السودانمصر

قمة الدول المجاورة للسودان.. التوافق الجماعي وفرص حلحلة الأزمة

تبذل الدولة المصرية جهودًا دبلوماسية حثيثة لتسوية الصراع المُحتدم في السودان منذ منتصف أبريل الماضي بين المؤسسة العسكرية الوطنية السودانية والهيكل العسكري شبه النظامي “قوات الدعم السريع”، وقد تُوجت هذه الجهود بإعلان القاهرة عن استضافتها لقمة على مستوى الزعماء ورؤساء الحكومات لدول الجوار المُباشر السودان يوم الخميس، الموافق الثالث عشر من يوليو الجاري، وإعلان بيانها الختامي الذي تضمن عدد من النقاط التي تساهم في حلحلة الأزمة السودانية.

ملامح القمة

ترتكز المُقاربة المصرية على توفير منصة تجمع الدول التي تأثرت بصورة مُباشرة بالتداعيات الإقليمية لما يحدث في الداخل السوداني، وهو ما سيساهم في استعراض رؤى هذه الدول لتسوية الصراع بين الفصائل العسكرية المتناحرة في السودان، على اعتبار التشابكات الجغرافية والقبلية بين هذه الدول وطرفي الصراع في السودان.  وفي ضوء ذلك، نجد أن هناك تقارير إخبارية تحدثت عن أن القاهرة قامت بتوجيه الدعوة لقادة لكل من ليبيا، وتشاد، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وإريتريا، وإثيوبيا. ويمكن توضيح انعكاسات ما يحدث في الداخل السوداني على تلك الدول، وذلك على النحو التالي: 

  • مصر: هناك انعكاسات لما يحدث في الداخل السوداني على مصالح الدولة المصرية، نظرًا لتشابك عدد من الملفات، والتي يأتي على رأسها ملف سد النهضة، حيث إن هشاشة الدولة السودانية ربما يخصم من وحدة الموقف المصري والسوداني لصالح إثيوبيا وتنصلها من إبرام اتفاق قانوني ومُلزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة لضمان حقوق دولتي المصب (مصر والسودان). كما نجد أن تدفق مزيد من اللاجئين السودانيين لمصر يُشكل تحديًا متزايدًا أمام الاقتصاد المصري الذي يعاني بالفعل من ضغوط شديدة.
  • جنوب السودان: يتأثر جنوب السودان بما يحدث في السودان، حيث إن الاشتباكات الدائرة تعرقل تدفق النفط من جنوب السودان إلى السودان، وهو ما يعنى تراجع إيرادات حكومة جنوب السودان وتدهور الأوضاع الاقتصادية، بالإضافة إلى نزوح اللاجئين من السودان لجنوب السودان، وهو ما يشكل عبء على قدرة حكومة جنوب السودانية لتوفير الاحتياجات الغذائية والخدمات الأساسية لهؤلاء اللاجئين.  
  • جمهورية إفريقيا الوسطى: تشارك السودان حدودًا طولها 174 كيلومترا، وتحتفظ إفريقيا الوسطى بعلاقات قوية مع قائد قوات الدعم السريع، ولكن نجد أنها قد تضررت جراء الصراع الدائر في السودان، حيث التوترات الأمنية على طول الحدود المشتركة بين البلدين، وهو ما انعكس سلبًا على حركة المرور بينهما، مما أدى إلى صعوبة الحصول على السلع الأساسية التي تستوردها إفريقيا الوسطى من السودان، إلى جانب ارتفاع أسعارها.  ومع بداية الحرب استقبلت إفريقيا الوسطى أكثر من 12 ألف لاجئ سوداني. 
  • ليبيا: منذ اندلاع الصراع في السودان، عملت ليبيا على غلق حدودها المشتركة مع السودان في الخامس والعشرين من أبريل الماضى، وذلك في ضوء التخوفات الأمنية من تسلل ميليشيات مسلحة قادمة من السودان للحدود الليبية الجنوبية لتنفيذ عمليات تزعزع استقرار المنطقة.  
  • إثيوبيا: تمتد الحدود المشتركة بين السودان وإثيوبيا لأكثر من 725 كيلومترا، ونجد أن حسابات النظام الحاكم في إثيوبيا تتمحور حول تبني سياسة الحياد، وعدم الانحياز لأي من الأطراف المتصارعة في السودان، تجنبًا للانجرار للصراع الدائر في السودان. وتتخوف إثيوبيا من تزايد موجات اللاجئين من السودان، لما تشكله من ضغط على الاقتصاد الإثيوبي الذى عانى من ويلات حرب التيجراى .  
  •  إريتريا: يبلغ طول الحدود الإريترية السودانية نحو 605 كيلومترات، نجد أن إريتريا لديها علاقات قوية مع عدد من القبائل القوية في شرق السودان، مثل بني عامر والبجا والرشيدة. يمكن معرفة موقف اريتريا الرسمي من الصراع الدائر في السودان من خلال تصريحات الرئيس الإريتري أسياس افورقى الذي يدعم المؤسسات الوطنية السودانية وتأييده دمج قوات الدعم السريع داخل وحدات الجيش السوداني. وتتخوف إريتريا من تفاقم الأوضاع الأمنية في شرق السودان، حيث إن أغلب مكونات شرق السودان العرقية لديها امتداد داخل إريتريا والتي قد تمتد لإريتريا، بالإضافة إلى ذلك تتخوف إريتريا من عودة اللاجئين الإريتريين التي يستضيفهم السودان، حيث يبلغ عددهم أكثر من 134 ألف لاجئ، وكذلك اللاجئين السودانيين، ولذلك نجد أن عودة هؤلاء سيشكل عبئًا على الداخل في إريتريا لتزايد احتمالية القيام بأعمال عدائية ضد الحكومة الاريترية.  
  • تشاد: تشترك تشاد مع السودان في حدود تصل إلى نحو 1403 كيلومتر، ويُمكن استعراض تداعيات ما يحدث في السودان على تشاد في نقاط موجزة، وذلك على النحو التالي
  • المخاوف الأمنية: نجد أن الموقف الرسمي لتشاد يتسم بالحياد تجاه طرفي الصراع في السودان ويمكن تفسير ذلك الحياد في ضوء الامتدادات القبلية، حيث ينتمي قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، إلى قبيلة الرزيقات العربية، والتي لها امتداد قبلي داخل تشاد، وهي على خلاف مع قبائل الزغاوة التي ينتمي إليها النظام العسكري الحاكم في تشاد. ولكن نجد أن المؤسسة العسكرية السودانية تحتفظ بعلاقات قوية مع قبائل الزغاوة، لذلك نجد أن القيادة التشادية تتخوف من انعكاسات الصراع في السودان على استقرارها، لا سيما في ضوء تداول تقارير تتحدث عن مشاركة قبائل تشادية معارضة، إلى جانب قوات الدعم السريع في معارك الخرطوم. 
  • أعباء تدفق اللاجئين السودانيين: كما تُشكل الأعداد المتزايدة للاجئين السودانيين في تشاد ضغطا كبيرًا على الخدمات والموارد الشحيحة، ونجد أنه وفقًا للأرقام الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مطلع الشهر الماضي، فإن هناك تقديرات بأن عدد السودانيين الذين تمكنوا من الفرار من الاشتباكات في السودان والوصول لتشاد حوالي مئة ألف شخص، كما أنه من المتوقع زيادة هذا العدد إلى الضعف في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة.

أهمية انعقاد المبادرة المصرية

نحاول في هذا الجزء من الورقة البحثية الإجابة على تساؤل رئيس، وهو هل المبادرة المصرية ستتمكن من إحراز تقدم ملموس حيال الصراع المُحتدم في السودان، وإقناع طرفي الصراع (المؤسسة العسكرية السودانية، وقائد قوات الدعم السريع) لتوصل لاتفاق مُلزم لوقف إطلاق النار، وتسوية الأزمة بشكل سلمى. نجد أنه للإجابة على ذلك التساؤل، يمكن في البداية تناول المشهد الراهن في الداخل السوداني، وكذلك تقييم للجهود الإقليمية والدولية السابقة على المبادرة المصرية، كذلك ما الجديد الذي يمكن أن تقدمه المبادرة المصرية، وهو ما سيتم استعراضه على النحو التالي: 

  • عدم جدوى الحل العسكري: رغم مرور ما يزيد عن شهرين ونصف على اندلاع الاشتباكات المسلحة بين طرفي الصراع في السودان، إلا أنه لم يستطع أي طرف حسم المعركة لصالحه، والقيام بإعادة ترتيب المشهد لصالحه، وهو ما يعني أن استخدام الأداة العسكرية لن يساهم في حسم الصراع في السودان. كما نجد أن هناك اتساعًا لبؤرة الصراع وامتداد العنف خارج الخرطوم إلى دارفور وكردفان، وهو ما يهدد بإطالة أمد الصراع وتصاعد في حدة المعاناة الإنسانية، ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة إن قرابة ثلاثة ملايين سوداني نزحوا داخليًا أو عبروا الحدود هربًا من الصراع في السودان في أقل من ثلاثة أشهر، وبات الحصول على مواد الإغاثة الأساسية صعب للغاية. 
  • تراجع فاعلية المسارات الدبلوماسية الإقليمية والدولية: نجد أن هناك أوجه قصور فيما يتعلق بالمبادرات الإقليمية والدولية التي تم طرحها لتسوية الأزمة في السودان، حيث إن الوساطة التي قامت بها بعض الدول مثل السعودية بالتعاون مع الولايات المتحدة، والرباعية الدولية، والآلية الثلاثية التي تضم الإيجاد والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، غلب على هذه التحركات استبعاد دول الجوار المباشر للسودان، والتي لديها صلات وثيقة بطرفي الصراع في السودان، والتي بإمكانها توظيف هذه الصلات لوضع حد للازمة الراهنة في السودان. وعندما نقوم بتقييم سريع للمبادرة السعودية الأمريكية نجد أنها استطاعت استضافة ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في مدينة جدة، وإجراء مباحثات حول وقف إطلاق النار، وهو لم يتحقق؛ إذ خرقت الهدنة عدة مرات، ولم يلتزم بها طرفي الصراع في السودان. كما نجد أن المباحثات التي أطلقتها منظمة ” الإيجاد” بشأن الأزمة السودانية، لم تحرز أي تقدم ملموس، وذلك في ضوء اللجنة التي تم تشكيلها برئاسة كينيا، وهو ما رفضها الجيش السوداني لعدم تحلى كينيا بالحيادية وتحيزها لصالح قائد قوات الدعم السريع الذي يحتفظ بعلاقات قوية مع رئيس كينيا. 

وفي ضوء ما سبق ذكره، يمكن الإجابة تساؤل ما هي فرص نجاح المبادرة المصرية التي تقوم على حشد دول الجوار المباشر للسودان، وذلك على النحو التالي: 

  • حياد القاهرة: يمكن القول أن الدولة المصرية اتسم موقفها بالحياد منذ اندلاع الصراع في السودان في منتصف أبريل الماضي، وحرصت على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع طرفي الصراع، وهو ما يجعلها وسيط يحظى بالقبول من جانب الأطراف في الداخل السوداني. 
  • بناء توافق جماعي: تتسم المبادرة المصرية بانها عملت على حشد الدول المجاورة للسودان، والتي لديها مصلحة مشتركة في إنهاء الصراع في السودان، والحفاظ على وحدة وسيادة الدولة السودانية، حيث إن عدم استقرار السودان من شأنه سيؤدى زعزعة أمن الدول المُشتركة في الحدود مع السودان، ولذلك يعد تأمين الحدود المشتركة أولوية لدى دول الجوار لمنع تسلل العناصر الإرهابية وتهريب الأسلحة. كما أنه إلى جانب ذلك حرصت الدولة المصرية على التأكيد أن قمة دول الجوار المباشر للسودان ستعمل على البناء على الجهود الذي بذلتها العديد من الدول منذ اندلاع الصراع في السودان، وهو ما سيساهم في إرسال رسائل طمأنة للأطراف الإقليمية والدولية التي انخرطت في مبادرات لحلحلة الأزمة السودانية، بأن الدولة المصرية تُثمن الجهود المبذولة وتسعى لتوحيد هذه المنابر مع الأخذ في الاعتبار مصالح الدول المجاورة للسودان باعتبارها الدول الأكثر تضررًا من الصراع الراهن، وحشد الجهود الإقليمية والدولية والموارد المالية لإعادة إعمار السودان. 

وفى الختام، يمكن القول إن قمة دول الجوار، من المرجح أن تحرز تقدم في تبنى عدد من المخرجات الفعالة التي من شأنها تحافظ على الدولة السودانية الوطنية واتخاذ خطوات ملموسة لحل الأزمة وحقن دماء الشعب السوداني، مع التأكيد على عدم السماح بالتدخلات الخارجية في الأزمة السودان الراهنة وضرورة التنسيق مع دول الجوار، والتنسيق مع الوكالات الإغاثية والدول المانحة بتوفير الدعم اللازم لدول الجوار لاستضافتها اللاجئين السودانيين. 

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

أسماء عادل

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى