تقارب نشط: الجزائر ومصر والقضايا الإقليمية
تُمثل زيارة الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” إلى القاهرة، اليوم، نقطة حيوية في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، وفرصة جيدة لمناقشة القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها القمة العربية المقبلة، وكذلك ملف عودة سوريا لجامعة الدول العربية، علاوة على التفاهمات والترتيبات المستقبلية بشأن الملف الليبي، ولا يبعد ملف الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء عن أجندة التباحث.
وتشهد العلاقات الجزائرية المصرية تطورًا ملحوظًا خلال الفترة الأخيرة، وذلك في ضوء المتغيرات الإقليمية الجامعة بين السياستين المصرية والجزائرية، كما هو الحال بالنسبة للملف الليبي، وكذلك فيما يتعلق بترتيبات إعادة سوريا للجامعة العربية. ولعل العلاقات المصرية الجزائرية باتت محركًا للكثير من القضايا الإقليمية، مع تسارع الجزائر لتوطيد علاقاتها الثنائية مع مصر انطلاقًا من الدور الجوهري الذي تقوم به القاهرة في إطار الإقليم.
دلالات متباينة
إن زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للقاهرة تأتي في سياق داخلي وإقليمي متشابك يمكن توضيحه في النقاط التالية:
- تدهور العلاقات الخارجية الجزائرية والرغبة في إيجاد البديل: ولعل المتغيرات التي طرأت في العلاقات المغربية الجزائرية وكذلك الجزائرية الفرنسية، تلعب دورًا كبيرًا في دفع الجزائر إلى مزيد من التنسيق مع مصر في القضايا التي تمس الأمن القومي الجزائري، كما هو الحال بالنسبة لليبيا وملف الساحل والصحراء، ومن ثم فإن التحرك النشط للدبلوماسية الجزائرية تستهدف من خلاله الجزائر كسر حاجز الدوائر التقليدية في التفاعلات الخارجية، وإيجاد موطئ قدم لها داخل القضايا الحرجة.
- القمة العربية وضرورات النجاح: إن زيارة الرئيس “تبون” ومن قبلها زيارة وزير الخارجية الجزائري “رمضان لعمامرة” لعدد من الدول وآخرها السعودية ومصر، تأتي في ضوء حرص الجزائر على نجاح القمة العربية المقبلة، خاصة في ظل أهمية الموقف المصري في إنجاح القمة والتوافق على مخرجاتها، خاصة وأن هناك تقارير تفيد بحضور ضعيف للدول الخليجية في القمة المقبلة، في ظل تطورات العلاقات المتبادلة مع إسرائيل على خلفية اتفاقات التطبيع التي شهدتها الفترة الماضية، وترغب الجزائر في تحقيق منجز سياسي بإعادة توحيد المواقف العربية حول بعض القضايا، وخاصة القضية الفلسطينية.
- تونس ومحور التوازن: إن الجزائر ترغب في إحداث توازن في معادلة القوة الإقليمية من خلال تشكيل محور ما بين مصر وتونس، في ضوء التحديات المشتركة التي تجمع الثلاث دول. ولعل هذا المحور باتت تتبلور صورته منذ مطلع عام 2020 والزيارة المتبادلة في هذا الإطار من جانب وزير الخارجية رمضان لعمامرة أو حتى على مستوى الرئيس “تبون” لتونس في ديسمبر 2021، والزيارة الراهنة للقاهرة.
إسرائيل والاصطفاف العربي الأفريقي
تجمع الجزائر ومصر ثوابت مشتركة حول ملف القضية الفلسطينية، يتمثل في ثبات الموقف حول حق إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، والتوافق بشأن مبدأ حل الدولتين. ونظير التحركات المصرية الرامية إلى إعادة إعمار غزة من ناحية وكذلك مساعيها لإجراء مصالحة للفصائل الفلسطينية، تأتي الجهود الجزائرية لدعم المسار المصري، والتي برزت بصورة كبيرة خلال منح الجزائر 100 مليون دولار لفلسطين كخطوة داعمة للتحرك المصري فيما يتعلق بإعادة الإعمار.
وتكاملًا مع الموقف المصري، وانطلاقًا من استضافة الجزائر للقمة العربية في مارس 2022، جاءت دعوة الرئيس عبد المجيد تبون في السادس من ديسمبر 2021 لعقد مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية من أجل تحريك ملف المصالحة الفلسطينية تمهيدًا للخوض في المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي؛ بمثابة دعم للموقف المصري ومساندة للجهود المصرية في هذا الملف الذي يُعد الملف الرئيس على أجندة عمل الإدارة المصرية.
وتأتي تلك المساعي وعقد لقاءات استكشافية أحادية الجانب مع الفصائل المختلفة قبيل انعقاد المؤتمر الجامع لكافة الفصائل، وبما يحقق مكسبًا يمكن البناء عليه في القمة العربية المقبلة -التي تتخذ من القضية الفلسطينية مرتكزًا وجوهرًا لها- لتحديث مبادرة السلام العربية لعام 2002.
ولعل التحرك الجزائري السريع في هذا الملف نابع من التغلغل المضاد من جانب إسرائيل داخل العمق الإفريقي عبر بوابة المغرب والتي تزايدت علاقتها مع إسرائيل في أعقاب التطبيع بينهما ليتم توقيع نحو 12 اتفاقية متنوعة وآخرها اتفاقية التعاون العسكري في نوفمبر 2021، علاوة على عودتها مرة أخرى كعضو مراقب بعدما تم تجميد هذه الصفة منذ عام 2002، مما يُعطي لها صفة رسمية للانخراط في القضايا الإفريقية، وهذا أربك الموقف الجزائري، خاصة وأنها أبدت رفضها القاطع للتحرك المغربي للتطبيع مع إسرائيل، وتقف موقفًا حاسمًا فيما يتعلق بمساندة القضية الفلسطينية.
سد النهضة والوساطة الجزائرية
دخلت الجزائر على خط الملف المائي وبصورة أدق على ضوء أزمة سد النهضة، وبرز ذلك بصورة كبيرة في جولة وزير الشؤون الخارجية الجزائرية والجالية الوطنية بالخارج “رمضان لعمامرة” لكلٍ من إثيوبيا والسودان ومصر منذ التاسع والعشرين من يوليو 2021. والتي تُعد نقطة حيوية ومحطة ضرورية خاصة وأنها تأتي بالتزامن مع سياق معقد بين الثلاث دول على ضوء ملف سد النهضة وحالة الانسداد التفاوضي بهذا الملف، علاوة على تصدع متزايد للعلاقات الإثيوبية السودانية على خلفية التوترات الحدودية.
ويشهد ملف سد النهضة حاليًا حالة من التأزم غير مسبوقة على خلفية التعنت الإثيوبي والإجراءات الأحادية التي لطالما اعتادت على اتخاذها في هذا الملف دون النظر لمصالح وشواغل دولتي المصب، وما أفضى إليه هذا الأمر من توقف وشل تام لعملية التفاوض وتدويل الملف على مستوى مجلس الأمن. هذا إلى جانب الاضطرابات الأمنية واسعة النطاق داخل إثيوبيا والنزاع المسلح مع جبهة تحرير تيجراي وتصعيد وتيرة الحرب الأهلية الداخلية، وهو ما يُنذر بصورة كبيرة إلى إضفاء حالة من اللا استقرار واللا سلام في المنطقة. وهي كلها متغيرات تؤثر على الأمن والسلم الإقليميين، وتزج بالمنطقة إلى تجاذبات تؤثر على استقرارها.
وانطلاقًا من دورها الإقليمي، أبدت الجزائر رغبتها في تقديم وساطتها في حل أزمة سد النهضة، وتلك النقطة بمثابة خطوة إيجابية لتحريك المياه الساكنه في هذا الملف. ولعل الإمكانيات الجزائرية المتمثلة في حضورها المؤسسي الإقليمي من حيث عضويتها داخل الاتحاد الأفريقي علاوة على انتخابها عضوًا داخل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد لمدة ثلاثة سنوات (2019-2022) ممثلًا لدول شمال أفريقيا، وعضويتها في جامعة الدول العربية؛ تمثل مقومات تجعلها قوة إقليمية مهمة يجب التنسيق معها، خاصة فيما يتعلق بأزمة سد “إثيوبيا”.
وتتمتع الجزائر باستقرار داخلي على خلاف غالبية الدول الأفريقية، فضلًا عن علاقاتها الممتدة والقوية بالقوى الإقليمية الفاعلة داخل القارة السمراء، ولا يمكن إغفال الدور الذي قامت به الجزائر في حل النزاع الإثيوبي –الإريتري، ونجاح وساطتها في حل ذلك النزاع وتوقيع اتفاق سلام بينهما مطلع عام 2000، ولعل تلك النتائج الإيجابية التي حققتها في مجال الوقاية من النزاعات أو تسويتها يُمكّنها نسبيًا من التوسط لحل النزاع المائي.
يتيح السابق للجزائر فرصة كبيرة في تحقيق مواءمة حيال ملف سد النهضة يمكن من خلالها تطبيق مخرجات اجتماع مجلس الأمن حول ملف سد النهضة، وتبنيه لمشروع القرار الذي قدمته تونس في هذا الشأن.
ليبيا وسوريا والتعاون الثنائي نحو إقرار الاستقرار
أحد ملفات التشابك بين مصر والجزائر يتمثل في الملف الليبي والفلسطيني، ولعل رغبة الجزائر في العودة للمشهد الإقليمي يكون عبر مصر التي تُعد النافذة الحيوية لها في المنطقة في ضوء هذين الملفين، فالجزائر تستهدف تكوين تكتل عربي أفريقي داعم لاستقرار المنطقة خاصة في ضوء القضايا الحرجة وعلى رأسها التنسيق بشأن الملف الليبي في ضوء التفاهمات السياسية الأخيرة التي حدثت بالمشهد الليبي والمتمثلة في إجراء الاستحقاق الدستوري الخاص بالانتخابات الرئاسية، وبما يُمهد لفترة مستقبلية أكثر استقرارًا للمشهد الليبي.
ولعل الجزائر شهدت حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا في الآونة الأخيرة لإيجاد مساحة لها في إطار الملف الليبي، وذلك من خلال التنسيق بين مصر وتونس، وكان آخرها التوافق الجزائري المصري على ضرورة وقف أي تدخلات أجنبية في شؤون ليبيا وخروج كافة المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، وذلك في ضوء زيارة “لعمامرة” إلى القاهرة.
وبالنظر إلى الملف السوري، جاءت المواقف المصرية الجزائرية متشابهة بحتمية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعدما تم تجميد عضويتها على ضوء الصراع الداخلي الذي تفاقم منذ عام 2011، وبرز ذلك في تصريحات الرئيس تبون في نوفمبر 2021 بأهمية لم شمل العالم العربي، وأن تنخرط سوريا مرة أخرى في القالب العربي تحت مظلة جامعة الدول العربية.
مكافحة الإرهاب
يُمثل ملف الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء واحدًا من بين التقاطعات المصرية الجزائرية، خاصة في ضوء تأثيراته على الأمن القومي لكل منهما، وترغب الجزائر في تعويض الدعم الدولي في هذا الملف فتظل التوجهات الراهنة بسحب عدد من الدول لقواتها من تلك المنطقة خاصة بعد إعلان الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إنهاء عملية – برخان- وخفض عدد القوات الفرنسية إلى ما بين ألف إلى ألفي جندي فقط. والبديل يكمن في مصر التي لديها خبرة واسعة في مجال مكافحة الإرهاب، وقد تُرجم ذلك بتفعيل مركز مكافحة الإرهاب لتجمع دول الساحل والصحراء في نوفمبر 2021 لدعم قدرات الدول الإفريقية لمواجهة خطر السيولة الأمنية وموجات الإرهاب في تلك المنطقة.
ولعل زيارة رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق السعيد شنقريحة في الثامن والعشرين من نوفمبر 2021 ومشاركته بمعرض إيديكس للصناعات الدفاعية، بمثابة مرتكز نحو تطوير العلاقات العسكرية مع مصر والشراكة العسكرية، إلى جانب تنسيق الجهود في ملف مكافحة الإرهاب في الساحل والصحراء في ضوء تأزم الموقف بين الجزائر وفرنسا التي ترى الأخيرة عاملًا مهمًا في ملف مكافحة الإرهاب في تلك المنطقة.
وفي الأخير؛ فإن الجزائر سوف تتحرك بصورة سريعة للتنسيق مع مصر على غرار ما حدث مع تونس، وذلك لاكتساب مصر كطرف أصيل لحل الخلاف الجزائري المغربي الذي تفاقم في الأونة الأخيرة، علاوة على تنسيق الدور في الملفات المشتركة وصولًا إلى خارطة عمل موحدة بشأن تلك القضية، إلى جانب تكوين تكتل عربي داعم لاستقرار المنطقة، وتلك النقاط بمثابة مكسب للجزائر قبيل انعقاد القمة العربية في مارس 2022.



