شرق المتوسط

تعارض تام: المصالح المصرية والتركية في شرق البحر المتوسط

طالعنا “ياسين أقطاي” نائب الرئيس التُركي لشئون حقوق الإنسان بثلاث تغريدات من خلال حسابه الشخصي على موقع توتير في يوم الثامن من يناير الجاري ادعى خلالها:

  1. قيام كُلًا من اليونان وقبرص وإسرائيل بسرقة الحلم المصري في التحول لمركز لتصدير الغاز، في إشارة إلى ما ثار من ادعاءات على مواقع التواصل الاجتماعي حول خط غاز (East Mid) بين الدول الثلاث الأولى.
  2. أن حكومة تُركيا أعادت المياه الاقتصادية المصرية المسروقة عن طريق اتفاقها مع حكومة السراج.
  3. أن اتفاقًا بين مصر وتُركيا حول المياه الاقتصادية بينهما سيعود على البلدين بالنفع.

لذلك نُخصص هذا المقال لرد على هذه الادعاءات، ووضع المصالح المصرية والتُركية في شرق المتوسط.

أولًا – خط غاز شرق المتوسط والمشروع المصري للتحول لمركز تداول للطاقة

1- يجب أولًا ابراز احتياجات السوق المُستهدفة بتصدير الغاز وهي السوق الأوربية التي استوردت في عام 2018 ما إجماليه 550 مليار قدم مُكعب من الغاز، وتُشكل هذه الحصة نسبة قدرها 34% من جُملة الاستهلاك العالمي من الغاز، بينما استوردت ما إجماليه 519.2 مليون طن من النفط الخام و224.7 مليون طن من المُنتجات النفطية، ويوضح الجدول التالي أهم مُصدري الغاز لأوروبا عن طريق الإسالة أو خطوط الغاز.

يُظهر الجدول السابق حقيقة هامة للغاية وهي أن السوق الأوربية واسعة للغاية لدرجة أن الإنتاج الروسي (أكبر مُنتج للغاز في العالم) غير كافي لتغطيتها، مما يضطرها إلى استيراد الغاز المُسال من الولايات المُتحدة وأمريكا الجنوبية عبر المُحيط الأطلنطي، وكذلك من قطر في الشرق الأوسط. كذلك تجب الإشارة إلى أن العديد من الدراسات توصلت إلى أن الطلب الأوروبي على الغاز في اتجاه الزيادة بسبب خُطط التحول نحو الاقتصاد الأخضر، مما سيدفعها للتخلي عن النفط لصالح الغاز، حتى عام 2030 على الأقل. ويعني ذلك أنه السوق كبيرة للغاية وقادرة قادرة على استيعاب جميع الصادرات المصرية والإسرائيلية والقبرصية دون أدنى مُنافسة بين هذه الدول القريبة من الشواطئ الأوربية والتي سيصل غازها هذه الشواطئ بأسعار أقل مُقارنة بالغاز الوارد من الشرق الأوسط أو عبر المُحيط الاطلنطي.

2- ثانيًا نتجه إلى وضع المُنتجين: يوجد في إقليم شرق المتوسط حتى الآن ثلاثة مُنتجين فقط هم مصر وإسرائيل وقبرص لا يتوقع أن يكون حجم صادراتهم مُجتمعين أكثر من 10 مليار متر مُكعب من الغاز سنويًا في المدى المنظور، حيث تبلغ احتياطيات الغاز المؤكدة في مصر 2.1 تريليون متر مُكعب من الغاز، بينما تبلغ الكمية في إسرائيل 0.4 تريليون، وفي قبرص أقل من ذلك، بينما يبلغ الإنتاج المصري من الغاز 58.6 مليار متر مكعب من الغاز فيما بلغت صادرتها نحو 2 مليار متر مكعب، بين يظل صادرات الدولتين الأخرتين أقل من الصادرات المصرية، ويعني ذلك أن كل الصادرات من الدول الثلاثة حتى مع وصول مُعدلات التصدير لأقصاها بافتراض 10-15 مليار متر مُكعب، ستظل تُشكل نسبة هامشية للغاية تبلغ أقل من 0.5% من الاستهلاك الأوربي.

3-ثالثًا طُرق التصدير لأوروبا: حتى الآن اتفقت الدول الثلاثة على طريقتين للتصدير:

أ- الإسالة عن طريق مصر: حيث ترتبط

  • مصر مع إسرائيل: عبر شركة دولفيونس المصرية الخاصة بشركاتي “ديليك دريلينغ” وشريكتها الأمريكية “نوبل إنرغي” باتفاقًا وقع أوائل العام الماضي لتصدير الغاز الطبيعي بقيمة 15 مليار دولار من حقلي “تمار” و”لفثيان”، جرى تعديله في أكتوبر 2019 بزيادة الكميات المُصدرة لتبلغ 60 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر على مدى 15 عاما من 32 مليار متر مكعب في الاتفاق الأصلي.
  •  مصر مع قبرص: باتفاقية لإنشاء خط غاز يربط بين البلدين لنقل الغاز القبرصي إلى محطات الإسالة المصرية، وقعت في العاصمة القبرصية نيقوسيا بتاريخ 19 سبتمبر الماضي، وأصبحت هذه الاتفاقية سارية عقب نشرها في الجريدة الرسمية المصرية بتاريخ 5 يوليو 2019.

ب- خط غاز عبر اليونان: هو خط الغاز المُشار إليه أعلاه باسم (East Mid) والذي يربط دولتي التصدير إسرائيل وقبرص باليونان لتصدير غازهما إلى أوروبا عبر إقليمها البحري والبري، والذي سيتكلف إنشائه 7 مليارات دولار على الأقل وويستقر ما بين 6-7 سنوات.

4- النقاط الثلاثة السابقة توضح أسباب عدم الاشتراك المصري في هذا الخط من حيث أنها:

  • أولًا لديها الوسائل لتصدير إنتاجها الذاتي من الغاز عبر محطاتها للإسالة.
  • ثانيًا كونها ضمنت عوائدها الاقتصادية عبر تشغيل محطاتها للإسالة من الاتفاقيتان المصرية والقبرصية لإسالة الغاز لمُدد أكثر من عشر سنوات.
  • ثالثًا أنه لا جدوى اقتصادية تجعلها تُشارك في التكلفة الكبيرة لإنشاء الخط في حيث لديها أدواتها الخاصة للتصدير عبر محطات الإسالة في إدكو ودمياط.

5- أن مشروع مصر للتحول لمركز إقليمي لتداول الطاقة لا يقتصر على تصدير الغاز إلى أوروبا بل يشمل كذلك تحولها لمركز لبيع الطاقة الكهربية للدول المُجاورة لها في القارات الثلاثة أفريقيا وأسيا وأوروبا ولذلك فقد عملت مصر على:

  1. الربط الكهربائي مع قبرص ومنها لأروبا بما قيمته 2 مليار جنيه سنويًا، بكابل كهربي بقدرة 3000 ميجا وات ساعة، تتجه للارتفاع مع زيادة عدد الكابلات والقدرات المصرية المُتنامية في مجال توليد الكهرباء.
  2. الربط الكهربائي مع السعودية بكابل قدرته 3000 ميجا وات.
  3. الربط الكهربائي مع السودان بقدرة تبلغ 70-220 ميجا وات ساعة.
  4. ترتبط مصر والأردن بكابل كهربائي بقدرة 550 ميجا وات ساعة باعت مصر من خلاله للأردن، خلال عام 2018 ما إجماليه 188 جيجا وات.

تسمح هذه الخطوط لمصر بتصدير فائض الإنتاج المصري أولًا إلى السودان والأردن وأوروبا، وكذلك تمرير الكهرباء عبرها من دول الخليج إلى ذات الجهات.

ثانيًا – الاتفاقية التُركية الليبية والمصالح المصرية

ادعى “أقطاي” أن الاتفاقية التُركية أعادت المياه المصرية الاقتصادية المسروقة إلى مصر، وهو قول يُناقض الحقيقة جُملة وموضوعًا حيث:

1- أنه وفقًا لقانون البحار لا تشترك مصر وتُركيا في حدود بحرية على الإطلاق، إذ أن الحدود البحرية المصرية في البحر المتوسط تشترك مع فلسطين (قطاع غزة) – إسرائيل – قبرص – اليونان وليبيا، بينما تقتصر الحدود التركية على قبرص (مُرسمة) ومع اليونان (مُتنازع عليها) كما توضح الصورة التالية.

2- باستثناء قبرص وغزة، تُعد الحدود المصرية في البحر المتوسط مُقسمة طبيعيًا فيما بين مصر وجيرانها في الإقليم بما يُسمى خطوط المُنتصف (Median Lines) والتي تُحدد عن طريق قياسات جغرافية وبحرية لا خلاف عليها وهي موضحة على الخريطة باللون الأخضر، أما خطوط الحدود مع قُبرص فقد قُسمت في عام 2003 في عهد الرئيس الأسبق حسني مُبارك قبل أن تُثار أية مشاكل بخصوص الغاز أو النفط، وقبل اكتشافات الغاز الكبيرة في الحوض، وهو ما يعني أن مصر لم تُسرق حقوقها لا بسبب الغاز ولا في المُطلق، توضح الخريطة التالية توزيع الخطوط البحرية المصرية.

3- على عكس ادعاءات “أقطاي” تقتطع الاتفاقية التُركية – الليبية من المنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية، حيث أن البلدان غير مُتشاطئان أصلًا، مما دفع السُلطات التُركية إلى ترسيم حدود وهمي –طبقًا لقانون البحار- يربط الشواطئ التُركية بالليبية عبر خطين مُستقيمين مائلين للداخل نحو المنطقة الاقتصادية، وإدخال جُزء منها في المنطقة الاقتصادية الليبية، كما توضح الخريطة التالية:

4- الاتفاقية التُركية – الليبية باطلة بُطلانًا مُطلقًا وفقًا لقانون البحار وكذلك قواعد الطبيعية والمنطق حيث أدخلت جزء من المياه الداخلية اليونانية الموجودة بسبب الجُزر اليونانية والتي تُعتبر المياه المُشاطئة لسواحلها مياه داخلية من ناحية، وعلى بُعد 12 ميل بحري من هذه مياه إقليمية، وعلى بُعد 12 ميل أخرى مناطق مُجاورة للمياه الإقليمية على نحو ما توضح الخريطة التالية:

5- المنطقة الاقتصادية التُركية بهذا الشكل تفصل بين المنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية وتلك اليونانية، مما يضرب مصالح مصر في نقل الكهرباء إلى أوروبا، إذا سيتوجب عليها أولًا المرور في المنطقة الاقتصادية التُركية المزعومة، وبالتالي تتضرر مصر من ذلك بسبب العلاقات السياسية المُضربة مع تُركيا، وحتى في حالة استقرار العلاقات السياسية مع تُركيا تظل مصر مضرورة اقتصاديًا، بسبب أضرارها إلى تحمل تكاليف إضافية مُقابل مرور كابلاتها إلى اليونان في المنطقة التُركية الاقتصادية المزعومة، بدلًا من مرورها مُباشرة إلى اليونان.

خُلاصة ما سبق إذًا بُطلان ادعاءات ياسين أقطاي من حيث:

  1. أن خط الغاز الإسرائيلي القبرصي اليوناني يؤثر على المشروع المصري بالتحول لمركز لتصدير الطاقة وذلك من ناحيتين: أولهما ضمان الحقوق المصرية في التصدير عبر اتفاقيتين مع إسرائيل وقبرص، وثانيًا أن المشروع المصري أوسع من تصدير الغاز حيث يشمل تصدير الكهرباء إلى دول أوربية وأسيوية وافريقية.
  2. أن الاتفاقية التُركية – الليبية اقتطعت ولم تضيف إلى المناطق الاقتصادية الخالصة المصرية.
  3. أن الاتفاقية التُركية – الليبية تضر بالمصالح المصرية في تصدير الكهرباء إلى أوروبا عبر الحدود اليونانية المصرية المُشتركة.
+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى