دول الخليج العربيمصر

استعراض التجربة المصرية والرؤية المستقبلية في “القمة العالمية للحكومات”

على رأس وفد حكومي رفيع المستوى، توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في القمة العالمية للحكومات 2023 في إمارة دبي تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات، ورئيس مجلس الوزراء، وحاكم دبي، والتي تستمر من 13 إلى 15 فبراير. وتأتي مشاركة الرئيس في إطار كون مصر ضيف شرف نسخة هذا العام من القمة، حيث سيحرص خلال مختلف الفعاليات والجلسات الحوارية على عرض أهم الاستراتيجيات والأولويات الحكومية المصرية على المستويين الاقتصادي والتنموي، وذلك في ظل الأزمات العالمية المتلاحقة التي تشهدها مصر والعالم.

القمة العالمية للحكومات.. من أجل استشراف مستقبل أفضل للبشرية

“القمة العالمية للحكومات” هي منصة عالمية تهدف إلى استشراف المستقبل وتبادل المعلومات بين الحكومات حول العالم، وتنعقد سنويًا منذ عام 2013 بدولة الإمارات العربية المتحدة، إذ تحدد لدى انعقادها سنويًا برنامج عمل حكومات المستقبل مع التركيز على “تسخير التكنولوجيا والابتكار” لمواجهة التحديات التي تواجه البشرية. وأصبحت القمة على مدى عشرة أعوام منصة للأفكار الخلّاقة.

وتسعى القمة إلى استشراف مستقبل صنّاع السياسات ومجتمع الأعمال والمجتمع المدني، من خلال استعراض أحدث الابتكارات في الخدمات الحكومية. وهذا العام، تأتي هذه النسخة تحت شعار “استشراف حكومات المستقبل”، بمشاركة 150 دولة و20 رئيسًا في مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي. وتتميز هذه القمة باستقطاب نخبة من قادة الحكومات والوزراء وصنّاع القرار والمختصين في المجالات الاقتصادية والاجتماعية من مختلف دول العالم؛ لمناقشة العديد من الموضوعات والقضايا، وتبادل الرؤي والأفكار بشأنها، بما يسهم في تحقيق التنمية والمستقبل الأفضل لمختلف شعوب العالم. 

وباستعراض محاور القمة العالمية للحكومات، نجد أنها تشمل 6 محاور رئيسة تهدف إلى تشكيل المستقبل الأفضل للبشرية وهي: 

● تسريع التنمية والحوكمة: يركز على تمكين الحكومات من وضع النماذج الحكومية والسياسات والتكنولوجيا المبتكرة من خلال الارتقاء بالخدمات الحكومية والابتكار.

● مستقبل المجتمعات والرعاية الصحية: يتناول أثر العولمة على المجتمعات الافتراضية، وأهمية معالجة القضايا المتعلقة بأخلاقيات العمل والسلوك، ومعالجة حالة أنظمة الصحة العالمية بما يتضمن الصحة العقلية وتحليل التطورات المستقبلية.

● استكشاف آفاق جديدة: يبحث عن أهمية استكشاف آفاق جديدة للعلم من خلال العلوم والتكنولوجيا لحل أبرز التحديات واغتنام فرص العقد المقبل.

● حوكمة المرونة الاقتصادية والتواصل: يناقش عمليات دعم وتطبيق الأطر والهياكل الاقتصادية والسياسات التي تسهم في تعزيز الانتعاش الاقتصادي وتمكين الحكومات من تحقيق المرونة الاقتصادية والازدهار والشفافية عن طريق الحد من آثار الأزمات التي هي من صنع الإنسان.

● تصميم واستدامة المدن العالمية: يسلط الضوء على أهمية تسريع عملية الاستدامة وتوفير الموارد لعالمنا نحو التوسع الحضري السريع، ويمكن للحكومات أن تنشئ مدنًا مستدامة من خلال: علم النفس الحضري، والبنية التحتية الذكية، وأنظمة النقل المستدامة، وإنتاج واستهلاك الطاقة المستدامة، إلى جانب مشاركة المواطنين والحكومات.

● التعليم والوظائف كأولويات الحكومة: يركز على إعطاء الأولوية للتعلم والعمل كأمر أساسي في تحقيق التغييرات للأجيال المقبلة وتطويرها، وأهمية تكيف الحكومات مع الظروف والتغيرات السريعة في القوى العاملة والقطاعات التعليمية؛ لدعم الفكر الجديد ونماذج العمل والتنمية الوطنية وتطوير المهارات.

وفيما يتعلق بالتوقيت، فالقمة تعقد في عام الاستدامة في دولة الإمارات، وبالتزامن مع استضافتها نهاية العام الجاري مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28، والذي يعد أهم وأكبر مؤتمر دولي للعمل المناخي بمشاركة قادة وزعماء العالم، حيث يستهدف مواجهة التحدي الأكثر تهديدًا لمستقبل كوكب الأرض، وهو تغير المناخ.

ويكتسب الاجتماع أهمية خاصة في ظل انعقاده كأولى الفعاليات الإقليمية مع إعلان الأمانة العامة لجامعة الدول العربية العام الجاري 2023 “عام الشباب العربي”؛ لتشجيع الشباب على المشاركة المجتمعية الهادفة، وتبادل الأفكار والخبرات مع الحكومات العربية، فضلًا عن معرفة واقع الشباب العربي وأهم التوجهات المستقبلية حول سلوكياته وتطلعاته ورؤيته.

القمة العالمية للحكومات 2023

وعن نسخة هذا العام، فمن المتوقع أن تجتمع أكثر من 80 منظمة عالمية وإقليمية، لتصبح التجمع العالمي الأبرز والحدث الأهم للمنظمات العالمية، بالإضافة إلى أكثر من 250 وزيرًا و10 آلاف من المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال وقادة الفكر والخبراء وصناع المستقبل، حيث سيشهدون 220 جلسة يتحدث فيها أكثر من 300 متحدث من الشخصيات العالمية من الرؤساء والوزراء والخبراء والمفكرين، وسيتم إصدار 20 تقريرًا معرفيًا بالتعاون مع أهم المؤسسات البحثية العالمية.

ويتخلل القمة انعقاد 22 منتدى عالمي، تركز على وضع سياسات واستراتيجيات وخطط مستقبلية تعزز جاهزية الحكومات ومرونتها للمرحلة التالية من التطور، وستناقش عدة موضوعات خاصة بـ: مستقبل عمل الحكومات وفرص العمل، وملفات الحوكمة، وتعزيز ثقافة التعاون والتمكين، والأعمال المستقلة، ومستقبل التوظيف، وخدمة المجتمع من خلال السياسات، ومن أبرز هذه المنتديات:

● منتدى أهداف التنمية المستدامة: يناقش التحديات العالمية من خلال حلول ومشاريع ومبادرات مبتكرة لتسريع تطبيق مبادرة “عقد العمل” لإيجاد حلول مستدامة لجميع التحديات الكبرى في العالم.

● منتدى الخدمات الحكومية: يعد فرصة حصرية للتواصل والتحدث بشكل استراتيجي على منصة مصممة لدفع الخبرات والتحديات المشتركة إلى حوارات وخطط عمل هادفة.

● الاجتماع العربي للقيادات الشابة: وذلك بحضور وزراء الشباب وقادة مؤسسات العمل الشبابي؛ ونخبة من القيادات الشابة في المنطقة والعالم.

● منتدى مستقبل الإعلام الحكومي: ويناقش آفاق هذا القطاع الحيوي وتحدياته في واقع إعلامي يتطور بسرعة وعالم يمر بمتغيرات سياسية واقتصادية هائلة.

● حوار النوابغ: سلسلة من الحوارات في مجالات الطب والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا والاقتصاد والآداب والتصميم، سيناقش الخبراء خلاله التحديات العالمية وطرق مواجهتها من خلال خبراتهم.

● منتدى المرأة في الحكومة: يشكل منصة عالمية للحوار عن القيادات النسائية الحكومية، ويدعو القادة من النساء إلى مناقشة فرص تمكين المرأة وتعزيز مكانتها في الحكومة. ويوفر المنتدى منصة عالمية للحكومات لدعم وتوحيد الجهود في تمكين واستكشاف إمكانات المرأة في صنع القرار.

● المنتدى العالمي لتصميم المستقبل: يبحث الأنظمة والتحولات المستقبلية لمعالجة تحديات التكنولوجيا وتوجهات المستقبل، وسيناقش أهمية تحويل اللوائح والأنظمة التشريعية إلى نماذج رائدة لإعادة تعريف وتصميم التشريعات المستقبلية، وتطوير القدرات من خلال الأدوات والاستراتيجيات الناتجة من خطط مناقشات المستقبل.

● منتدى الصحة العالمي: يوفر بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية منصة تفاعلية حوارية تسلط الضوء على نماذج للرعاية الصحية ومستقبل الصحة وتشمل هذه النماذج إدارة الأنظمة الصحية وصحة المجتمع واستخدام التكنولوجيا في تحسين جودة الحياة وتوفير الرفاهية.

● منتدى مستقبل التراث الإفريقي: ويناقش بمشاركة نخبة من المسؤولين وصناع القرار ومؤسسات دولية وجهات حكومية مختلفة أهمية الحفاظ على مواقع التراث العالمي في قارة إفريقيا، وإداراتها تبعًا لأفضل الممارسات العالمية لإغناء التراث الإنساني العالمي في القارة، إضافةً إلى مناقشة أفضل الطرق لتسجيل مواقع أثرية أخرى ضمن عناصر اليونسكو تحت هذا الملف المهم.

● منتدى مستقبل التعليم: وذلك للتركيز على الأولويات العالمية للتعليم بهدف تعزيز الروابط بين القطاعين العام والخاص من خلال إقامة شراكات مع الحكومات والمنظمات الدولية، وكيف يمكن ربط التعليم بالتوظيف وسوق العمل.

● منتدى مستقبل العمل: يبحث دور الحكومات في تصميم توجهات مستقبل العمل والوظائف، وآليات الاستعداد لمتغيرات وتحديات مشهد التوظيف في الاقتصاد العالمي المتغير في ضوء تطورات التكنولوجيا وتأثيرها على سوق العمل.

مشاركة مصر في القمة العالمية للحكومات

مما لا شك فيه أن مشاركة مصر في القمة العالمية للحكومات في نسخة هذا العام تعد الأكبر على مدار دورات السنوات الماضية، بما يؤكد عمق العلاقات الأخوية المتميزة والراسخة بين مصر والإمارات الممتدة لأكثر من 50 عامًا، ويساعد على دعم استقرار المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط.

وشهدت المشاركات المصرية في الدورات الماضية من القمة توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم عدة مع دولة الإمارات في مجالات التحديث الحكومي، والجوانب الاقتصادية والتعليمية والرياضية، أبرزها “الشراكة الاستراتيجية لتطوير الأداء الحكومي في مصر” بما يسهم في تحقيق استراتيجية مصر 2030، حيث تشمل هذه الشراكة الأداء والتميز الحكومي والقدرات الحكومية والخدمات الذكية والمسرّعات الحكومية. وفي إطار الشراكة الاستراتيجية لتطوير الأداء الحكومي، أطلقت الحكومة المصرية والإماراتية البرنامج القيادي لتطوير وتسريع الخدمات الحكومية في مصر الذي تم تطويره بناء على تجربة حكومة دولة الإمارات خلال السنوات الماضية.

وعن مشاركة مصر في نسخة هذا العام، عملت الحكومة المصرية على ترتيبات خاصة لهذه المشاركة، وذلك من أجل استعراض التجربة المصرية في التنمية خلال ما مضى من السنوات، وخاصة فيما يتعلق بالتنمية العمرانية والزراعية والصناعية، وتسليط الضوء على تجربة مصر في مواجهة التحديات الناتجة عن تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالطبع استعراض انجازات المبادرة الأكبر في مصر “حياة كريمة”.

ولن يقتصر الأمر على هذا وفقط، فهناك تأكيدات أن القمة ستشهد أنشطة مكثفة من الجانب المصري، من بينها مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في عدد من اللقاءات مع رجال الأعمال، والقطاع الخاص، والشركات العالمية الكبرى، واستعراض وضع الاقتصاد المصري والفرص الاستثمارية الضخمة، وذلك بمشاركة عدد كبير من الوزراء والمسؤولين المصريين.

وعن الجلسات التي تتضمن الحضور المصري رفيع المستوى بالقمة العالمية للحكومات نستعرض أهمها:

● “استثمر في مصر: تمكين القطاع الخاص ودور صندوق مصر السيادي”، و”حكومات المستقبل.. الطموح والرؤية”، وذلك بحضور د. هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية.

● “نموذج رائد من التعاون في تبادل الخبرات الحكومية”، يشارك بها المهندس خالد مصطفى، الوكيل الدائم لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.

● “مصر.. العالم الذي نريده“، بمشاركة د. شريفة شريف، المدير التنفيذي للمعهد القومي للحوكمة والتنمية المستدامة، والذراع التدريبية لوزارة التخطيط.

● “القيادة المرنة في عالم متغير تسوده التقلبات”، و”المرأة في الحكومة: صناعة المستقبل”، بحضور د. رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي. 

● “تمويل احتياجات السياسة المالية.. تعزيز تعبئة الإيرادات المحلية”، بمشاركة د. محمد معيط، وزير المالية.

● “مستقبل التعليم الرقمي – الفرص والتحديات”، بمشاركة د. رضا حجازي، وزير التعليم.

● “تمكين الشباب.. تنفيذ أجندة 2030 التنمية المستدامة”، بمشاركة د. أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، ورئيس المكتب التنفيذي، ومجلس وزراء الشباب والرياضة العرب.

● “مصر.. الرؤية المستقبلية وتحسين حياة الجميع”، بمشاركة عهود وافي، نائب رئيس مجلس الإدارة لمؤسسة “حياة كريمة”.

● “جلسة الاستثمار في مصر: تمكين القطاع الخاص”، اجتماع طاولة مستديرة لعدد محدد من المدعوين. 

● “المنتدى العالمي لتكنولوجيا وسياسات المناخ”، وسيتضمن جلسة حوارية مع د. ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة.

● “حوار حول مستقبل الخدمات الحكومية”، بمشاركة د. عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

وأخيرًا، التغيرات التي يشهدها العالم في ظل تسارع التطور التكنولوجي تتطلب تطوير المعرفة الحكومية على أسس مستدامة حتى يتم تعزيز مرونة الحكومات، وقد تستطيع القمة العالمية للحكومات بدبي تقديم خطوات ثمينة يمكن من خلالها تعزيز جاهزية الحكومات للمستقبل؛ وذلك عبر الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة والملهمة التي تساهم في فهم المستقبل على نحو أعمق، واضعة في اعتبارها أهم مكون لنجاح هذه التجربة، وهو الاستثمار في “الإنسان”. 

Website |  + posts

باحثة بالمرصد المصري

مي صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى