
اللواء محمد الدويري: مصر قادرة في 2024 على مواجهة كافة التحديات والضغوطات
أجرت صحيفة صوت الأمة المصرية، حوار صحفيا مع اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، حول تقييمه للمشهد الإقليمي في 2023 وتوقعاته لعام 2024 على مستوى اشتباك مصر مع مختلف الأزمات والملفات في دوائر أمنها القومي.
وإلى نص الحوار:
هل جربت مرة أن تركب سفينة وتقف في وسط بحر تتلاطم أمواجه؟ البعض منا عاش التجربة، والبعض الآخر سمع عنها، لكن أن يعيش بلد بأكمله هذه التجربة لهو أمر شاق.
في كل مرة نظن أننا هالكون لا محالة؟ لكننا ننجو، بفضل الله وبفضل ربان يدرك ويعي حجم التحديات ويجابه التهديدات، يعلم جيدا ماهية الأمن القومي المصري وأبعاده ودوائره، وعام 2023 كان أكبر دليل على التجربة.
السودان مشتعل ينضح بالنازحين، وليبيا على شفا جُرُفٍ هَارٍ في لحظة ستنهار، وها هي غزة أبى عام 2023 أن يمر عليها مرور الكرام دون أن تدخل في نفق مظلم لا أمل أن تخرج منه في القريب العاجل، لكننا بين كل هذه الظلمات تقف مصر، ممسكة بميزان الاستقرار، تحافظ على أمنها القومي، وتحمى شعبها، وتدعم استقرار جيرانها، وترفض كل محاولات تصفية قضية الوطن العربي الأولى – القضية الفلسطينية – فهذا قدرها على مر التاريخ.
في ظل هذه التحديات نحاول استشراف الأوضاع في العام الجديد، عساه أن يكون عام خير تشهد فيه المنطقة استقرارا، عسى أن تأتى لحظة أمل ونعبر، وحول هذا كان حوار «صوت الأمة» مع اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، الذي كشف فيه عن حجم التحديات وكيفية تعامل القيادة السياسية معها، مؤكدا أنها لم ولن تتهرب من مسئولياتها المنوطة بها وتفعل كل ما بوسعها للعبور إلى بر الأمان.

بداية برأيك ماذا تفعل مصر ممثلة فى قيادتها السياسية لتخفيف التحديات التي تواجه أمنها القومي؟
تتحرك مصر على عدة محاور رئيسية من أجل مواجهة التحديات التي يواجهها الأمن القومي المصري، أولها: تحديث الجيش المصري بأحدث الأسلحة في العالم حتى يكون على أهبة الاستعداد لتنفيذ أي مهام تكلفه به القيادة السياسية حفاظا على أمنها القومي.
وثانيها: الانخراط بفاعلية في كل المشكلات الإقليمية من أجل العمل على حل هذه المشكلات وألا تؤدى إلى التأثير على أمن واستقرار المنطقة، وبالتالي التأثير على أمنها القومي. وثالث هذه المحاور: إقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول على المستويين الإقليمي والدولي وعدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة، وبالتالي رفض تدخل أي دولة في شئوننا الداخلية. ورابعها: دعم الاستقرار الداخلي من أجل أن يكون الشارع المصري موحدا خلف قيادته السياسية في مواجهة أي مخاطر تحيط بالدولة المصرية.
ما تقييمك لمواقف القيادة السياسية تجاه الأمن القومي منذ 2014؟
يمثل الأمن القومي المصري أولوية للقيادة السياسية المصرية منذ توليها المسؤولية في عام 2014، وعلينا جيدا أن نأخذ في الاعتبار أن الرئيس عبدالفتاح السيسي كان وزيرا للدفاع وقبلها مديرا للمخابرات الحربية، أي أنه يدرك جيدا معنى الأمن القومي ومحدداته، ومخاطره، وكيفية مواجهة التحديات المؤثرة عليه، ومن ثم ركز على محاربة الإرهاب حتى تم القضاء عليه، وكذا على تحديث الجيش حتى أصبح من أقوى الجيوش في العالم، بالإضافة إلى التركيز على الإصلاحات الداخلية في كل المجالات، ومن أهمها المجالات الاقتصادية والاجتماعية والصحية.
كما اتخذ الرئيس السيسي قرارات مهمة في مجال الإصلاح السياسي، من بينها الحوار الوطني، الذي سمح لكافة القوى السياسية بأن تدلى بوجهات نظرها في كل ما يتعلق بشئون البلاد، مع تبنى أي أفكار أو مقترحات من شأنها المساعدة في حل أي مشكلات تواجهها البلاد على المستوى الداخلي، ومن ثم يمكن القول إن الرئيس السيسي منذ تولى الحكم تفاعل بشكل غير مسبوق مع كل القضايا، التي يمكن أن تكون على تماس مباشر أو غير مباشر مع دوائر الأمن القومي المصري.
هل نجحت مصر فى التعامل مع تهديدات أمنها القومي؟ أم ما زالت هناك مزيدا من التحديات؟
نجحت مصر بالفعل في التعامل مع التهديدات التي تؤثر على أمنها القومي، وعلى رأسها المواجهة الفاعلة للإرهاب حتى تم القضاء عليه، وصارت خالية من الإرهاب، الذي بلغت تكلفة مواجهته مليارات الدولارات على مدى سنوات طويلة، إلا أنه يجب القول إن التهديدات لا تزال قائمة ونراها ماثلة أمامنا في غزة وليبيا والسودان والبحر الأحمر والسد الإثيوبي.
في ظل التطورات المتسارعة على الساحة العالمية هل ظهرت دوائر جديدة للأمن القومي المصري؟
لا شك أن الدوائر التقليدية للأمن القومي المصري ما زالت تمثل الأساس بالنسبة لشكل وأسلوب وجوهر التعامل معها، وخاصة فيما يسمى بالدائرة الأولى أو المباشرة وهي حدودنا مع دول الجوار، وجميعها مشتعلة، إلا أن التطورات الحديثة أكدت أن هناك تهديدات أخرى لا تقل أهمية عن الدوائر التقليدية، وأعنى بها حروب الجيل الرابع التي تهدف إلى إسقاط الدول من داخلها، وبالتالي فإن مواجهة هذه المتغيرات الجديدة يتطلب أساليب حديثة للتعامل معها.
ما توقعاتك لعام 2024 في ظل منطقة ملتهبة؟
للأسف الشديد فإن عام 2024 لا ينبئ بأن المنطقة سوف تنعم بالاستقرار الذي ننشده، حيث إن كل الشواهد تشير إلى أنه عام ملئ بالمشكلات التي سوف تستمر معنا لفترة ليست قصيرة سواء في القضية الفلسطينية أو ليبيا أو السودان أو البحر الأحمر أو سد النهضة، ولازالت المنطقة مهيأة لأن تكون عرضة لمزيد من المشكلات والصراعات خاصة وأن الأمل في أن يتم حل أي من هذه المشكلات يكاد يكون ضعيفا للغاية.
إذا تحدثنا عن الدائرة الأولى من دوائر الأمن المصري والتي تؤكد الشواهد أنها مشتعلة، ونبدأ بالحدود الشرقية الممثلة في فلسطين، فإلى أين تتجه الأوضاع في قطاع غزة؟
للأسف الشديد تتجه الأوضاع في قطاع غزة إلى الأسوأ، فإسرائيل تفعل كل ما هو ممكن لتدمير القطاع، وتقتل المدنيين، وتواصل عملياتها العسكرية، وتقوم بكل ما يتعلق بالإبادة الجماعية، من قتل المدنيين، وتدمير المنازل والمرافق، والمؤسسات الصحية، والتعليمية.
لقد وضعت إسرائيل بعض الأهداف، وأعلنت أنها في «حالة حرب»، من بينها القضاء على حماس، وتدمير بنيتها العسكرية، وإنهاء سيطرتها على الحكم في القطاع، بصفتها مهدد لتل أبيب، وهذا الأمر صعب تحقيقه، فبعد مرور نحو 85 يوما، لم تحقق إسرائيل ما تريد، وهذا يظهر في عمليات القصف العشوائي في كل أنحاء القطاع من الشمال إلى الجنوب، وبالتالي القطاع في حالة من التدهور الشديد، خاصة وأن هناك كارثة إنسانية غير مسبوقة في القطاع.
ما تقييمك للتعامل المصري منذ بداية أحداث 7 أكتوبر؟
التعامل المصري من 7 أكتوبر مميزا للغاية، فالرئيس عبد الفتاح السيسي تحرك من اليوم الأول على كل الاتجاهات، وأجرى العديد من الاتصالات مع زعماء العالم، من أجل وضع حد لهذا التدهور العنيف في الأوضاع.
وأيضا وضع الرئيس السيسي المحددات الأساسية للموقف المصري للتعامل مع الأزمة، وهي: رفض فكرة التهجير القسري، ورفض أي أنواع التهجير سواء من غزة إلى غزة أو من غزة إلى رفح وهذا بالنسبة لمصر خط أحمر، بالإضافة إلى أننا طالبنا بوقف العمليات العسكرية، ودخول المساعدات الإنسانية، وفتحنا معبر رفح من اليوم الأول لإدخال كافة المساعدات الواردة عن طريق مصر، وغالبية المساعدات التي دخلت هي مساعدات مصر.
وعلينا أن نعلم أن الرئيس السيسي لم يكتف بذلك، بل دعا لعقد مؤتمر القاهرة للسلام في 21 أكتوبر 2023 حضرته 34 دولة، طرح خلاله مبادرة من 3 نقاط، أهم ما فيها وقف العنف وإدخال المساعدات وإطلاق المساعدات، ناهيك عن الجهود الموسعة للدخول في هدنة إنسانية ووقف العمليات على مدار الساعة.. الحقيقة الموقف المصري كان على مستوى المسئولية.
من وجهة نظرك ما حجم الضغوط التي تواجهها القيادة السياسية بسبب موقفها من رفض تصفية القضية الفلسطينية؟
الدولة المصرية قادرة على مواجهة التحديات وقادرة على مواجهة كافة الضغوط من أي طرف كان، فلن نقبل بالتهجير إلى سيناء، التهجير بالنسبة لديها خط أحمر، ولن نقبل بتصفية القضية الفلسطينية، ونحن على قدرة كبيرة من التعامل مع كل التحديات، أو مخاطر تتعلق بهذا الأمر، وأؤكد أن مسألة الضغوط لن تكون سيف مصلتا على رقبة دولة تعلم كيف تتحرك، ولديها قيادة وتعلم وتعي مفهوم ومحددات الأمن القومي المصري.
إذا انتقلنا إلى الحدود الغربية، وفى ظل الهدوء الحذر في ليبيا مع احتمالية اشتعال الأوضاع في أي وقت.. هل من الممكن الضغط على مصر بورقة ليبيا؟
ليبيا بالنسبة لمصر قضية أمن قومي، نتعامل معها بكل جدية، ونتابع كافة تفاصليها، وتطوراتها، ولديها قنوات اتصال قوية مع كافة أطراف الأزمة الليبية سواء في الشرق أو الغرب.
إننا نطالب بأن تتحلى كل القيادات السياسية بالمسئولية والإرادة السياسية حتى يمكن أن تصل ليبيا إلى إجراء الانتخابات وإلى إعادة الدولة الوطنية القومية الليبية، ولا نتعامل مع الضغوط، فنحن دولة قوية تعلم كيف تتحرك، ونحن على قدرة كبيرة في كيفية التعامل مع كافة الأمور، بما يحقق الأمن القومي المصري، وأؤكد مصر لن تخضع لأية ضغوط من شأنها التأثير على الأمن القومي المصري.
إلى أين تتجه الأوضاع السياسية في ليبيا بعد مبادرة “باتيلي” الخماسية؟
الموقف المصري من مبادرة “باتيلى” يأتي في إطار الموقف المصري العام، المطالب بأن تكون هناك توافقات على كل الإجراءات التي تؤدى إلى إجراء الانتخابات، كنا نتمنى أن يتم إجراء الانتخابات في 2022، وللأسف لم يحدث ذلك، ولا حتى في 2023، وإن كنا نرى أن مبادرة باتيلى تؤدى إلى توحيد الصفوف لكن الليبيين أنفسهم لم يتفقوا عليها وليس هناك إجماع حولها الآن.
الأوضاع في ليبيا تتجه إلى مزيد من التوتر، وتحاول مصر التحرك أيضا مع كافة الأطراف من أجل احتواء الموقف المتصاعد، فيكفي من عمر الأزمة 12 عاما، ونتمنى أن تحدث انفراجه للأزمة في 2024.
لماذا لا تحل الأزمة في ليبيا مع دخول عامها الـ 13؟
لا تحل الأزمة الليبية لعدة أسباب، هي: أن الأطراف الليبية لا تمتلك الإرادة السياسية الحقيقة لحل الأزمة حتى الآن، والمشكلة يجب أن تحل من خلال الليبيين أنفسهم فالشعب هو من يضع أسس الحل، وأيضا لا نغفل التدخلات الأجنبية المتعددة، وجميعها لا تهدف إلا للحفاظ على مصالحها وليس الحفاظ على الليبيين، بل استغلال ثرواتهم النفطية، وبالتالي إطالة أمد الصراع.
وفيما يتعلق بالحدود الجنوبية، ما تقييمك للموقف المصري تجاه الأوضاع في السودان؟
الموقف المصري من بداية الأحداث في السودان حتى الآن، يتحدد في مجموعة من النقاط، على رأسهاضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السودانية، ويجب أن نحافظ على استقراره وأمنه، فهي قضية أمن قومي مصري من الدرجة الأولى. لقد طلب الرئيس السيسي من اليوم الأول جلوس كل الفرقاء السودانيين، وأن يكون هناك توافق على محددات حل الأزمة، لكن هناك صراع على السلطة، وهناك أطراف خارجية تعقد الأزمة، وبالتالي يتدخل البعض لإطالة أمد الصراع وليس حله.
هل يشهد عام 2024 استقرار السودان؟
المقدمات تشير حتى الآن إلى أن الوضع يتجه إلى مزيد من التوتر، وغير آمن، ونأمل في عام 2024 أن يستمع الأخوة في السودان من أصحاب القرار والمسؤولية والحركات المدنية إلى صوت العقل، وأن يجتمعوا جميعا على مصلحة السودان. لكن ما دام هناك سعي من كل طرف لتحقيق مصالحه على حساب السودان فإن الأمر يتجه إلى مزيد من التدهور، لذا فالحل الوحيد أن يجلس جميع الفرقاء على طاولة واحدة، ويحددوا ما هو أسلوب الحل، ونحن كمصر سندعمهم حتى حل الأزمة، ولن نترك أي دولة مجاورة وستساهم في حل مشاكلها، وكل دول الجوار هي قضايا أمن قومي مصري.
نقلا عن صحيفة صوت الأمة
