أفريقيادول المغرب العربي

خارطة طريق: فرص وتحديات نجاح المساعي الجزائرية لحل أزمة النيجر

في سياق يتسم بالتأزم داخل النيجر في أعقاب سيطرة ما بات يُعرف بــ”المجلس الوطني لحماية الوطن” تحت قيادة الجنرال “عبد الرحمن تياني” -قائد الحرس الرئاسي- بالتعاون مع الجيش النيجري على السلطة والإطاحة بالرئيس “محمد بازوم”، وعقب التصعيد المتبادل بين النيجر وبعض من دول الإيكواس وخاصة نيجيريا في مسار التصعيد العسكري والتدخل لإعادة النظام السابق للسلطة، وانطلاقًا من التأثيرات المحتملة لأي تدخلات عسكرية إقليمية أو دولية في النيجر على الأمن القومي الجزائري؛ جاءت جولة وزير الخارجية الجزائري “أحمد عطاف” إلى أبرز ثلاث دول في تكتل غرب أفريقيا “الإيكواس” وهي: نيجيريا، وبينين، وغانا؛ رغبةً في العدول عن أي تصعيد عسكري يُهدد الاستقرار الإقليمي.

ولعل تلك الجولة راجعة إلى سياسة معالجة القضايا الإفريقية بالسبل والوسائل السلمية الإفريقية؛ إذ إنها تستهدف اختراقًا للتوجهات المتبادلة بين الدول الثلاث والسلطة العسكرية الحالية في النيجر لإيجاد تسوية سلمية للأزمة، وكذلك لإيقاف أي محاول لتنفيذ الخيار العسكري المطروح من جانب بعض دول تكتل غرب إفريقيا.

سياق ضاغط ومحركات متباينة

إن الموقف الجزائري في أزمة النيجر جاء متماشيًا مع التوجهات الدبلوماسية الإقليمية والدولية المتمثلة في دعم الديمقراطية والحكومة المنتخبة، ولكن في ذات الوقت بانتهاج المسار السياسي والدبلوماسي لمعالجة الأزمة دون لغة التصعيد العسكري. ويأتي تحرك الجزائر الدبلوماسي الراهن في إطار سياق متأزم ومحركات متعددة يمكن توضيحها في النقاط التالية:

المساعي الفرنسية لاستمرارية الحضور والمناورة العسكرية: واحد من بين العوامل المُحفزة لتحرك دبلوماسي نشط من جانب الجزائر لاحتواء أزمة النيجر والحيلولة دون تدخلات عسكرية هو ما سبق وأن أبدته باريس من تأييد أي عمل عسكري من جانب مجموعة غرب أفريقيا من ناحية، ومن ناحية ثانية هو التلويح باستخدام القوة العسكرية المباشرة من جانب فرنسا مستغلة المجال الجوي الجزائري لضرب نيامي وفقًا لما تردد من تقارير تفيد بطلب فرنسا بالسماح للطيران الحربي الخاص بها في الأجواء الجوية الجزائرية، وهو ما رفضته الجزائر لعبور أجوائها للتدخل عسكريًا في النيجر، بالرغم من نفي فرنسا لهذا الأمر وفقًا لما أوضحه “تييري بوركار” قائد أركان الجيش الفرنسي.

هذا التوجه ومساعي إحباط الانقلاب العسكري يعكس الرغبة الفرنسية في فتح مجال لتعزيز وجودها العسكري مرة أخرى في واحدة من أبرز الدول أهمية في دائرة الساحل والصحراء ومعادلة الأمن الإقليمي ضمن مصالحها الاستراتيجية الخاصة بإمدادات الطاقة؛ انطلاقًا من ثروات النيجر من اليورانيوم الذي يُعد مصدرًا حيويًا للمفاعلات النووية الفرنسية المستخدمة في توليد الطاقة، ولعل هذا المسار التصعيدي من جانب فرنسا يتلاقى مع التوجه الأمريكي بما يُعقد الأزمة ويؤول إلى تصعيد عسكري محتمل.

الانشقاقات البينية في مجموعة غرب أفريقيا: واحد أيضًا من بين دعائم التحرك الجزائري لاستباق أي عمل عسكري هو حالة التفكك البيني التي باتت تُخيم على مجموعة دول غرب إفريقيا –أحد أبرز التكتلات الاقتصادية والأمنية- وما تتعرض له من هزات سياسية مختلفة على مدار السنوات الماضية، خاصة مع تواتر الانقلابات العسكرية في الدول المنضوية تحته. 

ولعل أبرز الحالات اتضحت معالمها حيال الأحداث التي شهدتها النيجر؛ إذ إنها تشهد انقسامًا وتصدعًا بين دول المجموعة ما بين داعم للتحول العسكري في النيجر ورافضًا لأي استخدام وتوظيف القوة العسكرية للتدخل في النيجر بل واعتبار أي عملية عسكرية موجهة ضد “نيامي” بمثابة إعلان حرب عليها وهما (مالي وبوركينا فاسو) وانضمت إليهما غينيا التي وصّفت العقوبات المفروضة على النيجر بكونها “غير شرعية”، وما بين مسار التلويح باستخدام القوة العسكرية للعدول عن مسار ما بعد السادس والعشرين من يوليو 2023 أبرزها (نيجيريا- ساحل العاج – السنغال – غانا – بنين).

هذا التصدع وغياب التوافق والرؤية المشتركة تفرض إيجاد مخرج لذلك التأزم؛ وذلك بالتعويل على الدول الأكثر تأثيرًا وتفاعلًا على صعيد تلك الدائرة، ويتجلى ذلك في الجزائر، لما تجمعها من علاقات استراتيجية مع نيجيريا وغالبية دول غرب أفريقيا.

السيولة الأمنية والنشاط الإرهابي والعمق الاستراتيجي للجزائر: تُعد النيجر وما يتاخمها من دول بمثابة عمق استراتيجي للجزائر، ولعل انعكاسات الاضطرابات الأمنية الحالية ووضعية التصعيد في تلك المنطقة وحالة الحشد المتبادلة وشن هجمات عسكرية داخل النيجر من شأنها أن تؤدي إلى حرب إقليمية شاملة، وهو ما سوف يؤدي إلى تراجع الجهود المتبادلة لمكافحة الإرهاب، ويفتح المجال أمام إعادة تنشيط التنظيمات الإرهابية والحركات المسلحة نظرًا للتقارب الجغرافي بين الجزائر والنيجر (تشترك في حدود تصل لنحو 1000كم). وهو ما يُعد تكلفة باهظة على صعيد الأمن الإقليمي، والذي يتماس فيه أمن الجزائر. لذا تعد تلك الأبعاد والتبعات الاقتصادية وتعثر المصالح الاستراتيجية في أمن الطاقة كذلك مُحركًا ودافعًا قويًا وراء النشاط الدبلوماسي الجزائري الحالي؛ لمعالجة وتدارك أبعاد التصعيد واحتواء الأزمة.

فرص الاحتواء والتدارك

لقد اعتمدت الجزائر على خارطة عمل لحل أزمة النيجر قائمة على البعد السلمي والسياسي ورفض التدخل العسكري الخارجي استنادًا إلى مبدأ الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية، بل ومعارضة ذلك التدخل لما له من عواقب أمنية ليس على النيجر وإنما على المنطقة، ومن ثّم تغليب الحل السلمي بدلًا من الدموي وحفظ سلامة وسيادة الدول، وكذا التمسك بالضوابط القانونية للاتحاد الافريقي الرامية إلى معالجة آفات التغيرات غير الدستورية للحكومات عبر وضع الآليات الفاعلة الداعمة لتطبيق النظام الديمقراطي والدستوري، مع تعزيز الزخم الدولي والإقليمي والالتفاف حول المسار السياسي لحل الأزمة القائمة في النيجر. وبالنظر إلى فرص نجاح الطرّح الجزائري فإنها تعود إلى:

المصالح الأمنية والاقتصادية: وهي المصالح المتمثلة في مشاركة الجزائر في معادلة أمن الساحل والصحراء وكونها واحدة من مرتكزات إقرار الأمن الإقليمي في ذلك المربع الذي يعج بالصراعات المسلحة؛ خاصةً بعد تراجع التواجد العسكري الغربي وخاصة “الفرنسي” في دائرة الساحل والصحراء بعدما طرّحت خطة إعادة الانتشار والانسحاب من مالي، وكذلك ممارسة المجلس العسكري ضغوطات على “باريس” لتطبيق النموذج “المالي” عبر سحب قواتها المتواجدة في النيجر. وفي هذه الحالة، فإن فرنسا تفقد بشكل كبير قدراتها التأثيرية أمنيًا في الساحل؛ لكون النيجر بمثابة مركز العمليات الرئيس لفرنسا في معادلة الأمن، بعدما أُطيح بها من “مالي” و”بوركينا فاسو”.

ليس هذا فحسب، بل إن الجزائر تجمعها مصالح استراتيجية تتعلق بالأبعاد الاقتصادية والمشاريع الاستراتيجية التنموية المشتركة، ولعل أمن الطاقة في العمق من هذا البعد خاصةً في ضوء نجاح الجزائر في إحداث تعاون في مجال الطاقة عابر للحدود بين بلدان غرب أفريقيا يتمثل في أنبوب الغاز العابر للصحراء من نيجيريا إلى الجزائر متضمنًا النيجر، وهي الورقة الأكثر تأثيرًا في معادلة التوازنات العالمية الراهنة.

تقاسم الدعم الغربي للطرّح الجزائري: إذ إن الولايات المتحدة الأمريكية وفي إطار رغبتها في الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية وعدم ترك الساحة الإفريقية لروسيا، قد عوّلت بصورة كبيرة على الجزائر في سبيل احتواء الأزمة وخفض التصعيد. برز ذلك في ترجيح الدبلوماسية والحلول السياسية عبر الطرح الجزائري، وتأطر ذلك في اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره الجزائري أحمد عطاف.

ليؤكد ذلك أن هناك تقاربًا جزائريًا أمريكيًا حول سبل حل أزمة النيجر، وهو الأمر الذي أبدته إيطاليا التي عبّرت عبر نافذتها الدبلوماسية على لسان وزير خارجيتها أنطونيو تاجاني عن تثمين الدور الجزائري في معالجة أزمة النيجر، بل وإبداء روما استعدادها لدعم الجهود الجزائرية لتهدئة الأوضاع في النيجر عبر السبل السلمية

.وإجمالًا؛ يمكن القول إن المبادرة الجزائرية الحالية باتت تحظى باهتمام إقليمي خاصةً على صعيد دول مجموعة غرب أفريقيا (الإيكواس) ذاتها؛ وذلك للخروج من مأزق التصعيد العسكري وحفظ ماء الوجه للدول التي نددت بالتدخل العسكري. ونظرًا للمصالح المتداخلة أمنيًا واقتصاديًا بين الجزائر ودول تلك المنطقة، فإنه من المرجح أن يتبلور مسار للخروج من تلك الأزمة مشابه لمسار “مالي” ولكن وفقًا لضوابط محددة يتم التوافق بشأنها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى