
ضيف جديد للعناصر المحلية الداعمة .. الطوارق ونشاط الاستخبارات التركية في الصحراء الكبري
“أقبل كافة أفراد الجيش المحمدي الأبطال المشاركين في عملية نبع السلام من جباههم، وأتمنى النجاح والتوفيق لهم ولكافة العناصر المحلية الداعمة والتي تقف جنبًا إلى جنب مع تركيا في هذه العملية، وفقكم الله وكان في عونكم”.
بهذه العبارات، استهل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، عمليات اجتياح شمال شرقي سوريا في التاسع من أكتوبر الماضي، وكان من اللافت استخدامه لمصطلح ” العناصر المحلية الداعمة “، في وصف التنظيمات المسلحة – صنيعة أجهزة استخباراته – الموالية له بطول الشمال السوري، والمشارِكة كأنساق أولية لعمليات الاجتياح ومواجهة قوات سوريا الديمقراطية لإتمام عمليات التطهير والتمهيد لدخول القوات النظامية التركية وتثبيت سيطرتها النارية بإقامة نقاط مراقبة؛ بأقل خسائر ممكنة.
وبالرغم من غني التاريخ التركي في حقبته العثمانية بالعديد من النماذج المماثلة لمهام ووظائف “العناصر المحلية الداعمة”، كالانشكارية مثلاً، التي تكونت في الأصل من أسري حروب الدولة العثمانية البائدة، إلا أن نشاطها كان منحسراً في المناطق الحضرية ودائرة سدة الحكم، ولم تطل اليد العثمانية القديمة الصحاري علي هذا النحو، حتي عادت تركيا بردائها “العثماني” الجديد، لتمارس دوراً توسعياً تتمحور أدواته بين توظيف الفواعل العنيفة من غير الدول،ـ وقضم مساحات كبيرة من الأراضي السورية والعراقية، وأخيراً النشاط في مسارح جديدة جملةً وتفصيلاً علي تركيا.
طوق بدأ من شرق أوروبا، تنشط فيه الاستخبارات التركية، وتقيم روابط متينة مع جماعات الجريمة المنظمة لإبرام ونقل صفقات تسليحية مع دول شرق أوروبا لإيصالها للجماعات المسلحة الموالية لها في سوريا تحديداً، وقد رصد المرصد المصري في ورقته المنشورة ” نشاط الاستخبارات التركية في شرق أوروبا..أنبوب أسلحة بالمليارات لبؤر صراع في الشرق الأوسط “. طبيعة وأنماط ذلك النشاط. لينتقل لمنطقة الحوض الجنوبي الليبي والصحاري الشاسعة الممتدة بين دول الساحل والصحراء. لتختبر تلك المنطقة الجديدة لأول مرة وقع أقدام عناصر الاستخبارات التركية.. فكيف يتم ذلك وما أدواته و أهدافه وأبطاله؟
الطوارق .. أكبر القبائل ونفوذ واسع بالمناطق الرخوة لدول الساحل والصحراء
الطوارق، هي أكبر القبائل في الصحراء الكبرى، يتحركون منها إلي دول ليبيا والجزائر ومالي وتشاد والنيجر. إبان حقبة “القذافي”، كان يُسمَح لهم بالتجول داخل البلاد حاملين أوراقاً ثبوتية رغم عدم حملهم لجوازات سفر ليبية، ولمهادنتهم ولتجنب الاصطدام المسلح معهم، إذ يفرضون نفوذهم علي مساحات شاسعة من الصحراء الكبرى والمناطق الرخوة لدول الساحل والصحراء. كما يسيطرون علي مسارات التهريب وتجارة السلاح والهجرة غير الشرعية بتلك المناطق.
وقع الاختيار التركي علي قبائل الطوارق، ولاسيما بعد تعارض مصالحها مع أية حكومة ليبية وانتهاجهم المواجهة التصادمية، فضلاً عن وجود رديف بداخلها يُطلق عليه “المرابطون”، وهم أخطر فئة داخل هذه القبائل، كما يقودهم مختار بلمختار الإرهابي الجزائري والمسؤول عن ملف دول المغرب العربي في تنظيم القاعدة.
دخلت قبائل الطوارق في العديد من المعارك العنيفة مع قبائل التبو في نفس الحوض الجنوبي الليبي، بعد انهيار الدولة الليبية بعام 2011، وتلقت دعماً تركياً منذ العام التالي، واقتصر علي شحنات من السلاح الخفيف والمتوسط. ومع تطور الصراع الليبي في العام 2017 تحديداً، ودخول منشآت النفط في الوسط والجنوب الليبي علي بنك أهداف التنظيمات الإرهابية كفجر ليبيا وسرايا الدفاع عن بنغازي الموالية لحكومة الوفاق، وقبلهم تنظيم داعش الإرهابي في سرت، اندلعت معارك الجنوب الليبي منذ منتصف 2017 حتي منتصف 2019. كان المكون الغالب علي التنظيمات المسلحة والإرهابية المنخرطة في صراع الجنوب الليبي من الطوارق ولاسيما بعد تثبيت الجيش الليبي لسيطرته علي الحوض وحقول النفط فيه ومطاراته.
الجدير بالذكر أن الجيش الليبي تعرض لمذبحة كبري في قاعدة براك الشاطئ الجنوبية إذ قتل ما لا يقل عن 150 شخص، جراء هجوم نوعي شُن من الجنوب بواسطة ميلشيات ضمن رئاسة اركان حكومة الوفاق.
منظمات الإغاثة التركية.. صناعة العناصر المحلية الداعمة في الصحراء
مع النقلة النوعية في طبيعة النشاط الإرهابي العابر للحدود، وظهور تنظيماته كجيوش صغيرة مجهزة بأفضل إمكانات الحرب المحدودة في المسارح البرية، كان يتحتم علي القوى الداعمة لهذه التنظيمات الإرهابية تأمين إيصال الإمدادات لتنفيذ لتوظيفها في مسارات السياسة والحرب علي الأرض.
من هذه الأدوات، كانت المنظمات الخيرية والإغاثة التركية، التي كانت تنقل بحسب العديد من التقارير الدولية لمراكز دراسة الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، الأسلحة لتنظيمات داعش والقاعدة بصورة مباشرة وعبر وكلاء من خلال سيارات وقوافل المساعدات الإنسانية.
تعتبر مؤسسة حقوق الإنسان والحريات والإغاثة الإنسانية التركية، هي المؤسسة المعنية بالواقعة المشار إليها سلفا، فبحسب وثائق مقدمة لمجلس الأمن، ووفقا لملف التحقيق السري الأممي الذي تم نشره لاحقاً، فإنها تورطت في دعم تنظيمي داعش والنصرة الإرهابيين من خلال قنوات الإغاثة. وهي ذاتها التي استقبلت وفداً من شيوخ الطوارق في ليبيا (10 قيادات) في إبريل من العام 2018 في إسطنبول.
تزامن إرسال الوفد مع تطورين، الأول، بدء الموجة الثانية لمعركة الجنوب الليبي. والثاني، زيارات مكثفة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان لدول “مالي – تشاد – النيجر”، آتت هي الأخرى بالتزامن مع زيارات أمير قطر لنفس الدول.
الجدير بالذكر أن نشاط مؤسسات ومنظمات حقوق الإنسان والحريات والإغاثة التركية يأتي بنفس أنساق نشاط المؤسسات الخيرية لدولة قطر ولاسيما تلك العاملة في الصومال والتي ثبت تورطها إثر تسريبات نيويورك تايمز في التخطيط للعمليات الإرهابية يوليو الماضي.
لتضح نقاط التحرك التركي في العامين الماضيين كما الشكل التالي:
النقاط السوداء تمثل: تواجد عسكري تركي، بيد أنه تداعي فور سقوط نظام البشير في السودان وحرمان تركيا من فرصة التواجد العسكري قبالة البحر الأحمر وفي منطقة العمق الاستراتيجي الجنوبي المصري.
النقاط الحمراء تمثل: زيارات تركية رسمية أجراها رئيس الدولة، وأفرزت عن نفوذ في تلك النقاط الحمراء، وهي بمثابة نقاط يمكن من خلالها تغذية الصراع في ليبيا.
وتدين قبائل الطوارق بالولاء لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج ودائما ما تعلن تأييدها لها، ويتهم الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر تركيا بدعم الجماعات الإرهابية في بلاده ما حوّل قبائل الجنوب الليبي إلى ورقة تتنافس الدول المتصارعة على النفوذ في ليبيا وعلى رأسها تركيا التي تبحث عن موضع قدم لها بليبيا منذ سنوات.
وفي سياق متصل قال الناطق باسم الجيش أحمد المسماري في يناير الماضي، إن “طائرات تركية نقلت إرهابيين للسودان إلى 3 معسكرات تدريب، الأول منطقة سليمة الواقعة على بعد 450 كيلومترا من ليبيا، والثاني منطقة أوديسا الواقعة على حدود تشاد، والثالث بجبل مرة شمال الموقعين السابقين”.”
من يدير ملف الطوارق في تركيا
هنالك رجلين مقربين من مجمع الاستخبارات التركية يديران ملف الطوارق وجعلهم عناصر صحراوية داعمة للمشروع التركي.
إبراهيم كالن: المتحدث باسم الرئيس التركي، يذكر أنه أحد المخططين لإرسال وفد الطوارق إلي تركيا.
أمر الله إيشلر: مبعوث تركيا الخاص لليبيا، قام بالعديد من الزيارات لطرابلس، وأبدي تعاطفا قبل ذلك مع تنظيم داعش، يشغل حاليًا منصب رئيس اللجنة البرلمانية للتعليم والشباب والرياضة.
الأهداف علي المدي المنظور
فتح الجبهة الجنوبية:
تمثل الجبهة الجنوبية في الصراع الليبي حجر الزاوية في تأمين منطقة الهلال النفطي مع مدينة سرت، يُذكر أن الجيش خاص هنالك معارك طاحنة مع إبراهيم الجضران رجل تركيا القوي في الجنوب، والمنسق لتجنيد الطوارق علي الأرض. من المحتمل أن تبدأ تركيا بحلحلة ميزان القوي العسكري علي الميدان الليبي من جهة الجنوب.
الضغط علي دول الساحل والصحراء:
ولاسيما الجزائر، المرشحة بقوة لإقامة قاعدة قيادة متقدمة تركية لقيادة ميلشيات الوفاق من منصة آمنة. تحتفظ الطوارق بعلاقات قوية مع الجماعات النشطة بتنظيم القاعدة ولاسيما المرابطون وجماعة مختار بلمختار.
ابتزاز القوي الدولية الفاعلة وخاصة فرنسا:
سادت توتر كبير العلاقات بين تركيا وفرنسا، إثر انتقاد الأخيرة للاجتياح التركي لشمال شرقي سوريا، كما ظهر في البرنامج الخاص المعد لوفد الطوارق في تركيا خطاب عدائي تجاه فرنسا وموروثها الاستعماري في تلك المنطقة. تعتبر فرنسا من أكبر القوى الدولية الفاعلة في دول الساحل والصحراء.
احتل إقليم دول الساحل والصحراء المرتبة الثانية في اكثر مناطق العالم التي شهدت عمليات إرهابية بعد إقليم جنوب شرق اسيا، تزامن ذلك مع التحركات التركية الأخيرة والقطرية التي مهدت وفتحت لها قنوات عدة.
تجدر الإشارة أن القيادة المصرية سارعت بإنشاء مركز مكافحة الإرهاب في دول الساحل والصحراء بالتزامن مع التحركات التركية السالف ذكرها وقبيل صعود الإقليم للمرتبة الثانية كأكثر إقليم تعرض لهجمات إرهابية، بنحو عام.