مصر

كيف يساهم تعليم الفتيات في الحد من الزيادة السكانية؟

يساهم وصول المرأة إلى درجة متقدمة من التعليم  في الحد من الزيادة السكانية، حيث يؤدي التعليم إلى فتح آفاق المرأة وزيادة وعيها وفرص عملها، وبالتالي التخلي عن العادات والتقاليد التي تضع كثرة الإنجاب في مقدمة اهتماماتها، وفي عام 1992، عرّف كبير الاقتصاديين السابق بالبنك الدولي، لورانس سمرز، أن الاستثمار في تعليم الفتيات وخلق فرص اقتصادية لهن هو الاستثمار الوحيد الأكثر تأثيرًا الذي يمكن تحقيقه في العالم النامي. 

ويأتي عدم تمكن البعض من الحصول على القدر الكافي من التعليم في مقدمة الأسباب المؤدية للزيادة السكانية، لارتباطه بالوعي والدراية بمسألة تنظيم النسل، خاصة بين الفتيات وارتباط عدم إتمام تعليمهن  ببعض العادات السلبية مثل الزواج المبكر،  الذي يؤثر سلبيًا على الفتاة وينعكس على أمور أخرى كعمالة الأطفال وزيادة معدلات الطلاق، فضلًا عن التأثير سلبًا على ما تنتهجه الدولة في ملف القضية السكانية. وهو ما يلقي التقرير الضوء عليه.

التعليم وتأثيره على الزيادة السكانية

تحتل مصر المرتبة الـ 14  في قائمة أكبر دول العالم من حيث تعداد السكان، وتعد القضية السكانية واحدة من أهم القضايا التي تشغل الدولة المصرية وتسعى لإيجاد آليات لاحتوائها، وفي هذا الصدد أشار المسح الصحي السكاني لعام 2021 إلى ارتباط الزواج دون سن الثامن عشر بالمستوى التعليمي للفتيات، حيث تقل نسبة السيدات في الفئة العمرية من 15-19عامًا واللاتي أصبحن حوامل أو أمهات بين اللاتي لديهن تعليم ثانوي أو أعلى بمقدار 6.5 %، وترتفع بين السيدات اللاتي لم يسبق لهن الذهاب إلى المدرسة بنسبة 18%.

وبالنظر للإحصائيات  الصادرة عن مركز معلومات وزارة التربية والتعليم نجد أن الدولة بذلت جهدًا كبيرًا، لتقليل تسريب الفتيات، في مرحلة التعليم الأساسي الابتدائي والإعدادي، وبالتالي ضمان التوعية لنسبة ليست قليلة من الإناث في الفئة العمرية حتى 19 عامًا. فانخفضت نسبة التسرب من 4.12% عام 2015، إلى 1.87% عام 2022.

وفي ذات السياق نجد أن العلاقة طردية بين الوعي الإنجابي وتنظيم النسل، فكلما زاد التعليم  لدى الفتيات قلّ الزواج المبكر وبالتالي تحقق تنظيم النسل، وبالنظر إلى  الجدول السابق، نجد أن المعدلات التي وضعها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء،  تؤكد أن نسب الإنجاب بين الفتيات التي لم تذهبن إلى المدرسة أو تكمل التعليم الأساسي، هي الأعلى مقارنة بالفتيات اللاتي أكملن التعليم الأساسي والجامعي.

ولعل المشكلة الأكبر   تكمن في حجم الأسرة،  وكما هو موضح بالشكل السابق، تتمركز  أكبر الأسر حجمًا في مطروح، وهي أقل محافظة في وصول الفتيات إلى التعليم العالي  بنسبة 0.5% أوتعليمهن بشكل عام، وذلك لرسوخ بعض الأفكار والعادات الخاصة بوضع المرأة وحصر دورها في رعاية الأطفال.

تأثير عمل المرأة على خفض معدلات الإنجاب

تشكل النساء نحو 17 % من سوق العمل، وهو الرقم الذي يشكل الوظائف أو الأعمال المدرجة تحت مظلة قانون العمل والاقتصاد الرسمي، وهناك ما يقرب من 5 % من النساء غير مدرجات، وفي كل الأحوال يساهم عمل المرأة بصورة مباشرة في اتخاذ قرارات الإنجاب وتنظيم الأسرة وتطبيق فكرة الأسرة صغيرة الحجم.

وفي جميع دول العالم هناك علاقة طردية بين تعلم وعمل المرأة سواء دول متقدمة أو نامية، فكلما زاد التعليم قل عدد أطفالها، وزاد من حصولها على عمل حتى تستطيع تنشئة أطفالها بشكل جيد وفعال، وبالفعل أظهرت النتائج النهائية للمسح الصحي للأسرة المصرية 2021، والتي تم إعلان نتائجه الأولية للمسح في شهر أغسطس 2022، أن معدل الإنجاب الكلي للسيدات اللاتي سبق لهن الزواج في الفئة العمرية (15-49 سنة) بلغ 2.85 طفل لكل سيدة عام 2021 مقابل 3.5 أطفال لكل سيدة عام 2014.

السيطرة على الزيادة السكانيةمن خلال تعليم وتمكين المرأة

اطلقت الدولة الاستراتيجية القومية للسكان والتنمية، وكان الهدف من إنشائها تحسين جودة الخدمات المقدمة، حيث تناولت الاستراتيجية خمسة محاور  رئيسة وهي “تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية_ الشباب وصحة المراهقين_ تمكين المرأة_ الإعلام والتواصل الاجتماعي”. ويعتبر محور تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، من أهم المحاور التي تحقق الهدف الأول في الاستراتيجية، وهو خفض معدلات الزيادة السكانية للإرتقاء بحياة المواطن، وإحداث التوازن بين معدلات النمو الإقتصادي، ومعدلات النمو السكاني على المدي القصير والبعيد. ومن خلال تطبيق  الخطة الخمسية 2015_2020  انخفض معدل الإنجاب من 3.6 طفل لكل إمرأة إلى 3.1 طفل لكل إمرأة في عام 2020.

وإنخفض معدل المواليد في كل الجمهورية من 31.3 مولود لكل ألف نسمة في عام 2014، إلى 26.8  في عام 2017،  كما انخفض معدل المواليد كذلك في 25 محافظة بنسب تراوحت بين 1,8 إلى 9,4 مولود لكل ألف نسمة، إلا أنه ارتفع في محافظتي مطروح إلى 4.3 مولود لكل ألف من السكان وجنوب سيناء 9.6 لكل ألف نسمة،  إلا أن هذا الإنخفاض كان أقل من المستهدف، لذلك قامت الدولة بوضع الاستراتيجية القومية للسكان 2023_2030 لتحقيـق أهـداف المبـادرات الرئاسـية الحاليـة، والتـي تهـدف إلى تحسـين مسـتوى معيشـة الفرد وتحسين خصائص السكان، مثل مشروع حياة كريمة ومشروع تكافل وكرامة.

أخيرًا، تعمل الدولة على تقليل الزيادة السكانية ووصول ثقافة تنظيم النسل إلى جميع الفئات، وذلك من خلال الوسائل الإعلامية المتاحة، من إعلانات وأعمال درامية، وصولًا إلى تقليل الدعم لمن لديهم أكثر من طفلين، والحديث عن حوافز مالية لمن يلتزم بإنجاب طفلين لا غير، إلا أن الوعي التربوي والمسؤولية المجتمعية يمثلان العاملان الأكثر تأثيرًا في هذه القضية. ولذلك يجب العمل على الارتقاء بالمستوى التعليمي بالمحافظات الحدودية والصعيد وبناء عدد أكبر من الجامعات، لزيادة نسبة الفتيات الملتحقات بالتعليم العالي، خاصة مع عدم إمكانية تقبل فكرة اغتراب الفتيات للتعليم الجامعي في الصعيد والمحافظات الحدودية، وزيادة المدارس الحكومية حتى الثانوية خاصة في القرى النائية، وتنظيم حملات بين الجهات المختصة والمجتمع المدني، لتحفيز الأهالي لتعليم الفتيات وزيادة الوعي بأهميته، والتمكين الاقتصادي  للمرأة في القرى النائية والمحافظات الحدودية، للحد من استخدام الأطفال كموارد للأسرة، وبالتالي زيادة الإنجاب. 

+ posts

باحثة في وحدة المرأة وقضايا المجتمع

سمارة سلطان

باحثة في وحدة المرأة وقضايا المجتمع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى