مصر

“تنمية الإنسان”..أولوية في استراتيجية وخطط إدارة السيسي

تشتمل عناصر خطة مصر الوطنية للتنمية المستدامة 2030 والتي أطلقت عام 2016 على ثلاث أبعاد رئيسية، وهي “البعد الاجتماعي والبيئي والاقتصادي”، وجاء البعد الأول ليطبق حتى من قبل اطلاق الاستراتيجية الوطنية، وهو المحور الذي تم تطويره تباعاً وفقاً للمتغيرات الوطنية والإقليمية وليجابه تبعات خطة الإصلاح الاقتصادي، فشرعت إدارة الرئيس السيسي بالاهتمام بالإنسان للارتقاء بجودة حياة المواطنين وترسيخ مبادئ العدالة والاندماج الاجتماعي، والتي بدأت من المناطق الأكثر فقراً وتمثلت في عدة إجراءات تهدف لتوفير الحماية الاجتماعية للأفراد من مسكن كريم وعيشة آمنة، وحياة تليق بالمواطن المصري، والاهتمام بصحة الأفراد باعتباره ركيزة التنمية، والاستثمار في العنصر البشري من خلال الاهتمام بالتدريب وتأهيل الشباب وتمكين المرأة، والذي امتد إلى خارج القطر المصري لتحقيق التنمية الإقليمية المتوازنة مع دول الجوار.  

القضاء على الفقر وتحسين جودة الحياة

جاءت برامج الحماية الاجتماعية كبرامج وقاية من الاصلاحات الاقتصادية التي بدأت منذ عام 2014 لمجابهة الأثار الاجتماعية على المواطنين، فوازنت الدولة بين تحقيق التنمية والحفاظ على 17 هدف أممي؛ فاطلقت الدولة المصرية عدة مبادرات من أجل حماية الأفراد الأكثر فقراً والحفاظ على صحة المواطن المصري، وكان على رأسهم أكبر ثلاث برامج حماية اجتماعية وعلاج جذور التحديات وهي مبادرة حياة كريمة ومبادرة 100 مليون صحة والتوسع في برامج الائتمان الاجتماعي كبرنامج تكافل وكرامة وبرامج تطوير العشوائيات وتوفير السكن الاجتماعي للشباب، ودعم العمالة غير المنتظمة بعد جائحة كورونا للحد من أثارها على طبقات كثيرة من فئات المجتمع. 

اتسمت تلك المبادرات بالفكر الشمولي كونها تجمع بين عناصر التنمية الشاملة، فاستطاعت مبادرة حياة كريمة أن تندرج بمنصة ادارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة ضمن “أفضل الممارسات التي تحقق أهداف التنمية المستدامة”، هذا إلى جانب خطط تنمية المحافظات الحدودية كخدمة أهالينا في الصعيد من خلال برامج التنمية بصعيد مصر، وفي الوادي الجديد ومشروعات تنمية سيناء وهي مناطق كانت تعاني من التهميش الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والصحي في السابق. 

ففي 1 يوليو 2014 أعلنت رئاسة الجمهورية عن تدشين صندوق “تحيا مصر” تفعيلًا للمبادرة التي سبق وأعلنها الرئيس بإنشاء صندوق لدعم الإقتصاد، وعقب الإعلان عن التبرع بنصف راتبه لدعم الاقتصاد المصري، وبدوره ساهم في تحقيق النمو الاقتصادي الشامل والحد من الفقر، وذلك من خلال المشاركة في برامج الدعم الاجتماعي وبرنامج سجون بلا غارمين أو غارمات وبرامج الرعاية الصحية والتعليم والتنمية الشاملة والحد من الأزمات والكوارث وبرامج التمكين الاقتصادي. 

وتم اطلاق برنامج تكافل وكرامة، وهو برنامج للدعم النقدي المشروط، ليهدف إلى توفير الدعم النقدي الشهري للأفراد أصحاب الدخل المنخفض وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة ودعم مخصصات مراحل التعليم المختلفة لأبناء الأسر الأولى بالرعاية بما يضمن تقليل نسبة التسرب من التعليم، وخفض نسب عمالة الأطفال، ووصل عدد المستفيدين من البرنامج إلى 2,5 مليون أسرة بدعم نقدي تخطت 18.5 مليار جنيه سنويًا عام 2019/2020. 

كما جاءت المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” في يوليو2019، حيث رصدت الدولة 103 مليار جنية لتنفيذ المبادرة في 11 محافظة، وشملت المرحلة الأولى 377 قرية تتعدي نسبة الفقر بها 70%، وجاء عام 2020 ليتم إعلان مؤسسة “حياة كريمة” كمؤسسة أهلية غير هادفة للربح، ومع منتصف العام الجاري 2021 جاءت مبادرة “تطوير الريف المصري” ورصدت الدولة لتنفيذها ما يفوق 700 مليار جنية، على ثلاث مراحل لتشمل كل قرى مصر التي تزيد عن 4500 قرية وتوابعها، على أن تشمل المرحلة الأولى 1500 قرية، وتضمن المبادرة تحقيق التنمية الشاملة من خلال توفير سكن كريم وتحسين مستوى معيشة الأفراد وتقديم الخدات الصحية والاجتماعية للقرى الأكثر فقرًا، حيث سجلت المبادرة في المرحلة الأولى تحسن في معدل التغطية بالخدمات الصحية بحوالي 24 نقطة مئوية، وساهمت في تحسن معدل توفير الخدمات التعليمية بنحو 12 نقطة مئوية، وتحسين جودة الحيلة بنحو 18 نقطة مئوية، وساهمت المبادرة في توفير 71 ألف فرصة عمل من خلال اتاحة مشروعات صغيرة، وتراجعت معدلات الفقر في مصر إلى 29.7% عام 2019 / 2020 مقارنةً بنحو 32.5% في بحث عام 2017 / 2018، وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. 

وكانت هناك عدة إجراءات لمعالجة منظومة الدعم للمواطن المصري، والتي يدخل تحت مظلتها 88,5% من حجم الأسر المصرية بدعم بلغ 84.5 مليار جنية تقريبًا في موازنة العام المالي 2020/2021، وأظهرت أزمة كورونا حاجة الدولة لدعم العمالة غير المنتظمة، والتي تمثل أكثر من 40% من العاملين في البلاد؛ فأطلقت الدولة برنامج حماية من خلال تضافر الجهود المؤسسية. 

وتضمنت مبادرة 100 مليون صحة برامج رعاية صحية شاملة، وتم توفير علاج لمكافحة فيروس C للوصول بمصر خالية من الفيروس، واشتملت على علاج ضمور العضلات الذي يصاحب الأطفال من البداية، وحملة بلازما الدم لمعالجة الكثير من الأمراض، وقامت بأكبر مسح طبي خلال 7 شهور وفقاً لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة مرض الكبد الوبائي، هذا إلى جانب حملة صحة المرأة المصرية وعلاج الأمراض المزمنة والكشف عن الأمراض الناتجة عن سوء التغذية للأطفال لمكافحة “السمنة والنحافة والتقزم”، هذا إلى جانب منظومة التأمين الصحي الشامل وزيادة دعم التأمين الصحي والأدوية وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة لتصل إلى 10.6 مليار جنية. 

أما عن برامج توفير سكن كريم، فكان هناك مبادرة القضاء على العشوائيات والتي بدأت بالقضاء على الأماكن الأكثر خطورة وغير الآمنة مع توفير سكن بديل، والتي تمثل 1% من العمران وفقاً لتصريحات المنسق العام لصندوق تطوير العشوائيات، حيث تم تطوير 312 منطقة من 357 منطقة عشوائية، ومن المخطط أن تنتهي أعمال التطوير بتلك المناطق بنهاية 2021، على أن يتم الانتهاء من تطوير المناطق غير المخططة والأسواق العشوائية في 2030، والذي ساهم في تغيير حياة المواطنيين بالعيش في سكن يليق بالمواطن المصري، مع اتخاذ اجراءات تطوير عواصم المحافظات المختلفة، هذا إلى جانب توفير برامج الإسكان الاجتماعي للمواطنين من ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة والذي راعى الفروق الطبقية بين الأفراد وتناسب مع كافة شرائح المجتمع بداية من إسكان الشباب الإجتماعي إلى مشروع دار مصر وسكن مصر، ولم تنسى الدولة المصرية أبناءها في الخارج بل وفرت لهم طرق شراء أراضي سكنية في المدن الجديدة. 

التمكين و الاستثمار في العنصر البشري

بجانب عناصر تنمية الإنسان من خلال توفير الاحتياجات الأساسية له من مأكل وملبس ومسكن، كان هناك تفكير موازي في بناء الإنسان المصري من خلال التنمية الاجتماعية وتطوير منظومة التدريب وتمكين الشباب والمرأة باعتبارهم الفئات التي كانت الأكثر تهميشًا، والعمل على ضبط ألية منظومة الدعم بالتركيز على توجيه الدعم نحو قطاعي الصحة والتعليم، والتركيز على زيادة مشاركة الشباب باعتباره على رأس اجندة مصر للتنمية المستدامة 2030. 

وبدأت خطة الدولة في الاهتمام بالشباب منذ إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2016 كعام للشباب، حيث يُمثل الشباب (أقل من 40 عام) حوالي 60 % من التعداد السكاني لمصر ، وتبني الدولة سياسة التأهيل قبل التمكين بإطلاق البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة PLP عام 2015، وتلاه برنامج تدريب التنفيذين Eplp، والإعلان عن الأكاديمية الوطنية لتأهيل وتدريب الشباب بالقرار الجمهوري رقم 434  لسنة 2017، وعلى مستوى الجهاز الإداري فكانت خطة التدريب والتمكين في كافة أجهزة الدولة، من خلال محور التدريب وبناء القدرات باعتباره المحور الأهم في خطة الإصلاح الإداري للدولة وبرنامج عمل الحكومة، هذا إلى جانب دعم المشاركة الحزبية للشباب باطلاق تنسيقية شباب الأحزاب، واخيراً الإعلان عن اتحاد شباب الجمهورية الجديدة لتعزيز ودعم المشاركة المجتمعية للشباب والتي ولدت من رحم حياة كريمة والاقبال الشبابي على التطوع، ليضم كافة الكيانات الشبابية تحت مظلة واحدة. 

من خطة التأهيل للتمكين، فتوسعت قاعدة المشاركة الشبابية في الأجهزة التنفيذية والتشريعية للدولة من خلال وجود أسماء الشباب في حركة نواب المحافظين والمحافظين فاستحوذ الشباب عل 25 حقيبة من بين 39 قيادة تم اختيارهم في حركة المحافظين 2019، من بينهم 23 نائبًا للمحافظ ومحافظين من الفئة العمرية الشابة، هذا إلى جانب اعطاء نوع من التمييز النسبي للمرأة والشباب داخل أروقة المجلس التشريعي بشقيه النواب والشيوخ، كما اقر دستور 2014 بخفض سن الترشح للانتخابات المحلية إلى 21 عامًا، وبلغ نسبة الشباب في مجلس النواب 2015 نحو 60 نائبًا وزادت إلى 70 نائبًا عام 2020، دون سن الخامسة والثلاثين، ونحو 146نائبًا في الفئة ما بين 35 و 45 عامًا.  

ودعمت الدولة الشباب من خلال تقديم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر واطلاق مبادرات ريادة الأعمال ورواد 2030، ودعم الابتكار والتطور التكنولوجي وتقديم 10 أفدنة لكل شاب مصري عام 2016 بالتقسيط بفائدة 5% متناقصة بعد طرح مشروع مليون ونصف مليون فدان لكبار وصغار المستثمرين، وتقديم القروض الميسرة للشباب بفائدة قيمتها لا تتجاوز 5%، وذلك من خلال ضخ 200 مليار جنية بالقطاع المصرفي، هذا إلى جانب خطة الدولة لإنشاء 4 آلاف مصنع للصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر؛ لتوفير أكثر من 40 ألف فرصة عمل للشباب.

كما دعمت الدولة المصرية بيئة العمل المواتية للمرأة، فمنذ عام 2014 توجهت الدولة نحو تمكين النساء وزيادة نسبة مشاركتهن في قوة العمل حتى وصلت إلى 23،72% بحلول عام 2020، ذا إلى جانب دعم فرص المرأة في الاستثمار بالاعتراف بقدرة المراة في الحصول على القروض لضمان تكافؤ الفرص بين الجنسين والتي ظهرت في قانون الاستثمار الجديد، ورعاية المرأة في قانون الميراث رقم 219 لسنة 2017، وشغلت المرأة المناصب القضائية ووصلت لرئاسة المحكمة الاقتصادية لأول مرة وتم تعيين أول قاضية لمنصة محكمة الجنايات، وفي عام 2020 تولت سيدة منصب رئيس هيئة النيابة الادارية ونائبًا لرئيس المحكمة الدستورية، وساهمت التعديلات الدستورية 2014 حق تمثيل المرأة في البرلمان إلى 15% وزادت لتصل إلى 25% في التعديلات الدستورية 2019، فاستطاعت المرأة عام 2020 أن تشغل 162 مقعدًا للمرة الأولي في تاريخ مجلس النواب.

“الإنسان أولاً” على الأجندة المصرية الإقليمية

انتقل الاهتمام المصري بالتنمية من الداخل المصري إلى الجانب الإقليمي والانتقال من مرحلة إدارة أزمات القارة الأفريقية إلى الحق في التنمية، فشرعت في مساعدة الدول في تحقيق التنمية باعتباره مدخل تحقيق الامن والاستقرار مع الاهتمام بالشباب الأفريقي باعتباره يمثل 65% من سكانها من الشباب دون سن الـ 25 عاماً، فاطلقت مصر برنامج تأهيل الشباب الأفريقي APLP، واطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسي في منتدى إفريقيا 2018  صندوق دعم الاستثمار في أفريقيا بمليار يورو للتركيز على البنية التحتية والتدريب للشباب. 

هذا إلى جانب وضع الشباب العربي والأفريقي على أجندة اهتمام الدولة المصرية من خلال تنفيذ المحاكاة التي تحاول الوصول إلى حل لأزمات المنطقة ومشاركتهم في العملية السياسية، وتدشين منصات حوارية لخلق حلول تكاملية مثل ملتقى الشباب العربي الأفريقي في أسوان والذي عُقد في مارس 2019، وإطلاق مبادرة “إفريقيا لإبداع التطبيقات والألعاب الرقمية” عام 2018، للتعلم من ثلاثة مواقع تعليمية كبرى في مجالات الذكاء الصناعي وتطوير التطبيقات الرقمية والواقع الافتراضي، للقضاء على الفجوة الرقمية ودعم برامج ريادة الأعمال، وأخيراً دعم مبادرات ريادة الأعمال للشباب المصري وخروجها لحدود العالمية كما حدث مع مجموعة “سويفل” لخدمات النقل. 

وقدمت مصر العديد من المساعدات الإنسانية لوقاية الدول من الأزمات والكوارث والتي ظهرت في أزمة لبنات وتقديم مساعدات القوافل الطبية للدول الأوروبية، ودعم الشعب الفلسطيني من خلال فتح المعبر والجامعات المصرية أمام تخصيص نسبة للطلاب الفسطينين إل جانب دعم البنية التحتية وتقديم المساعدات الطبية والغذائية. 

هذا ولم يكن الدعم يقتصر على نقل الخبرات المصرية في كافة المجالات ودعم التدريب والتأهيل لأبناء القارة، بل امتدت لنقل البرامج الصحية وإرسال القوافل الطبية وحملة توفير اللقاحات عقب جائحة كورونا لمواجهة استراتيجية الدول الكبرى من التحول لاستراتيجيات القروض إلى استراتيجية اللقاحات، هذا إلى جانب رئاسة مصر للجنة الفنية المتخصصة لمكافحة المخدرات بالاتحاد الإفريقي بالتزامن مع مبادرة الرئيس السيسي “100 مليون صحة”، للحفاظ على القارة الشابة من آثار النزاعات والاهمال، وفى يوليو 2019تم اطلاق مبادرة الرئيس السيسى لعلاج مليون إفريقى من “فيروس سي” في 18 دولة إفريقية، ومساعي توفير التطعيمات المختلفة في الدول الأفريقية، وإيفاد القوافل الطبية، وصرف العلاج بالمجان، وتبدأ المبادرة بدول حوض النيلن مع نقل الخبرات المصرية فى علاج الملايا للدول الأفريقية، وتقديم وحدات للغسيل الكلوى لأديس أبابا، والإعلان عن المركز الإقليمي ومقره القاهرة لتفعيل مبادرات الصحة العامة في الدول الإفريقية للتخلص من الأمراض والأوبئة، مع المناداة في كافة المحافل الدولية بأهمية العنصر البشري في القارة السمراء باعتباره قاطرة التنمية والذي بدوره سيعود على بالنفع على كافة دول العالم. 

وهو ما يضعنا أمام استراتيجية متكاملة هدفها الأول هي “تنمية الإنسان” والتي بدأت بالداخل بالتوازن مع نقل التجربة للخارج باعتبار أن التكامل هو أساس العملية التنموية الشاملة، فكل قرار اقتصادي وأزمة صحية قابلها مواجهة اجتماعية ودعم وتنمية وتدريب واختراق ملفات وقضايا عانت عقود من التهميش، ليصل بالدولة المصرية إلى خطوات متقدمة من أبعاد التنمية التي مازالت أولوية أمام الأجندة السياسية المصرية.

+ posts

باحثة بالمرصد المصري

رحمة حسن

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى