مصر

مبادرة “كتف في كتف”: فلسفة التوقيت واستدامة الإنجازات

تنطلق احتفالية مبادرة “كتف في كتف” والتي تعد أكبر حدث وأضخم مبادرة حماية اجتماعية في تاريخ العمل الأهلي التنموي المصري بإستاد القاهرة يوم الجمعة 17 مارس 2023 بحضور ورعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبمشاركة نحو 50 ألف متطوع، وهي مبادرة تستهدف تعبئة وتوزيع أكثر من 4 ملايين صندوق من المواد الغذائية بكافة ربوع الجمهورية خلال الشهر الجاري على الفئات الأولى بالرعاية والأسر الأكثر احتياجًا؛ للتخفيف من آثار الأزمات الاقتصادية المتلاحقة عالميًا، والتي خَلّفت موجات من التضخم وارتفاع الأسعار. وتناقش هذه الورقة فلسفة توقيت إعلان مبادرة “كتف في كتف”، واستدامة إنجازات مبادرات الحماية الاجتماعية ودورها في تخفيف الأعباء عن محدودي الدخل والفئات الأولى بالرعاية.

التكامل والتضامن لدعم الفئات الأولى بالرعاية

مبادرة “كتف في كتف” هي إحدى المبادرات الكبرى للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، الذي انطلق في شهر مارس 2022، بمشاركة وعضوية العديد من مؤسسات العمل الأهلي والتنموي في مصر، ويضم التحالف أكثر من 30 جمعية ومؤسسة أهلية وكيانًا خدميًا وتنمويًا، وفي مقدمتها مؤسسة حياة كريمة والاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية. وتعمل هذه الجمعيات في مختلف مجالات التنمية على تنوعها من: خدمية، وصحية، وتوعوية، وتعليمية، وعمرانية، وغيرها.

وجاء مُسمى “كتف في كتف” من خلال الشعور بالمسؤولية من كافة المؤسسات وتكاتفها بجانب بعضها البعض؛ إذ إن المبادرة هي نتاج توحيد الجهود والتنسيق والتعاون المباشر والشراكة الحقيقية بين المجتمع المدني متمثلًا في التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي والمؤسسات الحكومية وقطاعات المسئولية المجتمعية بالقطاع الخاص، لتقديم أكثر من 4 ملايين صندوق مواد غذائية للأسر الأولى بالرعاية والأكثر استحقاقًا بجميع محافظات الجمهورية. وللتعاون بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني دائمًا دور إيجابي في خدمة المواطنين وتلبية احتياجاتهم؛ من أجل التخفيف من حدة تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على الأوضاع في مصر.

المجتمع المدني.. تعزيز الدور وحوكمة البيانات

اعتمدت فعاليات التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي ومنها مبادرة “كتف في كتف” على تقديم مساعدات حقيقية تتماشى مع قاعدة بيانات واضحة تضمن وصول المساعدات لمستحقيها، مع عدم تكرار المساعدات لنفس المناطق والأشخاص مرة أخرى، وتوزيعها بصورة عادلة؛ فتم إنشاء قاعدة بيانات دقيقة للمستفيدين، وتطوير الخدمات بشكل يتواكب مع تلك القاعدة الجديدة، والتي تم بناؤها اعتمادًا على معلومات توفرت في أكثر من 25 ألف جمعية قاعدية، وأكثر من 30 كيانًا ومؤسسة كبيرة في مصر، إلى جانب التعاون الوثيق مع قواعد بيانات الجهاز التنفيذي للدولة بما يضمن النجاح الكامل للمبادرة.

ونجد أن الدولة المصرية قد أعلنت عام 2022 عام “المجتمع المدني” وتعكف على خلق ظروف مواتية لتعزيز المجتمع المدني، في ظل ظروف عالمية أثرت بشكل سلبي على مساحات المجتمع المدني في معظم أنحاء العالم؛ إذ نجد البرلمان الأوروبي يعلن في مارس 2022 تقلص مساحة المجتمع المدني في أوروبا بشكل متزايد، ويقدم ملاحظات حول الانكماش العام لمجال المجتمع المدني في بعض دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا لسيادة القانون والديمقراطية والحقوق الأساسية.

وقد وجدت وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية في عام 2020 أن 57٪ من منظمات المجتمع المدني الوطنية والمحلية في الاتحاد الأوروبي قالت: “إن الوضع تدهور، أو تدهور بشكل كبير”، مقارنة بالسنوات السابقة، لا سيما في سياق جائحة فيروس كورونا. وعلى جانب معاكس، نجد الدولة المصرية تسعى إلى تعزيز مساحات المجتمع المدني في مصر؛ إذ تأمل الإدارة المصرية في وجود مجتمع مدني قوي يعمل على حماية الحقوق والحريات، وتوفير الخدمات الأساسية للأغلبية، ويكون حاضنًا للمشكلات التي لم تتمكن الدولة من الوصول إليها، لا سيّما وأن المجتمع المدني يمتاز باللا مركزية، مما يساعد الدولة على تحقيق رفع جودة الحياة للمواطنين في كافة أرجاء الجمهورية. 

ويستهدف التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي: زيادة عدد الأسر المستهدف إخراجها من دائرة الفقر إلى الحال المتيسر بشكل نهائي ومستدام، واستكمال الجهود التنموية لتأمين مظلة حماية اجتماعية تسع الأكثر استحقاقًا بدون استثناء في السنوات المقبلة، وزيادة أنشطة وبرامج التحالف خلال الـ 5 سنوات القادمة لتحقيق الثلاثة أهداف الأساسية برأس مال يتجاوز الـ 200 مليار جنيه.

إضافة جديدة للمبادرات

إذا ذكرنا بعض المبادرات التي أطلقتها “مؤسسة حياة كريمة، أحد أبرز كيانات التحالف الوطني” والتي استفاد منها ملايين من المواطنين الأكثر فقرًا واحتياجًا نجد منها: مبادرة “وصل الخير” والتي بلغ عدد المستفيدين منها 1.5 مليون مواطن، ومبادرة “راجعين نتعلم” والتي بلغ عدد المستفيدين منها 40000 طالب وطالبة، ومبادرة “التعليم حياة” التي استفاد منها 24000 طالب، ومبادرة “أنت الحياة” -وهي قافلة شاملة توعوية اجتماعية صحية ثقافية بيئية- والتي استفاد منها 52000 مواطن، ومبادرة “يدوم الفرح” والتي هدفت إلى الإرشاد الأسري للمقبلين على الزواج وتجهيز الفتيات المقبلات على الزواج واستفاد منها 800 فتاة. 

هذا إلى جانب مبادرة “قطار الخير”، ومبادرة “ستر وعافية” والتي استفاد منها 320 ألف مواطن، والمبادرة الأكبر التي نحن في صددها الآن “مبادرة كتف في كتف”. وسيتم إنشاء مطابخ على مستوى المحافظات لتوفير الوجبات الساخنة للمواطنين ضمن مبادرة “خيرك سابق” والتي تستهدف إطعام 5 ملايين مواطن من خلال الوجبات السخنة، وسيوفر التحالف الوطني كذلك الكثير من موائد الرحمن خلال شهر رمضان.

تشجيع العمل التطوعي

بالإضافة إلى أن يوم 17 مارس 2023 سيشهد أكبر حدث للحماية الاجتماعية في مصر، سيكون أيضًا أكبر تجمع من حيث عدد المتطوعين من كافة الأعمار باستاد القاهرة الدولي؛ إذ من المتوقع أن يحضر أكثر من 50 ألف متطوع. وجدير بالذكر أن إجمالي عدد المتطوعين داخل مؤسسات التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي يبلغ نحو 76 ألف متطوع، وإجمالي عدد المتطوعين المسجلين داخل قاعدة بيانات مؤسسات التحالف 251 ألف متطوع مشارك موزعين على 27 محافظة بمتوسط عدد 3 ساعات تطوعية أسبوعيًا، وبإجمالي عدد ساعات 39.200.000 ساعة تطوع سنويًا.

وتُعرِّف منظمة العمل الدولية التطوع بأنه “عمل غير إلزامي وغير مدفوع الأجر: أي الوقت الذي يمنحه الأفراد دون أجر للأنشطة التي يتم أداؤها إما من خلال منظمة أو مباشرة للآخرين خارج منازلهم أو أفراد الأسرة المرتبطين بهم”. لذا أدركت الدولة المصرية أهمية الدور الذي يقوم به المتطوعون فشجعته وثمنت دورة؛ حيث يشكل العمل التطوعي العمود الفقري للمجتمعات، ويسهم بشكل كبير في الترابط المجتمعي، ويساعد في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا، وتعزيز الثقة بين المواطنين وتطوير معايير التضامن والمعاملة بالمثل التي تعتبر ضرورية لاستقرار المجتمعات. فضلًا عن ذلك، يمثل التطوع موردًا هائلًا لمواجهة العديد من تحديات التنمية. 

شمولية برامج الحماية الاجتماعية

دائمًا ما كان بُعد الحماية الاجتماعية حاضرًا بقوة على أجندة الدولة المصرية؛ فمنذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية، وجهت القيادة السياسية الحكومة باتخاذ إجراءات فورية لتخفيف آثار التداعيات الاقتصادية العالمية، وتوفير وتأمين السلع الغذائية للمواطن المصري؛ فتم اتخاذ موجات عديدة من الإجراءات لمواجهة تداعيات الأزمة، وزيادة العلاوة الدورية للموظفين بالجهاز الإداري للدولة، بالإضافة لزيادة المعاشات.

وكانت آخر موجة للحماية الاجتماعية في مطلع الشهر الجاري “2 مارس” عندما اتخذت القيادة السياسية قرارات عاجلة التنفيذ تنفذ بدايةً من شهر أبريل المقبل منها: تحسين دخول العاملين بالجهاز الإداري للدولة وأصحاب الكادرات الخاصة ، بحيث يزداد دخل الموظف في الجهاز الإداري بنحو 1000 جنية كحد أدنى؛ وزيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين بالدولة؛ بالنسبة للدرجة السادسة وما يعادلها قدرت بقيمة 3500 جنيه شهريًا، وبالنسبة للعاملين بالدرجة الثالثة النوعية وما يعادلها فقدرت بـ 5000 جنيه شهريًا، وبالنسبة لحاملي درجتي الماجستير والدكتوراه من العاملين بالقطاع الحكومي لتكون بقيمة 6000، و 7000 جنيه شهريًا على التوالي، وأيضًا زيادة المعاشات بنسبة 15%؛ هذا إلى جانب رفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل السنوي من 24 ألف جنيه ليكون بقيمة 30 ألف جنيه سنويًا؛ ذلك فضلًا عن زيادة الفئات المالية الممنوحة للمستفيدين من برنامج تكافل وكرامة بنسبة 25% شهريًا. 

علمًا بأن تفعيل حزمة الحماية الاجتماعية هذه يتكلف نحو 150 مليار جنيه سنويًا، بالإضافة إلى تحمل الدولة أعباء إضافية بقيمة 54 مليار جنيه لدعم الخبز والذي ارتفعت أسعاره نتيجة التداعيات والظروف العالمية الراهنة. وكل هذه الإجراءات تؤكد انحياز القيادة السياسية لشواغل الشارع المصري؛ وسعيها إلى تخفيف آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي انعكست بطبيعة الحال على الأسعار ومعدلات التضخم في مصر، فنجد أنه إلى جانب إجراءاتها لحزمة الحماية الاجتماعية، أعلنت أن أغلب مخصصات الموازنة الجديدة 2033/ 2024 ستوجه إلى الحماية الاجتماعية. 

ختامًا، يتضح أن المبادرات التي يجريها المجتمع المدني تعد ركنًا مهمًا في عملية التنمية بالدولة، وداعمًا أساسيًا لمثلث التنمية والحماية الاجتماعية مع القطاع الخاص وإجراءات الحماية الاجتماعية التي تجريها الحكومة؛ لتوفير غطاء آمن للفئات الأكثر تضررًا؛ إذ تمتلك مؤسسات المجتمع المدني كوادر من المتطوعين تستطيع تقديم الخدمات المجتمعية للفئات المستهدفة بسرعة وفاعلية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى