
تُعد قمة دول الجوار السوداني التي عُقدت في القاهرة اليوم الثالث عشر من يوليو الجاري، نقطة حيوية في خضم المشهد المعقد داخل الساحة السياسية السودانية عقب استمرارية حالة التصعيد العسكري من جانب قوات الدعم السريع في السودان ضد القوات المسلحة السودانية منذ أبريل الماضي، وفشل الوساطات الإقليمية والدولية في هذا المسار من بينها الوساطة السعودية الأمريكية وكذلك الطرح الخاص بمبادرة الإيجاد، ومساعٍ أحادية الجانب لاستغلال بيئة الصراع المسلح في السودان لتمرير وخدمة أجندات معينة.
ولعل هذه القمة تأتي لتؤكد أن حل الأزمة السودانية لن يكون خارج البيت الأفريقي، وخاصةً دول التماس المباشر مع السودان وهو ما انعكس في طبيعة التمثيل والمشاركة في هذه القمة؛ إذ إنها تضمن دول الجوار السبع فإلى جانب مصر الدولة المستضيفة يتجلى الحضور في كل من (تشاد – جنوب السودان – إريتريا – ليبيا – إثيوبيا- جمهورية إفريقيا الوسطى) فضلاً عن حضور السيد الفريق/ مالك عقار نائب رئيس المجلس الانتقالي في السودان، وبتمثيل لجامعة الدول العربية والمفوضية الأفريقية.
سياق متأزم وضرورات التفاعل
إن التوقيت الذي تنعقد فيه قمة دول الجوار السوداني يأتي في إطار سياق يتسم بالتعقيد داخليًا وإقليميًا؛ خاصة في إطار استمرارية العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الدعم السريع في عدد من الولايات ومساعيها لتوسيع رقعة الصراع المسلح داخليًا خاصةً في العاصمة “الخرطوم”، حيث شهدت عمليات تصعيد من جانب قوات الدعم السريع في الثامن من يوليو 2023 في شمال خرطوم بحري بمحيط جسر الحلفايا وشرقي أم درمان، بما يؤشر على اختراق مستمر لمساعٍ آلية جدة نحو وقف إطلاق النار وإقرار هدنة عسكرية لتمرير المساعدات الإنسانية الداخلية.
علاوة على ذلك فإن فشل محادثات جدة في احتواء وتدارك أبعاد الصراع خاصة فيما يتعلق بآلية وقف دائم للأعمال القتالية، خاصة في ظل تعليق الجيش السوداني مشاركته في مباحثات جدة مطلع يونيو الماضي، الأمر الذي يُنذر بعدم قدرة الوساطة السعودية الأمريكية في إقناع الأطراف بضرورة وقف إطلاق شامل ودائم للنار مع الانخراط في حوار سياسي لحل الأزمة، ويعكس كذلك ما بات يشهده السودان من تعقيدات داخلية نتيجة لتراجع الثقة لحالة من العدم بين طرفي المعادلة ووضعية التجاذبات السياسية الداخلية.
واتصالًا بالسابق؛ تأتي أيضًا قمة دول جوار السودان في أعقاب انعقاد قمة الهيئة الحكومية للتنمية “إيجاد” التي انعقدت في أديس أبابا في العاشر من يوليو الجاري، ولكنها مُنيّت بالفشل في إطار عدم مشاركة القوات المسلحة (ممثل حكومة السودان) لتحفظهم على تولي الرئيس الكيني رئاسة اللجنة وعدم حياده في إدارة المشهد، علاوة على حالة الرفض الصادرة من الحكومة السودانية والجيش السوداني لما تضمنه البيان الختامي لقمة إيجاد والذي يُكرس فيه لتواجد عسكري خارجي في السودان بما يُعيدها مرة أخرى لما قبل عام 2019.
توافق الرؤي والهدف
إن قمة دول الجوار السوداني جاءت لتحقق قدرًا من الاصطفاف حيال أمن وسلامة واستقرار السودان، وحتمية إنهاء الصراع المسلح الدائر هناك وتأثيراته الإنسانية والأمنية المختلفة ليس فقط داخليًا وإنما على صعيد الدول الملاصقة والمجاورة للسودان، والعمل على بلورة رؤية مشتركة وفق أُطر واضحة مشتركة لدول الجوار المباشر للسودان واتخاذ الخطوات العملية لحل هذه الأزمة وسرعة تسويتها للحد من تفاقم آثارها على الأمن الإقليمي.
وبالنظر إلى البيانات الصادرة عن رؤساء الدول المشاركة في هذه القمة فقد جاءت للتأكيد على عدة نقاط مهمة يمكن تسميتها بخارطة طريق للخروج الآمن من المأزق الراهن وذلك كالتالي:
- على المستوى الأمني والعسكري: وهو بمثابة أولى أهداف بنك التحرك المصري الإقليمي، وذلك في إطار حتمية وقف فوري ومستدام لإطلاق النار وإنهاء الحرب، خاصة لما مثّله ذلك الصراع المسلح من بيئة خصبة داعمة للجماعات الانفصالية وكذلك الحركات الإرهابية المختلفة، لتقويض أي مساعٍ تستهدف تفكيك وتشرذم الدولة السودانية.
- على مستوى مؤسسات الدولة الوطنية ووحدة السودان: جاء البيان ليؤكد أهمية الحفاظ على الأمن القومي السوداني وعلى وحدة واستقرار وسلامة الأراضي السودانية، وهو الأمر الذي يحمل في طياته رفض أي مساع خارجية لاستغلال الظرفية الراهنة في تدويل الأزمة أو تواجد قوات أجنبية في الأراضي السودانية، ولعل هذا الأمر يتطلب الحفاظ على مؤسسات الدولة والدفع في المسار السياسي الداخلي، مع ضرورة اعتبار النزاع شأنًا داخليًا، ومن ثّم فإن الرأي الجمعي لقادة دول الجوار هو التأكيد على عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة تعيق مسار حلها.
- على المستوى الإنساني: أحد الأبعاد السلبية المباشرة ما تشهده السودان من موجات لجوء ونزوح متعددة منذ اندلاع الصراع وما لها من انعكاس على الدول المستضيفة “دول الجوار”، مما يتطلب دعم من جانب المؤسسات المالية الدولية والمانحين لدعم تلك الدول تخفيفًا للأعباء المادية المتزايدة عليها نتيجة لاستضافة اللاجئين والنازحين، علاوة على إدانة الاعتداءات على المناطق المدنية والخدمية والصحية وأهمية توفير المساعدات العاجلة في الأدوية والأغذية، وتيسير المساعدات الإنسانية عبر أراضي دول الجوار بالتنسيق مع الدول المعنية والعبور الآمن للمساعدات للمناطق الأكثر احتياجًا في السودان، وتوفير المتطلبات الأمنية الداخلية للإغاثات الدولية.
- على المستوى السياسي وإنهاء الأزمة: والتي لا تبتعد كثيرًا عن مسار وقف إطلاق النار، فقد جاء البيان الختامي ليؤكد على ضرورة دفع مسار التسوية السياسية بمشاركة كافة الأطراف، وتبني حوار جامع وشامل يضع كافة النقاط الخلافية موضعًا للتناقش للخروج بخارطة طريق واضحة ومحددة تساعد في تجاوز ما تشهده السودان في الوقت الراهن.
- العمل المشترك لدعم استقرار السودان: واحدة من بين المخرجات المهمة في قمة دول الجوار السوداني تتجلى في تشكيل آلية وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تهدف بشكل كبير في وضع خطة عمل تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية، عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة، في تكاملية مع الآليات القائمة، بما فيها الإيجاد والاتحاد الأفريقي، وتكليف آلية الاتصال ببحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على مستقبل استقرار السودان ووحدته وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية ومنعها من الانهيار، ووضع الضمانات التي تكفل الحد من الآثار السلبية للأزمة على دول الجوار، ودراسة آلية إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الشعب السوداني.
إجمالاً؛ إن مشاركة دول الجوار السوداني يعكس البراغماتية المصرية في التعاطي مع واحدة من أبرز الأزمات المؤثرة على الأمن الإقليمي، وتؤكد قناعة الوفود المشاركة إلى جانب أطراف الصراع السوداني بالدور المتزن لمصر في الدفع نحو تهدئة الصراع، والعدول عن التفاعل المسلح لمسار سياسي يُنهي المرحلة الحرجة التي تمر بها السودان، وكذلك تؤشر بصورة كبيرة إلى حتمية معالجة القضايا الأفريقية بالحلول الأفريقية، كما من المحتمل أن تكون الآلية الوزارية المُشكلة من وزراء خارجية دول الجوار- أحد مخرجات القمة- آلية إيجابية نحو تقريب وجهات النظر بين أطراف المشهد السوداني على المستويات العسكرية والسياسية، بما يحقق الاستقرار الداخلي ويقلل من حدة المخاطر الضاغطة على أمن دول الجوار.