مصر

تطوير الأسطول العامل بسكك حديد مصر.. الذراع القوية للمرفق تستعيد مكانتها

استعرض مجلس النواب في جلسته العامة يوم الأحد 20 فبراير التقرير الذي أعدته اللجنة المشتركة المنبثقة من كل من لجنة النقل والمواصلات ولجنة الشؤون الاقتصادية، والذي اهتم بدراسة القرار رقم 2 لسنة 2022م الصادر من السيد رئيس جمهورية مصر العربية، بشأن الموافقة على تعديل اتفاق المنحة المقدمة لهيئة سكك حديد مصر المعروفة باسم برنامج تجديد القاطرات والمساعدة في تنفيذ المشتريات، والذي تم توقيعه من قبل بين وزارة التعأون الدولي المصرية من جانب و البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية من جانب آخر في الأول من نوفمبر 2021م.

حيث استهدف التعديل الذي ورد على نص الاتفاق الأصلي، أن يتم السماح بضخ زيادة قدرها 210،000 يورو على المنحة المعطاة من قبل البنك الأوروبي لجمهورية مصر العربية، والمقدرة أساسًا بمبلغ 555،343 يورو، وذلك لتمويل عملية الخدمات الاستشارية الفنية المرتبطة بصفقة القاطرات الضخمة المرتقبة، والتي سيتم من خلالها شراء 100 قاطرة جديدة لمرفق السكك الحديدية المصري، لتتضاعف أعداد القطارات الجديدة العاملة إلى 219 قاطرة. 

ويأتي تعديل الاتفاقية في ظل تصاعد عمليات التطوير والتنمية التي يشهدها مرفق السكك الحديدية على كافة المستويات منذ عام 2014م، ومنها تطوير الوحدات العاملة بأسطول المرفق سواء من القطارات أو العربات التي تتعدد استخداماتها بين نقل الركاب أو البضائع، حيث نجحت الدولة خلال الفترة من منتصف ديسمبر 2019م إلى أواخر مارس 2021م في ضم 110 قاطرة أمريكية جديدة، كما نجحت أيضًا خلال أقل من عام في ضم 381 عربة ركاب جديدة روسية الصنع من الدرجة الثالثة، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات تجديد وعمرة شاملة لعشرات من العربات والقاطرات القديمة، التي عملت على خطوط السكك الحديدية على مدار العقود الماضية من الزمان. 

نظرة تاريخية على أسطول سكك حديد مصر

جرى إنشاء أول خطط للسكك الحديدية في مصر عام 1854م على يد المهندس البريطاني روبرت ستيفنسون Robert Stevenson، وهو ابن المهندس البريطاني جورج ستيفنسون  George Stephenson مخترع أول قاطرة في العالم، لتعتبر مصر بذلك ثاني دولة تقوم بتشغيل السكك الحديدية على مستوى العالم بعد المملكة المتحدة، وأول دول في إقليمي الشرق الأوسط وأفريقيا في هذا الإطار، ولقد توسعت شبكة السكك الحديدية في مصر حتى عام 1900م لتشمل أغلب أنحاء الدلتا –انظر الخريطة التالية-، بالإضافة إلى كافة محافظات وادي النيل وأيضًا مدن القناة.  

التوسعات المضطردة لشبكة السكك الحديدية في عموم البلاد خلال أقل من نصف قرن من الزمان “1954م-1900م” دفع بإدارة السكك الحديدية المصرية إلى إيلاء اهتمام خاص بأسطول الجر والعربات العاملة على كافة الخطوط، لذلك قامت بإمداد المرفق بأحدث ما توفر عالميًا من الوحدات المتحركة سواء من القطارات البخارية أو العربات، وذلك لخدمة الركاب المدنيين وأيضًا حركتي النقل التجاري والعسكري.

لذلك استوردت الحكومة المصرية ما مجموعه 246 قاطرة بخارية من كل من إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، لكن تجربة شراء عدد متنوع من القاطرات المختلفة في دولة المنشأ أدى إلى إحداث معوقات لوجيستية في الصيانة وتوفير قطع الغيار، لذلك اتبعت سلطات الهيئة في أواخر عقد الثمانينيات من القرن التاسع عشر استراتيجية لتوحيد أنواع وماركات الوحدات البخارية المستخدمة، لذلك استخدمت القاطرات من نوع0-6-0  للبضائع وذلك لقدراتها العالية على شد الاحمال، فيما استخدمت القاطرات من نوع 2-2-2 لقطارات الركاب السريعة، أما القاطرات من نوع 0-4-2 فلقد استخدمت من أجل قطر العربات المختلطة التي تنوعت ما بين عربات الركاب وعربات البضائع – انظر الصور التالية-.

أسطول العربات كان له هو الآخر نصيب من الاهتمام، وذلك لدورها الحيوي في تقديم خدمات نقل الركاب والبضائع بين الأقاليم سواء في الوجه البحري أو الوجه القبلي أو القناة، حيث كان يعول سياسيًا على مرفق السكك الحديدية في أواخر القرن التاسع عشر كي يكون بديلًا ناجحًا لقناة السويس، لذلك تم التعاقد مع عدد من أهم الشركات الأوروبية في حينها لتوريد أحدث إنتاجات سواء من عربات الركاب أو البضائع، مثل شركة واسن الصناعية الأمريكية Wason Manufacturing Company و شركة إنترناشيونال واجن ليتس البلجيكية compagnie Internationale des Wagons-Lits. 

استمر تطور الأسطول على مدار العقود اللاحقة،  وترصد لنا صفحات التاريخ لمحات من هذا التطور، فبين العامين 1928-1931م استقدمت الحكومة المصرية من كل من بريطانيا وألمانيا ما مجموعه 80 قاطرة بخارية من نوع 2-6-0، وهي من القاطرات القادرة على شد القطارات المختلفة سواء من عربات الركاب أو عربات البضائع أو المختلطة من كلاهما، كما قامت الحكومة بعد عام 1946م بالتعاقد مع نظيرتها البريطانية لشراء ما عدده 40 قاطرة بخارية من نوع 2-8-0، وهي من القاطرات ذات قوى الشد الفائقة والتي كانت تستخدم أساسًا لجر القطارات العسكرية اللوجيستية من وإلى جبهات القتال.

ولقد أحدثت السلطات المصرية تطويرات كبيرة بقوة الجر العاملة بالهيئة السكك الحديدية، حينما ضمت 6 قاطرات عاملة بالديزل من إنتاج شركة English Electric. UK الإنجليزية إلى أسطولها بين عامي 1945-1947م، وكانت سرعة محرك القاطرة الواحدة تتجاوز حينها 120كم في الساعة، ثم ألحقتها 42-قاطرة ديزل أخرى من إنتاج شركة أرنولد جونج Arnold Jung Lokomotivfabrik الألمانية وذلك بين العامين 1953-1956م – انظر الصور التالية-. 

خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي، حرصت الدولة المصرية على إمداد هيئة السكك الحديدية بعدد جديد من قاطرات الديزل المتطورة وذلك لتحديث الأسطول المتقادم من قاطرات البخار، ولذلك تعاقدت على 470 قاطرة جديدة منتجة في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وكندا – أنظر الصور التالية-، وكانت أبرزها القاطرات من نوع Henschel  AA22T والتي كانت تعتبر حتي سنوات ماضية قريبة العمود الفقري لأسطول السكك الحديدية المصري.

حالة من التراجع الملحوظ

حاولت الدولة على مدار الثمانينات والتسعينات من القرن تحديث مرفق السكك الحديدية على العديد من الأصعدة ومنها إمداده بالعديد من العربات والقاطرات الجديدة، وذلك لإحداث حالة من الارتقاء بالخدمات المقدمة للركاب، لكن تشابك العديد من العوامل السلبية مثل سوء صيانة الأسطول العامل، والتراخي في إدارة موارد المرفق، بالإضافة إلى سوء البنية التحتية من خطوط السكك والمحطات، كان لها دور في وقوع العشرات من الحوادث الدامية التي خلفت المئات من القتلى والآلاف المصابين، ونذكر منها مثالًا الحوادث الواقعة بين 1992 م و 2013م والتي قدرت بثمانية عشر حادثة خلفت ما يزيد على 900 قتيل  – أنظر الجدول التالي –.

العامعدد الحوادثعدد القتلى
1992143
1993140
1994140
19953160
1997221
1998150
1999110
200019
20021383
2006261
2008144
2009118
2012151
2013119

الأسطول المتحرك كان أحد الأصول المضارة بالهيئة، وذلك على الرغم من محاولات إمداده المستمرة بالعديد من القطع الحديثة، حيث رصدت الإحصاءات الرسمية فيما قبل 2015م تعطل أكثر من 60% من إجمالي القاطرات والعربات المملوكة لهيئة السكك الحديدية، وليس من مثال أدل على ذلك مجموعة القاطرات الامريكية من طراز ES40ACi l التي اشترتها مصر من الولايات المتحدة عام 2009م والمقدر عددها بخمسة وثمانين قاطرة -أنظر الصورة التالية-، والتي لم تعمل فعليًا على السكك أكثر من عامين، وذلك لسوء صيانتها إضافة إلى عدد من العوامل الفنية الأخرى، فيما لم تستمر القاطرات الإنجليزية من طراز EMD Class 66 المشتراة في ذات العام 2009م والمقدر عددها بأربعين قاطرة سوى أقل من عشرة أعوام وذلك لذات الأسباب التي عطلت نظيرتها الأمريكية. 

عودة الاهتمام بالأسطول العامل

في عام 2014م بدأت الحكومة المصرية وضع استراتيجيتها الشاملة لتطوير مرفق السكك الحديدية، وارتكزت الاستراتيجية على عدد من النواحي مثل تطوير البنية التحتية من السكك والمحطات ونظم الإشارات وأبراج التحكم، وأيضًا رفع كفاءة العنصر البشري من خلال تدريب العاملين بالهيئة على أحدث النظم الفنية المتاحة، بالإضافة إلى إلحاق كوادر بشرية حديثة بالخدمة في المرفق، وأيضًا تطوير المعاهد العلمية المختصة بدراسة وتعليم الفنيين من العاملين بالسكك الحديدية وباقي قطاعات النقل البري.

الوحدات المتحركة كانت لها حصة من الاستراتيجيات الموضوعة، لذلك تعاقدت الدولة مع عدد من الجهات المحلية والدولية من أجل توريد قاطرات وعربات جديدة، بالإضافة إلى تطوير ما هو موجود من القاطرات الجديدة والعربات، البداية كانت بعقد اتفاق مع شركة جنرال إلكتريك  General electricالأمريكية، وذلك لتوريد 110 قاطرة جديدة من طراز ES30ACi  بالإضافة إلى تجديد 85 قاطرة كانت معطلة من طراز ES40ACi، وأكملت الهيئة في هذا الصدد استلام 100% من القاطرات الجديدة، فيما استلمت قرابة 30 قاطرة قديمة بعد إعادة تشغيلها -أنظر الصور التالية-.

كما سعت الدولة للتعاون مع شركة progress rail الأمريكية من أجل تطوير ما يفوق على 40 قاطرة معطلة، وهو ما يجري العمل على إنجازه الآن، وإلى جانب ذلك تعاقدت الحكومة المصرية مع التحالف الروسي المجري  trans mash holding من أجل توريد ما مجموعه 1300 عربة قطار ركاب متنوعة، ولقد نجح هذا التحالف حتى الآن في إيصال 40% من عدد العربات الوارد بالصفقة، كما تعاونت هيئة السكك الحديدية مع مصانع محلية مثل مصنع سيماف وورش بني سويف للسكك الحديدية وورش إيرماس لصيانة القاطرات، من أجل إعادة تأهيل المئات من عربات الركاب القديمة، إلى جانب صيانة القاطرات القديمة المعطلة والتي تجاوز عمر بعضها 45 عامًا في الخدمة، وهو ما أوصلنا الآن في 2022م إلى نجاح غير مسبوق متمثل في عدم تسيير أي عربات أو قاطرات على كافة السكك سوى لو كانت جديدة أو مجددة بالكامل.

ختامًا، تعتبر الوحدات المتحركة هي أحد أهم نواحي القوة التي يرتكز عليها مرفق السكك الحديدية إن لم تكن الأهم على الإطلاق، فامتلاك المرفق لأسطول حديث ومتطور من القاطرات والعربات يساعد على تقديم الخدمة المثلى للركاب وأصحاب البضائع المنقولة، وهو ما ينعكس بالتالي على مستوى رضا عملاء المرفق المقدر عددهم بقرابة 300 مليون راكب سنويًا، وعلى اعتبار أن السكك الحديدية هي واحدة من أهم مرافق النقل البري في مصر، فلن يؤدي تطوير وحداته المتحركة إلا عن تسهيل عملية التنقل في عموم البلاد وهو ما سيخدم بدوره حركة الاقتصاد الوطني.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

مصطفى عبد اللاه

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى