
انضمام الرياض إلى منظمة شنجهاي والنمو المنهجي للعلاقات السعودية – الصينية مستقبلًا
أعلنت المملكة العربية السعودية أن مجلس وزرائها قد وافق على خطة للانضمام إلى منظمة شنجهاي للتعاون بوصفه شريكًا في الحوار، في إشارة قوية على المزيد من التقارب بين الرياض وبكين، وانعكاس مهم لسياسات المملكة التي يمكن وصفها بالـ “تحوطية” عن طريق تنويع شراكاتها. وفي الآونة الأخيرة، كانت هناك مناقشات في موسكو لمنظمة شنجهاي للتعاون لتشكيل تحالف أكبر مع التجمعات الإقليمية الأخرى مثل: الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي، ورابطة الدول المستقلة، ومجموعة البريكس، والتي تقدمت الرياض أيضًا بطلب للانضمام إليها. وعلى الرغم من أن منظمة شنجهاي هي ذات طبيعة اقتصادية بالدرجة الأولى فإن الآثار الجيوسياسية لانضمام الرياض إلى مثل هذا التكتل لا لبس فيها.
دواعي التقارب السعودي – الصيني
قبل سرد النتائج المترتبة على كون السعودية أصبحت شريكًا للحوار في المنظمة، تنبغي الإشارة إلى دواعي الضرورة التي جعلت من التقارب السعودي- الصيني مطلبًا:
فراغ الدور: كان السبب الرئيس في دخول بكين إلى معترك الشرق الأوسط هو فراغ الدور الأمريكي والغربي بشكل عام، والذي تجلى في أن هذه القوى لم تستطع حل القضايا العالقة في منطقة الشرق الأوسط على الرغم من هيمنتها المنفردة على المنطقة لعقود طالت. وعلى العكس من المقاربة الغربية التي تعتمد على التدخل في شؤون الدول، تحرص بكين على عدم التدخل ومن ثم فقد أصبحت شريكًا موثوقًا فيه للوساطة النزيهة التي خرجت بالفعل باتفاق تاريخي بين الرياض وطهران.
وفي الآونة الأخيرة، تأرجحت منطقة الشرق الأوسط وسط حالة من عدم اليقين بشأن التزام واشنطن طويل الأجل بالأمن الإقليمي، واستشهدت الفواعل الإقليمية بالظروف السياسية الداخلية للولايات المتحدة والتغييرات السياسية، بما في ذلك ما يتعلق بالمسألة النووية الإيرانية، على أنها تحديات رئيسة وتضر بالثقة على المدى الطويل. وقد كان من الطبيعي أن تقتنص الصين الفرصة، واصفةً نفسها على أنها بديل للغرب ووسيط رئيس في الأمن الإقليمي على الأقل في الوقت الحالي.
التقارب على مستوى أمن الطاقة: من أسباب التقارب الصيني السعودي حتى قبل الحرب الروسية الأوكرانية مسألة الطاقة؛ فقد رأت السعودية أن السياسات التعسفية التي اتخذتها القوى الغربية في مسألة التحول للطافة النظيفة تجاوزت مسألة أمن الطاقة ولم تراع مصالح الدول المنتجة، وهو ما أدى إلى التقارب بين الرياض وبكين في الوقت الذي قدمت فيه الصين الخطة الخمسية الرابعة عشرة لإعطاء الأولوية لأمن الطاقة واستقرارها، والاعتراف بدورها الحاسم في التنمية الاقتصادية.
وبما أن روسيا أيضًا عضو في شنجهاي، فإن هناك حالة من التقارب مع وجهة النظر الروسية فيما يتعلق بمسألة خفض الإنتاج للحفاظ على الأسعار. فضلًا عن أن العلاقات السعودية مع روسيا قد تحسنت بشكل كبير في أعقاب حرب أسعار النفط 2014-2016 عندما حدث انهيار في سعر برميل النفط وترك آثارًا بالغة على الدول المنتجة في أوبك. وفي تلك المرحلة، كانت روسيا قد تدخلت لدعم تخفيضات إنتاج النفط في أوبك في أواخر عام 2016 بهدف إعادة أسعار النفط إلى المستويات التي سمحت لأعضاء أوبك بالبدء في إصلاح أوضاعهم المالية المتدهورة.
مع الوضع بالحسبان أن الصين شريك تجاري مهم للسعودية، حيث بلغت قيمة التجارة الثنائية 87.3 مليار دولار في عام 2021. وأصبحت بكين مستورداً للنفط السعودي بمعدل أكبر من الولايات المتحدة العام الماضي، حيث تشتري حوالي 1.75 مليون برميل يوميًا. وبالإضافة إلى ما تقدم أنهت بكين استثمارات بمليارات الدولارات في أرامكو السعودية، ومن المقرر إقامة مشروع مشترك في شمال شرق الصين.
أهمية منظمة شنجهاي وطبيعتها
قبل تناول مسألة النتائج المترتبة على انضمام السعودية لمنظمة شنجهاي، تنبغي الإشارة إلى طبيعة تكوين المنظمة وأهميتها من الناحيتين الإقليمية والدولية:
تصنف منظمة شنجهاي بوصفها منظمة إقليمية تحوي الطابع الاقتصادي والسياسي وكذلك الدفاعي والأمني، وتم تشكيلها عام 2001 من خمس دول فقط هي: الصين، وروسيا، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان. وتؤمن منظمة شنجهاي للتعاون بممارسة “العالم متعدد الأقطاب”.
وفي هذا السياق، فإنه في نهاية عام 2021 شهدت بكين اجتماعات بين كبار المسؤولين في الحكومة الصينية ووزراء خارجية السعودية والكويت وعمان والبحرين، بالإضافة إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي. في هذه الاجتماعات، كانت الموضوعات الرئيسة للمحادثات هي إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي أخيرًا، وصياغة “تعاون استراتيجي أعمق في منطقة تظهر فيها الهيمنة الأمريكية علامات التراجع.
وتشكل منظمة شنجهاي أهمية إقليمية بالنسبة للدول الأعضاء فيها؛ فبالنسبة لدول آسيا الوسطى، تلعب منظمة شنجهاي للتعاون دورًا في توفير الضمانات الأمنية ضد الثورات الملونة المحتملة المدعومة من الخارج ويتخذون من النموذج الأوكراني نموذجًا يجب تجنبه. وعلى جانب آخر، فإنه بالنسبة للهند وباكستان تنتهج الولايات المتحدة سياسة قمعية ضد مصالحهما، وعضوية منظمة شنجهاي للتعاون مهمة لموازنة النفوذ الأمريكي ضدهما. وفي أفغانستان التي شهدت عزلة بعد الانسحاب الفادح للولايات المتحدة الأمريكية، تسعى طالبان إلى إضفاء الشرعية على سلطتها من خلال منظمة شنجهاي للتعاون. بجانب أن توسع منظمة شنجهاي للتعاون يعزز التعاون في مجال الطاقة، فضلًا عن العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء.
ومع الاعتبار لحجم أهمية المنظمة فإنها تواجه بعض العقبات التي يعد أهمها وجود حالة من عدم التوافق بين الأعضاء الرئيسين في المنظمة وعلى وجه التحديد الصين وروسيا، وتتركز الخلافات على طبيعة العمل وتوجيهه داخل المنظمة؛ إذ تؤكد موسكو على الجوانب الأمنية والعسكرية للمنظمة، بينما تركز بكين على التعاون الاقتصادي. إلا أن هذه الخلافات قد تشهد حالة من الهدوء نتيجة للتقارب المتزايد بين البلدين بعد الحرب الروسية- الأوكرانية.
علاوة على ذلك، هناك مصدر توتر آخر داخل المنظمة ويرجع إلى عدم قدرة المنظمة على اتباع سياسة موحدة نتيجة التوترات المتقطعة بين الهند وباكستان والنزاعات الحدودية التي لم يتم حلها بين دول آسيا الوسطى. ودون الخوض في الكثير من التفاصيل، فإنه نظرًا لتنوع النطاق الجغرافي للدول الأعضاء في المنظمة فإن لكل دولة أجندتها الخاصة لا سيما على النطاق السياسي مما يجعل من الصعب لمنظمة شنجهاي الخروج بأجندة سياسية موحدة.
النتائج المترتبة على انضمام المملكة لمنظمة شنجهاي
تشير الكتابات إلى أن أهم النتائج المترتبة على انضمام الرياض إلى منظمة شنجهاي كشريك للحوار هو الفشل الأمريكي الواضح في اجتذاب دول محورية في الشرق الأوسط وإبعادها عن المزيد من التقارب من المحور الصيني- الروسي، ولكن في نفس السياق فإن مسألة الانضمام السعودي للمنظمة تحمل أبعادًا أعمق بكثير من محاولة استهداف الولايات المتحدة، وهو البعد غير المرجو من الأساس لأن المملكة تبتعد بسياساتها الخارجية عن تبني عقلية المحصل الصفري؛ فالتقارب مع أحد المحاور لا يعني تصفير العلاقات مع محور آخر، ومن هنا فإن النتائج المترتبة على انضمام السعودية تتضمن:
المزيد من التقارب مع إيران: فطهران هي الأخرى عضو في المنظمة، ولا شك أن وجود الرياض وطهران في منظمة واحدة ذات أهداف إقليمية محددة سيعزز من فرص التقارب ويقلل من النقاط الخلافية بعد الاتفاق التاريخي بين البلدين خلال الشهر الماضي وما ترتب عليه من اقتراب عملية تبادل السفراء.
على الجانب الآخر، استطاعت السعودية تحقيق اختراقًا في محادثات السلام في اليمن وهي نتيجة مترتبة على أن الاتفاق بين الرياض وطهران يلزم الأخيرة بالابتعاد عن استهداف مصالح المملكة وعلى تلك الخلفية وصل إلى العاصمة اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون مفاوضون من سلطنة عمان وآخرون من المملكة العربية السعودية؛ للتفاوض مع الحوثيين للوصول إلى اتفاق شامل يؤدي إلى وقف إطلاق النار بشكل دائم في الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات، مما ينعش الآمال بهدنة طويلة الأمد.
الابتعاد السعودي عن نظام الدولرة: يمكن أن يؤدي الانضمام السعودي إلى المنظمة الى مزيد من الابتعاد عن نظام الدولرة؛ لكون المنظمة ذات أهداف اقتصادية، خصوصًا أن الرياض تحدثت من قبل عن بيع النفط للصين بالعملة المحلية “اليوان” وهو ما يشير إلى رغبة حقيقية في فك الارتباط بالدولار كعملة.
الإضرار بالعلاقات السعودية – الأمريكية: حيث تدخل الرياض منتدى متعدد الأطراف بقيادة القوى الشرقية لأول مرة، مما يعزز آفاق التواصل والتعاون مع الدول المعادية لواشنطن أو غير المتحالفة معها. ومع ذلك، لا تزال منظمة شنجهاي للتعاون منقسمة للغاية على تصميم وتنفيذ سياسات قادرة على تغيير التوازنات العالمية. وعلى مستوى العلاقات الأمريكية – السعودية كذلك فإنه رغم تقليل واشنطن من أهمية الوساطة الصينية في الاتفاق السعودي – الإيراني ومن أهمية توابع انضمام الرياض إلى منظمة شنجهاي؛ فإنه لا خلاف على أن الوجود الصيني القوي في منطقة الخليج العربي يضرب في أساس العقيدة الأمريكية المعروفة بعقيدة كارتر والتي صاغت علاقة الولايات المتحدة مع الخليج بوصفها منطقة نفوذ استراتيجي، وأن العلاقة قائمة بشكل أساسي على حماية آبار النفط، أما وجود بكين في المنطقة وعلاقاتها الوطيدة مع السعودية فيما يتعلق بهذا المجال يثير القلق الأمريكي على أي حال.
تعزيز العلاقات الروسية مع الشرق الأوسط: حيث تعمل عضوية السعودية في منظمة شنجهاي للتعاون أيضًا على تحسين العلاقات الجيدة بالفعل بين روسيا والشرق الأوسط، حيث حازت روسيا على دور صادق في الحفاظ على مصالح الدول المنتجة للنفط في عام 2016 كما سبقت الإشارة.
تمتع الصين بوضع خاص في مجلس التعاون الخليجي مستقبلًا: إن وجود المملكة العربية السعودية وإيران داخل منظمة شنجهاي للتعاون -على التوالي كشريك في الحوار وعضو كامل- يمكن أن يدعم المحاولات الصينية لتخفيف التوترات بين الخليج وطهران وتعزيز التعاون الاقتصادي. وهو ما من شأنه أن يترجم إلى مزيد من الوجود السياسي الصيني، ليس فقط مغير لقواعد اللعبة في علاقة واشنطن بالرياض، ولكنه خطوة أخرى نحو شراكة خليجية آسيوية أوثق.
وعلى سبيل المثال، في عام 2019، وقعت الصين صفقة بقيمة 10 مليارات دولار لتطوير مدينة صناعية جديدة في الإمارات العربية المتحدة، وشاركت أيضًا في مشاريع البنية التحتية الكبرى في المملكة العربية السعودية مثل مصفاة ينبع التي تبلغ تكلفتها 10 مليارات دولار. وفي العام الجاري، استحوذت السعودية على حصة قدرها 10% في مصفاة نفط صينية خاصة وستوفر 480 ألف برميل يوميًا من النفط الخام. وهي الصفقة التي جاءت مباشرة بعد إعلان أرامكو السعودية عن مشروع مع شركتين صينيتين لبناء ثلاثمائة ألف برميل يوميًا.
وعلى وجه التحديد، ربما ليس من قبيل الصدفة أن عمان مركزية بالنسبة لدور بكين المنتشر في الأمن الإقليمي. وقد تمكنت مسقط تقليديًا من المحافظة على موقف محايد في الشرق الأوسط لكنها سعت إلى توسيع علاقاتها الاقتصادية مع الصين في السنوات الأخيرة. وعليه فقد استثمرت بكين بكثافة في البنية التحتية لسلطنة عمان، بما في ذلك 10.7 مليارات دولار في بناء ميناء الدقم والمنطقة الصناعية في موقع استراتيجي بالقرب من مضيق هرمز، مما يشير إلى اهتمام الصين بتعزيز وجودها في بحر العرب.
توسع الاقتصاد السعودي: نقلت عضوية الرياض في المنظمة العلاقات بين الصين والسعودية من مستوى العلاقات الثنائية إلى الشراكة على مستوى منظمة إقليمية ودولية. ولذلك فإنه من المرجح أن تتمكن الرياض من الوصول إلى أسواق جديدة ومشاريع البنية التحتية، بدءًا من جمهوريات آسيا الوسطى. وقد تكون أفغانستان كذلك هدفًا محتملًا آخر للاستثمارات السعودية.
مستقبل العلاقات السعودية – الصينية
نظرًا لطبيعة العلاقات السعودية – الصينية والتي تركز على البعد الاقتصادي أكثر من أي شيء آخر فإنه من غير الوارد أن ينتج عن الأمر حالة من التنافس بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما يستعبد معه كذلك أن تتحول العلاقات بين الرياض وبكين من الشراكة إلى التحالف، خصوصًا أن اقتصاد المملكة لا يزال مرتبطًا بالولايات المتحدة لأن عملتها مرتبطة بالدولار، ويتم بيع نفطها بتلك العملة، وتعتمد البنية التحتية الدفاعية السعودية بشكل كبير على المعدات الأمريكية.
وعلى الناحية الأخرى، فإن الصين تمتلك سياسة صارمة لعدم الدخول في أحلاف، ومن غير المرجح أن ترغب في التورط في صراعات الشرق الأوسط. ولذلك فإنه على المستوى السياسي ستبقى العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي على قدر من التعقيد بسبب استمرار الانقسام الخليجي- الإيراني؛ لأن تحقيق اختراق بحجم الاتفاق بين الرياض وطهران لا يعني أنه قد تمت تسوية الخلافات الخليجية – الإيرانية وإن كان يبشر بقدر لا بأس به من حلحلة الأمور.
وبالبناء على ما تقدم؛ فإن التقارب الصيني مع منطقة الخليج العربي يعزز من موقفها وطموحاتها على المستوى العسكري، وهو ما يضيف دورًا آخر إلى أدوار الصين الإقليمية. ويعزز هذا الفهم إنشاء بكين لأول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي في عام 2017 في موقع استراتيجي بالقرب من مضيق باب المندب وخليج عدن؛ أي أن بكين تسعى إلى إبراز قوتها العسكرية خارج حدودها. وتنفي الصين طموحاتها العسكرية باستمرار، إلا أن النفي لا يغير من واقع هذه الطموحات. ونمو العلاقات الصينية مع المملكة بشكل خاص والخليج بشكل عام قد يجعل من التعاون العسكري القائم على الشراكة اتجاهًا مستقبليًا للعلاقات، ولكن قد يحد من التقارب أو الثقة الخليجية في الصين تراجعها على المستوى الاقتصادي في أعقاب سياسة صفر كوفيد وتراجع طلبها على النفط.
باحث أول بالمرصد المصري