السودان

تفاقم الأوضاع في السودان.. الوضعية الحرجة بين المكونين المدني والعسكري

في ضوء تصدع المشهد بين أطراف المجلس الانتقالي في السودان، والتعقيد المضاعف للوضعية الراهنة، تواترت أخبار في الثاني عشر من أكتوبر 2021 حول قرار حظر نحو 11 مسؤولًا سودانيًا من السفر، غالبيتهم أعضاء في لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وعلى رأسهم “محمد الفكي” عضو مجلس السيادة والرئيس المناوب للجنة إزالة التمكين، إلى جانب وزير شؤون مجلس الوزراء وعدد آخر من أعضاء لجنة إزالة التمكين، ولعل هذا الانتشار الواسع لهذا الخبر يأتي في إطار وضعية سياسية مضطربة خلال الفترة الراهنة تجلت بوضوح في تفاقم العلاقة بين المكون العسكري والمدني.

وبالرغم من نفى جهاز المخابرات العامة السودانية لهذا الخبر، وعدم صحة الأنباء الخاص بحظر مسؤولين من السفر، إلا أن لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو دفعت في مسار التسويق لهذا الخبر والتأكيد على وجود معلومات حول حظر 11 شخصًا من السفر وعلى رأسهم عضو المجلس السيادي محمد الفكي، وهو ما أوضحه “وجدي صالح” عضو لجنة التفكيك، مما أوجد حالة من الزخم لحالة التناقضات الداخلية.

سياق مضطرب

إن المتأمل لوضعية السياق الداخلي السوداني يجد أن هذا الموقف يأتي في ضوء سياق سياسي معقد يمكن توضيح مؤشراته في الآتي:

  • أزمة مركبة: تأتي تلك الأنباء في ضوء تفاقم أزمة شرق السودان وانتقالها بصورة موسعة إلى الشمال، وتصاعد وتيرة التظاهرات المضادة للمرحلة النهاردة، وفشل الحكومة السودانية في احتواء تلك التظاهرات التي تستهدف بشكل كبير إلغاء مسار شرق السودان للسلام، وذلك عبر الاحتجاجات المستمرة داخل تلك المنطقة الحيوية بالسودان والتي تضم ولايات البحر الأحمر وكسلا والقضارف، ورفض بعض القبائل لاتفاق السلام، ومطالبة المجلس الأعلى للقيادات الأهلية بتلك المنطقة بإلغاء مسار شرق السودان “اتفاق السلام”، وما تبعها من أعمال عنف من بينها غلق الميناء الرئيسي على البحر الأحمر إلى جانب غلق الطريق الذي يربط مدينة بورتسودان بباقي المناطق الأخرى، وتزامنه مع محاولة الانقلاب التي شهدها السودان في أغسطس 2021.
  • تصدع بيني: في ضوء اقتراب التداول السلمي للسلطة في السودان، هناك محاولات لإحداث تصدع بين المكون العسكري والمدني بغرض إفشال انتقال السلطة ومن ثٌم فتح المجال أمام التفكك بين هذين المكونين، وقد نجحت هذه الظروف وحروب الشائعات المختلفة من جانب القوى المناهضة للمرحلة الانتقال في إحداث هذا الشرخ، ووصل ذلك التصدع إلى حالة غير مسبوق في الفترة الأخيرة اتضحت معالمها في الاتهامات المتبادلة بين المجلس السيادي والحكومة السودانية، وكذلك الفشل في تهدئة الأوضاع بينهما ومعالجة القضايا العالقة.
  • توترات ضاغطة على الأمن القومي السوداني: لم تكن وضعية التناقضات الداخلية فقط هي المتغير الوحيد في ضوء معادلة أمن “القرن الأفريقي” بل ما تشهده الحدود السودانية الإثيوبية من اضطرابات أمنية؛ تجسدت في مواجهة عسكرية مع بعض القوات الإثيوبية التي اخترقت قطاع “أم براكيت” شرقي بمنطقة الفشقة الحدودية بين البلدين في السادس عشر من سبتمبر 2021، إلى جانب ضبط شحنة أسلحة بمطار الخرطوم الدولي في الخامس من سبتمبر 2021 عبر طائرة قادمة من أديس أبابا تتضمن 72 صندوقًا كان تستهدف تزويد قوات “الأمن الشعبي” الجناح العسكري لتنظيم الإخوان بالسودان والدعم الرئيسي للنظام السابق. كل تلك العوامل تُراكم من خطورة الموقف وتحقق إرباكًا أمنيًا على المستوى الاستراتيجي، وتشتيت القوات والأجهزة الأمنية السودانية. 

أهداف متعددة

إن حالة التصعيد المستمرة داخل السوداني من جانب كافة الأطراف وباستخدام كافة الأدوات ومن بينها الشائعات تأتي لجملة من الأهداف تتمثل في الآتي:

  • معادلة التجاذبات والتفكيك: إن توجه مجلس الوزراء السوداني بتشكيل لجنة من جهاز المخابرات العامة السودانية وعضوية من المجلس للتحقيق فيما حدث مؤخرًا حول وضع (11 شخصًا على قائمة الممنوعين من السفر)، يُمثل رغبة من المكون المدني في استقطاب للأجهزة الأمنية ذات الأهمية الكبيرة داخل الساحة السودانية وذات تاثير على مجريات الأمور في إطار رغبة هذا المكون في تحقيق توازن مع المكون العسكري، خاصة في ظل فشل بعض القوى الثورية والحزبية في إحداث هزة نوعية في العلاقة بين “البرهان” و “حميدتي” تحت مظلة تأسيس جيش موحد بين المؤسسة العسكرية وقوات الدعم السريع والفصائل المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، لذا تلجأ دائمًا القوى السياسية للأوراق البديلة وهو ما دفع بها إلى محاولة استقطاب المخابرات العامة لصالحها في ضوء تلك المعادلة المرٌكبة.
  • إرباك المشهد: إن أحد تجليات حرب الشائعات الإعلامية المختلفة والرهان على ذلك التكتيك يتمثل في استهداف كل طرف من أطراف المعادلة السياسية السودانية واستنزاف الأخر والتقليص من شرعية وجوده لإحداث إرباك داخل المشهد السياسي، وإفشال المرحلة الانتقالية، بل برز خط واضح يرمي إلى تفكيك المؤسسة العسكرية السودانية التي تُمثل جوهر العملية السياسية الراهنة في ضوء التحديات المختلفة التي يشهدها السودان، ومن ثٌم إعادة تدويل المشهد السياسي مرة أخرى، خاصة في ضوء تفاقم الأوضاع الداخلية على الصعيد السياسي والاقتصادي.
  • ضربات متعددة ومساعي لخلط الأوراق: شهدت الفترة اللاحقة لتأسيس لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو نهاية عام 2019 ضربات متعددة للعناصر الموالية للنظام السابق، ولعل أحد الإنجازات الحقيقية تمثلت في مصادرة أصول تمتلكها حركة حماس الفلسطينية في الثالث والعشرين من سبتمبر 2021، إذ إن هذا القرار الذي تضمن عدد 12 شركة، يأتي بالتزامن مع توجه السودان نحو بلورة استراتيجية واسعة لتفكيك حكم جبهة الإنقاذ والمصادر المختلفة التي كانت تعتمد عليها تلك الإدارة، وقد مثٌل هذا القرار ضربة قاسمة للعناصر الموالية لنظام “البشير” ومن ثٌم فإن هناك مساعي لخلط الأوراق وضرب المؤسسات المختلفة بعضها البعض، لعرقلة مسار المرحلة الانتقالية.

ختامًا؛ إن الوضع الراهن في السودان يشير بشكل كبير إلى تحرك ممنهج لضرب المؤسسات الوطنية الداخلية وعلى رأسها الأجهزة الأمنية، والعمل على استنزاف القدرات العسكرية ليس فقط على الجبهات الخارجية في مناطق التوتر مع إثيوبيا، بل عبر جر القوات العسكرية لنزاعات مسلحة في مسرح الضغوطات الداخلية كما هو الحال بالنسبة لدارفور ومناطق شرق السودان ومساعي بعض الأطراف لإفشال إتفاق السلام ودعم الحركات المسلحة مرة أخرى للعودة لحالة اللاستقرار الداخلي، مع الدفع في مسار التفكيك الداخلي من خلال إحداث تفكك بين المكون العسكري والمدني خاصة في ضوء اقتراب موعد تسليم السلطة للجانب المدني.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى