
“الدرونز والمرتزقة”.. عثرات جديدة في العلاقات التركية/ الأمريكية
احتدمت أعمال لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي على إثر مناقشتها لمقترحات من النواب تدور حول “قانون تفويض الدفاع الوطني”، وهو الآلية القانونية التي تحدد ميزانية ونفقات وزارة الدفاع “البنتاجون”، كما تعد الآلية حجر الزاوية في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي.
وصدقت لجنة القوات المسلحة مطلع الشهر الجاري على خطة زيادة النفقات الدفاعية لـ 24 مليار دولار، وبذلك مهد التصويت الطريق لميزانية 740 مليار دولار للبنتاجون العام المقبل، لأن لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ قد دعمت بالفعل مستوى الإنفاق هذا في نسختها من مشروع القانون.
وتظهر آلية “قانون تفويض الدفاع الوطني” الدور المحوري للأجسام النيابية الأمريكية في تحديد السياسات العامة، وخاصة تلك الدفاعية والمتعلقة بشؤون الأمن القومي، لتتعارض مع الفرضيات التي أعطت أدواراً “أكثر سلطوية” لمجتمع الاستخبارات والأمن الأمريكي في رسم هذه السياسات والتحكم في ديناميكياتها، وتفاصيلها الدقيقة.

ويظهر هذا الدور في تحديد مجلس النواب لعلاقات الولايات المتحدة “التقنية” والسياسية مع تركيا، بناءً على سلوك الأخيرة على المستوى الإقليمي وأبعاد انخراطها العسكري في المنطقة وخاصة في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، ودورها في صناعة المرتزقة واستخدامهم في بؤر النزاع.

حيث قدم النائب الديمقراطي، ورئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب، “أدم شيف” مشروع قانون لتعديل الموازنة الدفاعية يسمح بالتحقيق في استخدام الأجزاء الأمريكية في صناعة “الدرونز” التركية، واستخدام تركيا للمرتزقة في الخارج والانتهاكات التي ارتكبتها بحقوق الأسرى الأرمن في الحرب الأرمينية الأذرية الأخيرة.
ونجح “شيف” في انتزاع موافقة مجلس النواب على مشروع القانون، في جلسة 22 من الشهر الجاري.
أبرز نقاط مقترح مشروع القانون “التعديلات”:

جاءت أبرز نقاط المقترح الذي قدمه النائب الديمقراطي “آدم شيف”، كالاتي:
يجب على أذربيجان أن تعيد فوراً وبشكل غير مشروط جميع الأسرى الأرمن من العسكريين والمدنيين.
تم اكتشاف أجزاء وتكنولوجيا أمريكية المنشأ في طائرات بيرقدار التركية بدون طيار التي استخدمتها أذربيجان ضد أرمينيا في إقليم ناغورنو كراباخ بين 27 سبتمبر و24 نوفمبر من العام 2020، بما في ذلك تقييم الانتهاكات المحتملة لاتفاقية تصدير الأسلحة.
تركيا وأذربيجان قاموا بتجنيد إرهابيين ومقاتلين أجانب في حرب “ناغورنو كاراباخ”.
المبالغة التركية في تسويق “التصنيع المحلي” للدرونز
تقوم تركيا منذ بدء انخراطها العسكري في ليبيا أواخر العام 2019، بتسويق إصداراتها من الدرونز القتالية، على انها فخر للصناعة العسكرية المحلية بالكامل. إلا أن هناك محطة قد كشفت زيف هذه الادعاءات على المستوي السياسي والدبلوماسي، وكانت في أكتوبر من العام 2019، حين شنت تركيا حملة عسكرية “نبع السلام” ضد الحزام الكردي بالشرقي، بالشمال السوري.
حيث أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج وكندا وألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا والسويد، إيقاف علميات تصدير الأسلحة إلى تركيا على خلفية اجتياحها للمناطق الكردية في عملية نبع السلام، أكتوبر 2019. وعلى الرغم من كون هذا القرار كان شكلياً من حيث التزام الدول المعلنة عن إيقاف عمليات التصدير، إلا أن كشف بوضوح على اعتمادية مجمع الصناعات الدفاعية التركية على المكونات التقنية الغربية في “الأسلحة المحلية” الصنع، بما يهدد بوقف تصنيع هذه الأسلحة والمعدات التي غطت أسلحة (الجوية – البحرية – البرية).
كما أوقفت كندا في أكتوبر من العام 2020، تصدير حاضن المراقبة والتهديف “ويسكام” المرفق ببدن الدرون القتالية “بيراقدار” التركية، ويقوم بعمليات التصوير والمراقبة وتوجيه الصواريخ والقذائف الذكية ضد الأفراد والمدرعات. ويعتبر هذا الحاضن، من أعقد المكونات التقنية للدرونز “بيراقدار” إذ يمثل العقل الفعلي لها، بالنظر إلى اختصاصته في تحديد المسافات وإضاءة الأهداف بآشعة الليزر.
محرك الدرونز “بيراقدار” بدوره تصنعه شركة “روتاكس” النمساوية إحدى أفرع مجموعة “بومباردير” الكندية للصناعات الجوية. وقد أوقفت كندا تصدير هذه المحركات لتركيا على خلفية الانخراط التركي في الحرب بين أرمينيا وأذربيجان والتورط في استهداف العديد من المناطق المدنية.
وتحتوي الدرونز التركية “بيراقدار” على مكونات بريطانية أيضاً منها منظومة الاتصالات اللاسلكية “جي إن 55″، وبعض المكونات الهيدروليكية.
أما المكونات الأمريكية في بدن الدورنز “بيراقدار” فعتعتبر الأكثر من بين الجنسيات الأخرى التي تستورد منها تركيا تقنيات وأجهزة ومكونات التصنيع. فعلي سبيل المثال لا الحصر، تضم “البيراقدار”:
“مستقبلات الجي بي إس”:

وتُصنعها الشركة الامريكية “تريمبل”
“أجهزة مودم لإرسال واستقبال البيانات”:

تحتوي الدرونز التركية أيضًا على “مودم” محمول جواً، لإرسال مقاطع الفيديو عالية الجودة أو ذات الجودة القياسية لمهام المراقبة والاستطلاع. وتصنعها شركة “Carlsbad” الامريكية.
رقائق التوجيه (FPGA):

تعتبر هذه الرقائق مهمة للغاية في القنابل والصواريخ الذكية التي تدخل ضمن الحزمة التسليحية للدرونز التركية. بدون هذه الرقائق تصبح القنابل والصواريخ “عمياء” تجاه الأهداف وخاصة المتحركة. وتُصنّع هذه الرقائق شركة (Xilnix.) الأمريكية.
تداعيات مشروع القانون الأمريكي على العلاقات التركية الأمريكية
تقدم درونز “البيرقدار” التركية نموذجاً للهندسة العكسية التي تجريها تركيا فيما يرتبط بالطيران الغير مأهولة، فبدن الدرونز “بيراقدار” يحاكي الدرونز “هيرون” الإسرائيلية، كما أن المكون التقنية بداية من محركات الصواريخ وصولاً لحواضن التهديف والمراقبة ورقائق التوجيه للصواريخ والقنابل الذكية، غربية وتخضع جميعها تحت قوانين تنظمها الحكومات وتلتزم بها الشركات المصنعة كقانون الإنتاج الدفاعي الأمريكي. ما يضع قطاع الصناعات العسكرية التركية أمام رحمة موردي التقنية العسكرية وخاصة بعدما فشل مجمع الصناعات الدفاعية التركية في تخفيف الاعتماد الخارجي على هذه المكونات الدقيقة، بالرغم من تحقيقه لنتائج كبيرة، إذ تعدت قيمة الصادرات الدفاعية لتركيا حاجز الثلاثة مليار دولار في العام 2020، كما وصل حجم استثمارات الحكومة التركية في المشاريع الدفاعية لـ 60 مليار دولار.
وعليه فمن المرجح أن تحمل المجازفة التركية في علاقتها الدفاعية مع روسيا والولايات المتحدة، تكلفة عالية، إذا ما تم النظر إلى العلاقات المتوترة لأنقرة مع واشنطن جراء:
تسلم تركيا لمنظومة إس 400 الروسية بالرغم من عدم دخولها الخدمة الفعلية.
الانخراط العسكري التركي في شمالي العراق وسوريا.
الرعاية الأمريكية للحزام الكردي بالشمال السوري.
أوضاع حقوق الإنسان بالداخل التركي.
إذ مازالت تشكل النقاط الأربعة ملفات عالقة بين رئيسي البلدين اللذين لم ينجحا حتي الآن في إعادة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها وخاصة في المسائل الفنية واللوجستية التي ترتبط بحلف شمال الأطلسي الذي بدا وكأنه يعاني تحت وطأة التحركات الأحادية الأمريكية في أفغانستان، والتصدع الناجم عن التصادم الفرنسي التركي، والفرنسي الأوروبي جراء أزمة الاتفاق الدفاعي الثلاثي بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا في الاندو باسيفيك.
ما يرهن العلاقات الأمريكية التركية بمتغيرات متسارعة، تقع تحت طائلة:
اللوبي الأرمني، إذ يعد أحد أقوى لوبيات الضغط في التاريخ السياسي للولايات المتحدة.
المشرعون الديمقراطيون التقدميون، حيث أعطوا الكونغرس مزيداً من الزخم خلال الأشهر الثماني الماضية حيال مقترحاتهم التشريعية التي استهدفت إسرائيل وتركيا على وجه الخصوص.
ولعل موافقة مجلس النواب الأمريكي على مقترح النائب الديمقراطي “آدم شيف”، بتعديل في الموازنة الدفاعية الامريكية يسمح بالتحقيق في استخدام الأجزاء الامريكية في صناعة المسيرات التركية، لمحة عما قد تشهده العلاقات الثنائية بين البلدين ومجمع الصناعات الدفاعية التركية، فيما لو ذهبت تركيا بعيداً عن مجمل الرؤية الأمريكية حيال تحركاتها وأدوارها الإقليمية.



