
زيارة الرئيس السيسي إلى الكويت… السياق والدلالات
تتسم العلاقات المصرية- الكويتية بأنها علاقات راسخة ومتجذرة عبر التاريخ، فضلًا عن كونها علاقات تعاونية تميزت بتعدد الزيارات الرسمية بين الدولتين، والتعاون والتنسيق المشترك في القضايا الثنائية والإقليمية. لذا تناقش هذه الورقة طبيعة العلاقات المصرية – الكويتية، والدلالات التي تمثلها الزيارة التي يقوم بها الرئيس السيسي إلى الكويت، والسياق الذي جاءت في إطاره هذه الزيارة الهامة.
أبعاد العلاقات المصرية- الكويتية
تتعدد هذه العلاقات في أبعادها الاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية، فكانت مصر من أوائل الدول الداعمة للكويت في حرب الخليج الثانية حيث غزو العراق للكويت في 1990، وساندت الكويت مصر أثناء العدوان الثلاثي على مصر في 1967، وكذلك في حرب أكتوبر 1973.
وبالنظر إلى البعد الاقتصادي؛ يقدر حجم التبادل التجاري بين الدولتين بنحو 1.6 مليار دولار خلال الأشهر الأولى من عام 2021 وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. ويمثل ملف العمالة المصرية في الكويت جانبًا من هذا التعاون؛ فهناك أكثر من 600 ألف مصري يمثلون ثاني أكبر جالية وافدة إلى الكويت، كذلك من ناحية الاستثمارات تحتل الكويت المرتبة الثالثة للدول العربية المستثمرة في مصر، في مشروعات بنبة تحتية وسياحية وصناعية.
وعلاوة على ذلك، يتم التعاون في مجال مكافحة الفساد، حيث وُقعت في ديسمبر2019 مذكرة تفاهم في مجال التعاون الثنائي، لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد بين الكويت ممثلة في الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة)، ومصر ممثلة في هيئة الرقابة الإدارية. ومن ناحية البعد الثقافي؛ يأتي عدد من الوافدين الكويتيين للتعلم في مصر، ويقدر عددهم بنحو أكثر من 20 ألف طالب كويتي. أيضًا من ناحية البعد العسكري؛ هناك التدريب العسكري المشترك، بهدف الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة وانعقدت في إطاره تدريبات ومناورات (الصباح -1) و(اليرموك -4) في فبراير 2019.
وتتميز العلاقات كذلك بأنها تعاونية؛ فبالنظر إلى مستوى تبادل الزيارات الرسمية بين الدولتين، فهناك تعدد وارتفاع بها سواء على مستوى الرؤساء، أو الوزراء، أو السفراء، ومنها زيارة وزير الخارجية سامح شكري إلى الكويت في 29 يناير 2022 في إطار اجتماع وزراء الخارجية العرب، وكذلك استقبال الرئيس السيسي وزير الخارجية الكويت أحمد ناصر المحمد الصباح في سبتمبر 2021. وكذا، من المرتقب انعقاد الدورة الثالثة عشر للجنة المشتركة المصرية- الكويتية في القاهرة، وكذلك اللجنة القنصلية المشتركة بين الدولتين.
وعليه؛ تأتى الزيارة التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم إلى الكويت الثلاثاء الموافق 22 فبراير 2022 في سياق العلاقات التعاونية بين الدولتين، والتنسيق في الملفات الثنائية والإقليمية، فقد لعبت الكويت مؤخرًا دور الوسيط في أزمة الرباعي العربي والخلاف بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين من جانب وقطر من جانب آخر في يونيو 2017.
دلالات مهمة
- تأتى هذه الزيارة في إطار تعزيز مساحات التنسيق العربي المشترك، وهو ما تم التأكيد عليه سابقًا في اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في 13 ديسمبر2021 بحضور وزير الخارجية سامح شكري، فهناك رغبة لتشهد العلاقات المصرية- الخليجية إطارًا مؤسسيًا للتشاور والتنسيق. وقد تم التأكيد في السابق على أهمية التشاور والتنسيق بشأن القضايا الإقليمية والدولية، وترجمة العلاقات الاستراتيجية الوثيقة في إطار مؤسسي، وإيجاد حلول سياسية للأزمات والصراعات القائمة بما يدعم الأمن ويعزز الاستقرار في المنطقة العربية.
- تأتى الزيارة في سياق مضطرب ورغبة من الدولتين بشأن التنسيق في هذا الإطار، لاسيما في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة العربية، والدور المحوري الذي تلعبه مصر للحافظ على الاستقرار في المنطقة وتحقيق الأمن العربي، وهي تأتى بالتزامن مع مرور نحو 60 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين مصر والكويت منذ 1961.
- للزيارة أهمية ودلالات مهمة من حيث التوقيت الذي جاءت فيه؛ حيث التشاور العربي بشأن عدد من ملفات وقضايا المنطقة، في ظل استضافة الجزائر للقمة العربية هذا العام، والتشاور بشأن عودة سوريا إلى الحاضنة العربية، لا سيّما وأن هناك خلافًا بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية حيال رفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، فهناك دول ترغب في عودة آنية لسوريا وأخرى ترفض هذه الخطوة، وهنا يمكن أن تلعب الكويت دورًا دبلوماسيًا مهمًا في هذا الصدد كحلقة وصل بين الدول العربية، فقد سبق وأن استضافت الكويت الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب في 30 يناير 2022، والذي تم التأكيد خلاله على وحدة الصف العربي، وإنهاء أي خلافات في ظل الوضع الإقليمي المضطرب.
- تشهد المنطقة سياقًا مضطربًا، ومجموعة من التحديات الجاسمة والتي تمثل ضغطًا على الأمن القومي العربي؛ لاسيما قضايا محاربة الإرهاب والتطورات في ليبيا وسوريا والسودان ولبنان والعراق واليمن والملف النووي الإيراني والمباحثات في فيينا، بالإضافة إلى تصاعد الأزمات الدولية من حيث أزمة كورونا، والأزمة الأوكرانية الروسية.
- لذلك من الضروري والمهم أن تكون هناك مساحة من التوافق العربي بشأن الملف النووي الإيراني ودور طهران المزعزع للاستقرار عبر دعم المليشيات المسلحة داخل عدد من الدول العربية، لاسيما في ضوء الهجمات الصاروخية المباشرة من جانب العناصر الحوثية لاستهداف المواقع الاستراتيجية الإماراتية، فضلًا عن استهداف المملكة العربية السعودية.
هذا بجانب أن الحوثيين يُشكلون تهديدًا داخل اليمن، عبر محاصرة مأرب الغنية بالنفط والغاز وسط محاولات لاستمالة زعماء القبائل، فإذا سقطت مأرب فقد يؤدي هذا إلى اهتزاز شرعية الرئيس اليمني، ويسهم في نقلة مالية كبيرة للحوثيين من عوائد بيع النفط، ومن ثم يفرض ذلك على القمة العربية القادمة التفكير في التعامل مع المليشيات المسلحة في المنطقة العربية، وأهمية تسوية الأزمة اليمنية عبر التوصل إلى حل سياسي، بالإضافة إلى مناقشة التطورات الليبية وضرورة عقد الانتخابات بما يحقق الاستقرار في المنطقة، وخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية.
- تأتى الزيارة في سياق تحولات استراتيجية تشهدها المنطقة، من حيث إعادة التموضع الأمريكي في المنطقة، وإعادة هندسة النظام الإقليمي من حيث التحالفات، وخفض التصعيد لاسيما في ظل إدراك القادة أن تكلفة السلام أقل من تكلفة الصراع، وربما حدوث متغيرات جديدة من حيث محاولات التقارب الإيراني الخليجي من خلال الوساطة العراقية، والتطبيع الإسرائيلي مع كل من الامارات والبحرين والسودان والمغرب، والتهدئة بين الإمارات وتركيا حيث زيارة ولى عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا ولقائه بالرئيس رجب طيب أردوغان في 24 نوفمبر 2021، كذلك زيارة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني الإماراتي إلى إيران في 6 ديسمبر 2021 ولقائه بالرئيس إبراهيم رئيسي وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، وأيضًا محاولات تركيا للتهدئة مع مصر والمحادثات بين تركيا ومصر للتوصل إلى حلول بشأن القضايا العالقة التي كانت سببًا في تأزم العلاقات لسنوات.
- وأخيرا هناك دور محوري تلعبه مصر كقوة إقليمية في المنطقة لاسيما في القضية الفلسطينية، فدائمًا ما تضطلع مصر بدور تنسيقي مع الدول المختلفة في هذا الصدد في محاولة للتوصل إلى تسوية، بالرغم من التحديات التي تواجه مصر لاسيما أمنها المائي، ولا ينسى في ذلك دعم ومساندة الكويت لمصر والسودان فيما يخص ملف سد النهضة، لأن الأمن المائي المصري هو جزء من الأمن القومي العربي.
باحث ببرنامج العلاقات الدولية