطوم، إبريل 2013، حيث قال البشير تعقيباً على النزاع الحدودي أن: “الحدود مكانها الخريطة فقط، لأن المستعمر هو من وضعها”.
حلّق الطرفان في فلك المحور القطري – التركي، وبات الجميع (قطر – السودان – حكومة الإخوان في مصر)، يحلقون ضمن جملة الأهداف الاستراتيجية العظمي للنظام التركي الرامي لإعادة إحياء العثمانية الجديدة، وهو مشروع قومي تركي يستغل الإسلام السياسي وأدواته بُغية تحقيق آماله وطموحاته التوسعية القائمة بالأساس على هدم الدول الوطنية ومؤسساتها.
وعلى الرغم من حالة التطابق المؤقت تلك، إلا أن ثمة ملفات أخري هامة تعثرت، وغاب عنها التنسيق المشترك، كملف سد النهضة، وبات الموقف السوداني أقرب للرؤي الإثيوبية. كما اتهم البشير في لقاء تلفزيوني له طريقة إدارة الرئيس المعزول محمد مرسي لسد النهضة بالتسبب في إفساد العلاقات مع إثيوبيا وفشل المفاوضات. وأضاف أن الاجتماع الذي عقده مرسي في الاتحادية، وضم عدد من رؤساء الأحزاب والشخصيات العامة، دعت إلى ضرب سد النهضة ودعم الحركات الانفصالية في أثيوبيا، أثر بالسلب على العلاقات بين البلدين، وأسهم في تعقيد مفاوضات سد النهضة.
وبدا واضحاً أن مصفوفة (مصر – السودان – قطر – تركيا)، فور وصول الإخوان للحكم، تذهب لتدعيم مرتكزات القوة الشاملة للنظام التركي، كونه صاحب المشروع التوسعي الأممي، عوضاً عن حل مشكلات بلدانها. وعلى الرغم من أن التطابق المؤقت أظهر جانباً من التفاهم في ملفات النزاع الحدودي، إلا أن البشير بعد انهيار نظام الإخوان في مصر لم يقدم القدر ذاته من التفاهم في نفس الملفات العالقة. وذهب ليُعبّر أكثر تناقضاته بالمشاركة في تحالف دعم الشرعية في اليمن، وفي نفس الوقت يتورط في تهريب السلاح للحوثيين المدعومين إيرانياً. بيد أن تلك التناقضات يمكن عدّها السمة الغالبة في الأنظمة الإخوانية وذات الميول والانتماءات والولاءات فوق الوطنية، حيث تدفع دائماً باتجاه حالات عدم الاستقرار الممتد، الذي تستفيد منه بدورها مشاريع تركيا وإيران وإسرائيل بالمنطقة.
2- التقارب الحذر (2013-2019)
فور تولي الرئيس السيسي رئاسة البلاد، لم يكن خافياً علي أحد الدور الذي لعبه نظام البشير في إيواء العناصر الإخوانية الهاربة. حيث تحولت السودان لنقطة عبور رئيسية في مسارات خروج وهروب كوادر ومنتسبي تنظيم الإخوان من مصر. وظهر بصور جلية، مدي علاقة سودان البشير بالتنظيم المصنف إرهابياً بمصر رغم محاولات النفي المتكررة. إذ عبرت السودان أكثر من 30 رتبة قيادية متوسطة – عليا من تنظيم الاخوان، قاصدين تركيا وقطر.
تعاظمت أخطار أن تتحول السودان كنقطة إيواء كبري لكافة العناصر الإرهابية المناوئة للأنظمة الوطنية المستقلة في المنطقة، ولاسيما بعد تشظي ظاهرة الإرهاب العابر للحدود، وتصعيد محور تركيا – قطر – إيران لأنشطته العدائية تجاه مصر لضرب مصالحها، واكب تعاظم الخطر، نشاط مصري إيجابي تجاه السودان، بُغية احتوائه وعدم دفعه للتحول لتكثيف نشاطاته المناوئة للدولة المصرية عبر جملة من الزيارات على المستوي الرئاسي وصيغة 2+2، وزيري الخارجية ومديري أجهزة الاستخبارات. وهو ما ظهر ست زيارات للرئيس السيسي للسودان أفرزت في مجمل تفاهماتها واتفاقاتها المبدئية على الربط الكهربائي، وتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي، الرامي لتخفيف الدور الذي يلعبه السودان ضمن المحور قطر – تركيا – إيران، ومحاولة تحجيم موضعه في هذه المصفوفة ولاسيما بعد تحول السودان لنقطة ترانزيت في خطط وتكتيكات إعادة نقل وانتشار الإرهابيين من الميادين السورية والعراقية صوب الميدان الليبي ودول الساحل والصحراء. حيث اتهم المتحدث باسم الجيش الليبي اللواء احمد المسماري مرات عدة النظام السوداني بقيادة البشير في نقل الإرهابيين لساحات المعارك في ليبيا. كما زاد نشاط المقاتلات المصرية بطول الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي وخاصة بعد دخول عملية حق الشهيد في سيناء مراحلها الأخيرة، حيث أعلن المتحدث العسكري في بياناته عن استهداف وتدمير العديد من عربات الدفع الرباعي بطول الاتجاه الاستراتيجي الجنوبي، والتي كانت في طريقها لدعم النشاط الإرهابي في الظهير الصحراوي المصري الغربي. فضلاً عن استقبال البشير للرئيس التركي رجب طيب أروغان في 2017، والموافقة علي تسليم جزيرة سواكن علي البحر الأحمر للجانب التركي الذي بات بموجب هذا الاتفاق علي بعد بضعة مئات من الكيلومترات من الحدود المصرية الجنوبية في تهديد جسيم للأمن القومي المصري، كان البشير أحد أدواته، وخاصة بعد الكشف عن تفاصيل اتفاقية التسليم والسماح للأتراك ببناء نقطة عسكرية بحرية في الجزيرة.
أفضي التقارب الحذر، في مجمل محصلاته إلى تدعيم الشراكة الاقتصادية مع السودان، والإبقاء على جبهة الجنوب مستقرة، بدعم استقرار السودان، وعدم تحوله لبيئة قاذفة بالتهديدات الأمنية إثر أية احتمالات مسبقة للانكشاف الأمني والمؤسساتي فيه.
ثانياً: شراكة حقيقية.. على صعيد الأمن والاستخبارات
لم يكن أحد في نظام البشير ليتوقع أنه سيقف خلف القضبان علي وقع اندلاع احتجاجات كبري في البلاد، انتهت بعزله في ظرف أربعة أشهر. إبريل من العام المنصرم، كان المحيط العربي والشرق الأوسطي يتابع البيان الأول للجيش السوداني الذي أُعلِن فيه عزل البشير والتحفظ عليه. سوّق المحور القطري – التركي التطور السالف ذكره كونه انقلاباً، عرب آلاته الإعلامية والصحافية التي تغطي المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط، كما عززت في ذهنية متابعيها عن دور مصري لدعم البشير، في وجه الاحتجاجات الشعبية، بالرغم من كونه تحدِ كبير من تحديات الدولة المصرية إثر مراوغاته المستمرة واصطفافه المشبوه مع القوي الإقليمية الصاعدة الغير عربية.
لطالما كان الحرص المصري على استقرار السودان، لارتباطه العضوي بالأمن القومي المصري، ذهبت الإدارة المصرية لدعم عمليات انتقال السلطة، دون استغلال القوي الداعمة للنشاطات الإرهابية والمسلحة لحالة السيولة الأمنية التي تعيشها الخرطوم. فكان الرئيس السيسي أول من اتصل برئيس المجلس العسكري السوداني عبد الفتاح البرهان، تسخير كافة الإمكانات المصرية في دعم السودان وحفظ أمنه واستقراره. كما أعقب الاتصال أول زيارة خارجية للبرهان، وكانت القاهرة مقصدها. فيما بدا واضحاً ملامح لفترة جديدة من التنسيق الأمني والاستخباراتي الداعم لانتقال السودان لدولة وطنية جامعة، وخاصة بعد صعود التيار الوطني في المؤسسة العسكرية، وإدراكهم لخطورة التنظيمات الإرهابية والمسلحة ذات الولاءات والانتماءات فوق الوطنية.
مثل سقوط البشير في إبريل من العام الماضي، خسارة استراتيجية كبري لكل من تركيا وإيران، حيث أثر ذلك بشكل ملحوظ علي خطط تركيا لنقل الإرهابيين للميدان الليبي، فبعد أن كانت تلك الخطط تتم بعيداً عن أعين الشركاء الأوروبيين، باتت الآن تتم عبر نطاق البحر المتوسط جواً وبحراً، وفي وضح النهار. ما جعلها في مجال اهتمام الدول الأوروبية ولاسيما تلك الواقعة في حوض البحر. حيث اتهم الرئيس الفرنسي ماكرون، تركيا بنقل الإرهابيين عنوةً للصراع الليبي، كما رصدت حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول، سفن تجارية محملة بالأسلحة والعناصر الإرهابية ترسلها تركيا دورياً للإبقاء على الصراع وخطوط دعم ميليشيات حكومة الوفاق التي تدار من قبل أفراد مدرجين على قوائم الإرهاب. كما فقدت إيران منصة تهريب السلاح للحوثيين مع سقوط البشير. وعليه يمكن عد الشراكة الأمنية المصرية السودانية في ملمحين:
1- كسب دعم الاتحاد الافريقي للمسار الانتقالي السوداني
حيث منح القادة الأفارقة، المشاركون في قمة القاهرة التي دعت إليها القيادة المصرية، في إبريل من العام الماضي؛ مهلة ثلاثة أشهر للمجلس العسكري الرئاسي في السودان للقيام بـ”انتقال سلمي” للسلطة. وكان الاتحاد الأفريقي هدد بتعليق عضوية الخرطوم في حال عدم تسليم الجيش السلطة للمدنيين. بيد أن تلك المهلة مهدت الظروف المواتية لتشكيل مجلس السيادة السوداني، في 21 من أغسطس الماضي، وهو الجهة المنوط بها الإشراف على إدارة مرحلة انتقالية تمتد 39 شهراً، ويتكون المجلس من 11 شخصاً، خمسة عسكريين، وخمسة مدنيين من تحالف قوي إعلان الحرية والتغيير، بالإضافة إلي يتفق الجانبان على اختياره. وبالرغم من صعود وساطات غير مصرية في مسار التفاهمات السودانية – السودانية للوصول لصيغة مجلس السيادة، كإثيوبيا، إلا أن السودان بمجلسه الحالي، نجي من التبعات الأولي لخروجه من مصفوفة (تركيا – إيران – قطر) وتحوله لبيئة اقتتال داخلي ونقطة قاذفة للتهديدات صوب دول الجوار.
2- ملاحقة الخلايا النائمة للتنظيم الإرهابي
حيث أعلنت النيابة العامة السودانية، في 13 فبراير الجاري، اكتشاف “خلية إرهابية” تابعة لتنظيم الإخوان في مصر، قالت إنها كانت تُخطط لهجمات في البلاد. وأشار مكتب النائب العام السوداني إلى أنه “حسب اعتراف المتهم، الشبكة تتبع جماعة الإخوان المصرية”، وتم استصدار أوامر قضائية للقبض على باقي أفراد الخلية. كما أحبطت السودان في وقت لاحق من الشهر الماضي هروب مدير جهاز الإخوان السر إلي تركيا “أسامة عبد الله”، بعد توقيف قوة أمنية له في مطار الخرطوم. وأودعته السجن القومي “كوبر” بتهمة الضلوع في الانقلاب العسكري الذي استولت عبره الحركة الإسلامية السياسية على مقاليد السلطة بالسودان عام ١٩٨٩. وأكدت الأجهزة الأمنية أن عبد الله كان ينوي الهروب إلى تركيا بعد أن ظل مختفيا طيلة الأشهر الماضية، لكن يقظة القوات الأمنية حالت دون تمكنه من صعود الطائرة واللحاق بعشرات العناصر الإخوانية التي تأويها أنقرة.
تجدر الإشارة أنه بالرغم من التنسيق الأمني والاستخباراتي بين القاهرة والخرطوم والذي تعبر عنه تصريحات أرفع المسؤولين في كلا البلدين إثر الاتصالات والزيارات المتبادلة ضمن صيغ المستوي الرئاسي، والوزاري 2+2، إلا أن الموقف السوداني من سد النهضة مازال بعيداً عن ذلك المستوي من التنسيق، لكن يمكن القول أن أمنياً تحولت السودان من ملاذ آمن لعناصر التنظيمات المسلحة والإرهابية، إلى رقم هام في معادلة مكافحة الإرهاب ليس فقط ضمن حدودها، بل، ضمن إطار إقليمي موسع يطال شمال إفريقيا ودول الساحل والصحراء، ليبق التحدِ موجوداً ومعلناً عن نفسه في فترة الثمانية عشر شهرا التي يقود فيها المدنيين مجلس السيادة بعد انتهاء فترة العسكريين.