
سياقات استهداف حركة الشباب الإرهابية فندقًا في العاصمة الصومالية مقديشو
شن متطرفون تابعون لحركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة هجومًا على فندق “الحياة” في العاصمة الصومالية مقديشو يوم الجمعة 19 أغسطس، استمر حتى مساء السبت، ما تسبب في مقتل ما لا يقل عن 15 شخصًا، وإصابة 40 آخرين، ومن بين المصابين كان رئيس جهاز المخابرات بالعاصمة مقديشو العقيد “محيي الدين وربع”.
وكان اقتحام الفندق في مقديشو هو الهجوم الأكبر الذي تشهده العاصمة الصومالية منذ انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود في مايو 2022 بعد موسم انتخابات مطول ومتوتر كان قد تأجل لما يقرب من عامين، وتعهد الرئيس الجديد بمواجهة حركة الشباب، وتقويضها عسكريًا وماليًا وأيديولوجيًا.
سياق الهجوم الإرهابي
اقتحم مسلحون تابعون لحركة الشباب فندق “الحياة” مساء الجمعة، وسمع دوي إطلاق نار متقطع داخل المبنى الذي يتردد عليه السياسيون المحليون والمسؤولون الحكوميون وشيوخ العشائر وأعضاء البرلمان، ويقع في منطقة تجارية مزدحمة على بعد حوالي ميل من المطار الدولي.
وقال المسؤول محمد عبد القادر لوكالة الصحافة الفرنسية، إن “القوات الأمنية واصلت تحييد الإرهابيين الذين تم تطويقهم داخل غرفة في مبنى الفندق”، مضيفًا أن “قوات الأمن أنقذت عشرات المدنيين بينهم أطفال كانوا محاصرين في المبنى، لكن تأكد مقتل 13 مدنيًا على الأقل” حتى صباح اليوم السبت. بينما ذكرت تقارير إعلامية أن عدد الضحايا وصل إلى 15 شخصًا، من بينهم مالك الفندق ومدنيون وعسكريون، وأصيب أكثر من 20 آخرين.
وقالت الشرطة إن مهاجمين فجروا عبوتين ناسفتين خارج الفندق قبل دخولهم المبنى وفتحوا النار، وبحسب ما ورد تحصنوا في الطابق العلوي من الفندق، بعد ساعات من بدء الهجوم، وأفاد ضابط شرطة لخدمة رويترز الإخبارية إن سيارة مفخخة انفجرت بالقرب من الفندق وأخرى اصطدمت ببوابة الفندق.
بالإضافة إلى ذلك، صرح المتحدث باسم الشرطة الصومالية “عبد الفتاح عدن حسن” للصحفيين، إن الانفجار الأول نجم عن انتحاري فجر نفسه خلال الهجوم على الفندق مع عدة مسلحين آخرين، بينما أوضح شهود العيان أن انفجارًا ثانيًا وقع خارج الفندق بعد بضع دقائق من الانفجار الأول، ما أدى إلى سقوط ضحايا في صفوف عمال الإغاثة وعناصر القوات الأمنية والمدنيين الذين هرعوا إلى المكان على أثر الانفجار الأول.
وأظهرت مقاطع فيديو وصور أخرى على وسائل التواصل الاجتماعي تصاعد أعمدة من الدخان أعقبها إطلاق نار قادم من مكان قريب من الفندق. في غضون ذلك، تجمع عشرات الأشخاص أمام المبنى لمحاولة الحصول على معلومات عن أقاربهم، بينما سمع أصوات رصاص ودوي انفجارات متقطعة في المنطقة منذ مساء يوم الجمعة، مع استمرار الأوضاع حتى نهاية نهار السبت.
حركة الشباب الصومالية تتبنى الهجوم
وفقا لوسائل إعلام محلية، تبنت حركة الشباب الصومالية الهجوم الذي تم على فندق “الحياة”، وأعلنت الحركة في بيان مقتضب نشرته على موقع موالٍ لها، أن مجموعة من المهاجمين الشباب “اقتحموا فندق حياة في مقديشو وهم يطلقون النار بداخله”، وأنهم يستهدفون المسؤولين الحكوميين الموجودين في الفندق. قبل أن يعلن الجيش الصومالي لاحقًا “استعادة السيطرة على الفندق”، وأن “القوات العسكرية “تجري عملية التطهير” في المكان.
ويأتي هذا الهجوم في سياق سلسلة من الهجمات المتصاعدة التي تشنها حركة الشباب داخل الصومال وخارجه، حيث تضاعفت هجمات الجماعة تقريبًا من عام 2015 إلى عام 2021، وفقًا لبيانات مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية في واشنطن، مع توقع بزيادة الهجمات بنسبة 71 بالمائة بشكل عام في عام واحد فقط، وتتزامن هذه الزيادة مع اجتياح لأعمال العنف في جميع أنحاء إفريقيا من قبل الجماعات المتشددة المرتبطة بالقاعدة وداعش، وكلاهما يسعيان إلى ترسيخ نفوذهما في القارة.
وعلى الرغم من إجبارها على الانسحاب من مقديشو في عام 2011، بعد هجوم قاده حوالي 22000 جندي من الاتحاد الأفريقي، وغادرت حركة الشباب ميناء كيسمايو الحيوي في سبتمبر 2012، إلا أن التنظيم عاد واستولى على المزيد من الأراضي في السنوات الأخيرة، مستغلاً الخلافات بين أفراد الأمن الصوماليين، فضلاً عن الخلافات بين الحكومة في مقديشو والولايات الإقليمية، وتراجع الدعم الأمريكي العام الماضي، وعدم فعالية قوة الاتحاد الأفريقي، وعدم وجود استراتيجية متماسكة لمكافحة الإرهاب بين الحكومة الصومالية وشركائها.
وبمرور الوقت ازدادت القوة العسكرية والاقتصادية للحركة، وسيطر المتشددون على ما يقرب من 70 في المائة من جنوب ووسط الصومال، وفي حين أن الحكومة الهشة تحكم مقديشو وعواصم المحافظات، فإن حركة الشباب ومقاتليها الذين يتراوح عددهم بين 5000 و 7000 يشرفون على جزء كبير من الريف، ما يشكل أكبر تهديد للاستقرار السياسي في الدولة المضطربة الواقعة في القرن الأفريقي.
استمرار استهداف الحكومة الصومالية
كثيرًا ما تنفذ حركة الشباب هجمات إرهابية في العاصمة الصومالية مقديشو وأماكن أخرى في الصومال للإطاحة بالحكومة المركزية وإقامة دولة إسلامية، ومؤخرًا نشطت هجمات حركة الشباب التي تشنها ضد الحكومة الصومالية، بعد أن عين رئيس الوزراء الصومالي “حمزة عبدي بري”، مطلع الشهر الحالي، القيادي السابق في الحركة “مختار روبو” وزيراً للشؤون الدينية في الحكومة الصومالية، وكان روبو البالغ 53 سنة والملقب بأبي منصور، قد انشق علناً في أغسطس 2017 عن الحركة التي أسهم في تأسيسها، وهو ما ترجمه البعض على أنه مكايدة من الحكومة الجديدة لحركة الشباب، ومحاولة لاستغلال الانقسامات بداخلها لإضعافها.
وكذلك فإن فندق “الحياة” الذي تم استهدافه، هو موقع شهير يلتقي فيه موظفو الحكومة الفيدرالية والبرلمانيون والسياسيون المحليون وشيوخ العشائر، وغالبا ما تستهدف الحركة المتطرفة، المقاهي والفنادق مثل “الحياة” في مقديشو التي يرعاها أو يرتادها مسؤولون سياسيون وأمنيون، بهدف تصفيتم، حيث شهدت الصومال حوادث مماثلة في السنوات الماضية، على سبيل المثال؛ في أغسطس 2020، قالت حركة الشباب إنها كانت وراء هجوم على فندق آخر في مقديشو قُتل فيه ما لا يقل عن 16 شخصًا، بعد أن اقتحم المهاجمون فندق “إليت”، وهو منشأة تحظى بشعبية بين شباب مقديشو.
ومن الملفت أن طريقة الهجوم تكاد تكون واحدة في كل مرة، حيث يبدأ الهجوم بانفجار سيارة مفخخة تقوم بتدمير بوابات الأمن المؤدية إلى الفندق، ثم يركض المسلحون إلى الداخل ويطلقون النيران على المدنيين لحين الاشتباك مع قوات الأمن، وبالتالي فإن الهجوم المنفذ على فندق “الحياة” يعد استمرارًا للنهج المتبع من الجماعة المتطرفة على مدار السنوات السابقة.
ردا على هجوم أفريكوم
من جهة أخرى، يأتي هذا الهجوم الإرهابي لحركة الشباب في وقت تتوسع فيه الحركة في هجماتها داخل الصومال وخارجه، حيث هاجم مقاتلون تابعون للجماعة أيضًا أهدافًا على طول الحدود الصومالية الإثيوبية، خلال الأسابيع الأخيرة، فضلًا عن الهجوم على بعثة الاتحاد الأفريقي، الأمر الذي أثار مخاوف بشأن استراتيجية توسعية جديدة محتملة لحركة الشباب.
وقبل أقل من أسبوع، أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) أنها قتلت 13 من مقاتلي حركة الشباب في غارة جوية في الجزء الجنوبي الأوسط من البلاد بينما كانت حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة تشن هجوماً على جنود صوماليين، ومن ثم من المحتمل أن يكون هذا الهجوم الأخير من حركة الشباب على فندق “الحياة”، ردًا على هجمات أفريكوم.
ختامًا، تتواصل الهجمات المسلحة في جميع أنحاء الصومال، وتستهدف قواعد عسكرية وفنادق وأماكن عامة أخرى، رغم تكثيف قوات الأمن عملياتها ضد المسلحين في البلاد، وقد تسبب الهجوم الأخير، في اضطراب شامل في العاصمة الصومالية مقديشو مع قلق الكثيرين من تفشي انعدام الأمن في الأشهر الأخيرة، بسبب الزيادة التي تشهدها البلاد من الهجمات الارهابية، سواء في العاصمة مقديشو أو في جنوب البلاد، وهو ما أجبر الرئيس حسن شيخ محمود، في وقت سابق، على التعهد بتركيز كل جهوده على الأمن في الأيام المائة الأولى من ولايته، ولكن على ما يبدو من الأحداث الأخيرة أن حركة الشباب تعيد فرض وجودها في الصومال، خاصة بعد إعادة انتشار القوات الأمريكية، تأكيدًا على أن الحل العسكري لن يكون الأنسب في التعامل مع الحركة.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية