
توتر مكتوم .. المغرب يُخيّر تركيا بين مراجعة اتفاق “التبادل الحر” أو تمزيقه
“تحدثت مع الأتراك، وأخبرتهم بشكل واضح: إما الوصول إلى حلول لمراجعة هذا الاتفاق، أو تمزيقه”.
هكذا تحدث وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، المغربي، “مولاي حفيظ العلمي” في جلسة الأسئلة الأسبوعية بمجلس النواب، منتصف يناير الماضي.
وأضاف الوزير المغربي، في جوابه عن أسئلة النواب، أن المغرب لن يقبل بتدمير أي دولة كيفما كانت لاقتصاده الوطني، وتابع: “ليست لدينا أي مشكلة مع أي بلد، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نقبل أن تقوم أي دولة بهدم مناصب الشغل في بلدنا”.
تصريحات المسؤول الحكومي كشفت عن أزمة وتوتر مكتوم بين الجانب المغربي والتركي، جراء الخسائر الكبيرة التي يتكبدها المغرب في علاقته التجارية مع تركيا، فكيف بدأ ذلك؟
اتفاق “التبادل الحر”.. نافذة الإغراق التركي للسوق المغربية
مع وصول حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم في تركيا في عام 2002، تبنت تركيا خطط توسيع قاعدة اقتصادها الوطني، ورفع معدلات التبادل التجاري مع دول المحيط العربي والإسلامي، ولاسيما دول المغرب العربي، ضمن استراتيجية شاملة لمشروع أممي توسعي بالمنطقة. حيث وقعت تركيا والمغرب اتفاق التبادل الحر في إبريل عام 2004، ودخلت حيّز التنفيذ في يونيو عام 2006.
ومنذ ذلك التاريخ، غزت المنتجات التركية الأسواق المغربية على نحو أحدث تقلبات عنيفة في الكثير من القطاعات، كالأثاث، والبناء والنسيج والسلع الغذائية، والأجهزة المنزلية والحديد والصلب، نتيجة للأسعار التنافسية للمنتجات التركية وجودتها، فضلاً عن تقديم حزب العدالة والتنمية المغربي، المنضوي تحت المظلة التنظيمية والفكرية لتنظيم الإخوان المسلمين، تسهيلات كثيرة أمام خطط أنقرة الطموحة لغزو السوق المغربية.
تُشير الإحصاءات الرسمية، إلى صعود حجم التبادل التجاري بين المغرب وتركيا في عام 2016، قرابة أربعة أضعاف عما كان عليه في عام 2006. بيد أن الميزان التجاري بينهما يميل لصالح تركيا بشكل كبير، إذ وصل العجز التجاري للمغرب لـ 2.1 مليار دولار، حسبما أعلن الوزير “مولاي حفيظ”. حيث تفرض تركيا القيود والعراقيل على إدخال المنتجات المغربية لأسواقها، ما ساهم في اتساع عجز الميزان التجاري.
تجدر الإشارة إلى أنّ الإحصائيات تُشير إلى زيادة بنسبة 16٪ في الصادرات التركية إلى المغرب في عام 2019، وبلغت الصادرات 2.3 مليار دولار على أساس سنوي، في حين انخفضت الواردات من المغرب بنسبة 3.5٪ لتبلغ 690 مليون دولار.
وعلى النقيض، يشير “مولاي حفيظ”، أن المغرب لديه اتفاقيات تبادل حر مع 56 بلداً، وتستحيل محاربتها جميعاً لأنها قدمت لنا نتائج إيجابية في بعض القطاعات، منها الاتفاق التجاري مع أمريكا، إذ ارتفعت نسبة التصدير من المغرب إلى هذا البلد بنسبة 16 في المائة في ظرف 10 سنوات، ومع البلدان العربية بنسبة 13 في المائة، ومع دولة الإمارات بنسبة 12 في المائة.
وأدى التصاعد المستمر لحجم صادرات المنتجات التركية إلى المغرب خلال السنوات الأخيرة إلى فقدان حوالي 46 ألف وظيفة في الفترة الممتدة بين 2013 و2016 بحسب إحصاءات حكومية مغربية.
مهلة إضافية لتجنب “التمزيق”
بعد الشروط الصارمة التي وضعها المغرب لوقف نزيف اقتصاده الوطني جراء جمود الاتفاقية على إطارها الحالي، وبعد لقاء “مولاي حفيظ”، مع “روهصار بيكجان” وزيرة التجارة التركية، منتصف يناير الماضي، طلب الطرف التركي تمديد مهلة التفاوض التي انتهت الخميس، 30 يناير.
الصحراء الكبرى في الواجهة.. ومولود أوغلو في الرباط
في ديسمبر الماضي، نشرت شبكة قنوات (TRT) الحكومية التركية، تقريراً عن الناشطة الصحراوية المثيرة للجدل “أمينتو حيدر”، تطالب فيه بانفصال الصحراء الكبرى عن المغرب. وقد وصفتها القناة التركية الرسمية بـ “غاندي الصحراء”.
تسبب تقرير القناة التركية عن “أمينتو حيدر” امتعاض واحتجاج الحكومة المغربية، وتزامن مع تلويح الحكومة لإلغاء اتفاق “التبادل الحر”، وكذا تزامن مع زيارة وزير الخارجية التركي “مولود تشاويش أوغلو” للرباط. حيث جمعه مؤتمر صحفي مع نظيره “ناصر بوريطة”، وأكد الأول خلاله، أن التقرير المنشور على القناة المملوكة للدولة لا يعبر عن الموقف الرسمي للدولة التركية، وأن أنقرة لا تدعم أي جهة تمس وحدة التراب المغربي، في إشارة لجبهة البوليساريو المطالبة لاستقلال الصحراء.
وبدأ النزاع حول إقليم الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول الخلاف بين المغرب وجبهة “البوليساريو” إلى نزاع مسلح، استمر حتى 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار. وتصر المغرب على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكمًا ذاتيًا كحل تحت سيادتها، بينما تطالب “البوليساريو” بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.
دوافع وأنماط الاهتمام التركي بمنطقة المغرب العربي؟
تشرف دول المغرب العربي علي الشريط الساحلي للبحر الأبيض المتوسط، أحد أهم بؤر الاشتباك التركي في مرحلة ما بعد تعزيز نفوذها بالشرق الأوسط علي وقع تساقط وتهاوي الدول جراء موجات “الربيع العربي” وانتقالها لمستويات غير مسبوقة من الاقتتال المسلح الداخلي والتفجير من الداخل.
فضلاً عن نجاح الكيانات السياسية المنضوية لتنظيم الإخوان المسلمين في ثبيت مواقع لها على الخارطة السياسية لدول المغرب، بالرغم من فداحة خسارة التنظيم الدولي لفرعه في مصر إثر ثورة الثلاثين من يونيو. إذ تعمل هذه الكيانات على ضمانة تنفيذ المشروع التركي الأممي بالانخراط الإيجابي النشط، دون الاشتباك المباشر، باستثناء النموذج الليبي.
يجئ أبزر أنماط الانخراط الإيجابي النشط عبر:
- الاختراق الناعم بالأعمال الفنية المروجة للعثمانية الجديدة
- رفع مستويات التبادل التجاري وتداخل الاقتصاديات على نحو يعزز من الترابط الاستراتيجي
- استنزاف اقتصاديات الحكومات الهشة، ويمثل ذلك بصورة جلية النموذج الليبي، حيث تحملت حكومة الوفاق تكاليف إعاشة تشكيلات المرتزقة السوريين في طرابلس بجانب فواتير السلاح التركي المرسل حديثاً لجبهات القتال في طرابلس ومصراته. فضلاً عن مطالبة أنقرة لحكومة الوفاق بسداد 2.7 مليار دولار تعويضاً عن مشاريعها المتوقفة بالبلاد منذ عهد القذافي.
يرمي الانخراط الإيجابي النشط، لتعزيز فرص وإمكانات التموضع الأحادي التركي بالإقليم، ولاسيما في منطقة شرق المتوسط، التي تشهد عزلة تركية عن محيطها جراء الشراكات الاستراتيجية بين (مصر – قبرص – اليونان)، وتقديم الثلاثي السابق لنموذج تعاون دولي مستقر، ومثمر علي صعيد ملفات الأمن الطاقوي، والتنسيق الأمني والدفاعي، ما دفع فرنسا وإيطاليا للتموضع فيه لمواجهة السياسات والطموحات التركية التي تتعدي علي مفاهيم السيادة الوطنية والقانون والشرعية الأممية. على النحو الذي أظهره التعاطي التركي مع السيادة القبرصية ومياهها الاقتصادية الخالصة، والمناوشات الدورية مع اليونان بحرا وجوا، ومذكرة الترسيم البحري مع حكومة الوفاق.
لتنحصر الأهداف التركية في المتوسط في:
- محاولة فك وتخفيف الارتباط الاستراتيجي بين (مصر – قبرص – اليونان).
- حجز وإحباط مسارات تدفق الطاقة لأوروبا التي لا تمر عبر مجالها البحري.
- محاولة تطويق الدولة المصرية والضغط عليها في ملف الغاز على وجه الخصوص.
ما يضع دول المغرب العربي، علي أولي قائمة بنك أهداف أنقرة في المنطقة، وعلى الرغم من الهدوء والاستقرار النسبي للعلاقات بين تركيا والمملكة المغربية، إلا أن لجوء الأولي لتوظيف قضية الصحراء الكبرى للضغط وتحقيق مكاسب تجارية، قد يرفع من مستوي التصعيد بينهما على نحو قد يعيد صياغة ارتباط المغرب بالرباعي العربي، وكذا معالجته للأزمة الليبية.



