مصر

مدينة العدالة القضائية… نحو التحول إلى رقمنة القضاء وتسريع العدالة

شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم السبت، احتفالية يوم القضاء المصري، بمركز المنارة للمؤتمرات الدولية بالتجمع الخامس، في أول ممارسة عملية لقرار الرئيس في الثاني من يونيو الماضي بتخصيص الأول من أكتوبر يومًا للقضاء المصري. ويأتي تخصيص تلك الذكرى الدورية تتويجًا لمسيرة ممتدة لدعم المنظومة القضائية، هدفت لتحقيق العدالة الناجزة وتطوير منظومة العمل والنهوض بالجهات المعاونة للسلطة القضائية، خصوصًا فيما يتعلق بالتوسع في بناء دور العدالة واعتماد النظم الإلكترونية والرقمية الحديثة لعمل دوائر المحاكم وتوفير أوجه التدريب المستمر والتطوير اللازم لأعضاء الهيئات والجهات القضائية من الأجيال الجديدة، فضلًا عن تعزيز دور المرأة في السلطة القضائية بكافة أركانها.

و شملت الاستراتيجية تفعيل دور المجلس الأعلى للهيئات القضائية والتقريب بين الهيئات القضائية، بالتزامن مه إحداث طفرة في البنية التحتية لمنظومة القضاء وخدمات وزارة العدل اعتمادًا على الرقمنة والميكنة، بحيث أصبح متاح أمام المواطنين تحريك الدعوى إلكترونيًا ومتابعتها عن بُعد، فضلًا عن تحديث مصلحة الشهر العقاري ليشمل تقديم العديد من الخدمات التي يتم إتاحتها عن بُعد، إضافة إلى ميكنة ورقمنة الخدمات من خلال مكاتب التوثيق والشهر العقاري بمختلف المحافظات. وتزامن مع ذلك، تطوير مهارات العاملين في تلك القطاعات ورفع كفائهم للتعامل مع التطبيقات الحديثة.

كما طورت النيابة العامة آليات التتبع والتحقيق في الجريمة المنظمة والعابرة للحدود، كالاتجار في البشر، والإرهاب، والجرائم المالية، وغسل الأموال، محققة نجاحات على المستوى الإقليمي والقاري. وقد اهتمت النيابة العامة بتطوير قدرات شبابها حيث أبرمت بروتوكول تعاون مع الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب للارتقاء بقدرات العمل لدى أعصائها، صقل وتنمية خبراتهم وقدراتهم، لمواكبة كافة التطورات القانونية والإدارية والتقنية وتوفير متطلبات تحقيق العدالة الناجزة وضبط منظومة العمل الإداري وإرساء قيم ومعايير المساءلة والنزاهة والشفافية.

علاوة على ذلك، شهد العام الحالي خطوة مهمة في سبيل تحقيق المساواة في اعتلاء منصة القضاء على أساس معايير الكفاءة والتأهيل، حيث يبدأ تعيين النساء في مجلس الدولة والنيابة العاملة بداية من العام القضائي في أكتوبر الجاري، بما يمثل تطبيقًا عمليًا لأحكام المادة 11 من الدستور التي تنص على تحقيق المساواة بين المرأة والرجل وكفالة حق المرأة في تولي الوظائف القضائية.

ثم جاء قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء مدينة العدالة على مساحة 100 فدان بالعاصمة الإدارية الجديدة تتويجًا لجهود الدولة للارتقاء بالمنظومة القضائية، حيث اعتبرها المستشار عمر مروان وزير العدل “درة مشروعات وزارة العدل لتطوير العمل القضائي”، خلال كلمته اليوم بالاحتفال بيوم القضاء المصر.

مدينة العدالة القضائية

شهد اجتماع السيسي بالمجلس الأعلى للهيئات القضائية، في الثاني من يونيو 2021، الإعلان عن إنشاء مدينة العدالة بالعاصمة الإدارية الجديدة، حيث تقع في محيط الحي الحكومي والبرلمان ومجلس الشيوخ، بما يحمل رمزية لتكامل السلطات الثلاثة؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية، في نطاق جغرافي واحد ترسيخًا لأركان الجمهورية الجديدة بكافة مكوناتها. لكن هذه ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها فكرة إنشاء مدينة قضائية في العاصمة الإدارية، فقد ظهرت أولًا عام 2017، وفي مارس الماضي وجه الرئيس السيسي بدراسة إنشاء مدينة للعدالة بالعاصمة الإدارية والتي تتكون من:

• مجمع محاكم: يشمل مباني لجميع الجهات والهيئات القضائية، منها ديوان وزارة العدل، وملحقاتها سواء كانت مصلحة الطب الشرعي أو مصلحة الخبراء أو مصلحة الشهر العقاري، ورئاسات محكمتي النقض واستئناف القاهرة، ومقار للهيئات القضائية، ومقر جديد للمحكمة الدستورية العليا.

• أكاديمية القضاة: بغرض رفع المستوى العلمي للقضاة حيث تختص بإعدادهم جيدًا لممارسة أدوارهم القضائية، بالاستعانة بمركز دراسات قضائية.

• إسكان للقضاة: سيتاح للعاملين في مدينة العدالة التقديم والحصول على وحدات سكنية ضمن الوحدات التي توفرها الدولة للعاملين بالجهاز الإداري للدولة؛ فعقب قرار إنشاء المدينة عام 2017 سارعت الهيئات القضائية المختلفة بإرسال طلبات إلى رئيس مجلس إدارة العاصمة الإدارية لتخصيص قطع أراضي لإنشاء نادٍ اجتماعي لكل هيئة قضائية ووحدات سكنية، وقد وافق رئيس مجلس إدارة العاصمة على تخصيص قطعة أرض مساحتها 80 فدانًا، لإقامة نادٍ اجتماعي، ووحدات سكنية، لأعضاء هيئة قضايا الدولة وأسرهم، عقب مخاطبة مجلس إدارة نادى مستشاري هيئة قضايا الدولة، مطالبين بتخصيص قطعة أرض مساحتها 80 فدانًا.

كما أرسل نادى مستشاري هيئة النيابة الإدارية، طلب تخصيص قطعة أرض مناسبة لعمل كومباوند سكني خاص بأعضاء النيابة، وقد حصل نادي القضاة على موافقة بتخصيص قطعة أرض مساحتها 50 فدانًا لإقامة كمبوند سكني خاص بالقضاة وأعضاء النيابة العامة، كما حصل على موافقة بتخصيص 20 فدانًا لإنشاء ناد اجتماعي كبير لخدمة أعضاء النادي وأسرهم. وفي يونيو 2019، نشرت الجريدة الرسمية قرار اعتماد تخطيط وتقسيم قطعة الأرض رقم ro7-l5 بمساحة 45 فدانًا المخصصة لنادى قضاة مصر ضمن المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية لإقامة مشروع عمراني متكامل. وبموجب المادة الثانية من القرار، يلتزم نادى القضاة بعدم عرض وحدات المشروع للحجز أو البيع إلا بعد موافقة شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية، ويلتزم بالاشتراطات البنائية، وعدم تجاوز قيود الارتفاع المسموح بها من قبل وزارة الدفاع.

ويتفق إنشاء مدينة العدالة مع استراتيجية الدولة للتحول لعصر الرقمنة وتحقيق العدالة الناجزة، ويرجع ذلك إلى الآتي:

• سوف تعتمد المدينة على نظام الميكنة والتحول الرقمي الذي تتبناه الدولة المصرية، وقامت وزارة العدل بإدخاله في العديد من المحاكم ومقترحات الشهر العقاري والتوثيق مما يسهم في سرعة إنجاز القضايا، وهو ما يتفق مع جهود تنفيذ مبادرة “مصر الرقمية” وتوسيع التخصصات المستهدفة من المبادرة، بغية دعم الأداء الحكومي من خلال توفير أحدث الخدمات الرقمية للمواطنين على مستوى الجمهورية، في إطار استراتيجية هادفة إلى مضاعفة قدرات البنية المعلوماتية الرقمية للدولة، والسعي إلى استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مشروعات الدولة المختلفة.

• يتزامن إنشاء المدينة مع افتتاح الرئيس السيسي المجمع المتكامل لإصدار الوثائق المؤمنة والذكية، الذي يُعد صرحًا تكنولوجيًا عملاقًا فائق القدرات الفنية المتطورة في مجال تصنيع وإصدار الوثائق الثبوتية المؤمنة، بما يمثل قيمة مضافة لدعم استراتيجية الدولة للتحول الرقمي والميكنة خاصة ما يتعلق بالوثائق والبيانات والمحررات لجميع الجهات الحكومية.

• ضمان السرعة في الإنجاز والتسهيل على المواطن المصري في الحصول على خدمة جيدة خلال وقت قصير حيث سيتم تقريب وجهات التقاضي لتحقيق العدالة الناجزة.

• تتفادى مدينة العدالة الثغرات التي طالت المؤسسات القضائية القائمة الآن التي تؤثر سلبًا على بيئة العمل، فعلى سبيل المثال، يتسم مجمع محاكم شارع السودان بأن قاعاته صغيرة دون أية تهوية، يشعر فيها القاضي والمحامي بالاختناق وعدم الراحة. علاوة على ما يتعلق بالمظهر العام في تنظيم منظومة العدالة باعتباره أحد الأضلاع الأربعة في منظومة العدالة التي تشمل القاضي والمحامي والمتهم، فبحسب المستشار بهاء الدين أبوشقة، لابد من إضفاء الهيبة والقدسية على قاعات المحاكم، لعدم فقد الهيبة التي تعد نتيجة حتمية للمظهر، في وقت تحتاج العدالة إلى الهيبة الكاملة بين كل إضلاع مثلث العدالة دون إسقاط أي منها، حيث شهدت السنوات الأخيرة اختفاء المظهر تمامًا لدرجة أن محاكم الجنايات تعقد في بعض الشقق مثلما يحدث في دمنهور بعد تعرض المحكمة للحرق والإتلاف.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

ماري ماهر

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى