
قمة الهيدروجين الثانية بأبو ظبي: قمة التحديات والحلول
تنطلق القمة العالمية لطاقة المستقبل التي تستضيفها شركة أبوظبي لطاقة المستقبل خلال الفترة من 16 إلى 18 أبريل 2024 في العاصمة الإماراتية أبوظبي، والتي تهدف إلى دفع ودعم طاقة المستقبل، وكفاءة استخدام الطاقة، والتقنيات النظيفة، وتعنى بحلول وابتكارات وسياسات ورؤى الطاقة المتجددة والمتطورة.
وتشهد دولة الإمارات العربية المتحدة انطلاق النسخة الثانية من قمة الهيدروجين الأخضر، في حدث يجسد الاهتمام العالمي المتنامي بهذا الوقود. حيث تستضيف شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر)، النسخة الثانية من قمة الهيدروجين الأخضر السنوية، وذلك اليوم الثلاثاء 16 أبريل بمركز أبوظبي الوطني للمعارض «أدنيك»، حيث تهدف القمة إلى تسريع وتيرة تطوير اقتصاد الهيدروجين الأخضر العالمي، ودعم عملية التحول في قطاع الطاقة.
وعليه، ستجمع القمة نخبة كبيرة من صُناع السياسات وقادة قطاع الطاقة والمستثمرين البارزين ورواد الأعمال، وذلك بهدف تسليط الضوء على الإمكانات المتنامية للهيدروجين الأخضر ودوره في دعم اقتصادات الدول للوصول إلى الحياد المناخي. حيث تقام القمة الثانية تحت شعار: بناء اقتصاد الهيدروجين من الحوار إلى الواقع، وستوفر منصة تجمع الشركات الرائدة في قطاع الهيدروجين العالمي.
الوضع العالمي في صناعة الهيدروجين:
في السنوات الماضية، أخذ التعامل مع الدافع لتقليل معدل الأثر الكربوني منحى متعمقًا وجديًا، حيث أعلنت شركات عالمية عدة عن استراتيجياتها لتحقيق أهداف خفض معدلات الكربون أو الحياد الكربوني، مما يتطلب استخدام أنواع وقود بديلة ونظيفة.
وهناك الكثير من الأسباب الفنية والبيئية والاقتصادية والسياسية وراء الاهتمام العالمي بالهيدروجين الأخضر، وذلك لكونه مصدرًا للطاقة، إلا أن قضية التغير المناخي وكونه وقودًا نظيفًا وصديقًا للبيئة هي السبب الرئيس لتبنيه في الوقت الراهن، وبالأخص مع وفرة تكنولوجيا إنتاج الطاقة المتجددة والتي من الممكن استغلالها لتوليد الكهرباء.
بشكل عام، الهيدروجين الأخضر يتم إنتاجه من مصادر الطاقة المتجددة، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، حيث يلعب الهيدروجين الأخضر دورًا رئيسًا في عملية الانتقال إلى الطاقة النظيفة وفي التحول نحو الاقتصاد صديق البيئة. يُعد الهيدروجين أحد أكثر العناصر وفرة، إلا أن الطرق التقليدية المستخدمة في إنتاجه بكميات كافية تُطلِق أيضا كميات كبيرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وينتج العالم حالياً حوالي 120 مليون طن من الهيدروجين (بشكل عام) سنويًا على مستوى العالم، ولكن يشكل اعتماد الإنتاج الحالي على الوقود الأحفوري (الفحم والغاز الطبيعي) حوالي 95% من الكميات المتاحة عالميًا من الهيدروجين، حيث قُدر حجم سوق الهيدروجين الحالي بقيمة حوالي 350 مليون دولار.
ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركب بنسبة حوالي 60% خلال الأعوام 2024-2028، وهو الأمر الذي يعني أن قيمة السوق قد تصل إلى 10 مليارات دولار تقريبًا خلال أربعة أعوام فقط، وعليه من المتوقع وصول الاستثمارات في هذا السوق إلى حوالي 600 مليار دولار، وذلك بحلول عام 2050، حيث سيُستخدم الهيدروجين الأخضر بشكل رئيس في قطاعات الصناعة والنقل والإنشاءات والطاقة، كما هو موضح في الشكل التالي.
الهيدروجين الأخضر يُشكل عنصرًا حيويًا في عملية التحول نحو الطاقة النظيفة والمستدامة، حيث يُسهم في تعزيز الجهود العالمية لإزالة الكربون، لذلك فإن حكومات العالم تولي أهمية كبيرة لمواصلة تطوير كامل سلسلة القيمة الخاصة بالهيدروجين الأخضر، وذلك من خلال وضع أطر واضحة للتعاون ومشاركة أفضل الممارسات وموائمة التشريعات بهدف تسريع التحول نحو اقتصاد الهيدروجين الأخضر، كما يوضح الشكل التالي ملامح صناعة الهيدروجين.
وعليه يمكن القول إن هناك أربعة محاور رئيسة من الممكن إن تُسهم في الحد من تزايد مستوى الانبعاثات الكربونية، وهي كالتالي:
- طاقة الهيدروجين.
- ترشيد وكفاءة الطاقة.
- الطاقة المتجددة والمستدامة.
- المركبات الكهربائية.
محاور قمة الهيدروجين الأخضر الثانية:
أمام ما تقدم، وفي ضوء تنامي دور الهيدروجين الرئيس في رسم ملامح مستقبل الطاقة النظيفة وأهميته في تعزيز أمن الطاقة العالمي، ستركز أجندة قمة الهيدروجين الأخضر الثانية على العديد من المحاور المهمة في قطاع الوقود الأخضر، والتي من ضمنها الأطر التشريعية، والابتكار، والتمويل المستدام، وذلك من أجل صياغة مسار جديد يدعم التحول نحو الطاقة النظيفة والمستدامة.
ولذلك من المتوقع إن يبحث المشاركون سُبل استقطاب استثمارات جديدة، وإيجاد أدوات مبتكرة لسد الفجوة في التمويل المناخي، فضلاً عن تعزيز مشاركة القطاع الخاص مع الجهات التنظيمية والحكومات، وأخذ انبعاثات الكربون في الاعتبار، في عمليات صنع القرار وتقييم الأصول، وزيادة التمويل المخصص لتعزيز القدرة على التكيف والمرونة.
كما يستكشف صانعو القرارات والشخصيات المؤثرة من مختلف أنحاء العالم، كيفية مضاعفة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة إلى حوالي ثلاثة أضعاف لتصل إلى حوالي 11,000 جيجاواط، بالإضافة إلى طرق مبتكرة لمضاعفة الطاقة النووية ثلاث مرات، وذلك بحلول عام 2050، وتعزيز كفاءة الطاقة خلال العقد الحالي، والوصول إلى انبعاثات شبه معدومة من غاز الميثان، وذلك بحلول عام 2030، إلى جانب الحد من الاستخدام العالمي للوقود الأحفوري في عمليات توليد الطاقة. كما يوضح الشكل التالي محاور وأهمية القمة الثانية للهيدروجين الأخضر.
وعليه، تسلط قمة الهيدروجين الأخضر الثانية الضوء على أحدث التطورات والتكنولوجيا في مجالات إنتاج وتحويل ونقل واستعمال الهيدروجين الأخضر، والدور الرئيس للهيدروجين الأخضر في عملية إزالة الكربون من نظام الطاقة. وذلك من خلال سلسلة من الجلسات النقاشية رفيعة المستوى والحوارات والندوات التي تركز على استخلاص النتائج والتوصيات والتي من المتوقع أن تُسهم في رسم خريطة صناعة وإنتاج الهيدروجين الأخضر خلال السنوات المقبلة.
ومن المتوقع أن تثار أسئلة خلال النسخة الثانية من هذه القمة، بشأن الهيدروجين الأخضر في المنطقة العربية وسبل تمويل وتنظيم وتطوير مشروعات الهيدروجين وإزالة الكربون، وطرق نقله وتخزينه، بالإضافة إلى مناقشة الطرق التي يمكن بها فتح أسواق جديدة لتصدير الإنتاج، والقطاعات التي تحتاج قدرًا أكبر منه.
أصبحت المنطقة العربية قاب قوسين من أن تتبوأ موقع الريادة العالمية في مجال صناعة الهيدروجين الأخضر، وذلك لما يتوافر لديها من إمكانات هائلة في مجال الطاقة المتجددة، والتي تساعد دولها على إنجاز خُططها في التحول إلى الوقود الأخضر والنظيف. حيث تحظى المنطقة العربية بمكانة متفردة، تساعدها على أن تصبح منطقة رائدة في المستقبل في إنتاج الهيدروجين منخفض الكربون، ما يجعلها الوجهة المثالية للشركات العالمية الراغبة في استكشاف الفرص المتاحة في تلك الصناعة الاستراتيجية.
تحديات قائمة:
وأمام ما تقدم، لا تزال هناك تحديات عدة تعترض المسار الذي يقود الهيدروجين الأخضر إلى تحقيق الطموحات العالمية نحو التحول إلى الوقود الأخضر، ويتعلق الكثير منها بعدم توافر البنية التحتية، والإستراتيجيات واللوائح التنظيمية.
وبينما هناك كثير من الاهتمام في أن تصبح المنطقة العربية مستودعًا للهيدروجين الأخضر، لما يزخر به من إمكانات هائلة في هذه الصناعة، ورغم ارتفاع أعداد مشروعات الهيدروجين الأخضر المُعلنة في المنطقة، لم يُكشف بعد عن إستراتيجية شاملة بشكل نهائي، رغم أن معظم الدول قد قطعت شوطًا كبيرًا في عملية إعداد تلك الإستراتيجيات.
وعليه يتعين على صُناع القرار مواجهة التحديات الأساسية بغية تمكين عملية تطوير اقتصاد الهيدروجين الأخضر في المستقبل. ولذلك، ستتطرق نقاشات قمة الهيدروجين الأخضر إلى الإجراءات التي يتعين على الحكومات اتخاذها، وذلك بهدف تحقيق تقدم ملموس في مجال الاستثمار وتطوير السياسات التنظيمية التي تسهم في توسيع نطاق اقتصاداتها وتسهيل التجارة العالمية للهيدروجين الأخضر.
أهم وأبرز العقبات لتعزيز دور الهيدروجين النظيف في تحول الطاقة ومنها:
- التكلفة المرتفعة مقارنة بالوقود الأحفوري.
- القصور في كفاءة إنتاجه عبر سلاسل القيمة.
- الاستعداد التكنولوجي غير الكافي.
- الكهرباء المتجددة غير كافية لإنتاجه.
والجدير بالذكر، تشهد المنطقة العربية العديد من المشروعات التي تستهدف تطوير صناعة الهيدروجين، وذلك في إطار خُطط طموحة لدى العديد من الدول، والتي تستهدف التحول إلى الوقود الأخضر والنظيف، والتحول تدريجيًا عن الوقود الأحفوري. حيث تأتي مصر على رأس قائمة الدول العربية من حيث عدد المشروعات التي تهدف إلى توطين صناعة الهيدروجين الأخضر، بنحو 30 مشروعًا (من إجمالي حوالي 80 مشروعًا في صناعة الهيدروجين على مستوى الوطن العربي).
وذلك بالرغم من التحديات الكبيرة في تلك الصناعة، حيث تُشكل تكلفة الإنتاج الضخمة العقبة الرئيسة أمام تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر، فالتكلفة التي يتطلبها إنتاج الهيدروجين الأخضر لا تزال تحد من تنافسيته في الأسواق العالمية. كما يوضح الشكل التالي إجمالي عدد مشروعات الوقود الأخضر في المنطقة العربية.
تنظر أوروبا -خاصةً ألمانيا- إلى إمكانات الطاقة المتجددة في المنطقة العربية وشمال أفريقيا (بالأخص إلى مصر) بصفتها بوابة عبورها لإنتاج الهيدروجين الأخضر بكميات هائلة، حيث حققت مصر خطوات مهمة لإنجاز مشروعات الوقود الوقود الأخضر.
واستكمالًا لما سبق، يمكن أن يلعب الهيدروجين الأخضر دورًا مهمًا في استراتيجيات إزالة الكربون، خاصةً عندما تعاني الكهرباء المباشرة صعوبة في القطاعات كثيفة الاستهلاك، مثل الحديد والصلب والكيماويات، والنقل لمسافات طويلة، والشحن والطيران وغيرها.
ويمكن أن يساعد الهيدروجين الأخضر في بناء نظام طاقة مرن يقوم على التقنيات الحديثة، ويتبنى الحلول المبتكرة، ويُمثل المصدر الأقوى لتخزين الطاقة، خاصةً تلك المنتجة من المصادر المتجددة، والتي يصعب تخزينها أو يتطلب تخزينها بطاريات بتكلفة عالية تعوق استخدامها.
ومن هنا تظهر آفاق عديدة ومتوقعة للهيدروجين الأخضر:
- يُمثل ثلثي الإنتاج والباقي من الهيدروجين الأزرق.
- استهلاك ثلثي الإمدادات محليًا والثلث في التجارة العالمية.
- إمكانات سوقية تصل إلى حوالي 60 مليار دولار.
- سوق متوقعة بقيمة أكثر من 25 مليار دولار لخلايا وقود الهيدروجين.
وعليه، تستهدف القمة الثانية للهيدروجين الأخضر وتطبيقاته، تعزيز الحوار الإقليمي والدولي حول فرص وتحديات سلسلة القيمة الصناعية واللوجستية والتكنولوجية للهيدروجين الأخضر وتطبيقاته، حيث تكتسب النسخة الثانية من القمة أهمية خاصة. إذ أنها تأتي في سياق أزمة طاقة عالمية تفاقمت بسبب التوترات والتحولات السياسية المتسارعة والصراعات الحالية في البحر الأحمر وتداعيات الحرب على غزة. كما يوضح الشكل التالي آفاق صناعة الهيدروجين الأخضر.
مجمل القول، ترتكز استراتيجية الطاقة العالمية على العديد من المحاور الرئيسية، حيث تشمل هذه الأهداف مضاعفة القدرة العالمية على استخدام الطاقة الخضراء حوالي ثلاث مرات، ومضاعفة معدل تحسين كفاءة استخدام الطاقة، وخفض انبعاثات غاز الميثان من عمليات الوقود الأحفوري بنسبة حوالي 75%. ولكن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت بشكل مباشر على أسواق الطاقة الدولية، وارتفعت أسعار النفط، بالإضافة إلى إن الحرب على غزة كشفت عن العديد من المخاطر الجيوسياسية العالمية التي تواجهها الأسواق العالمية. حيث يُعد قطاع الطاقة أحد المؤشرات على التكاليف الباهظة التي ستدفعها دول العالم في حال نشوب صراع أوسع نطاقًا، مع بعض التداعيات التي يمكن قياسها بالفعل في بعض الدول. وعليه ومن أجل تخفيف ضغط الطاقة العالمي ونقص الإمدادات، تعمل دول العالم على استكشاف تكنولوجيات طاقة الهيدروجين.
دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة



