
موسكو وواشنطن.. صراع على من يمد أوروبا بالغاز
على الرغم من المحاولات الأمريكية لعرقلة الخطى الروسية في مجال الغاز، إلا أن موسكو قد نجحت في إثبات أن مكانتها على خارطة الغاز العالمية لا تتأثر بهذه العقبات، بل تزداد تقدمًا. ففي عام 2018، ارتفع معدل إنتاج الغاز الروسي بنسبة 5% مقارنة بالعام السابق عليه، إذ وصل إلى 725 مليار متر مكعب، وهو رقم قياسي لم يتحقق طيلة السنوات الـ 18 الماضية – وفقًا لتصريحات أدلى بها من قبل وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك.
كما ارتفع معدل صادرات الغاز الروسية في عام 2018 بمقدار 20 مليار متر مكعب بما يمثل زيادة بنسبة 10%، وبلغت هذه الزيادة نحو 225 مليار متر مكعب. بحيث بلغ معدل نمو إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب 4,1%، فيما نمت صادرات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 70% بما يعادل 26 مليار متر مكعب.
موقع روسيا على خارطة الدول المصدرة للغاز
تمتلك عشر دول فقط ما يُعادل أكثر من ثلثي إجمالي الاحتياطات المؤكدة من الغاز الطبيعي الموجودة في العالم، وتأتي روسيا وإيران وقطر والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في الصدارة باعتبارها الدول المسيطرة على نصيب الأسد من إجمالي احتياطات الغاز، ووفقًا لتقرير نشره موقع ” BP-statistical review of world Energy” في 2018. احتلت الولايات المتحدة المرتبة الأولى من حيث احتياطي الغاز الطبيعي بمعدل يبلغ 8,7 طن، وبإنتاج يبلغ 734,5 مليار متر مكعب في عام 2017.
فيما تحتل روسيا المرتبة الثانية في قائمة أكبر الدول المنتجة للغاز الطبيعي، حيث تتركز فيها أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم، وبلغ انتاجها في 2017، 635,6 مليار متر مكعب، وفقًا لتقرير نشرته شركة بريتيش بتروليوم، والذي قدر أيضًا احتياطات الدب الروسي من الغاز الطبيعي بحوالي 35 طن مكعب. وتحتوي روسيا كذلك على آبار غاز عملاقة على غرار “أورونجوي، ويامبورج، شتوكمان، زابوليارنوي”. ويمثل حقل غاز “أورونجوي” الذي يقع في سيبيريا وحده ما يعادل 45% من إجمالي الاحتياطي الروسي من الغاز الطبيعي.
أما في المرتبة الثالثة فتأتي إيران بإجمالي 33,2 طن من إجمالي احتياطي الغاز الطبيعي، وبمعدل انتاج 223,9 مليار متر مكعب في عام 2017. فيما تحتل كندا المرتبة الرابعة بإجمالي 1,9 متر مكعب، وبمعدل انتاج 176,3 من نفس العام – وفقًا لبيانات الرابطة الكندية لمنتجي النفط.
ما حققه الاقتصاد الروسي من وراء خطوط الغاز الى أوروبا
حققت روسيا في 2018 أرباحًا قياسية بسبب أنشطتها في مجال الغاز الطبيعي، فقد أعلنت شركة “غازبروم” الروسية العملاقة أن صافي أرباحها ازداد بنسبة 11,4 بالمئة في الربع الأول من العام مع ارتفاع حجم الصادرات إلى أوروبا إلى مستوى غير مسبوق، على الرغم من تصاعد منسوب التوتر بشأن الاعتماد على الغاز الروسي. كما ذكرت نفس الشركة الحكومية، إن صافي أرباحها بلغ 371,6 مليار روبل أي ما يعادل 5,9 مليار دولار بحسب سعر الصرف في ذلك الحين، وهو مبلغ يفوق توقعات المحللين بفضل الزيادة في حجم الصادرات والأسعار.
كما ارتفعت الأرباح التشغيلية بنسبة 59 بالمئة في الفترة من يناير حتى مارس 2018 مقارنة بالعام السابق عليه، فبلغت 467 مليار روبل بزيادة نسبتها 18 بالمئة في المبيعات حيث وصلت إلى 2,14 ترليون روبل. ويعتمد عملاق الغاز الروسي “غازبروم” في أرباحه بشكل رئيس على صادراته الى أوروبا، والتي ارتفعت بمعدل 9% خلال عام 2018 حتى بلغت 71,5 مليار متر مكعب، بما يجعلها هي المرة الأولى التي تتجاوز فيها الشركة مستوى 70 مليار متر مكعب. ويذكر أن الشركة حققت مكاسبًا خلال السنوات الأخيرة في السوق الأوروبية؛ إذ شكلت نحو ثلث الاستهلاك هناك على الرغم من تصاعد التوترات السياسية بين روسيا والاتحاد الأوروبي على خلفية ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
كيف تفاعلت السياسات الأمريكية مع نمو النشاط الروسي في مجال الطاقة؟
على الرغم من مساعيها الحثيثة لعرقلة مسار تطور النشاط الروسي في مجال الغاز الطبيعي وصادراته، إلا أنه يمكن القول إن بعض سياسات واشنطن قد قدمت –عن دون قصد- فرصًا جديدة أمام موسكو في مجال الطاقة كي تتوسع في نفوذها؛ إذ ساهمت واشنطن في تحديد قدرات أبرز منافسي روسيا في مجال الغاز لأن أي عقوبات أمريكية على فنزويلا وإيران هي بالطبع نقطة قوة لصالح روسيا، علاوة على ذلك كلما اشتدت وتيرة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، كلما تطلعت بكين بشكل متزايد نحو جارتها الشمالية باعتبارها مورد موثوق للطاقة.
ولكن في ظل امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية لاحتياطيات عملاقة من الغاز، وفي ظل انخفاض تكلفة تصدير الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة الى أوروبا عن نظيرتها بالنسبة لآسيا، ليس من المرجح أبدًا أن تتوقف واشنطن عن مساعيها الحثيثة لأن تحل محل روسيا فيما يتعلق بتصدير الطاقة الى أوروبا.
خارطة لأبرز خطوط الغاز الروسي حول العالم
“يامال”:هو خط أنابيب يربط بين روسيا وأوروبا، ويمر عبر دول “روسيا – بيلاروسيا – وبولندا” وينتهي في ألمانيا. ولقد ساعد هذا الممر على رفع مستوى مرونة وموثوقية إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا الغربية. ويقوم الخط سنويًا بنقل 32,9 مليار متر مكعب من الغاز.
“تورك ستريم” : وهي خطوط تصدير الغاز الروسي إلى تركيا عبر البحر الأسود، ويخصص الخط الأول لتوفير إمدادات الغاز للمستهلكين الأتراك، فيما يخصص الثاني لإمدادات الغاز إلى دول جنوب أوروبا وجنوب شرق أوروبا. وتبلغ سعة الخطين الأول والثاني 15,75 مليار متر مكعب.
“قوة سيبيريا”: وهو أكبر نظام لنقل الغاز في شرق روسيا من حقل تشياندينسكوي إلى المستهلكين الروس في الشرق الأقصى والصين. وتبلغ إنتاجية الخط 38 مليار متر مكعب سنويًا، ويبلغ طوله 3000 كم.
“نورد ستريم” : هو خط الأنابيب الذي يربط بين روسيا وأوروبا بشكل مباشر عبر بحر البلطيق، ويربط بين روسيا والمستهلكين في أوروبا، ويبلغ طوله 1224 كيلو متر، وينقل 55 مليار متر مكعب من الغاز في العام.
“نورد ستريم 2”: وهو خط تصدير غاز آخر يربط بين روسيا وأوروبا ويمر عبر بحر البلطيق، تم تصميمه بسبب ارتفاع الطلب من المستهلكين الأوروبيين على الغاز الروسي.“التيار الأزرق” : مخصص لتزويد تركيا بالغاز الطبيعي عبر البحر الأسود، ويمر عبر أراضي أوكرانيا ومولدوفا ورومانيا وبلغاريا. وتبلغ الطاقة التصميمة لما يمكن لهذا الخط أن ينقله من الغاز 16 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، فيما يبلغ طوله 1213 كم.
باحث أول بالمرصد المصري



