أفريقيا

ديون إثيوبيا السيادية غير مرغوبة

انخفض تصنيف الديون السيادية الاثيوبية من “B-” إلى “CCC+” من جانب وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز معللة ذلك التراجع في التصنيف إلى حالة عدم الاستقرار السياسي والتي تسببت في اندلاع حرب قبل عشرة أشهر بين القوات الفيدرالية الأثيوبية الموالية لجبهه التحرير تيجراي الشعبية والتي تسببت في تأزم الاوضاع الإنسانية والتراجع الاقتصادي والتأخر في هيكلة الديون السيادية الاثيوبية، هذا فضلا عن اصدار الولايات المتحدة الامريكية لأمر تنفيذي يتيح تطبيق عقوبات على أطراف النزاع في اثيوبيا فما هي انعكاسات تلك الأحداث الجوهرية.

الوضع السياسي

تعود بداية الأزمة لشهر نوفمبر من عام 2020، حيث زهقت الاف الأرواح ونزح الاف من الاثيوبيين نتيجة للصراع المسلح بين بين تحالف أبي أحمد وتحالف التيجراي، وعلى الرغم من ذلك جاء قرار الحكومة الاثيوبية مخالف لمصلحة الاثيوبيين حيث قررت التصعيد والدخول في حرب بدلا من التهدئة والسعي للوصول إلى حل سياسي يجتمع عليه الفرقاء، متجاهله حالة الغليان الاجتماعي والكره الذي أصبح يملئ المكان بين قوميتي أمهرا وتيجراي الأمر الذي تسبب في اتساع دائرة الصراع ودخول اطراف وحلفاء اقليميين في الأزمة في محاولة للسيطرة على الأوضاع، لكن تلك التدخلات لم تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح وانتشرت حالة عدم الاستقرار في منطقة القرن الافريقي. وعلى الرغم من أن الاعداد العسكري للقوات الحكومية وحلفائها كان أكبر بكثير من خصمها من تحالف قوات التيجراي، إلا أن الواقع كان له رأي أخر حيث حققت قوات دفاع التيجراي وحلفائها انتصارات كبيرة وتوغلت بشكل أكبر في الإقليم واتسعت سيطرتها على بعض المدن، الأمر الذي تسبب في انهيار جزء كبير من الجيش الاثيوبي خاصة مليشيات “فانو” الأمهرية (سيئة السمعة في الأساس). لا يحمل الصراع الطابع السياسي فقط بل يمتد ليكون صراع ديني إذ شهدت اثيوبيا تصاعدا لمظاهر العنف الديني الأمر الذي يشكل تهديدا وجوديا للدولة الاثيوبية، ولعل ابرز مظاهر العنف التي شهدتها اثيوبيا كانت في بلدتا أساسا ودودولا من صراع دموي وهو الأمر الذي تسبب في مقتل 10 أشخاص على الأقل، وحرق ونهب الممتلكات بتلك المناطق، وفرار الاف من المواطنين من منازلهم واللجوء إلى المنازل والمساجد، اشتباكات أخرى مماثلة وقعت في أدما وهو الأمر الذي ترتب عليه إصابة أكثر من 40 شخصا، وتدمير أكثر من 20 منزلا، وأضرار جسيمة اصابت الممتلكات المسيحية بمنطقة بيل روب، تلك الصراعات يمكن تصنيفها بمصطلح العنف بين الأديان. ليست تلك هي الدلائل الوحيدة على الصراع الديني حيث شهد شهر ديسمبر 2019 حرق أربعة مساجد لتصبح هي والأرض سواسية وتعرض منازل المسلمين للتدمير والنهب في بلدة موتا (250 كم شمال غرب أديس أبابا).

الأوضاع الإنسانية

تسببت تلك الحالة من عدم الاستقرار السابق وصفها في مقتل الالاف ونزوح أكثر من 2 مليون مواطن اثيوبي من منازلهم، خاصة مع اتساع دائرة الصراع لتمتد من تيجراي إلى مناطق أمهره وعفر المجاورة في شمال البلاد أيضا، والتي تسبب القتال في تلك المنطقتين فقط في نزوح مئات الالاف من الأشخاص ووضع حوالي 1.7 مليون مواطن في وضع يحتاجون فيه لمساعدات إنسانية، كانت لتلك الأوضاع الإنسانية المتدنية سببا لإعادة نظر الولايات المتحدة الأمريكية في احتمالية فرض مزيد من العقوبات على أطراف الصراع في شمال اثيوبيا، وهو الأمر الذي يسمح للحكومة الأمريكية باتخاذ إجراءات عقابية ضد أعضاء الحكومتين الاثيوبية والإريترية وجبهة تحرير التيجراي وحكومة الأمهرة الإقليمية، إذا ما لعبو دورا في إطالة امد الصراع وعرقلة جهود المساعدات الإنسانية. وبالطبع رد رئيس الوزراء الاثيوبي عبر حسابة على تويتر متهما الولايات المتحدة بالفشل في دعم الحكومة الأثيوبية في كفاحها ضد جبهة تحرير التيجراي، مشيرا إلى أن السياسة الأمريكية في الفترة الأخيرة أصبحت لا تقف بجوار الحكومة الاثيوبية. لكن تقارير الولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى أنه هناك أكثر من 5 مليون مواطن داخل تيجراي يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وتسبب الاقتتال في تلك المناطق في وصول 10% فقط من تلك المساعدات واصفا الوضع الاثيوبي بأنه أحد أسوأ الأمور الإنسانية وأزمات حقوق الإنسان في العالم، 

الدين الخارجيالدين الي الناتج المحلى الإجماليالناتج المحلى الإجماليالدين الخارجي للناتج المحلى الاجمالىالناتج المحلى الإجمالي للفردالنمو الاقتصادي سعر صرف العملة احتياطي النقد الأجنبي عجز ميزان المدفوعات
2021107.651.99%46.02
202059%107.65623.16.06%32.15
201928.28857%95.9129.5%602.639.04%27.86
201827.7960%84.2733.0%570.657.70%27.25-974
201726.2336%81.7732.1%548.4210.21%22.26491
201623.4735%74.331.6%514.068%21.13-1264
201520.51932%64.5931.8%482.6419.99-145
201416.94532%55.6130.5%449.4219.11330
201312.58429%47.6526.4%419.1818.32-708
201210.46427%43.3124.2%389.9417.36
20118.60626%31.9526.9%369.2

الاوضاع الاقتصادية

يعاني الاقتصاد الاثيوبي من عجز دائم بالموازنة العامة بحوالي 2.5 – 3.0% وفقا للأعوام الأخيرة من 2018 – 2020، وانخفاض في الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مستوى 2.8 مليار دولار في عام 2021، و2.35 في عام 2020 مقابل الأعوام من 2016 – 2017 والتي بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر لأثيوبيا بها 4 مليار دولار. تلك الفجوة التمويلية في الاستثمارات ومساعي اثيوبيا الطموحة أن يكون لها تواجد إقليمي قوي والانفاق على مشروعات بنية تحتية بالبلاد تستنزف قدر كبير من العملات جعلها تلجأ للاستدانة الخارجية بشكل كبير لترتفع ديون اثيوبيا الخارجية (بعملة الدولار الأمريكي) بشكل كبير في العشر سنوات السابقة من 8.6 مليار دولار في عام 2011 لتصل إلى 28.28 مليار دولار في عام 2019 (ارتفاع بمقدار 3.28 مرة) محققة معدل نمو سنوي مركب في دينها الخارجي بنسبة 6.7% سنويا، هذا فضلا عن التوسع في الاستدانة الداخلية حيث ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالي من 26% في العام 2011 لتصل إلى 59% في عام 2020، بالطبع ذلك النمو في الاستدانة الخارجية والداخلية في تعزيز قدرة الاقتصادي الاثيوبي على النمو حيث نمي الاقتصاد الاثيوبي بمتوسط معدل نمو سنوي مركب خلال العشر سنوات المنقضية بنسبة 13% سنويا (31.95 مليار دولار في عام 2011 إلى 107.65 مليار دولار في عام 2021).

لكن على النحو الأخر انهارت قيمه العملة الاثيوبية بمقدار 2.65 مره حيث انخفضت قيمة البير الاثيوبي من 17.36 بير لكل دولار في عام 2011 إلى 46.02 بير لكل دولار في عام 2021 (انخفضت قيمة العملة بنسبة 30% في عام 2020 فقط، وحيث أن اثيوبيا هي دولة تعتمد على الاستيراد لتوفير احتياجاتها من السلع فقد ارتفع معدل التضخم بالبلاد ليصل إلى 30% في عام 2021 مقابل 19% في عام 2020 ومن الجدير بالذكر معدل التضخم في اثيوبيا كان متوسطة 8% في الفترة من 2014 – 2017.

لتبدأ اثيوبيا محادثات لإعادة هيكله ديونها المتراكمة مع مجموعه G20 بهدف إعادة هيكلة ديون بقيمة 1 مليار دولار، حيث أشار موقع وزارة المالية الاثيوبية عبر موقعه على الانترنت أن تلك الخطوة تساهم في توفير فتره سماح لأثيوبيا تصل إلى 6 سنوات وتسمح بتمديد اجل الدين إلى عشر سنوات، وفي خطوة سابقه لذلك الإعلان كان شركاء اثيوبيا التجاريين قد وافقوا على تأجيل دفع 2.5 مليار دولار من أصل الدين والفوائد المستحقة عليه لمدة 5 سنوات بموجب خطة إعادة الهيكلة للديون الخارجية، يأتي ذلك الإعلان بعد أن طلب اثيوبيا في يناير الماضي إعادة جدولة ديونها بموجب الاطار المشترك لمجموعه العشرين G20 وهي المبادرة التي تساهم في تخفيف عبئ الديون على الدول الفقيرة والتي تأثرت بوباء الكورونا، بهدف خلق مساحة مالية لكوريا للتوسع في الانفاق التنموي وتقليل المخاطر اتلي تترتب على إعادة جدولة التزامات خدمة الديون، وكانت اثيوبيا في وقت سابق (16 سبتمبر 2021) قد طلبت من صندوق النقد الدولي تسهيلات ائتمانية جديدة ضمن برنامج الإقراض القائم بين الصندوق واثيوبيا (يتضمن ذلك البرنامج حصول اثيوبيا على قروض من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.95 مليار دولار خلال الفترة من ديسمبر 2019 وحتى نوفمبر 2022 حصلت منها اثيوبيا حتى مايو 2021 على مبلغ 879.55 مليون دولار، ومن المتوقع أن تحصل أثيوبيا على 1075 مليون دولار خلال ثلاث دفعات 15 نوفمبر 2021، 15 مايو 2022 و15 نوفمبر 2022 تبلغ قيمة كل دفعه 358.33 مليون دولار).

انعكاسات سلبيه

لكن تلك المحاولات السابقة لن تخفي المخاطر السياسية المرتفعة في اثيوبيا جراء الحرب الضارية التي تدور على ارضها وهو ما دفع وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز مراجعة التصنيف السيادي لإثيوبيا نتيجة لتأخرها في جدولة ديونها وهو ما يعني أنها تري أن احتمال تعثر اثيوبيا عن سداد ديونها أصبح تهديدا يلوح في الأفق مشيره في تقريرها إلى أن تلك الحرب تشكل مخاطر سياسية تهدد سد فجوة التمويل الاثيوبية من خلال التمويل الخارجي (استثمار اجنبي مباشر أو قروض)، وهنا يشير التقرير أن مفاتيح اللعبة الأن أصبحت في يد الأسواق المحلية بالبلاد لتمويل العجز في البلاد وحتى العام 2024 وفقا لتوقعات الوكالة، ويأتي خفض التصنيف الائتماني لإثيوبيا لتوصل مؤسسة التقييم إلى نتيجة مفادها أن الدائنين التجاريين لإثيوبيا قد يجدون أنفسهم مجبرين على الدخول في خطط إعادة هيكلة الديون وهو ما قد يتسبب في زيادة الضغوط على قدرة اثيوبيا على الحصول على تمويل خارجي جديد، خاصة في ظل الأمر التنفيذي الذي وقع عليه الرئيس الأمريكي جو بايدن والذي يسمح بتطبيق عقوبات اقتصادية جديدة على الحكومة الاثيوبية ويمنح وزارة الخزانة الأمريكية و وزارة الخارجية الأمريكية سلطة محاسبة المسؤولين في الحكومة الإثيوبية وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الضغوط الاقتصادية على الدولة الإثيوبية التي تعاني بالفعل من تكلفة الحرب والمجاعات التي تسببت فيها الصراعات الداخلية، هذا فضلا عن كون تلك العقوبات ستقيد قدرة اثيوبيا على الحصول على تمويل دولي، وقد تضغط الولايات المتحدة الأمريكية على اثيوبيا من خلال حرمانها من الاستفادة من قانون النمو والفرص (اجوا) والذي تطبقه الولايات المتحدة مع بعض الدول الأفريقية، حيث تحصل الدول الافريقية بموجب ذلك القانون على إعفاءات جمركية على صادراتها للولايات المتحدة الأمريكية وهو الأمر الذي مكن اثيوبيا من التصدير بما يجاوز مبلغ 245 مليون دولار خلال العام الماضي فقط.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى