
تمرد شبوة: هل يهدر إخوان اليمن الجهود الدولية لتثبيت وقف إطلاق النار؟
شهدت محافظة شبوة تحولات ميدانية وعسكرية لافتة منذ السادس من أغسطس الجاري، وذلك على خلفية قيام المحافظ “عوض بن الوزير العولقي” بالإطاحة بقائد قوات الأمن الخاصة في شبوة “عبد ربه لعكب” بالإضافة إلى قائد معسكر قوات الأمن الخاصة “أحمد درعان”. وقد تسببت تلك الحركة في اندلاع مواجهات مسلحة قادها حزب التجمع اليمني للإصلاح الذراع السياسية للإخوان المسلمين في اليمن.
وقد كان موقف الإخوان في اليمن متماشيًا بصورة واضحة مع مصالح الجماعة؛ نظرًا إلى أن القيادات التي تمت إزاحتها من الموالين والمحسوبين على جماعة الإخوان، ما يمثل تهديدًا وخسارة كبيرة رأت الجماعة ضرورة التعاطي معها بصورة حادة.
تمرد إخواني
كرد فعل سريع على قرارات محافظ شبوة، سعت جماعة الإخوان إلى اتباع سياسة التصعيد وتحشيد قواتها ووحداتها العسكرية والأمنية للتمرد على تلك القرارات، وقد روجت الجماعة لتحركاتها بأن مثل هذا القرار لا يدخل ضمن اختصاصات المحافظ، وبالتالي عملت على حشد قواتها كنوع من الضغط للعدول عن القرار، إلا أن مجلس القيادة الرئاسي قد قطع الطريق على محاولات الإخوان للترويج لعدم مشروعية إقالة القيادات الأمنية بإصدار عدد من القرارات المكلمة والداعمة لقرار محافظ شبوة، وذلك في أعقاب اجتماع طارئ ترأسه رئيس مجلس القيادة “رشاد العليمي” أفضى إلى توسيع قاعدة المستهدفين بالإقالة، والتي شملت كلًا من قائد محور عتق وقائد اللواء 30 “عزيز العتيقي” ومدير شرطة شبوة “عوض الدحبول” وقائد قوات الأمن الخاصة عبد ربه لعكب وقائد اللواء الثاني دفاع شبوة وجدي الخليفي.
وقد جاء تصعيد إخوان اليمن ورفضهم لتلك القرارات مدفوعًا بعدد من الأسباب والاعتبارات التي حفزت عناصره والوحدات العسكرية الموالية للاشتباك المسلح، ما يمكن الوقف عليه فيما يلي:
أولًا) الإبقاء على النفوذ الداخلي، يبدو أن شبح خسارة النفوذ والتأثير داخل اليمن كان حاضرًا في المشهد الصراعي الذي قادته الجماعة في محافظ شبوة خلال الأيام الماضية؛ إذ بدأ الإخوان في اليمن يدركون أن مساحات الحركة والتأثير باتت تتراجع، خاصة في ظل الخسائر التي مُنيت بها الجماعة مؤخرًا وعدم قدراتها على حيازة صناعة القرار، وذلك في أعقاب إقالة محافظ شبوة “محمد صالح بن عديو” نهاية العام الماضي. وقد أصابت إقالته الإخوان في اليمن بهزة؛ نظرًا إلى العلاقة الترابطية بين الطرفين، ما قد أسهم في تقليل نفوذ الجماعة في معاقلها الرئيسة؛ إذ إن خسارة شبوة قد تنسحب إلى مأرب وحضرموت والتي تعد مجالًا حيويًا للإخوان في اليمن، وعليه فقد جاء التصعيد الأخير بهدف الإبقاء على ما تبقى للجماعة من نفوذ في اليمن، والتي سعت إلى الحفاظ عليه وتعزيزه طيلة السنوات الماضية.
ثانيًا) الهروب من المصير الإقليمي، يخشى إخوان اليمن الوقوع في ذات المسار الذي يلاحق التنظيم الدولي بشكل عام في مناطق نفوذه، خاصة بعد تهاوي الجماعة إقليميًا في عدد من الساحات؛ ففي أعقاب 2011 وما تبعها، استغل الإخوان في اليمن منحنى الصعود لجماعة لإخوان ونجحت في التغلغل في الدولة ومحاولة بسط هيمنتها عبر شبكة من التحالفات المتناقضة في بعض الأحيان. وعليه يرمي إخوان اليمن إلى الهروب من المصير الإقليمي للإخوان في المنطقة، خاصة بعدما تعرضت الجماعة على مستوى الإقليم لحالة من الانكشاف على المستوى السياسي والتنظيمي والأيديولوجي.
ثالثًا) التأكيد على براجماتية الجماعة، كشفت الحالة الصراعية والتصعيد الإخواني في شبوة عن فلسفة الإخوان بشكل عام والتي تدور في فلك تغليب المصلحة الفردية والضيقة للجماعة على حساب المصلحة العليا للدولة الوطنية؛ فعلى الرغم من أن حزب الإصلاح يعد شريكًا رئيسًا في المرحلة الانتقالية الجديدة التي يمر بها اليمن والتي بدأت منذ أبريل الماضي، والتي تركزت بشكل أساسي حول تشكيل جبهة موحدة ضد ميليشيا الحوثي.
إلا أن القتال في شبوة يكشف حدود ما تتمتع به الجماعة من براجماتية وانتهازية؛ فبمجرد تعارض مصالحها كفصيل مع مصلحة أو موقف المجلس القيادة الرئاسي وقرارتها، بدأت التلويح بشق الصف، وهو ما عبر عنه بيان حزب الإصلاح (12 أغسطس) والذي أكد فيه أنه سيعيد النظر في مشاركته في السلطة ما لم يصدر المجلس قرارًا بإقالة محافظ شبوة وإعادة القيادات الإخوانية التي تمت إقالتها، ما يعني أن الجماعة تعمل على مساومة المجلس والتهديد بإحداث انقسام داخل الكتلة الشرعية ما لم يتحقق مطالبهم.
مسارات محتملة
يمكن أن تؤثر أحداث شبوة على مجمل التفاعلات في الأزمة اليمينة بشكل عام، خاصة وأن تلك الأحداث يمكنها أن تعيد اليمن إلى مرحلة جديدة من التصعيد الذي قد يهدر فرص التسوية والحفاظ على الهدنة القائمة، وفي هذا الإطار يمكننا تحديد مسار الأوضاع في اليمن في ضوء ما يلي:
أولًا) إخماد التمرد الإخواني، ينطلق هذا المسار من فرضية مفادها أن حزب الإصلاح اليمني وعناصره المسلحة قد يرضخ للتغيرات التي أقرها المجلس الرئاسي، ومن ثم قد يعود الهدوء مرة أخرى لشبوة بعيدًا عن الاشتباك العسكري والتصعيد الميداني. ويدعم هذا الافتراض عدد من الاعتبارات المهمة من بينها: نجاح قوات العمالقة ووحدات دفاع شبوة في بسط سيطرتها على مدينة عتق وإخراج العناصر المسلحة منها.
من ناحية أخرى، يعول أنصار هذا المسار على قرارات اللجنة العسكرية والأمنية التي تشكلت في أعقاب تلك الأحداث، وما اتخذته من خطوات مرتبطة بشأن وقف إطلاق النار ومراقبة الأوضاع، لكون ذلك من شأنه أن يحد من أية محاولات يمكنها أن تعيد المشهد لمربع العنف مرة أخرى، خاصة وأنها أقرت بسيطرة القوات الشرعية على المحاور الاستراتيجية في البلاد سواء من خلال تأمين الخط الدولي في عتق، وضمان حماية المنشآت النفطية في شبوة، وهو ما يعني تجريد الإخوان من كل المقومات سواء العسكرية أو اللوجستية.
وعليه قد يجد الإخوان أنفسهم بحاجة إلى التعاطي العقلاني مع الأمر الواقع بما يحفظ لها على الأقل البقاء تحت مظلة مجلس القيادة الرئاسي، ما يضمن لهم حضورًا في أية ترتيبات مستقبلية في المشهد السياسي اليمني، خاصة إذا ما نجحت الجهود الدولية الرامية إلى تثبيت الهدنة والدخول في مرحلة جديدة ترمي إلى حلحلة الأزمة اليمنية.
ثانيًا) عودة التصعيد والاشتباك المسلح، ينطلق هذا المسار من فرضية اتباع حزب الإصلاح سياسة الأرض المحروقة؛ من خلال الإصرار على رفض الترتيبات الأمنية والعسكرية، وعدم التسليم بسهولة للخسائر التي لحقت به في شبوة بوصفها تحتل مكانة مركزية ومحورية لدى إخوان اليمن، ومن ثم يمكن أن تحشد الجماعة عناصرها للتحضير لجولة جديدة من القتال.
وقد يرتكز الحشد العسكري للإخوان على عدد من المحاور، خاصة في “وادي حضرموت” ومحافظة “مأرب” التي تشهد حضورًا إخوانيًا ملحوظًا، ويمكن أن توظف الجماعة عمليات التجنيد التي استثمرت فيها خلال الأشهر الماضية في تعز في ذات المهمة. يضاف إلى ذلك إمكانية قيام الإخوان بنسج صيغة للتحالف أو التفاهم مع الحوثيين؛ بهدف إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر والثأر من الجيش اليمني، وهو ما ظهر من خلال تلميحات من قبل قيادات الحوثي والتي أكدت على إمكانية استيعاب الإخوان وإمدادهم بالعتاد العسكري والأسلحة والمسيرات.
وقد يلجأ الإخوان في هذا الإطار إلى سلاح الاغتيالات لعدد من القادة والمسؤولين السياسيين والعسكريين في اليمن؛ بهدف إرباك المشهد والتخلص من كافة الأطراف المناهضة للمشروع الإخواني، ما بدا بشكل سريع في محاولة اغتيال رئيس المجلس الانتقالي في شبوة العميد “على الجبواني” برصاص الإخوان (11 أغسطس) إي بعد نجاح القوات الأمنية في تحجيم وإخماد الانقلاب الإخواني على قرارات مجلس القيادة الرئاسي، وعليه قد يتصاعد هذا النهج خلال الفترات القادمة، ما قد يقود إلى زعزعة الاستقرار وعودة العنف والقتال مرة أخرى.
ثالثًا) الابتعاد بالهدنة الأممية عن مسارها، دخل اليمن في مرحلة من التهدئة في أعقاب الإعلان عن هدنة وقف إطلاق النار في أبريل الماضي، والتي تم تجديدها مرتين متتاليين لتصبح بذلك أطول هدنة بين الطرفين المتصارعين في اليمن منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وقد حفز ثبات وقف إطلاق النار –رغم الخروقات الحوثية- المجتمع الدولي للدفع تجاه تمديدها بهدف الخروج من حالة القتال للتسوية.
إلا أن المشهد الأخير، خاصة إذا ما عاد القتال إلى الواجهة مرة أخرى يمكن أن يهدر كافة الجهود الرامية إلى تثبيت وقف إطلاق النار، خاصة أن عودة الإخوان إلى التصعيد يمكن أن تؤدي إلى حالة من الإرباك والفراغ التي تستثمرها ميليشيا الحوثي في تحقيق أهدافها التوسعية وتمديد نفوذها الجغرافي في اليمن، حيث تشير التقديرات إلى أن الميليشيا تستغل الهدنة في تجميع قواتها وتجنيد مقاتلين جدد لصفوفها قبل العودة إلى التصعيد مرة أخرى. وعليه قد تجد الميليشيا في استمرار المشهد الصدامي الراهن سياقًا ملائمًا لبدء نشاطها ومجهودها الحربي، ما قد يُخرج المسار الحالي في اليمن ومشهد التهدئة عن مساره. وهذا المسار في حال تحققه ستصبح الساحة اليمينة خلاله في وضع أشبه بحرب الكل ضد الكل.
في الأخير، يمكن أن يشكل تمرد إخوان اليمن محطة محورية في عمر الأزمة، خاصة إذا ما قررت الجماعة مواصلة القتال، لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على الجبهة الداخلية الموحدة في مواجهة ميليشيا الحوثي التي تجيد الاستثمار في الفراغات وتنتظر اللحظة المناسبة لتوسيع نطاق سيطرتها المكانية. رغم ذلك تبقي فرص إخماد واحتواء التصعيد قائمة، في ظل ما يتوافر لدى مجلس القيادة الرئاسي من قدرات عسكرية وحاضنة شعبية، علاوة على التوجه الدولي والمساعي المكثفة لتوظيف الهدنة في الاتجاه نحو تسوية الأزمة وإحلال السلام محل الحرب والقتال.