
تعديل منطقي لاتفاقية “كامب ديفيد”: مصر تتحرك حسب مقتضيات أمنها القومي
تحت رعاية آلية الأنشطة المتفق عليها والتي تعد أحد البنود المنبثقة عن اتفاقية كامب ديفيد والتي أنهت حالة الحرب وأقرت السلام بين مصر وإسرائيل وتم التوقيع عليها بوساطة الولايات المتحدة – تم الاتفاق على نشر قوات حرس حدود مصرية في منطقة رفح لتعزيز السيطرة الأمنية للجيش المصري على المنطقة. وتمثل هذه الخطوة أول تعديل رسمي للاتفاقية التي لحقت بانتصار أكتوبر الاستثنائي لتنهي حالة الحرب بين الطرفين، وهو التعديل الذي تم التوافق عليه على المستوى السياسي بشكل مسبق.
ومن منظور تاريخي، فإن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في عام 1979 حدد عدد القوات الموجودة في شبه جزيرة سيناء مقسمًا إياها لثلاثة نطاقات أمنية، حيث تقع رفح المصرية ضمن نطاق المنطقة الأمنية “ج” والتي شملها التعديل الأخير. وحسب بنود كامب ديفيد فقد كانت القوات الموجودة في المنطقة “ج” قوات شرطية فقط إلى جانب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وهو الأمر الذي تغير الآن.
أما انعكاسات التعديل فتشير إلى أن مقتضيات الحفاظ على الأمن القومي المصري تختلف عما كانت عليه منذ 42 عامًا مضت، وأن التغيير الآن يتلاءم مع مقتضيات صون هذا الأمن بعد أحداث 25 يناير 2011 مرورًا بكل الأحداث السياسية والأمنية التي جعلت من وجود قوات مصرية بعتاد ليس خفيفًا فقط ضرورة قصوى لدحر الإرهاب المتراجع الآن في شبه الجزيرة المصرية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن للتوقيت دلالات أخرى تشير إلى أن العلاقات المصرية الأمريكية لم تتأثر كما توقع البعض مع قدوم الإدارة الديمقراطية برئاسة جو بايدن، وهو ما ظهر في العديد من المواقف، وآخرها الحوار الاستراتيجي بين البلدين الجاري الآن في واشنطن. والدليل أنها استطاعت إدخال تعديل “جراحي” على الاتفاق الذي يناهز النصف قرن.
ومن منظور آخر، فقد جاء التعديل الرسمي للاتفاق بعد الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في سبتمبر الماضي إلى شرم الشيخ ولقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما يوحي بأن التفاهم السياسي والأمني في مستوى جيد بين البلدين.
وتأتي أهمية التعديل من أنه يضع إطارًا دائمًا لزيادة أعداد القوات حسب ما اقتضته الحرب على الإرهاب، وهو ما كان الرئيس السيسي قد أشار إليه في مايو 2014 عند سؤاله عن الدعوة إلى تعديل اتفاقية كامب ديفيد قائلًا: “نحن نفعل ما نريد، وإذا استلزم الأمر تعديل اتفاقية كامب ديفيد فسوف نقوم بتعديلها، والجميع يعرف أن مصر دولة قوية وذات سيادة مستقلة”.
وكانت إسرائيل –التي تعد رابحة أيضًا من قدرة مصر على ضبط الأمن- قد علّقت العمل بالشق الأمني من اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع مصر، بهدف تمكين الجيش المصري من تنفيذ عمليات عسكرية واسعة للقضاء على المجموعات التكفيرية في شبه جزيرة سيناء في يوليو 2013 في أعقاب تطور الأحداث الأمنية في شمال سيناء إثر ما جرى في المشهد السياسي المصري آنذاك.
وحسب محللين فإنه مع الاختراقات التي أحرزتها القوات المصرية على مدى السنوات من 2011 وحتى الآن في مكافحة الإرهاب كان لابد من تعديل بنود اتفاق كامب ديفيد بحيث يحاكي الاتفاق الواقع ولا يكون هناك انفصال بين ما هو متفق عليه وما هو موجود على أرض الواقع، مع الوضع بالاعتبار أن المنطقة ” ج” كان من المستحيلات أن تبقى منزوعة القوات مع تغير متطلبات الأمن القومي المصري بعد أحداث يناير 2011، كما أنه من مصلحة إسرائيل وباقي دول الجوار تمكن الجانب المصري من ضبط الأمن في شبه جزيرة سيناء لأنه يحمي المنطقة من خطر الإرهاب، ولذلك فقد جاء المطلب المصري بتعديل الاتفاق شرعيًا وقانونيًا فضلًا عن كونه منطقيًا.
من زاوية أخرى، فإن انتشار مزيد من قوات حرس الحدود في المنطقة “ج” من شأنه أن يزيد من إحكام القبضة على أعمال التأمين ومواجهة المخاطر الأمنية على طول الحدود الشرقية، وخاصة القطاع الشمالي منها الذي لطالما كان منفذًا استراتيجيًا لدخول المتطرفين والإرهابيين إلى الأراضي المصرية، فضلًا عن أنه يعني أن الجانب المصري بات أكثر قدرة على التحكم فيما يحدث وفيما يجب أن يحدث.
ووجود تعديل رسمي يعطي أيضًا مؤشرًا على أن التعديل ليس أمرًا مستبعدًا في المستقبل إذا اقتضته الحاجة، لأن الاتفاق وجد بالأساس لحماية المصالح المصرية. يأتي ذلك في الوقت الذي وُصف فيه التعديل الحالي بالإقرار بالأمر الواقع مع الأخذ بالاعتبار أن مصر كانت قد حققت اختراقًا سابق في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك عندما تم وضع قوات حرس حدود مصرية في عمق 1500 كيلومتر في المنطقة (ج)، وتحديدا في محور صلاح الدين، وتكمن أهمية التعديل الحالي في أن القوات المصرية تقدمت في المنطقة “ج” حتى أصبحت على الخط الحدودي الفاصل الدولي النهائي.
باحث أول بالمرصد المصري