
“الصحة الإنجابية” للمرأة المصرية.. جهود مستمرة وخطوات ملموسة
تعد الرعاية الصحية المقدمة للمرأة، أحد أهم القضايا الأساسية التي تساعد على التمكين وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتعتبر قضية الصحة الانجابية من القضايا التي تؤثر في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ أن النساء اللاتي يتمتعن بصحة إنجابية جيدة أكثر ميلًا إلى الاستثمار في الصحة والتعليم لهن ولأطفالهن.
وحل اليوم العالمي لوسائل تنظيم الأسرة في السادس والعشرين من شهر سبتمبر الجاري، في وقت تكافح فيه معظم الدول تداعيات جائحة كوفيد-19 والتي أثرت تأثيرًا مباشرًا على تقديم الخدمات خاصة في مرافق الرعاية الصحية وخدمات تنظيم الأسرة. ومن ثم يلقي هذا التقرير الضوء على جهود الدولة المبذولة في توفير رعاية صحية آمنة للمرأة المصرية.
مفهوم الصحة الانجابية
يعني مفهوم الصحة الانجابية حسب منظمة الصحة العالمية “بالوصول إلى حالة من اكتمال السلامة البدنية والنفسية والعقلية والاجتماعية في الأمور ذات العلاقة بوظائف الجهاز التناسلي وعملياته وليس فقط الخلو من الأمراض والإعاقة وهي تعد جزءا أساسيا من الصحة العامة تعكس المستوى الصحي للمرأة في سن الإنجاب”.
وترتبط الصحة الانجابية ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الحقوق الإنجابية والتي تعني حسب تعريف منظمة الصحة العالمية: بالحق الأساسي لجميع الأزواج في أن يقرروا بحرية ومسؤولية عدد وتباعد وتوقيت أطفالهم وأن تكون لديهم المعلومات والوسائل اللازمة لذلك، أيضا حق الجميع في اتخاذ القرارات المتعلقة بالإنجاب دون تمييز أو إكراه أو عنف.
وتشمل الصحة الإنجابية، توفير خدمات صحية جيدة للأم أثناء الحمل والولادة والنفاس، وتوفير خدمات تنظيم الأسرة، والكشف المبكر والاحالة والعلاج للأمراض ذات العلاقة بالإنجاب كالسرطانات التي تصيب المرأة، اضافة إلى الفحص الطبي قبل الزواج، والوقاية من أمراض ما بعد سن الانجاب، وأخيرًا التثقيف والاعلان عن كافة تلك الخدمات.
ويؤثر تبني خدمات الصحة الانجابية ايجابيًا على طريقة تناول القضايا السكانية إذ أن تنظيم الأسرة من الوسائل الأساسية لكبح جماح النمو السكاني وما ينجم عنه من آثار سلبية على الاقتصاد والبيئة وجهود التنمية التي تُبذل على الصعيد الوطني.
مؤشرات الصحة الانجابية في مصر
تعتبر معدلات الخصوبة المرتفعة من التحديات التي تواجه واضعي الخطط السكانية، حيث يبلغ معدل الانجاب الكلي ثلاثة أطفال لكل سيدة في عمر الانجاب ثم اخذ في التراجع إلى 2.9 في عام 2020.
كما بلغ معدل انتشار وسائل منع الحمل حوالي 58.5% حسب نتائج المسح الديموغرافي الصحي لعام 2014، وأظهرت الدراسات التحليلية نمطًا للإنجاب غير الصحي حيث إن 40% من الولادات الحية سنويًا هي لولادات طفل رابع أو أكثر، او لأم يزيد عمرها عن 40 عاما او يقل عن 18 عاما، أو أن فترة المباعدة بين الولادات أقل من عامين.
ويرتبط المستوى التعليمي ومستوى الفقر ارتباطًا وثيقًا بالصحة الانجابية، فقد أشار المسح الديموغرافي إلى أن النساء غير المتعلمات اللاتي يعشن تحت خط الفقر ينجبن عددا أكبر من الأطفال.
وفي مسح أجراه مركز “بصيرة” بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة والبنك الدولي بخصوص إدراك المرأة المصرية بشأن القضايا المتعلقة بالصحة الانجابية لعام 2018، أظهر المسح أن 54% من النساء المتزوجات” 15-49″ اللاتي سئلن بخصوص العدد المثالي للأطفال. أجبن باثنين أو اقل، بينما أجاب 34% بثلاثة أطفال، وأجاب 9% بأربعة أطفال أو أكثر.
الاستراتيجية القومية للصحة الانجابية
اهتمت الدولة المصرية بقضية الصحة الانجابية، وأصدر المجلس القومي للسكان “الاستراتيجية القومية للصحة الانجابية من 2015-2020“، ركزت الاستراتيجية على ثلاثة محاور، أولًا؛ دعم وتعزيز النظام الصحي بما يضمن تحقيق الاستدامة المالية والسياسية والمؤسسية اللازمة لخدمات الصحة الانجابية. وثانيًا؛ رفع الوعي المجتمعي بالحقوق الخاصة بالصحة الانجابية لتبني سلوكيات واختيارات انجابية سليمة. ثالثًا؛ تطوير ودعم برامج الصحة الانجابية والجنسية للمراهقين والشباب.
وأفردت الاستراتيجية محورًا خاصًا بتنظيم الأسرة والصحة الانجابية، يهدف إلى توفير رصيد كاف من وسائل تنظيم الأسرة، لتلبية احتياجات القطاع الحكومي والأهلي والخاص، وتوسيع نطاق اتاحة خدمات تنظيم الاسرة خاصة في المناطق الفقيرة والمحرومة.
مبادرات رئاسية
استهدفت المبادرات الرئاسية برامج لعلاج الأمراض المتعلقة بالصحة الانجابية للمرأة وتمثلت في التالي:
- مبادرة 100 مليون صحة لدعم صحة المرأة المصرية: أطلقت في عام 2019، واستهدفت فحص 30 مليون امرأة مصرية لمن هن فوق 18 عاما، بهدف الكشف المبكر عن أورام الثدي، وغيرها من الأمراض غير السارية، وتقديم خدمات تنظيم الاسرة، ونفذت المبادرة على ثلاث مراحل، وقد بلغ عدد المستفيدات من المبادرة حوالي 13 مليون امرأة حتى عام 2021.
- مبادرة العناية بصحة الأم والجنين: انطلقت في مارس عام 2020، وتمكنت المبادرة من فحص مليون و100 ألف سيدة، وتستهدف المبادرة الكشف المبكر عن الإصابة بفيروس “بي” وفيروس نقص المناعة البشري ومرض الزهري للسيدات الحوامل، بالإضافة إلى خفض وفيات الأمهات الناجمة عن تلك الأمراض، كما تشمل أيضًا متابعة حالة الأم والمولود لمدة 42 يومًا بعد انتهاء الحمل لاكتشاف عوامل الخطورة على الأم أو المولود كافة، واتخاذ الإجراءات المناسبة إضافةً إلى صرف المغذيات الدقيقة اللازمة في فترة النفاس.
- مبادرة الكشف للراغبات في الإنجاب: وجه الرئيس بتنفيذها في أغسطس 2021، وتستهدف المبادرة الكشف والتوعية للراغبات في الإنجاب عن الأمراض الخطيرة التي قد يصاب بها الأطفال وينجم عنها أجيال غير أصحاء في المستقبل.
جهود مستمرة
حسب تقرير التنمية البشرية 2021, فان وزارة الصحة أتاحت خدمات وسائل تنظيم الأسرة والصحة الانجابية من خلال الوحدات الثابتة والمتنقلة على مستوى مصر بأسعار رمزية، كما تتاح تلك الخدمات مجانًا في القرى الفقيرة وذلك تماشيًا مع الاستراتيجية القومية للصحة الانجابية.
كما نظمت الوزارة عديدا من الحملات التوعوية المتعلقة بالصحة الانجابية وتنظيم الأسرة في عديد من المحافظات والمناطق النائية، فبلغ عدد المستفيدات من خدمات الصحة الانجابية إلى ثمانية ملايين سيدة خلال الفترة من عام 2014 حتى عام 2020، وبلغ عدد السيدات المستفيدات من نظام التأمين الصحي حوالي 10 ملايين سيدة خلال نفس الفترة. مما أثر بشكل ايجابي على معدل وفيات الامهات فانخفض من 52 حالة وفاة من كل 100 ألف مولود في عام 2013، إلى 44حالة في عام 2018. مما يدل على كفاءة َالسياسات الموجهة نحو خفض معدلات وفيات الأمهات من قبل الحكومة المصرية.
مجمل القول، تتخذ الدولة المصرية خطوات ثابتة فيما يخص الرعاية الصحية للمرأة على مستوى الاستراتيجيات والمبادرات الرئاسية بجانب الجهود المستمرة لوزارة الصحة إلا أن تحديث البيانات وتنفيذ مسح صحي شامل على غرار أعوام 2005، 2008، و 2014 سيمكن من متابعة وتقييم جودة خدمات الصحة الانجابية المقدمة وأثرها على الملف السكاني وغيره من الملفات الأخرى.
باحثة ببرنامج السياسات العامة