مصر

نمو السياحة المصرية: الاستراتيجية الوطنية والسياسات الداعمة

سجلت السياحة المصرية عائدات نحو 10,7 مليار دولار لعام 2021- 2022، مقارنةً ‏بنحو 4.9 مليار دولار أمريكي للعام السابق له وفقًا لتقرير “البنك المركزي“، مما يعد ارتفاعًا ملحوظًا عقب حالة الإغلاق التي شهدها العالم، وهي خطوة تنموية في ظل الاستراتيجية التي تتبناها وزارة السياحة والآثار المصرية لتحقيق نمو من 25% إلى 30% سنويًا للوصول إلى 30 مليون سائح، فما هي تلك الاستراتيجية، وما هي السياسات الداعمة لها؟ 

ارتفاع معدلات النمو

استطاعت السياحة أن تحقق معدلات نمو مرتفعة مقارنةً بالأعوام السابقة، ويرجع ذلك إلى تسجيل ارتفاع في عدد الليالي السياحية إلى 114.5 مليون ليلة (مقابل 47.8 مليون ليلة)، كذلك ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في مجال السياحة ليسجل نحو ‏‎298.9‎‏ مليون دولار، وعلى الرغم من تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على أكبر الأسواق المُصدرة للسياحة من أوروبا الشرقية، إلا أنه قدم إلى مصر خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر نحو 30 ألف سائح روسي. 

كذلك تناولت وزارة السياحة والآثار على لسان الوزير أحمد عيسى، عدة تقارير توضح ثقة المتعاملين مع صناعة السياحة في مصر، فوفقًا لأحدث مؤشر لتقرير باروميتر السياحة الصادر من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، ودراسات جريدةالمال، فقد حصلت مصر على 108.6 نقطة، حيث تشير الدراسة إلى أن قيمة هذا المؤشر عندما تكون أعلى من 100 نقطة تدل على وجود حالة من التفاؤل، وتوقع 100% من مسؤولي الشركات نمو الصناعة في العام الجاري، بجانب ارتفاع نسبة توقع ‏تحسن الأداء لنحو 74,5%، هذا بجانب توقع زيادة الإيرادات بنحو 60% لعام 2023 بالتزامن مع ‏توقع ارتفاع الأسعار بنحو 95% للعام القادم. ‏

وارتفعت الإيرادات السياحية وفقًا لبيانات “البنك المركزي” بمعدل 43.5% لتسجل 4.1 مليار دولار خلال ‏الربع الأول من العام المالي 2022/2023، مقابل 2.8 مليار دولار عن نفس الفترة في العام المالي السابق له، وارتفاع عدد ‏الليالي السياحية بنسبة 47,1% مسجلة نحو 43,6 مليون ليلة، وعدد السائحين بمعدل 52,2% ليسجل نحو ‏‏3,4 مليون سائح، وهي أعلى من المعدلات المطروحة والمتوقعة المحددة ضمن استراتيجية وزارة السياحة والآثار. 

استراتيجية 30 مليون سائح

تستهدف الاستراتيجية الوطنية للتنمية السياحية، زيادة الحركة السياحية إلى 30 مليون سائح حتى عام 2028، من خلال العمل على تحقيق معدلات الحركة السياحية الوافدة إلى المقصد السياحي المصري بنحو 25% و 30% سنويًا، وذلك في إطار رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030.  

وتقوم الاستراتيجية على استعراض الوضع السياحي الحالي، ومستهدف التطوير لاستيعاب هذه الأعداد من خلال ثلاث محاور رئيسة تتمثل في: “إتاحة الوصول للمقصد السياحي عبر زيادة الطاقة الاستيعابية للطيران وتسهيل الدخول، وتطوير البنية التحتية، وأخيرًا تحسين التجربة السياحية” بالتوازي مع التسويق السياحي، وذلك عبر تحسين مناخ الاستثمار السياحي ورفع جودة الخدمات المقدمة للسائح، بالتعاون مع كافة الوزارات والهيئات المعنية عبر 14 مسار عمل. 

المحور الأول: بدأت الدولة المصرية في تسهيل عملية  الوصول، من خلال تدشين خطوط طيران جديدة وأخرها استعادة حركة الطيران مع الصين من ثلاث مدن، وفتح مطارات دولية ومحلية لربط المقاصد السياحية المصرية والأسواق المستهدفة مثل مطار “سفنكس”، وتمتلك مصر ما يقرب من 27 مطارًا بسعة 30 مليون راكب، وكذلك قدمت مصر تسهيلات للحصول على التأشيرة السياحية، ووصل عدد الجنسيات التي يمكن حصولها على التأشيرة الاضطرارية إلى أكثر من 180 جنسية، شريطة وجود تأشيرة سارية ومستخدمة لدول كل من “إنجلترا- أمريكا – تشينجن (الاتحاد الأوروبي)- اليابان – نيوزيلاندا” على جواز السفر، وجاري العمل على إضافتهم على الموقع الإلكتروني للحصول على التأشيرة لتسهيل طرق الدخول، حيث يوجد الآن نحو 78 جنسية يمكنهم الحصول على التأشيرة الإلكترونية، هذا بجانب ‏التعاون مع السيد وزير الطيران والقطاع الخاص لزيادة عدد مقاعد الطيران العارض والمنتظم ومنخفض التكلفة، وفتح خطوط جوية جديدة بين مصر والأسواق السياحية المستهدفة. 

– المحور الثاني: يتعلق بالعمل على تطوير الطاقة الفندقية والذي ارتفع بالفعل خلال الفترة من 2018 – 2022 بمعدل نمو سنوي من 0,5% إلى 1,9%، وارتفع عدد الغرف الفندقية من 203 ألف غرفة إلى 211,610 غرفة فندقية، وتعمل الدولة على الوصول إلى 290 ألف غرفة، من خلال التعاون مع القطاع الخاص والعمل على تحقيق التوازن الجغرافي للغرف الفندقية في المحافظات السياحية، مع إضافة الأنشطة الترفيهية للمساهمة في المحور الثالث المتعلق بتحسين التجربة السياحية.

– المحور الثالث: ينقسم محور تحسين التجربة السياحية إلى هدف قصير المدى، وذلك عبر تحسين طرق جذب المجموعات عبر وكلاء السفر، وآخر طويل المدى، لتحسين تجربة السائح الفردي قبل وأثناء وبعد الوصول، لتقييم التجربة عبر قياس رضا السائحين والعمل على الحفاظ على الصورة الذهنية للمقصد المصري في ظل ‏دور الوزارة كرقيب ومنظم للعملية السياحية، والتي ستقوم بالعمل على تطوير البنية التشريعية من خلال العمل على إقرار عدد من القوانين بالتعاون مع الجهات التشريعية مثل تعديل قانون التحرش، وقانون إنشاء غرف سياحية وتنظيم اتحاد لها وقانون المنشآت الفندقية، بجانب العمل على التطوير المؤسسي لرفع كفاءة الجهاز التنفيذي. 

– أما عن “التسويق السياحي”: فيقوم على استهداف 12 سوق سياحي، من خلال 5 شرائح رئيسة للحصول على عدة منتجات سياحية تم تحديدها وفقًا لدراسة السوق التي ‏أجرتها وزارة السياحة والآثار، وأسفرت عن تفضيل 11.8% من عينة الدراسة للسياحة الثقافية والترفيهية معًا، و16.3% يفضلون استكشاف ‏الثقافة والآثار(منتج السياحة الثقافية فقط)، و15.8% منهم يفضلون سياحة المغامرة، و6% يفضلون سياحة ‏الاستجمام، بخلاف 5% يفضلون السياحة مع عائلاتهم، بالإضافة إلى السائحين الذي يبحثون عن التجربة السياحية ‏المتكاملة ومتعددة التجارب والأنماط السياحية، عبر تحسين طرق العرض من خلال العمل على إعادة توجيه الإنفاق ‏وتغيير طرق التسويق، بالحديث حول حملات إعلامية ضخمة قائمة على الاستراتيجية التي أعدها التحالف الكندي – الإنجليزي، وتم إطلاق الحملة الترويجية بالفعل خلال مشاركة وزير السياحة والآثار في بورصة برلين ITB مارس الحالي، وعرض الفيلم الترويجي لهذه الحملة تحت “عنوان Your Expectations are History”، وعرض مختلف التجارب السياحية والمعلومات عن السفر عبر الموقع الإلكتروني للهيئة المصرية للتنشيط السياحي والإعلان عنه كذلك. 

سياسات داعمة لتحقيق المستهدف السياحي

 حدد نموذج الأوركسترا Orchestra Model، التجربة السياحية التي يمكن أن يبنيها المقصد السياحي الذاتية والفردية للأفراد في خمس محاور رئيسة، وهي (حسية متعلقة بالمكان، وعاطفية متعلقة بالجانب العاطفي من جوانب الذوق والعاطفة الشعورية من التعامل مع البشر ، ومعرفي متعلق بالخبرات التي يتعلمها السائح والتجارب المحلية به، والسلوك فيما يخص الأنشطة التي يقدمها المقصد للزائرين والتجارب الأصلية التي يقضيها السائح، وأخيرًا العلاقات المكونة من التفاعل البشري بالمقصد من سكان محليين ومرشدين والمجموعات السياحية الأخرى). 

وبتطبيق هذا النموذج على المقصد السياحي، فإننا يمكن تطبيقه على سلاسل القيمة المتتالية بدايةً من تجربة حجز السائح مرورًا بالمطار، والانتقال إلى التجربة الفندقية والمحلية والزيارات المختلفة وفقًا لنوع الزيارة، والتي يمكن أن تساهم في الزيارات المتكررة للأفراد أو التوصية لبناء صورة جيدة عن المقصد، وهو ما يتحقق من خلال قياس مدى إشباع احتياجات السائحين من التجربة السياحية في المقصد المصري، ببناء تجارب ذاتية منفردة قد تسهم التكنولوجيا الحديثة في بنائها، والتي تتمثل في: 

1- تقديم تجربة أصلية Genuine experiment: ففي دراسة عن المقصد المصري، أوضح السائحين الثقافيين في منطقة الأقصر رغبتهم في توفير تجارب أطعمة أصلية في المقاصد السياحية لشمول التجربة، خاصةً نتيجة توافر التجارب المحلية والصناعات اليدوية بها، وهو ما يجب توفيره في أماكن الزيارات ودعمها، بجانب التوصية بعمل محاكاة للتجربة المصرية القديمة في أماكن الزياراتـ لتوفير تجارب فريدة يستطيع أن يعيشها السائح من خدمات وضيافة وتعلم، بجانب التركيز على مفهوم السياحة المسؤولة. 

2العودة للجذور: من خلال التركيز على شرائح سوقية لقضاء تجارب متنوعة سواء في العلمين وزيارات مقابر الحرب العالمية، كنمط سياحي يربط الأفراد بذويهم في دراسة سابقة للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

3- الولاء وخلق القيمة: من خلال خلق تجربة فريدة عبر إضافة العناصر التكنولوجية لتسهيل عمليات التواصل، بدايةً من استخدام تقنيات الواقع الافتراضي في تجربة الخدمات قبل البيع، وتسهيل عمليات الحجز والشراء للتحول إلى السلوك الفعلي، وكذلك خلق علاقات جيدة مع العاملين عبر التدريب الجيد والتوعية السياحية للمتعاملين مع السائح، وسهولة الوصول والسياحة الميسرة، حتى العودة من خلال التأكد من تجربة السائح عبر خدمات العملاء التي أصبحت تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لتوفير خدمات منفردة وتجارب شخصية وفقًا لاحتياج كل سائح، وهو ما يمكن تحقيقه عبر زيادة الاستثمار في القطاع التكنولوجي بالتعاون مع المؤسسات السياحية الكبرى والشركات الناشئة. 

4التسويق المخصص Personalized Marketing: من خلال تقسيم الأسواق السياحية وفقًا للأنماط السياحية المفضلة، بجانب تقسيم الشرائح السوقية لجماهير نوعية، يمكن توجيه رسائل متنوعة عبر دراسات السوق، ومخاطبة عقلية كل سائح وكأنها مرسومة إليه، بجانب التعامل مع ردود الأفعال عبر كافة وسائل الاتصال الحديث من خلال بناء علاقة بين الجمهور المستهدف والمقصد السياحي. 

5- مؤشرات قياس الأداء:  يتمثل دور الحكومة المصرية في قياس أداء القطاع السياحي لتحقيق الهدف الاستراتيجي للوصول إلى 30 مليون سائح وتحقيق مراكز متقدمة في تقارير التنافسية الدولية، وهو ما يعتمد على اعتماد عدد من مؤشرات قياس الأداء للوقوف على الأهداف التي تم تحقيقها بالفعل وفعاليتها وكفاءتها في ظل الجدول الزمني المحدد، ومن أمثلتها مؤشرات تقارير التنافسية العالمية الذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي والذي يقيس 4 مؤشرات رئيسة،  و14 هدف فرعي، والتي احتلت فيها مصر الترتيب (93) دوليًا من بين 141 دولة في مؤشر التنافسية العالمي عام 2019، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء

ومن هنا، يمكننا التفاؤل بشأن الوصول إلى الهدف المراد تحقيقه، في ظل العمل الفعلي التي تقوم به الحكومة المصرية من خلال اعتماد كافة أساليب الإدارة السياحية، والتي سيكون لها نتائج مربحة في حال تطبيقها على أرض الواقع، وذلك من خلال إشراك المجتمع المحلي في عمليات التنمية السياحية المستدامة. 

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى