مصر

شبكات الربط البري.. داعم أساسي لمكانة مصر اللوجستية الإقليمية والعالمية

لا تزال إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي عازمة على استكمال خططها ومشروعاتها القومية الطموحة التي بدأتها منذ عام 2014، لتطوير كافة شبكات البنية التحتية، وفي مقدمتها مرافق النقل المتمثلة في: الموانئ البحرية، والمطارات الجوية، والمعابر والمنافذ والمحطات البرية والحدودية. وأولت كذلك اهتمامًا خاصًا بتطوير وتحديث الشبكة القومية للطرق، علاوة على البدء في تشييد أول شبكة للنقل السككي السريع في منطقة الشرق الأوسط وقارة أفريقيا. 

ويأتي هذا التوجه في إطار استراتيجية شاملة تهدف إلى ترسيخ مكانة مصر في قطاعي التجارة واللوجستيات الدوليين، حيث ترى مصر ضرورة بذل المزيد من الجهد من أجل الاستفادة من موقعها الطبيعي الذي يتوسط قارات العالم القديم الثلاث. وتسعى الدولة كذلك إلى تعظيم الفوائد الناتجة من وجود قناة السويس على أرضها، حيث تعتبر القناة الآن أهم ممر مائي في العالم، ولم تكن مصر -حتي وقت قريب- تستفيد من هذا الممر سوى برسوم عبور السفن، وبدون تحقيق أي قيم مضافة متعلقة بمرور تلك الحركة التجارية العالمية الكثيفة. 

شبكة طرق حديثة

سعت الدولة المصرية منذ عام 2014 إلى إحداث نقلة في ملف النقل البري في عموم البلاد، لذلك أطلقت خطة شاملة لتطوير الشبكة القومية للطرق، حيث كان مستهدفًا إنشاء أو تطوير قرابة 75 طريقًا بأطوال 7000 كم من الإنشاءات الجديدة تمامًا، علاوة على تطوير وازدواج 10000 كم طرق أخرى وذلك حتي نهاية عام 2024م. 

ولقد تم بالفعل إنهاء أكثر من 50 مشروعًا، فيما يتوقع أن يتم الانتهاء من باقي المشروعات خلال الأشهر القريبة القادمة. ولقد قامت جميع مشروعات الطرق تلك على فلسفة هادفة إلى تحقيق الربط الكامل بين مختلف أقاليم البلاد، وهو ما يسهم بدوره في ربط مناطق الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي في الداخل المصري بالموانئ البحرية والجوية والبرية، ليسهم ذلك في تسهيل وانسياب حركة نقل البضائع والمنتجات، لتتحول مصر بذلك إلى مركز عالمي للتجارة والتداول واللوجستيات.

وتسهم شبكة الطرق القومية المحدثة كذلك في تيسير تنقل الأفراد، وهو ما يساعد على إنجاح الجهود التنموية التي بُذلت خلال التسعة سنوات الماضية بمختلف أنحاء المعمورة؛ فقد سعت الدولة خلال تلك الفترة إلى تشييد نحو 25 مجتمعًا عمرانيًا جديدًا، بالإضافة إلى إدخال تطويرات على المدن القائمة سواء كانت قديمة في الوادي والدلتا، أو جديدة على حواف الصحراء، وهو ما أدى إلى مضاعفة حجم العمران المصري بنسبة  100% تقريبًا ليصل إلى نسبة 14% من إجمالي مساحة مصر.

ومن أبرز مشروعات الطرق التي نفذتها مصر خلال الفترة الماضية نجد مشروع محور 30 يونيو الذي بلغ طوله الكلى 210 كم، وتكلف أكثر من 8.5 مليارات جنيه. ولقد شُيد هذا المحور بالأساس لربط أربعة من أهم الأقاليم التنموية في مصر وهي: إقليم قناة السويس، وإقليم الدلتا، وإقليم القاهرة، وإقليم البحر الأحمر، ومن المتوقع أن يسهم المحور بشكل مباشر وغير مباشر في زيادة المعمور المصري بما يخلقه من فرص تنموية جديدة. ويُتوقع ان يسهل عملية إعادة التوزيع السكاني في تلك الأقاليم الأربعة بشكل متوازن، فضلًا عن دوره الأصيل في ربط عدد من المشروعات القومية الكبرى كالعاصمة الإدارية ومحور تنمية قناه السويس ومشروع التنمية الشاملة لسيناء. 

نجد أيضًا من مشروعات الطرق المهمة مشروع تطوير طريق القاهرة- أسوان الصحراوي الغربي، الذي بدأت أعمال المرحلة الأولى لتطويره في 2014؛ إذ سيربط الطريق ما بين العاصمة المصرية القاهرة ومعبر أرقين عند خط الحدود الدولية مع السودان بإجمالي طول 1155كم، ومن المخطط أن يتكلف الطريق 26 مليار جنيه، وسيكون بمثابة قناة ربط سريعة ما بين كافة محافظات الصعيد والقاهرة، فزمن الرحلة المقطوعة بالسيارة على هذا الطريق بين مدينة أسوان والقاهرة لا تتجاوز عشرة ساعات، في حين أنها قد تستغرق ضعف الوقت عن طريق القاهرة أسوان الزراعي القديم. وأسهم هذا المشروع كذلك في تحقيق التعهد المصري بالمشاركة في تنفيذ المشروع القاري المأمول والمعروف باسم طريق القاهرة-كيب تاون، والذي يتوقع أن يجتاز القارة الأفريقية من شمالها إلى جنوبها بطول إجمالي يفوق التسعة آلاف كيلو متر.

ولم تغفل الدولة المصري أهمية تنفيذ شبكة من المحاور العرضية على مجرى نهر النيل، وذلك لتقليص المسافات البينية بين نقاط العبور إلى 25 كيلومترًا؛ وذلك لتقليل زمن مسير السيارات لحين الوصول لأقرب نقطة عبور، ولتسهيل حركة النقل بما يخدم المشروعات التنموية في ربوع البلاد. وحرصت الدولة على أن تكون تلك المحاور العرضية متكاملة مع شبكة الطرق القومية بشرق وغرب النيل، وهو ما يساعد على الحصول على أكبر قدر من الاستفادة منها، لذلك تم التخطيط لإنشاء 21 محورًا جديدًا على النيل، منها: محور تحيا مصر بنطاق القاهرة الكبرى، ومحور طلخا الجديد بمحافظة الدقهلية، ومحور بني مزار بمحافظة بني سويف، ومحور قوص بمحافظة قنا، ومحور كلابشة بأسوان. 

خطوط قطارات سريعة

C:\Users\kaza meza\Desktop\21161504941611130007.jpg

حرصت الدولة على وضع خطة لتشييد أكبر شبكة للسكك الحديدية السريعة في الشرق الأوسط، حيث من المتوقع أن يبلغ إجمالي أطوالها عند الانتهاء من تشييدها 1825كم من السكك، وتستهدف خطة الدولة من تنفيذ هذا المشروع عدد من الفوائد:

● الخط الأول والذي سيمتد من ميناء السخنة إلى العلمين الجديدة، وسيمثل محور ربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، وهو ما سيمثل أحد أهم الممرات اللوجستية القائمة، وسيعزز من فاعلية حركة التجارة العالمية المارة بقناة السويس، وسيمثل أيضًا داعمًا لها وقت الأزمات. وسيسهم القطار السريع في تخفيض زمن الرحلة بين السخنة والعلمين من خمس ساعات بالسيارة إلى حوالي ساعة ونصف فقط، فضلًا عن دوره غير المباشر في تنمية العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة، وانعكاساته على مشروعات التنمية والتقدم الحضري وحركة الأفراد على طول مساره.

● سيساعد الخط الثاني من مشروع القطار السريع -والذي سيمتد بين مدينة السادس من أكتوبر شمالًا إلى أسوان جنوبًا بطول 925 كم- على خلق محور نقل جديد غرب النيل يمر بأغلب المدن الجديدة بصعيد مصر، وهو ما سيسهم في زيادة اتصالها بمحافظاتها الأم من جهة وبالعاصمة القاهرة من جهة أخري، مما سيساعد على زيادة تعميرها. وإلى جانب كل هذا، سيساعد الخط الثاني من شبكة القطارات السريعة على دعم حركة السياحة الثقافية في مصر؛ وذلك عبر تسهيل التواصل بين المواقع السياحية المختلفة على امتداد محافظات وادي النيل. 

● يُنتظر أن يساعد الخط الثالث وهو آخر مراحل شبكة القطارات السريعة حتي الآن في تسهيل التواصل بين منطقة غرب النيل عند الأقصر مرورًا بمدينة قنا وصولًا إلى الغردقة عاصمة السياحة بالبحر الأحمر، وهو ما سيسهل على المواطنين في تلك المناطق السفر بشكل آمن، بعيدًا عن استخدام الطرق الجبلية الوعرة التي أدت إلى وقوع المئات من الحوادث الدامية. فيما سيسهم هذا الخط في تعزيز حركة التجارة والصناعة بجنوب البلاد، حيث سيسهل القطار السريع حركة الاستيراد والتصدير بين موانئ البحر الأحمر من جهة ومحافظات الصعيد من جهة أخرى. فيما سيؤدي إنشاء الخط الثالث إلى إحداث حالة من التكامل بين نمطي السياحة الشاطئية والثقافية عن طريق ربط الأقصر وأسوان بمدن محافظات البحر الأحمر المختلفة. 

في الختام، يمكننا القول إن مشروعات النقل البري أصبحت عاملًا رئيسًا في ترقية موضع مصر كي تكون على رأس قائمة الدول الإقليمية المهتمة بالأنشطة والأعمال اللوجستية عبر شبكة حديثة ومتطورة من الممرات والمسارات اللوجستية، وهو ما بدأ بالفعل في أن يكون عاملًا مساعدًا لتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء؛ بهدف الدخول وبقوة إلى مختلف القطاعات الإنتاجية سواء كانت زراعية أو صناعية أو خدمية، وهو ما ستكون له انعكاسات في النهاية على زيادة نسبة النمو الكلي للاقتصاد، وخلق فرص العمل في مختلف القطاعات.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

مصطفى عبد اللاه

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى