
طبيعة النشاط “التركي الإيراني” في المنطقة…واستراتيجية “القاهرة” لتقويضه
قلما يوجد إقليم في العالم يتمتع بخصوصية إقليم الشرق الأوسط في النظام الدولي، حيث يرتبط ارتباطاً عضوياً بمسارات التحول في المنظومة الدولية وأنماط استخدام القوة فيها. فشهد الشرق الأوسط خلال الثلاثة عقود الماضية تغييراً كبيراً في موازين القوي التقليدية فيه التي حفظت – نسبياً – استقراره وتضييق احتمالات اندلاع الحروب والصراعات الداخلية والخارجية ذات النطاق الإقليمي علي النحو الذي يشهده الإقليم حاليا. إذ تعرض الشرق الأوسط لانهيار ركائز موازين القوي فيه عبر محطات متتالية كحرب الخليج الأولي بين العراق وإيران (1980-1988) وحرب الخليج الثانية (1990-1991) والتي وضعت العراق وقدراته البقائية علي شفا الانهيار، ثم جاء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ليحذفها تماماً من معادلة القوة العربية. حتي جاءت ثورات “الربيع العربي” 2011 لتتحول خلال فترة زمنية وجيزة إلي سياقات عنيفة من الحرب المحدودة واللامتماثلة ذات القدرة التدميرية الكبيرة للمجتمعات البشرية والقدرات العسكرية للدول العربية عبر الاقتتال الداخلي وحروب الوكالة، لتنهي موجات الربيع العربي وجود سوريا من معادلة القوة العربية.
أفزرت تلك المحطات الهامة، اختلالاً جسيماً في موازين القوي الثابتة للشرق الأوسط، وخلّفت مناطق “فراغ استراتيجي” بطول الأراضي السورية والعراقية وأجزاء من شمال إفريقيا، تتنافس عليه ثلاث قوي إقليمية صاعدة غير عربية (تركيا – إيران – إسرائيل). ليصبح الجناح الشرقي من المنطقة العربية “مكشوفاً” في وجه تدخلات الثلاثي علي نحو غير مسبوق، ومن جهة أخري ظهرت سياقات تنافس إقليمي حاد علي الدولة المركز بينهم، أججت الصراعات وحفزت من حالات عدم الاستقرار الممتد بالمنطقة بما لا يصب في مصلحة العنصر العربي ودوله الوطنية.
بيد أن حالة الصعود التركي والإيراني في المنطقة تحمل سمات شديدة التميز ومتباينة حد التضاد أحياناً، فالدولتين متجاورتين جغرافياً، مع اختلاف ديموغرافي يتعلق بالتكوينات العرقية “الفرس – الترك”، وتتبنيان مشاريع توسعية عقائدية قائمة علي مفهوم الحاكمية الإسلامية بنسختيه السُنية والشيعية، وهي مشاريع تقوم بالأساس علي هدم الدول الوطنية بالمنطقة وقضم أجزاء من أراضيها. وبالرغم من هذا التناقض المحفز للصراع بين الدولتين، إلا أن كلاهما قد أختار انتهاج سياسات “توافقية” تجاه الآخر ولاسيما بعد التنسيق الأمني والاستخباراتي في العديد من الملفات المشتركة بينهما أهمها إجهاض فرص ظهور دولة كردية بالشمال السوري والعراقي تهدد المكون الكردي الداخلي في كلتا الدولتين، ودعم كل منهما للآخر بوجه العقوبات الأمريكية الموقعة علي كلتاهما، بعد أن ثبت كل منهما حدود نفوذه بالميادين السورية والعراقية.
بل، تطور الأمر لشن عمليات “قصف جوي – مدفعي” مشترك، بين أنقرة وطهران على أهداف كردية في شمال العراق. منذ 17 من الشهر الجاري. حيث قصفت مدفعية الحرس الثوري الإيراني ومقاتلات سلاح الجو التركي أهدافاً في آنِ واحد، بمنطقة “حاج عمران” العراقية. وجاء القصف المشترك في وقت شنت فيه تركيا عملية جوية موسعة “مخلب النسر” في شمال العراق وذلك بمشاركة العشرات من المقاتلات والطائرات المسيرة وذلك لتدمير أهداف وصفتها الخارجية التركية “بالإرهابية” تابعة لحزب العمال الكردستاني. كما تزامن القصف التركي الإيراني المشترك لشمال العراق، مع زيارة وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف لاسطنبول لمناقشة تطورات الأزمة السورية. كما أعربت إيران عن دعمها لحكومة الوفاق علي لسان “ظريف” الإثنين الماضي، حيث نوّه أن إيران تتشارك نفس وجهات النظر مع تركيا بشان حل الأزمة الليبية.
يشكل المسلمون غالبية سكان المنطقة العربية والشرق أوسطية ما يجعلهم يتعرضون بصورة مستمرة للمحاولات التركية والإيرانية لفصل ولاءاتهم عن دولهم وأنظمتهم القومية والوطنية وتحويلها للانتماءات والولاءات فوق الوطنية. تترجم تلك المحاولات بتنفيذ سياسات عديدة تتراوح ما بين استخدام القوة الصلبة والتدخل العسكري المباشر أو عبر وكلاء محليين، وأخيراً استخدام القوة الناعمة لتلك المشاريع التوسعية، أثرت المحاولات الحثيثة للقوي الصاعدة (تركيا – إيران) في منظومة الأمن الإقليمي العربي يمكن تحديدها في النقاط التالية:
1- انتشار الفواعل العنيفة من غير الدول:
تنتهج كل من تركيا وإيران سياسات الدعم المباشر والصريح للتنظيمات المسلحة الموالية لها، فعلي سبيل المثال، تدعم تركيا عشرات الجماعات والفصائل المسلحة في الحوض الشمالي السوري من ضمنها فصائل ترتبط بصورة مباشرة بتنظيمات القاعدة، وذلك للحرب بالوكالة وتنفيذ استراتيجيات التوسع و”التتريك” المتبعة في الشمال السوري، كما تعدي السلوك التركي نطاقه الجغرافي ومزاعم “أمنه القومي” علي طول حدوده مع سوريا والعراق، وذهب لدعم الميليشيات التي تسيطر علي العاصمة الليبية طرابلس.
حيث انخرطت تركيا عسكريا بشكل مباشر في الأزمة الليبية من ديسمبر الماضي، عبر انشاءها لجسر جوي وبحري يقوم بنقل المرتزقة السوريين من شمال سوريا لمدينتي مصراته وطرابلس.

فضلاً عن تزويد ميليشيات حكومة الوفاق بالعتاد والتقنية العسكرية اللازمة لإدارة المعارك. حيث وصل لحكومة الوفاق عشرات من الطائرات المسيرة طراز بيراقدار و أنكا إس، والمجنزرات والعربات المدرعة. مكن الدعم التركي اللامحدود، حكومة الوفاق من استعادة السيطرة علي مدن غريان وصبراته وصرمان وترهونة في فترة ستة أشهر من وصول واستمرار الدعم التركي الذي أدخل الفرقاطات التركية ضمن مهام الإسناد المدفعي والتشويش الالكتروني والدفاع الجوي لميليشيات الوفاق علي الأرض ولاسيما في محاور جنوب العاصمة وشرقي مصراته.

وقياساً علي النهج التركي، تقدم إيران الدعم للجماعات المسلحة الموالية لها في الميادين السورية والعراقية واليمنية، علي نحو يخدم أهدافها الاستراتيجية التوسعية وتنفيذ مخططات “التشيع” في المناطق المسيطر عليها ضمن نطاق عمل هذه الجماعات، إذ تدعم في العراق ميلشيات الحشد الشعبي، وفيلق بدر وحركة النجباء اللذان يتبعان القرار الاستراتيجي لطهران عنوةً، وعصائب أهل الحق، وحزب الله العراقي الممول من طهران والمدرج علي قوائم الإرهاب الأمريكية، فضلاً عن جماعة أنصار الله في اليمن، وحزب الله اللبناني، وخلق تنظيمات ميلشياوية قوامها من الشيعة الأفغان والباكستان تقاتل في بؤر الصراع السوري ولاسيما علي تخوم حلب.
أفضت سياسات الدولتين إلي إنتشار مكثف للفواعل العنيفة من غير الدول، وانهاء احتكار الدول المنكوبة بها للقوة الإكراهية وانتشار جماعات الجريمة المنظمة وتهديد دول الجوار المستقرة.
2- مجتمعات بلا دولة «Stateless Societies»
كنتيجة لانتشار الفواعل العنيفة من غير الدول، انتشرت ظاهرة “مجتمعات بلا دولة” التي تقوم عادة على الإحلال الوظيفي للمجتمعات في سياقات انهيار مؤسسات الدول، وتراجع قدرتها على أداء وظائفها، وظهر ذلك في خضم الصراعات في سوريا واليمن والعراق وليبيا، إذ أضحت التكوينات الاجتماعية الأولية أقوى من الدولة نتيجة تلبيتها لاحتياجات أعضائها الاقتصادية والأمنية، وباتت الانتماءات الإثنية والطائفية والمذهبية والمناطقية الأكثر رسوخًا مع انحسار الانتماء الوطني، وانحسار مقومات الوجود الظاهر والملوس للدولة وانتهاء احتكارها للقوة. وهنا انتشرت آليات الإدارة الذاتية للمناطق غير الخاضعة لسيطرة الدولة المركزية، وتبلورت معها ممارسات “الاقتصادات المناطقية” التي تقوم أساسًا على فكرة الاستقلال عن الدولة.
3- التغيير الديموغرافي:
لدي إيران جملة أهداف استراتيجية ضمن مشروعها التوسعي، منها:
- وصل الطريق البري من طهران حتي بيروت، لإقامة رأس جسر لها علي البحر المتوسط، وذلك للتكيف مع التغير في خريطة الطاقة ولاسيما في منطقة شرق المتوسط.
- إقامة منشآت وبني تحتية عسكرية بالجنوب السوري ضمن سياقات التنافس الإقليمي مع إسرائيل.
مثل هذه الأهداف الاستراتيجية لن تمر إلا بوجود حواضن شعبية مناطقية موالية لطهران بطول الخط البري الواصل من طهران لبيروت وكذلك في الحوض الجنوبي السوري المتاخم للجولان المحتل. ظهرت أوج صور ومعالم التغيير الديموغرافي الرامي لتعزيز الحواضن الإيرانية في “اتفاق البلدات الأربع 2017″، (كفريا – الفوعة – الزبداني – مضايا).
لدي تركيا أيضاً جملة أهداف استراتيجية ضمن مشروعها التوسعي لن تمر دون التغيير الديموغرافي، منها:
- فصل الكنتونات الكردية بالشمال السوري، وذلك عبر ثلاث عمليات عسكرية مباشرة ومتتالية، “درع الفرات – غضن الزيتون – نبع السلام”، بنطاق عملياتي يمتد من عفرين غرباً حتي القامشلي شرقاً وبعمق 30 كم. عملت تركيا والفصائل المسلحة الموالية لها علي تفريغ تلك الأراضي من المكون الكردي وإحلاله بمكون آخر محلي موالي للنظام التركي ومشروعه التوسعي بالمنطقة. وفي هذا الصدد حذر الاتحاد الأوروبي من عواقب عمليات التغيير الديموغرافي شمال شرقي سوريا بعد الاحتلال التركي لها، كما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن أكثر من 300 ألف مدني قد نزح من شمال شرقي سوريا نتيجة للاجتياح التركي لها في خلال أسبوع فقط من بدء العمليات في التاسع من أكتوبر الماضي.
تعد عمليات التغيير الديموغرافي السمة الغالبة والمصاحبة للصعود التركي الإيراني في مناطق “الجناح الشرقي العربي” بالرغم من خضوعها لتفاهمات دولية وإقليمية.
4- صراعات المناطق الرمادية (Grey zone conflicts):
يركز مفهوم صراعات المناطق الرمادية على «المساحة البينية بين الحرب والسلام، التي تنشأ حينما يوظف الفاعلون أدوات متعددة لتحقيق الأهداف السياسية والأمنية عبر أنشطة تتسم بالغموض، وتتجاوز حدود التنافس التقليدي، إلَّا أنها تقع في مساحة دون مستوى الصراع العسكري الكامل.
ويظهر ذلك المفهوم في أنماط إدارة الصراع بين القوى الإقليمية والغربية وإيران، ولاسيما التوترات الخليج العربي والمضايق البحرية (هرمز – باب المندب) والمحاولات المتكررة لضرب واستهداف ناقلات النفط الصيف الماضي ولا سيما التوترات في الخليج العربي.
وفي الحالة التركية يظهر المفهوم في جهود انشاء “المنطقة العازلة” بقطاع الشمال السوري بتفاهمات دولية مع موسكو وواشنطن. بيد أن مدينة الباب تشهد بين الحين والآخر فوضى أمنية وعمليات اغتيال لقياديين في صفوف الفصائل الموالية لأنقرة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. كما تشكل مسرحاً لتفجيرات بسيارات ودراجات مفخخة تبنى تنظيم “داعش” تنفيذ عدد منها.
مناطق الصراعات الرمادية في الشرق الأوسط أفرزت تسويات الحد الأدني نتيجة لتعثر عمليات التسوية الشاملة، وكلها أفضت إلى جعل الحدود رخوة، وجوّالة، وغير مستقرة، سريعة في ديناميكيات اتساعها وانحسارها على حدٍّ سواء.
وبشكل عام، أثر الصعود التركي والإيراني في المنطقة علي نحو بالغ السوء في منظومة الأمن الإقليمي العربي، كونه يستهدف بالأساس ضرب الدول الوطنية ومصالحها في مرحلة ما بعد خروج كل من سوريا والعراق من معادلة القوة العربية. فهل هنالك من سياسة لمعالجة هذا الصعود؟
سياسات معالجة الصعود التركي الإيراني في المنطقة
انتهجت مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو سياسة خارجية نشطة إيجابية تجاه قضايا الإقليم، تقوم علي مبادئ الندية والتعاون المشترك واحترام القانون والشرعية الدولية. وأصبحت المصلحة هى ما يحدد دوائر تحرك مصر فى الخارج، حيث لم تعد هذه الحركة حبيسة للدوائر التقليدية التى حكمت التفكير فى السياسة الخارجية المصرية طوال الفترة السابقة على الثورة. حيث أصبحت تتحرك وفق اعتبارات المصلحة الوطنية كما تحددها مؤسسات الدولة، وفى أحيان معينة مصالح “الأصدقاء” عند التفكير فى تفعيل العلاقات مع إيران، أو التعامل مع الوضع فى اليمن أو مع الصراع فى سوريا. ومن هذا المنطلق صاغت القيادة المصرية أشكال وأنماط التعامل مع الصعود التركي الإيراني في المنطقة من خلال مسارين محددين:
الأول: سياسات الاحتواء
يستهدف الاحتواء كبح جماح الطرف الآخر وتقييد تحركاته، والحيلولة دون تمكينه من الاندفاع في مسارات معينة غير مرغوب فيها قياساً علي أضرارها المحتملة للمصالح العليا للدولة التي تستخدم آلية الاحتواء في إدارة الصراع مع الخصم. كما يغلب علي سياسات الاحتواء عدم التلويح باستخدام أدوات القوة الصلبة.وفي هذا السياق نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر مطلعة أن مصر نأت بنفسها عن الجهود الأمريكية لتشكيل “ناتو عربي” على غرار حلف شمال الأطلسي هدفه “التصدي” لسياسات طهران.
ووفقا للمصادر، فإن مصر قد أبلغت قرارها للولايات المتحدة والأطراف الأخرى المعنية بالتحالف الأمني في الشرق الأوسط المقترح، قبل اجتماع عقد الأحد الماضي في الرياض.
وأضافت أن القاهرة لم ترسل وفدها إلى الاجتماع الأخير الرامي لدفع الجهود التي تقودها واشنطن لجمع الحلفاء العرب في معاهدة أمنية وسياسية واقتصادية للتصدي لإيران. يمثل التعاطي المصري مع الصعود الإيراني نموذجاً لسياسة الاحتواء في كل من الميدان السوري والعراقي واليمني، مع تفعيل كل التدابير الكافية لحماية الأمن القومي المصري من تحركات إيران في إحداثياته وأخذ مصالح “الأصدقاء” في الاعتبار.
كما توسطت مصر لإبرام تسوية سياسية مع الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية إثر احتياج الجيش التركي لمناطق شمال شرقي سوريا في التاسع من أكتوبر الماضي، ما جعل قوات الجيش العربي السوري تصل لنقاط التماس مع القوات التركية والفصائل المسلحة الموالية لها في الحسكة والقامشلي، ورهن التحركات التركية لتفاهمات إقليمية ودولية مقيدة لأطماعها في التوغل أكثر من المسموح بالشمال السوري وقضم أراضيه.
ثانيا: سياسات الردع
يقوم مفهوم الردع علي محاولة ترهيب الطرف الآخر وعدم تمكينه من اتخاذ القرار باستخدام القوة العسكرية، أي جعله يتصرف في المواقف بدافع من شعوره بوجود تهديد قوي له، ومن ثم تكون النتيجة التي يستهدفها الردع نفسية في الأساس ويتعذر تحقيقها في غياب التهديد، ويتطلب الردع كشرط مسبق لدعم فاعليته وتمكينه من تحقق هدفه، إبلاغ الخصم بصورة قاطعة لا لبس فيها بوجود تصميم أكيد علي معاقبته، وكذلك إفهامه أن الخسارة التي سيُمني بها إذا خاطر بالحرب ستكون أفدح بكثير من أي كسب يأمل أن يحققه من ورائها.
حققت القيادة المصرية قدرة الردع من خلال:
1- رفع جاهزية قدراتها العسكرية
تنفذ مصر خطة تحديث شاملة لقواتها المسلحة منذ سنوات بما يواكب الحرب الحديثة (الجو – بحرية)، فأبرمت جملة صفقات تسليحية علي صعيد سلاح الجو والبحرية والدفاع الجوي والتصنيع العسكري المشترك ونقل التقنية العسكرية. رفعت تلك الصفقات من جاهزية القوات المسلحة المصرية لمعالجة طوارئ الإقليم وحماية حقوقها الاقتصادية الخالصة في منطقة شرق المتوسط الغنية بموارد الطاقة وحققت قدرة ردع كبيرة.
كما أصبحت مصر أقل تردداً في استخدام القوة العسكرية لحماية أمنها القومي وتوجيه الضربات الاستباقية للإرهاب العابر للحدود والمدعوم من دول إقليمية بعينها، فكانت الضربات المصرية في ليبيا إبان حادثة ذبح الأقباط المصريين في فبراير 2015 عنوانا عريضاً عن السياسات الدفاعية الجديدة للدولة المصرية بعد الثلاثين من يونيو وفي بيئة المحاور الإقليمية وسياسات الاستقطاب الحادة.
2- دعم الجيوش الوطنية
تتبني مصر في سياساتها الخارجية دعم الجيوش الوطنية، فقد أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي في أكثر من مناسبة عن دعم مصر للجيش السوري في حربه ضد التنظيمات الإرهابية، منطلقاً من دعم مصر للجيوش الوطنية ودولة المؤسسات، وكذا جاء الموقف المصري أيضاً من دعم جهود الجيش الوطني الليبي في حربه ضد التنظيمات والميليشيات المسلحة. يُمثل دعم مصر للجيوش الوطنية حجر الزاوية في مواجهة الصعود التركي الإيراني الهادف أصلاً في تدمير تلك الجيوش وتفكيكها للحيلولة دون وقوفها في وجه تنفيذ المشاريع العقائدية فوق الوطنية القومية.
3- إنشاء الشراكات الاستراتيجية
لجأت مصر إلي تفعيل الشراكات الاستراتيجية مع بعض الدول ذات الارتباط العضوي بالأمن القومي المصري، وذلك للظروف المعقدة التي أحاطت بتطبيق نظام الأمن الجماعي. فكانت الشراكة بين مصر وقبرص واليونان نموذجاً للتعاون الدولي المثمر في مجالات الطاقة والأمن والدفاع والاستثمار، ومن جهة أخري مثلت جبهة ردع أمام التحركات التركية الغير شرعية في منطقة شرق المتوسط وجعلتها حبيسة لتصرفات سلبية من غير جدوي حقيقة، ورفعت من تكلفة اختراق تركيا لسيادة دول شرق المتوسط وحقوقها الاقتصادية الخالصة في مياهها الإقليمية.
وبشكل عام، تأتي سياسات المعالجة المصرية للصعود التركي الإيراني في المنطقة علي نحو تتضافر وتتكامل فيه سبل الاحتواء والردع علي حدِ سواء وإعادة تشكيل موازين القوي من جديد وهندسة المشهد الأمني العبثي بعد مرحلة الربيع العربي بشكل يوفر ظروف إبرام التسويات الشاملة لبؤر ومناطق الصراع.