
نهاية عصر الهيمنة الأمريكية بالشرق الأوسط
“انسحاب الولايات المتحدة من سوريا كان بمثابة حلقة من سلسلة الاخفاقات وتراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط”. وهو ما جاء في مقال للكاتب “جدعون راشمان” رئيس محرري الشئون الخارجية في صحيفة “فانيننشال تايمز” تحت عنوان “نهاية عصر الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط“.
وذكر الكاتب أن تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط ظهر جليا عبر تغريدة عاطفية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاء فيها: “روسيا وسوريا وإيران تقتل، أو في طريقها إلى قتل آلاف المدنيين الأبرياء في محافظة إدلب. لا تفعلوا ذلك“. ويكمن السبب الرئيسي وراء تراجع دور الرئيس الأمريكي في سوريا في عدم قدرة الولايات المتحدة أو رغبتها في تشكيل الأحداث في الشرق الأوسط، تاركة ورائها فجوة تملأها قوى أخرى، مثل روسيا وإيران وتركيا.
ولكن، إذا واجه الأمريكيون تحديا مباشرا، فبمقدورهم الرد وبقوة -وهو ما حدث بالفعل حيث شنت الولايات المتحدة غارات على ميليشيا تدعمها إيران على الحدود العراقية السورية- لكن يبدو أن الرغبة في لعب دور استراتيجي أوسع في الشرق الأوسط اختفى إلى حد كبير من البيت الأبيض.
وأضاف الكاتب أنه في عام 2011 ، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عملية عسكرية في ليبيا للإطاحة بنظام القذافي، بينما تدخلت روسيا بقسوة على الهامش. ومع عدم رغبة الدول الغربية في إدارة تداعيات العملية العسكرية في ليبيا – أو الانخراط بجدية في سوريا –أفسح المجال للتدخل الروسي.حيث شنت القوات الروسية حملة عسكرية ساعدت نظام الأسد في استعادة سيطرته على معظم البلاد.
وفي الأشهر الماضية، وقع حادثان أكدا تراجع قدرة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. الأول كان في شهر سبتمبر حيث استهدفت الصوارخ الإيرانية منشآت النفط السعودية “أرامكو”. وتعد المملكة السعودية أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وكان من المتوقع حمايتها من هذا الهجوم أو القيام برد عسكري عليه، وهو مالم تفعله إدارة ترامب. أما الثاني، فهو إعلان ترامب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، لتتحرك القوات الروسية بسرعة لاحتلال القواعد الأمريكية التي تم إجلاؤها. ليس هذا فحسب، بل تخلت الولايات المتحدة عن الأكراد في سوريا، وتغاضت عن التدخل العسكري التركي في سوريا ضد القوات الكردية.
لقد أدى الانسحاب الأمريكي إلى زيادة نفوذ روسيا وإيران، وبالتزامن مع التوتر المستمر بين واشنطن وطهران، أجرت روسيا وإيران والصين مناورات بحرية مشتركة في خليج عمان الذي يتبع الأسطول الخامس الأمريكي وهو من أكثر الأساطيل الأمريكية الإستراتيجية أهمية في منطقة الخليج العربي.كما أدى تدخل “المرتزقة” الروس، المرتبطون بالكرملين، في ليبيا لدعم القوات الليبية بقيادة الجنرال خليفة حفتر، مما قد يزيد من نفوذ موسكو على نفط البلاد، وزيادة تدفق اللاجئين إلى أوروبا.
ويرى الكاتب، أن تركيا ليست القوة الإقليمية الوحيدة التي تسعى للتقارب مع روسيا.فعقب تقاعس إدارة ترامب عن حماية أرامكو وسوريا، قام فلاديمير بوتين بجولة خارجية ناجحة لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات، مما دفع الأمير محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي إلى الإعلان أن العلاقات الإماراتية الروسية متجذرة ومتنامية وأن روسيا بمثابة بلده الثاني.
ويعود تجاهل ترامب وإدارته للتأثير المتراجع لهم في الشرق الأوسط إلى الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة في حربي العراق وأفغانستان، لذا تخشى أمريكا من أي تدخل عسكري في المنطقة وهو ما جاء في تغريدة لترامب: “كل من يريد مساعدة سوريا في حماية الأكراد هو جيد بالنسبة لي، سواء كانت روسيا أو الصين أو نابليون بونابرت.. آمل أن يفعلوا كل شيء بشكل رائع، فنحن على بعد 7000 ميل!”.
أما القوى الأوروبية، فسياستها تجاه المنطقة أكثر ضعفا من الولايات المتحدة، وعندما أعلن ترامب انسحابه من سوريا، اقترحت”أنيجريت كرامب كارينباور” وزيرة الدفاع الألمانية نشر قوات دولية لتأمين منطقة شمال شرق سوريا وهو ما لم يلق قبولاً من قبل القوى الأوروبية.
واختتم الكاتب مقاله بالقول :” على المدى الطويل، ستدفع الولايات المتحدة ثمن تقويض نفوذها الإقليمي، والاضطرابات في الشرق الأوسط .. لديها القدرة على عبور المحيط الأطلسي في نهاية المطاف”.