خُلاصات الجولة الثانية من اجتماعات المسار الدستوري الليبي بالقاهرة
اختُتمت اجتماعات اللجنة الدستورية المشتركة، بين مجلسي النواب والدولة الليبيين، بالإعلان عن توافق المشاركين على (137) مادة من مسودة مشروع الدستور، في خطوة تكسر جمود المسار الأبرز ضمن مسارات تسوية الأزمة الليبية. وهو ما عكسته تصريحات مستشارة الأمم المتحدة، ستيفاني وليامز، حول أهمية هذه الجولة وحجم النتائج الإيجابية المتحققة فيها.
ملامح الجولة الثانية
تشير البيانات الصادرة عن اللجنة الدستورية، ومستشارة الأمين العام للأمم المتحدة، إلى التوافق على جُل المواد المطروحة للنقاش، ما يطرح عدد من الملاحظات الأساسية حول مجريات الجولة الأخيرة، ومن أبرزها:
- اعتمدت اللجنة مشروع الدستور الصادر عن الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، 29يوليو2017، كقاعدة رئيسة للبحث والتعديل، ويشتمل على (12) باب تضم (197) مادة. وهو ما يحقق درجة من الموضوعية؛ كونه يتسق مع التعديل الـ (12) بشأن تفعيل المسار الدستوري، ويتلافى إعادته إلى المربع الأول.
- ركزت الجولة الثانية على تحقيق توافق بالأبواب والمواد الأكثر اتصالًا بطبيعة الدولة ونظام الحكم بالدولة، ويُرجح أنها تضمنت طرح الأبواب الخمسة الأولى من مشروع الدستور، وهي: شكل الدولة ومقوماتها، والحقوق والحريات، ونظام الحكم، والسلطة القضائية، والمحكمة الدستورية، بإجمالي (142) مادة.
- قطعت اللجنة شوطًا كبيرًا في مسار مهمتها حتى الآن، فبعد اعتماد نظام عملها بالجولة الأولى (13 أبريل الماضي)، تم التوافق على نحو (70%) من مواد مشروع الدستور، خلال فعاليات الجولة الثانية (15-20 مايو الجاري). كما شُكلت لجنة مُصغرة لصياغة المواد التوافقية، وستكون معنية بطرح صيغة نهائية للنصوص المُنجزة؛ تمهيدًا للعرض والاعتماد بمجلسي النواب والدولة.
- ظلت المواد الخلافية عند مستوى متراجع، فوفقًا لحجم المواد السابق ذكرها، هناك خمسة مواد لم يجر التوافق عليهم، كما أكدت وليامز أن حجم المواد التي لم يتوافق عليها المجتمعون “لا يتعدى أصابع اليد الواحدة”. وهو ما لا ينفي أهمية تلك المواد؛ حيث إنها تتعلق بعدد من الموضوعات الجوهرية، كحدود مركزية الدولة، وتركيبة السلطة التشريعية، وشروط الترشح للرئاسة.
سياقات مُحتملة
تطرح المعطيات السابقة عدة سياقات مُحتملة لعمل اللجنة الدستورية بالجولة الثالثة من اجتماعات القاهرة (11يونيو المقبل)، يتعلق بعضها بعمل اللجنة ذاتها، والأخر يتصل بمواقف الفواعل بالمشهد مما يجري التوافق عليه، ومن أبرزها:
- تزايد فرص التوافق على المواد التي لم تُطرح بالسابق، وهي نحو (55) مادة في سبعة أبواب؛ ويعزز هذا الاحتمال أنها تنظم موضوعات مهمة، بينها الحكم المحلي، والهيئات المستقلة، والنظام المالي، والثروات الطبيعية، والأحكام العامة والانتقالية. ولكن قد تستغرق مناقشات الباب العاشر بعض الوقت؛ لاتصاله بتنظيم المؤسسات الأمنية والعسكرية، إلا أن الرغبة في استثمار الإنجاز المتحقق ربما يمكن من تجاوز تلك النقاط، بالإضافة للوصول إلى صيغة تنهي التحفظات بشأن بعض المواد الخلافية.
- بروز إشكاليات رامية للتأثير بالمسار الدستوري، وتتصل تلك الإشكاليات بموقف بعض الفواعل من إدخال تعديلات على مشروع الدستور من قبل اللجنة المشتركة؛ إذ تتمسك الهيئة التأسيسية بطرح المسودة المعتمدة منها للاستفتاء دون تعديلات للنصوص الخلافية، وهو ذات الاتجاه الذي يُرجح أن يذهب إليه كل من يستشعر أن الصياغة التوافقية قد تقضي على فرص استمراره ومستويات نفوذه بالأزمة، سواء القوى السياسية أو المجموعات المسلحة المسيطرة على جغرافيا واسعة، ناهيك عن الشخصيات المتصدرة للمشهد الاقتصادي والأمني خلال العقد الماضي.
- تباين الرؤى حول إدارة المرحلة التمهيدية، إذ يُحتمل أن تتجدد التجاذبات حول طبيعة السلطة التي تقود الدولة خلال مرحلة للاستفتاء والانتخابات، وغيرها من ملامح تلك المرحلة، ولكن حال استكمال كافة جوانب المسار الدستوري فمن المؤكد أن الدخول بصراع انتقالي جديد ستكون متراجعة، وإذا لم يتوافق الطرفين على اعتماد إحدى الحكومتين “باشاغا” أو “الدبيبة” لإدارة المشهد، سيكون الوصول لصيغة ثالثة -إدارة مزدوجة أو وزارة جديدة- احتمالًا قائمًا بقوة.
- تصاعد الضغوط الدولية لإنجاح الجهود الراهنة، حيث صار استقرار الحالة الليبية وترسيخ التسوية السياسية للأزمة البديل الأوحد للقوى الدولية؛ لإعادتها كمنتج للطاقة قادر على تخفيف الضغوط التي فرضتها الأزمة الروسية الأوكرانية، بالإضافة لخطورة استمرار الصراع الليبي بذات الوتيرة المهددة بالارتداد لسيناريو الحرب الأهلية، وما سيتصل بذلك من تداعيات وخيمة على الأمن في شمال أفريقيا والمتوسط.
وختامًا، يُرجح أن يتجه وفدا المجلسين لتحقيق اختراق أوسع بالجولة المُقبلة؛ إذ يدرك الجميع أن ما تم التوافق عليه يمثل فرصة مهمة -قد تكون الأخيرة- لتجاوز التأزم الراهن، خاصةً مع تزامن الاجتماع الثالث مع قُرب انقضاء أجل خارطة جينيف، ولكن الخروج من الأزمة وتعاقب المراحل الانتقالية يرتهن بإيجاد توافق على الآلية التنفيذية لعملية الاستفتاء وإدارة الدولة حتى وصول الليبيون إلى صناديق الاقتراع.



