محفزات وعقبات في طريق انضمام أوكرانيا إلى الناتو
أثار تصريح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج في 1 يونيو 2023 بأن جميع الدول الأعضاء موافقون على انضمام أوكرانيا إلى الحلف وأن روسيا ليس من حقها الاعتراض على ذلك تساؤلات حول ما إذا كانت كييف التي تقدمت أكثر من مرة بطلب للانضمام إلى الناتو منذ 2008 قد اقتربت من الحصول على عضوية الحلف أم لا. في الوقت الذي يرى فيه كثيرون أن اقتراب أوكرانيا من الانضمام للحلف كان السبب الرئيس في العملية العسكرية الروسية لمنع الحلف من التمركز على حدودها. ولا تزال أوكرانيا تحاول الحصول على عضوية الناتو خصوصًا بعد قبول عضوية فنلندا واقتراب قبول عضوية السويد. وحتى الآن لم يُحدد جدول زمني لانضمام أوكرانيا، ومن المقرر أن يناقش هذا الملف خلال قمة حلف الناتو التي ستُعقد في العاصمة الليتوانية فيلنيوس في شهر يوليو المقبل. فما هي احتمالية انضمام أوكرانيا للحلف؟ وكيف تؤثر هذه المفاوضات على الأزمة الراهنة؟
عوامل مساعدة
لم تكن أوكرانيا تسعى إلى الانضمام إلى حلف الناتو منذ استقلالها في 1991، حيث كانت تفضل موقف الحياد بين روسيا والغرب مثل سائر الدول الحدودية مع روسيا، ولم تكن تهدف حينها إلى بناء جيش قوي، حتى أنها حلت ترسانتها النووية الموروثة من الاتحاد السوفيتي، في مقابل هذا وقعت حكومة كييف على اتفاقية مع موسكو ولندن وواشنطن تنص على احترام جميع الأطراف لسيادة أوكرانيا. لكن سرعان ما شعرت كييف بالتهديد من الجانب الروسي؛ إذ اتهمت موسكو بتوجيه هجمات سرية لها في بداية الألفية، مما دفعها إلى تقديم أول طلب عضوية للناتو في 2008.
رغم تقديم الوعود لها، فإن الناتو لم يفكر في ضم أوكرانيا بشكل جاد للحلف؛ إذ إنه كان يرغب في تجنب الدخول في صراع وعداء مع روسيا التي تمثل له شريكًا اقتصاديًا وسياسيًا مهمًا في هذه الفترة. وحتى بعد السيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم في 2014 وإدانة الحلف لذلك، كان هذا في حد ذاته عاملًا أكبر في تعطيل انضمام كييف؛ إذ كانت المخاطرة بخسارة العلاقات مع روسيا غير مرغوبة، خصوصًا مع اعتبار أوكرانيا لن تقدم الكثير للحلف في المقابل.
لكن الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير 2022 أسهم في تغيير وجهة نظر الدول الأعضاء إزاء الوضع؛ فالهدف الرئيس من تأجيل انضمام أوكرانيا للحلف وهو عدم تهديد الأمن الأوروبي عن طريق الدخول في عداء مع روسيا لم يتم الوصول إليه على أية حال، وهو ما دفع دول الحلف إلى التفكير في شكل مختلف بإمكانه الحفاظ على الأمن الأوروبي ومنطقة شمال الأطلسي، عن طريق ضم الدول الحدودية مع روسيا للحلف لتضييق الخناق على موسكو.
بدأ ظهور هذا الاتجاه مع دعم حلف الناتو الكامل لأوكرانيا بكل الطرق الممكنة، والحديث بشكل أكبر عن إمكانية انضمام أوكرانيا للحلف، هذا بالإضافة إلى قبول طلب انضمام فنلندا بسرعة غير مسبوقة في تاريخ الحلف والتعجيل بعملية قبول السويد، وظهور بعض الأنباء حول إمكانية ضم مولدوفا، وعضوية كل من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وحينها سيتمكن الناتو من تشكيل قبضة محاصرة لروسيا، مما يؤمن المنطقة الأوروبية ومنطقة شمال الأطلسي بشكل أكبر.
يأتي هذا متسقًا مع أهداف الولايات المتحدة –أكبر دول الحلف- في تقليل التأثير الروسي في أوروبا، وخفض اعتماد الدول الأوروبية بشكل كبير على البضائع الروسية خاصة في مجالي الطاقة والغذاء. وكذلك مع زيادة قوة العلاقات الصينية الروسية يمكن أن ينتج عن تغيير هذه السياسات الحد من توسع السوق الصينية في أوروبا والذي سيصب في صالح واشنطن بشكل أكبر.
معوقات عديدة
يعد أكبر معوق في طريق انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي هو وجود أوكرانيا حاليًا في حالة حرب؛ فمنذ بداية الحرب الجارية بين موسكو وكييف لم يخفِ الناتو عدم رغبته في الانخراط بشكل كامل في الحرب لما سيمثله هذا من استنزاف لموارد دول الحلف من جانب والتهديد الذي سيشكله صراع مثل هذا على العالم كله من جانب آخر. وبالرغم من تقديم أشكال المساعدات المختلفة سواء إنسانية أو عسكرية لكييف من دول الحلف، إلا أن الدخول بشكل كامل في الحرب سيدفع روسيا إلى القتال بكل طاقاتها ومواردها وسيعطيها الضوء الأخضر للزحف إلى الدول الأوروبية الأخرى، هذا بالإضافة إلى ارتفاع احتمالية الدخول في حرب نووية مدمرة.
وبالرغم من تصريح “ستولتنبرج” بأن جميع الدول الأعضاء في الناتو يوافقون على انضمام أوكرانيا، فإنه من الواضح أن هذه موافقة لفكرة انضمامها بشكل مجرد؛ إذ إنه أكد في الوقت ذاته أن احتمالية انضمام كييف في منتصف الحرب غير موجودة في الخطة، ولم يحدد أي جدول لقبول انضمامها بشكل رسمي أو حتى الموعد الممكن فيه حدوث هذا. وقد اعترف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي باستحالة انضمام كييف للحلف وهي في حالة حرب، بالرغم من تأكيد طلبه للانضمام من الحلف في الكثير من المناسبات بعد بداية الحرب في العام الماضي.
ولا تؤثر الحرب فقط على قدرة أوكرانيا في الانضمام حاليًا، فمن المؤكد أن روسيا لن تقبل بفكرة كهذه وستكون هذه نقطة نقاش أساسية في حالة التوجه إلى المفاوضات. ومن غير المرجح انتهاء الصراع بطريقة أخرى غير المفاوضات حتى وإن كان الطرفان غير مستعدين للتفاوض وتقديم التنازلات الآن، فإن البديل الوحيد للمفاوضات هو التصعيد الذي ستكون نتائجه مدمرة لكل الأطراف.
وكانت فكرة اقتراب أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو سببًا أساسيًا في اندلاع الحرب، بالرغم من عدم اعتراف موسكو بهذا بشكل كامل، مما يشير إلى أن هذه نقطة في غاية الحساسية بالنسبة لموسكو خصوصًا بعد تصاعد اتجاه الحلف الجديد في ضم الدول الحدودية معها، والتفكير في التوسع في شرق آسيا.
ويشير اتجاه روسيا في زيادة نشر الأسلحة النووية في بيلاروسيا إلى أنها قضية غير قابلة للمساس بالنسبة لها، حيث ربط الرئيس الروسي بوتين بين استكمال عملية نشر الأسلحة النووية و قمة فيلنيوس المقبلة للناتو؛ فمع التحذير الروسي المستمر لحلف الناتو وعلى رأسه الولايات المتحدة من عواقب ضم أوكرانيا للحلف، تؤكد موسكو على أنها لن تتورع عن حماية أمنها الوطني –وهو ما يتمثل حاليًا في الحد من توسع ونفوذ الناتو والولايات المتحدة في المنطقة- بأي شكل ممكن، مما يشير إلى أن التهديد باستخدام الأسلحة النووية ونشرها في بيلاروسيا ليس مجرد ضغط سياسي، وإنما تهديد حقيقي تزداد احتماليات حدوثه كلما تعقد الوضع بشكل أكبر.
وبالرغم من تصريح الكثير من المسؤولين في الولايات المتحدة والناتو بعدم وجود نية لضم أوكرانيا وهي في حالة حرب، واعتراف الرئيس الأوكراني بهذا، والذي يؤكد لروسيا بأن قمة فيلنيوس لن تتخذ قرارًا بضم أوكرانيا؛ فإن هذا لم يقلل التهديدات والمخاوف الروسية بأي درجة، مما يشير إلى ان فكرة انضمام أوكرانيا للناتو سواء الآن أو في أي وقت آخر هي فكرة مرفوضة بشكل نهائي وغير قابلة للنقاش بالنسبة للجانب الروسي.ختامًا، لا يزال الوقت مبكرًا للتكهن بمدى إمكانية انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وخاصة وقت حدوث هذا، إلا أن قراءة الوضع الحالي تشير إلى تغير سياسات الناتو بشأن هذه القضية، وأن هذا الصراع الروسي الأوكراني لن ينتهي تأثيره بمجرد انتهائه، بل ستشكل نتائجه السياسات الدولية للفترة القادمة؛ ففي حالة نجاح أوكرانيا في الانضمام سيخلق هذا العديد من التوترات في المنطقة بعد خروجها من حالة حرب مجهدة. وحتى في حالة الاتفاق على عدم انضمامها كنوع من الأوراق التفاوضية لإنهاء الحرب فلن يغير هذا شيئًا في ميل كل الدول الأوروبية المحيطة بروسيا إلى الجانب الغربي وهو ما سيشكل تهديدًا لموسكو، مما سيدفع أيضًا الدول الأوروبية إلى الحذر في العلاقات مع روسيا والاعتماد عليها لتجنب الدخول في صراعات أو أزمات أخرى.