الصحافة الدولية

اغتيال “سليماني” … واشنطن وطهران نحو المواجهة المباشرة

جاء استهداف قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الايراني السابق “قاسم سليماني” فجر اليوم الجمعة، 3يناير2020، كاشفًا لحجم التحول الجاري على صعيد المواجهة الأمريكية-الايرانية بالشرق الأوسط، والتي أصبحت توجه الإقليم إلى حالة متصاعدة من احتمالات الاشتعال غير محسوب التداعيات، سواء على نطاق المنطقة أو العالم. وفور إعلان واشنطن عن نجاحها في تنفيذ ضربة استهدفت “سليماني” وعدد من الخبراء الايرانيين، فضلاً عن قيادات بالحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني، حملت ردود الفعل من طهران -والعواصم الرهينة للمليشيات الموالية لها- رسائل مفادها أن الرد سيكون أكثر شدة وضد الأهداف الأمريكية بالمنطقة.

وبين اغتيال “سليماني” والضربات التي استهدفت معسكر الـ (k1) الامريكي بكركوك، شهدت العراق حزمة من التفاعلات بين الطرفين تؤكد أن الاستجابة للضربة الأمريكية ستكون متضمنةً لتكتيكات وأنماط تقود إلى مزيد من التصعيد، وأن العراق سيكون محور هام لتنفيذ الضربات الايرانية-الأمريكية القادمة، سواء على الصعيد السياسي أوالعسكري، وهو ما لن ينفصل عن الساحات الأخرى التي تشهد نفوذًا ايرانيًا متناميًا كسوريا ولبنان واليمن وفلسطين. ويتناول هذا التقرير قراءة في انتقال واشنطن وطهران نحو المواجهة أكثر مباشرة، وكيف يمكن أن تكون تكتيكات الرد والردع القادمة على الجانبين.

واشنطن وطهران … نحو المواجهة المباشرة


أصبحت المواجهة الأمريكية-الايرانية متجاوزةً للخطوط التي سادت التفاعلات والتحركات الصادرة عن الطرفان خلال الفترات السابقة؛ حيث انتقلت الضربات وعمليات الاستهداف لمرحلة خطيرة من محاصرة المؤسسات الدبلوماسية، وهو ماحدث حين حاصرت فصائل الحشد الشعبي الموالية لايران السفارة الأمريكية في بغداد، 30ديسمبر2019، في صورة بارزة عن توجيه إيران للفصائل المرتبطة بها بشكل وثيق داخل العراق للتصادم مع مصالح الولايات المتحدة، وهو ما تناولناه في تقرير سابق بالمرصد المصري. ولم تقتصر صورة التصعيد على محاصرة عناصر المليشيات والمؤيدين لها للسفارة الأمريكية ومحاولة اقتحامها، بل اتجهت الكتل السياسية العراقية والسلطات الرسمية إلى ادانة الأنشطة الأمريكية، وهو ما تزامن مع تطور مشهد بالبرلمان العراقي يمكن أن ينتهى إلى انهاء الاتفاق الاستراتيجي مع واشنطن، أي ايجاد صيغة رسمية لانهاء الوجود الامريكي بالعراق ويضع بغداد بشكل كامل بين يدي النفوذ الايراني.

الدبلوماسية، وهو ماحدث حين حاصرت فصائل الحشد الشعبي الموالية لايران السفارة الأمريكية في بغداد، 30ديسمبر2019، في صورة بارزة عن توجيه إيران للفصائل المرتبطة بها بشكل وثيق داخل العراق للتصادم مع مصالح الولايات المتحدة، وهو ما تناولناه في تقرير سابق بالمرصد المصري. ولم تقتصر صورة التصعيد على محاصرة عناصر المليشيات والمؤيدين لها للسفارة الأمريكية ومحاولة اقتحامها، بل اتجهت الكتل السياسية العراقية والسلطات الرسمية إلى ادانة الأنشطة الأمريكية، وهو ما تزامن مع تطور مشهد بالبرلمان العراقي يمكن أن ينتهى إلى انهاء الاتفاق الاستراتيجي مع واشنطن، أي ايجاد صيغة رسمية لانهاء الوجود الامريكي بالعراق ويضع بغداد بشكل كامل بين يدي النفوذ الايراني.

وتمثل عملية مطار بغداد طبعة جديدة من التصعيد الامريكي المباشر ضد طهران، عقب أحداث السفارة الاخيرة، وبالتالي فان التعاطي الامريكي لن يتوقف عند ضرب مقرات ومعسكرات الفصائل الموالية لايران، والتي تتمركز بسوريا والعراق وينتشر بها خبراء وعسكريون من الحرس الثوري، بل توجية ضربات مباشرة ضد قيادات إيرانية ذات ثقل في الداخل والخارج وغيرهم من قيادات الصف الاول بتلك المليشيات التابعة لها. واستهداف رؤوس تلك التنظيمات المسلحة بغض النظر عن مكانتهم ووضعهم السياسي بأنظمتهم المحلية، وهو ما تجلى في عدم تردد الطيران المسير الامريكي في تنفيذ الضربة بوجود نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي “أبو مهدي المهندس” رفقة “قاسم سليماني” اليوم، وهو ما من شأنه اثارة الداخل العراقي والفصيل الرسمي الاكثر تسلحيًا بين القوات العراقية.

الرد والردع … أنماط هجينة


تؤكد الضربة الأمريكية الاخيرة وأحداث السفارة السابقة أن القادم يحمل المزيد من الصدام بين واشنطن وطهران، وتتعقد أنماط الرد والردع التي سيتبناها الطرفان، والقراءات الاولى لردود الفعل بين دوائر الفواعل والحلفاء تشير إلى تبني أنماط هجينة من الاجراءات بين الرد الرسمي عبر استهداف المصالح الأمريكية بمنطقة الخليج العربي، وهي تشمل القواعد الأمريكية وناقلات النفط ودوريات الملاحة المشتركة التي تكون واشنطن وحلفاؤها فاعلين فيها. بالإضافة إلى احتمالات توجيه الفصائل الموالية لايران بمختلف مناطقها لممارسة هجمات أكثر تأثيرًا وقوةً ضد الوجود الامريكي والدول المرتبطة به، وبذلك فقد يتكرر سيناريو استهداف مصافي ومعامل النفط بدول الخليج، كذلك الهجمات الصاروخية على القواعد الأمريكية والمدنيين الامريكين بتلك الدول.

ويدعم هذا الطرح مواقف المليشيات والفصائل الموالية لطهران من اغتيال “سليماني”، فقد توعدت جماعة “الحوثي” الموالية لإيران بـ”رد سريع ومباشر” وأن “استهداف القواعد –الأمريكية- المنتشرة هو الخيار والحل”، وفي السياق ذاته جاء الموقف الايراني القاضي بأن الرد سيكون على الوجود الامريكي بالمنطقة بشكل مباشر، وهو ما استتبعه تعيين العميد “اسماعيل قاآني” قائدًا لفيلق القدس خلفًا لـ “قاسم سليماني”، ما يكون وجود نيه ايرانية على توجيه رد سريع على اغتيال الاخير؛ لاثبات انها مازالت قادرة على إدارة علاقاتها ونفوذها بالعواصم التي ينتشر بها مليشياتها، وكذلك استباق اى خطوات من شأنها إضعاف روابط تلك الجماعات وسيطرتها على المشهد السياسي بدولها والذي كان “سليماني” يتولى إدارته بشكل شخصي.

وتعي الإدارة الأمريكية أن اغتيال “سليماني” سيكون له رد فعل إيراني مباشر صدامي قوي، لذلك أكدت في عدة رسائل على لسان وزير خارجيتها “مايك بومبيو” أن السفارة الأمريكية ببغداد تلقت تعزيزات من وحدات المارينز، وجرى اتخاذ العديد من الاجراءات لتامين الوجود الامريكي والمواطنين الامريكيين. وحيث اعلنت السفارة الأمريكية ببغداد في بيان سابق لها عن خطورة التواجد في مناطق التظاهرات وحتى قرب السفارة. فعقب عملية الاغتيال، اصدرت بيان آخر تدعو فيه المواطنين الامريكيين لمغادرة العراق لدواع أمنية. وبالتالي فان واشنطن تتوقع ردود فعل متعددة على تلك العملية وتعلم جيدًا أنها قد أعطت إشارة البدء لموجة كبرى من الاحداث المباشرة بينها وبين طهران والفصائل الموالية لها بالشرق الأوسط.

ومجمل القول، فان اغتيال قائد فيلق القدس “قاسم سليماني” -مهندس النفوذ الايراني بالخارج- سيؤدي إلى ارتفاع وتيرة العمل المضاد للوجود الامريكي بالشرق الأوسط، وسيعطي هوامش حركة أكبر للمليشيات الموالية لايران في عدة دول للتصعيد ضد واشنطن ومصالحها وحلفاؤها؛ حرصًا على اثبات نفسها كوكيل قوي وأن علاقاته بطهران غير قابلة للمساس. وبالتالي ستكون القوات الأمريكية ومصالحها صيدًا ثمينًا لتلك التنظيمات، وأن اغتيال سليماني وإن عطل لفترة زمنية سلسلة من الاعمال الايرانية ضد مصالح واشنطن، فإنه سينقلب عكسيًا على السيطرة الايرانية على حجم العمليات ضد الولايات المتحدة بالشرق الأوسط في الحدود التي كانت موضوعة لتقليص فرص الدخول في حرب كبرى.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى