
العلاقات المدنية – العسكرية وتحديات الانتقال الديمقراطي في السودان
وجهت المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي شهدها السودان الأسبوع الماضي الأنظار نحو الدوافع التي أدت إلى ذلك المشهد الذي من شأنه تقويض المرحلة الانتقالية. ولعل طبيعة الأدوار التي تؤديها المؤسسات العسكرية والمدنية والعلاقات فيما بينهم؛ خاصة فيما يتعلق بصياغة الرؤى حول كيفية إدارة العملية الانتقالية، ربما تكشف عن الكثير من الأسباب والسياقات لكافة مظاهر التحدي التي تحيط بالمرحلة الانتقالية.
العلاقات المدنية – العسكرية
ولعل في التجاذبات وتبادل الاتهامات بين المكونين المدني والعسكري، وتحميل كل منهما للآخر مسؤولية ما حدث مؤشر ظاهري حول الأزمة بينهما، إضافة إلى الانقسامات داخل كل منهما. فبينما حمّل المدنيون المكوّن العسكري المسؤولية عمّا تشهده البلاد من تفلتات أمنية، يلقي الجانب العسكري باللوم على الانقسامات المدنية والحكومة وعدم استطاعة أيّ منهم تقديم تصورات متماسكة للخروج بالبلاد من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية.
وفي كل أزمة، يذهب الطرفان إلى كيل الاتهامات كل منهما للآخر. وفي التصريحات الأخيرة، على مدار الأسبوع الماضي، انعكاس لعلاقات معقدة ومتشابكة بين كافة الأطراف؛ فقد ذهب رئيس المجلس السيادي “عبد الفتاح البرهان” إلى حد تصريحه بإمكانية إلغاء الشراكة مع المكوّن المدني، مهددًا بعدم ترك جهة واحدة للاستئثار بالسودان، مع عدم ترك العمل التنفيذي للمدنيين. واستنكر “البرهان” التصريحات المدنية بتحميل المؤسسة العسكرية مسؤولية الانقلاب. وبدوره اتهمّ نائب رئيس المجلس السيادي ” حميدتي” التحالف الحزبي والمدني، معتبرًا أن فشل المدنيين في إدارة البلاد وإهمال خدمات المواطن الأساسية والانشغال بالصراع على الكراسي سبّب حالة تذمّر أدت لتكرار المحاولات الانقلابية.
واجه هذا الخطاب انتقادات واسعة من كافة القوى المدنية، التي رأت أنها “تهديد لعملية التحول الديمقراطي”، في حين اتهمّ رئيس الوزراء “عبد الله حمدوك” جهات داخلية وخارجية واقفة خلف الثورة، إضافة إلى اتهامات ممتدة إلى فلول نظام البشير، مع الدعوة إلى إعادة صياغة التحالف بين شركاء الحكم، وفقًا للرؤية التي تقدّم بها حمدوك في يونيو الماضي (الطريق إلى الأمام). وهي الرؤية التي لاقت دعمًا من مجلس السيادة، بهدف تجاوز الاحتقان السياسي الذي تعيشه البلاد.
غير أن الخلافات بين المكونات المدنية نفسها لا تزال السبب الرئيس في استمرار الشقاق بين المكونات المدنية. فلكل من حزبي الأمة والشيوعي على سبيل المثال رؤى مختلفة حول كيفية الإصلاح، وكذلك رؤى متمايزة بينهما وبين باقي مكونات الحرية والتغيير. وحتى الآن، لا تزال مبادرة إصلاح الحاضنة السياسية للحكومة المدنية تراوح مكانها؛ مع اتجاهات ترى تصاعد التحفظات من جانب بعض القوى المدنية على أداء الحكومة، واتجاهات أخرى ترى أن هذه المكونات لا تمتلك برنامجًا للعمل بالأساس، وإمكانية تجاوز حمدوك لها إذا كانت لديه الرؤية والبرنامج التنفيذي الذي يساعده على تجاوز خلافات الحرية والتغيير.
ويعكس تصريح ” البرهان” في هذا الصدد:” أن نهج الشراكة لن يتغير ولكنه سيدعم بالقوى التي تؤمن بالتغيير، مع إمكانية فتح الباب أمام قوى سياسية جديدة تؤمن بالمرحلة الانتقالية”. ويأتي ذلك بالتزامن مع مبادرة رئيس الوزراء لتحصين المرحلة الانتقالية.
وتعد الأزمات الاقتصادية من بين أبرز نقاط الخلاف بين المدني – العسكرية؛ فالإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الليبرالية، ساهمت في تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضدّ المكون المدنيّ. وهو الأمر الذي يجعل إدارة الحكومة المدنية للملف الاقتصادي محل انتقادات من الجهات العسكرية. ويرتبط بهذا الشأن الدعم الدولي للسودان، لإعادة اندماجه دوليًا، خاصة الدعم الذي يتلقّاه من الولايات المتحدة؛ والذي ينصبّ في أغلبه في دعم الحكومة المدنية والتحول الديمقراطي في السودان؛ إلى حدّ إصدار الكونجرس قانون دعم التحول الديمقراطي بالسودان والمساءلة والشفافية المالية لعام 2020، إضافة إلى العديد من الخطوات الداعمة للمدنيين، بما يحدّ من دور الجهات العسكرية، ويحصر دورها في الأنشطة التقليدية.
وبذلك فإن دعم التحول الديمقراطي والخروج من أزمات البلاد الاقتصادية، يأتي على حساب مستقبل وحدود الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسة العسكرية في البلاد، بما يفرض تنافر بين قادة المرحلة، على نحوٍ قد يؤدي إلى تقويض المسار الذي تسعى خلاله البلاد. وتربط بعض التحليلات بين الضغوط الاقتصادية وضغوط الاستثمار في السودان، وبين سيطرة الجيش على قطاعات اقتصادية هائلة، إضافة إلى سيطرة قوات الدعم السريع على مناجم ذهب بدارفور.
ويضاف إلى ذلك، الارتباطات والعلاقات الخارجية، ومنهجية صياغة العلاقات الخارجية مع الأطراف الإقليمية والدولية، والتي تعكس تقاطعًا بين الطرفين، وتكشف أيضًا عن حدود المواءمات والتنسيق الهشّ بين الجانبين، بما يؤشر على حجم الاختلافات الحاكمة لرؤى كافة الأطراف التي تدير العملية الانتقالية، ومن ثمّ التحديات في إقامة مؤسسات مهنية راسخة، لما بعد الانتقال السياسي.
وبينما يضغط المدنيون من أجل تسليم البشير للجنائية، وكذلك مضيّ لجنة تفكيك الإنقاذ في استبعاد فلول البشير من كافة الأجهزة والمؤسسات، بما فيها الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة؛ فإن هناك تناقضات داخل المؤسسات العسكرية حول تلك القضايا. لكن مؤخرًا ذهب قادة المجلس السيادي إلى بناء مساحات توافق مشتركة مع المدنيين في تلك القضايا؛ ربما لفك الارتباط بينهم وبين نظام الإنقاذ الذي انقلبوا عليه.
كذلك، يشكّل الموقف من الحركات المسلحة قضية خلافية، فبينما وقّعت الحكومة الانتقالية اتفاق جوبا للسلام، أكتوبر 2020، مع أغلب الحركات المسلحة، لا يزال الخلاف قائمًا بين كافة الأطراف حول الموقف من الحركات؛ فبينما نصّ الاتفاق على دمج الميليشيات في المؤسسة العسكرية، فإن قادة الحركات المسلحة أنفسهم يختلفون على حجم الأدوار والنفوذ الذي يحظون به وفقًا للاتفاق، وكذلك مختلفون على التصورات والرؤى المرتبطة بمستقبل الدولة، إضافة إلى اعتراضهم على وضعية قوات الدعم السريع، المفترض دمجها هي الأخرى في المؤسسة العسكرية، والتي يقودها “حميدتي” نائب رئيس المجلس السيادي؛ بما يشكل نقطة خلافية إضافية بين الحركات والجانب العسكري.
وهناك خلاف آخر بين المكون المدني والعسكري على وضع الحركات المسلحة؛ فالحزب الشيوعي المنسحب من الحرية والتغيير على سبيل المثال، يتحفظ على اتفاق الحكومة مع الحركات المسلحة، ويرى أنهم مجموعات ميليشيات حازت على نصيب من السلطة، بفعل امتلاكهم للنفوذ والسلاح. وبذلك يرى المدنيون فشل القيادات العسكرية في تطهير المؤسسة العسكرية من العناصر الإخوانية، إضافة إلى استمرار التفلتات الأمنية، واستمرار عمل الاقتصاد العسكري بمعزل عن وزارة المالية والمال العام، وهو الموقف الذي عبّر عنه رئيس الوزراء بأن نسبة كبيرة من الاقتصاد السوداني خارج وزارة المالية. وهي التصريحات التي ينفي بها المدنيون المسؤولية عن الأزمات السياسية والاقتصادية. وطالب حزب المؤتمر في هذا الخصوص بضرورة إخضاع الشركات الاستثمارية التابعة للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية لولاية وزارة المالية.
وبالإضافة إلى دعوات توحيد الصف المدنيّ، وإعادة هيكلة تحالف الحرية والتغيير، تبرز الحاجة إلى أهمية هيكلة المؤسسات الأمنية وكذلك إنفاذ الترتيبات الأمنية، وفقًا لاتفاق جوبا للسلام. وكذلك الاخفاقات المدنية وضعت أمام قادة المرحلة ضرورة الإسراع في بناء جيش مهني موحد وتنفيذ الترتيبات الأمنية وتطوير المنظومة العسكرية والأمنية وبناء الجيش المهني الواحد وتنفيذ الترتيبات الأمنية. فدعا كل من رئيس الوزراء قوى الحرية والتغيير إلى إصلاح الأجهزة الأمنية، وإنفاذ الترتيبات الأمنية. وحذّر حمدوك من حالة التشظي داخل المؤسسة العسكرية، داعيًا إلى ضرورة التنسيق بين المدنيين والعسكريين.
الترتيبات الأمنية
لا يزال التعثر يحيط ببند الترتيبات الأمنية وفقًا لاتفاق السلام. وتهدف مبادرة رئيس الوزراء للدفع نحو إصلاح المؤسسة العسكرية وضمان دمج مقاتلي الحركات المسلحة فيها بما في ذلك قوات الدعم السريع شبه العسكرية وذات النفوذ الواسع في البلاد.
وعلى الرغم من إقرار كل من المدنيين والعسكريين بضرورة إعادة هيكلة المؤسسات العسكرية، إلا أن المكون العسكري ينطلق من مبدأ عسكري استراتيجي يحصر الهيكلة مهنيًا في تخطيط وإعادة تنظيم وتشكيل القوات المسلحة وفق المبادئ والنظم العسكرية، دون استهداف أيّ مكوّن سياسي، بخلاف المدنيين الذين يرون ضرورة استبعاد كافة المحسوبين على نظام الإنقاذ.
ويبدو هذا الخلاف صعبًا لصعوبة تحديد أشخاص دون غيرهم في المؤسسة العسكرية بأنهم منتسبي النظام السابق. إضافة إلى تلك النقطة، يثور خلاف آخر بين المدنيين والعسكريين، يرتبط بوضع المؤسسة العسكرية بشكل عام، في ضوء لجنة إزالة التمكين، التي تعمل على مصادرة أملاك العسكريين، المحسوبين على النظام السابق، وهو ما عبر عنه “البرهان”، بأن المحاولة الانقلابية الأخيرة كانت نتيجة حتمية لهذه المظالم.
ولكن يظل التوافق على إعادة هيكلة القوات المسلحة هو محل الاتفاق، ففي منتصف أكتوبر 2019، صدرت قرارات بإعادة هيكلة الجيش السوداني، قضت بإلغاء نظام رئاسة الأركان المشتركة الذي اتبعه حكم عمر البشير، والعودة للعمل بالنظام القديم “هيئة الأركان. وكانت هذه البداية لخطوات إعادة الهيكلة. وتستند عملية إعادة الهيكلة على ما اتفق عليه في الوثيقة الدستورية وكذلك اتفاق السلام.
اشتملت الوثيقة الدستورية في بندها الخامس عشر على قضايا السلام الشامل، وضرورة عمل أجهزة الدولة الانتقالية على تحقيق السلام الشامل، وإنهاء الحروب بمخاطبة جذور المشكلات السودانية، ومعالجة آثارها مع الوضع في الاعتبار التدابير التفضيلية المؤقتة للمناطق المتأثرة بالحرب والمناطق الأقل نموًا، وكذلك معالجة قضايا التهميش والمجموعات المستضعفة والأكثر تضررًا.
كذلك أعطى الاتفاق الأولوية للعمل على إتمام اتفاق السلام الشامل، والعمل على وقف العدائيات في مناطق النزاعات وبناء عملية السلام الشامل والعادل، من خلال فتح الممرات لوصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الأسرى والمحكوم عليهم بسبب الحرب، وكذلك إصدار العفو العام ضدّ الحركات السياسية وقادة الحركات المسلحة. ونصت الوثيقة كذلك في المادة (69) على قضايا السلام الجوهرية، التي من أهمها في هذا الصدد، خصوصية المناطق المتأثرة بالحرب، وكذلك بند الترتيبات الأمنية. ونصت الوثيقة على إدراج اتفاق السلام الموقع بين الحكومة الانتقالية وقادة الحركات المسلحة في هذه الوثيقة ضمن أحكامها.
وفي أكتوبر 2020، وقعّت الحكومة الانتقالية اتفاق جوبا للسلام، مع ممثلي بعض الحركات المسلحة، وضمّ الاتفاق بند الترتيبات الأمنية، الذي اشتمل على وقف إطلاق النار والقيادة والسيطرة والشرطة والمخابرات العامة وقوة حفظ الأمن في دارفور. واشتمل الاتفاق ضمن بنود الترتيبات الأمنية على دمج أفراد الجماعات المسلحة في قوات الأمن الوطنية. ونصّ اتفاق جوبا على مجموعة من الترتيبات الأمنية، التي تشمل المناطق المختلفة في كل من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرها. وتشمل تلك الترتيبات مجموعة من القضايا الواسعة، مثل ترتيبات وقف إطلاق النار وإعادة دمج القوات المسلحة وتوحيد الجيش ونزع السلاح وإصلاح قطاع الأمن والاتفاق على الهيئات التي ستتولى وقف إطلاق النار، وترتيبات التدريب والدمج والتسريح.
وفيما يتعلق بالقيادة والسيطرة، تضمن الاتفاق عددًا من البنود الخاصة بكيفية تنظيم القيادة والسيطرة على قوات الأمن، وفيما يلي الإشارة إلى المؤسسات والهياكل الأمنية، والتصورات حول أدوارها، وفقًا لأطراف عملية السلام: مهام المؤسسة العسكرية وصلاحياتها، والتي يحددها اتفاق جوبا ويحصرها في حماية المواطنين والوطن والدستور، على نحو الدساتير الوطنية الحديثة. ونص الاتفاق كذلك على تشكيل اللجنة العسكرية العليا المشتركة للترتيبات الأمنية، والتي تعتبر أعلى مستوى في مستويات اتخاذ القرار في القضايا الأمنية بموجب اتفاق جوبا، والمسؤولة عن الإشراف على تنفيذ اتفاق السلام، وممارسة القيادة والسيطرة على جميع آليات الترتيبات الأمنية، بما في ذلك وقف إطلاق النار، ووقف الانتهاكات والتحقيق بشأنها.
وعن الهيئات المنوط بها تولي الرقابة، نصّ مسار دارفور على تولي مجلس الأمن والدفاع مسؤولية وضع خطة عامة لإصلاح مؤسسات الأمن القومي. مجلس السيادة ومجلس الوزراء وهما يتوليان الإشراف على تنفيذ الترتيبات الأمنية. كما تتولى لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الانتقالي مسؤولية الترتيبات الأمنية وخطة الإصلاح العام. ونصّ الاتفاق كذلك على دمج القوات ووضع معايير لذلك، وكذلك إصلاح أجهزة الشرطة. والتي حدد صلاحياتها وتمّ تعريفها بأنها أجهزة لإنفاذ القانون، وأن قيادتها وعضويتها وطنية، وعملياتها ولائية ولها إدارات اتحادية تنفذ واجباتها ومهامها الاتحادية. كما تمّ الحديث في مسارات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان على دمج أعضاء القوات المسلحة إلى قوات الشرطة.
كذلك نصّ الاتفاق على دور المخابرات العامة، ومثل بقية الترتيبات الأمنية، تمّ تحديد مهام الجهاز، التي منها على سبيل المثال:
- حفظ الأمن السوداني القومي، وحماية دستوره ونسيجه الاجتماعي، وسلامة مواطنيه من أي خطر، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الأخرى.
- جمع المعلومات المتعلقة بأمن السودان، وتحليلها وتقييمها، والتوصية باتخاذ التدابير الوقائية اللازمة.
- إجراء جميع التحقيقات الضرورية.
- إجراء تحليل وتقييم للرأي العام السوداني وتقديمها للجهات المختصة.
ومثل كافة الأجهزة الأخرى، نصّ الاتفاق كذلك على دمج القوات والأطراف الموقّعة على الاتفاق في جهاز المخابرات. ولعل هذا سيخلق تحديًا عمليًا يتمثل في توسعة الجهاز أكبر مما كان عليه. ونصّ الاتفاق أيضًأ على تشكيل قوة لحفظ الأمن في دارفور، قوامها 12 ألف جندي، نصفهم من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والشرطة والمخابرات العامة، والنصف الآخر من الجماعات المسلحة. ونص الاتفاق على المسؤولية الدستورية والأخلاقية والسياسية لحكومة السودان في حماية المدنيين.
ولا يزال وضع هذه القوات محل تساؤل، إضافة إلى مستقبل البعثة الأممية في دارفور، هذا في ظل استمرار المعاناة الإنسانية والاضطرابات المدنية في دارفور. ولا يزال الموقف من قوات الدعم السريع يقف حجر عثرة أمام، إضافة إلى الموقف من الحركات المسلحة، لكن في الإجمال لا يزال المكون العسكري المسيطر على عملية إصلاح قطاع الأمن، بما يحدّ من دور السلطات المدنية في السيطرة على واحد من أكثر التحديات الشائكة في السودان.
أخيرًا، لم يسهم اتفاق تقاسم السلطة بين المكونين العسكري والمدني، في إدارة المرحلة الانتقالية كما هو متفق عليه، بل كانت الخلافات والانقسامات هي الحاكمة للمشهد. ولعل كافة الترتيبات والاتفاقات فيما بعد، شهدت تعثرًا، إلى الحدّ الذي يدفع الأطراف بإعادة النظر في الاتفاقات الأولى لتقاسم السلطة. وبدلًا من المضيّ قدمًا في إنفاذ الترتيبات الانتقالية، فإن الأطراف أصبحت في حالة إلهاء بإعادة ترتيب شكل التحالفات، التي يمكنها المساهمة في إنفاذ الانتقال الديمقراطي.
وهو الأمر الذي يفاقم من الغضب الشعبي، لاعتبارات تتعلق بانقسام النخب السياسية والعسكرية، وعدم استطاعتهم تقديم نموذج بديل عن النظام البائد. بل تتخذ المؤسسات العسكرية خطوات لتعظيم نفوذها على المدى القصير، في خطوة لتعظيم دورها في مرحلة ما بعد الانتقال الديمقراطي. وهو ما عبّر عنه “البرهان” عقب المحاولة الانقلابية بقوله إن وضعية القوات المسلحة في الهيكل التنظيمي لما بعد الفترة الانتقالية وفي إطار الديمقراطية يحصّن المؤسسة العسكرية من الانقلابات. وفي الأخير سيعتمد نجاح المؤسسة العسكرية السودانية على قدرتها في توحيد الأجهزة الأمنية في السودان، والحفاظ على دورها المهيمن على الاقتصاد، وهو ما يرفضه المدنييون ويحدّ منه القانون الأمريكي لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية