مقالات رأي

د. نيڤين مسعد تكتب: القضية الفلسطينية وآفاق المستقبل

عقدَت منظمة كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة ندوة إلكترونية عن طريق الوبينار يوم الخميس ٣يونيو الجاري وذلك تحت عنوان “آفاق المستقبل للقضية الفلسطينية بعد الأحداث الأخيرة ” . أدارت الندوة باقتدار السفيرة ليلي بهاء الدين المديرة التنفيذية للمؤسسة ، وافتتحها بكلمة ضافية السيد ممدوح عباس رئيس مجلس أمناء المؤسسة ، أما المنصة التي وصفتُها بالمنصة الذهبية فقد اعتلاها أربعة من عتاولة الدبلوماسية العربية تعددت مواقعهم وألقابهم ، فلقد كان هناك من مصر (الوزيران عمرو موسي ونبيل فهمي ) ، ومن فلسطين ( السفير نبيل عمرو ) ، ومن لبنان ( الوزير ناصيف حتّي)، وشارك في النقاش عدد معتبر من المعنيين بالقضايا العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة ، وعلى رأسهم سفير الجمهورية التونسية في القاهرة . اتسمت الندوة بدرجة عالية من الموضوعية والمكاشفة ، وطرحَت العديد من الأفكار للتعامل مع المرحلة المقبلة ، ويمكن بلورة هذه الأفكار في ثلاث ، استثمار الظرف الراهن و”عدم تهريب الإنجازات “، والانتقال من إدارة النزاع إلى إدارة الاحتلال ، و أخيرًا الدور المصري .

بدايةً باستثمار الظرف الراهن فقد استفاض في التأكيد عليه الوزير عمرو موسي ودعا لصدور توصية عن الندوة بهذا الشأن .والمقصود بالظرف الراهن التطورات على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني . إسرائيليًا تحدث الوزير عمرو موسي عن أن هناك مرحلة مقبلة من عدم الاستقرار السياسي الداخلي سواء حصلت الحكومة الجديدة علي ثقة الكنيست غدًا الأحد ، أو لم تحصل عليها لأن أعضاءها -كما قال موسي بحق- لم يجتمعوا إلا علي هدف واحد هو إبعاد نتنياهو ، وبذلك نكون على مشارف انتخابات خامسة . لكن بفرض أن الحكومة حصلت علي الثقة فإنها لن تستمر طويلًا ، لأن أي توسع في سياسة الاستيطان سيُحرج الوزراء العرب وقد يدفع بهم إلى الاستقالة  ، كما أن أي تراجع عن سياسة نتنياهو سيؤدي للمزايدة علي اليمين المتطرف داخل الحكومة .  هذا الوضع القلِق عبّر عنه السفير نبيل عمرو بدقة حين قال إن الطبقة السياسية في إسرائيل لا تقود الأزمة بل إن الأزمة هي التي تقودها . أما فلسطينيًا فلقد أكدَت التطورات الأخيرة وحدة الانتماء الفلسطيني العام للقضية ، وأثبتَت قدرة الشعب الفلسطيني علي حماية نفسه ، واستخدم السيد ممدوح عباس مصطلح أن الدم المراق علي مدار أحد عشر يومًا كان دمًا فلسطينيًا وليس مجيّرًا لصالح فصيل بذاته ، ولا يقل أهمية عن الأثرين السابقين عودة الاهتمام الأمريكي بالقضية الفلسطينية والتغيّر الملموس في مواقف الرأي العام العالمي حيالها ، وهذا يبشّر بما قاله الوزير عمرو موسي بخصوص انتقال القضية الفلسطينية من صدارة الاهتمام الدولي بشكل مؤقت إلي الصدارة فيه بشكل غير مؤقت .إذن الفكرة الأولى هي إدراك أهمية عنصر الوقت وعدم السماح بتهريب الإنجازات ( أي تضييعها) علي حد تعبير السفير نبيل عمرو.

الفكرة الثانية هي الانتقال من إدارة النزاع إلي إدارة الاحتلال كما ذكر الوزير ناصيف حتّي ، وهناك اختلاف بين الإدارتين ، فإدارة الاحتلال تتطلب تجديد التأكيد علي جوهر القضية كقضية احتلال استيطاني عنصري لأرض عربية وما يستتبع ذلك من ضرورة إنهاء هذا الاحتلال ، أما إدارة النزاع فإنها تتعلق بالتعامل مع تداعيات جولات العدوان الإسرائيلي علي غزة كقضية إعادة الإعمار مثلًا ، بقول آخر فإن إدارة الاحتلال تتعامل مع المدي المتوسط والبعيد أما إدارة النزاع فإنها تختص بالمدي القريب . نقطة تنشيط الذاكرة الدولية فيما يخص أصل القضية اتفق معها الوزير نبيل فهمي علي اعتبار أن ذلك يهيئ المناخ لعملية التسوية ، و اقترح لذلك محاولة إعادة إصدار قرارات قصيرة ومباشرة من كلٍ من مجلس الأمن والجمعية العامة تؤكد علي العودة لحدود ١٩٦٧ وعلى حل الدولتين ، و تنشيط انضمام فلسطين للمنظمات الدولية وكَشف انتهاكات إسرائيل كدولة احتلال لالتزاماتها الدولية . لكن التحرك الدولي تلزمه وحدة الموقف الفلسطيني ، وهذه النقطة كانت موضع اتفاق بين كافة المتحدثين ، وما ذهب إليه الوزير عمرو موسي عن الخطأ الذي وقعت فيه السلطة الفلسطينية بتأجيل الانتخابات والمطالبة بإعادة تشكيل الهياكل الفلسطينية أكد عليه الجميع ، وكمثال حذّر السفير نبيل عمرو من “فوبيا غزة ” بمعني افتراض أن أي انتخابات تُجري ستكسبها حماس .

الفكرة الثالثة تتعلق بما ذكره كافة المتحدثين عن أهمية استثمار التفويض الدولي والعربي لمصر في التعامل مع الوضع في غزة ، وميّز الوزير عمرو موسي بين التفويض الخارجي لهذا الغرض المحدد والدور الذي تلعبه مصر انطلاقًا من التزامها بالأمن القومي العربي وفِي إطاره المصالح المصرية ، أي نفس العلاقة التي سبقت الإشارة إليها بين التحرك قصير المدي والدور متوسط وطويل المدي ، و كان السفير نبيل عمرو هو الأكثر تعويلًا علي التحرك /الدور المصري على هذه الأمدية كافةً . و الواقع أن علاقة مصر بالقضية الفلسطينية لا تحتاج إثباتًا ، لكن في الوقت نفسه فإن الدور المصري لا يتحرك في فراغ ، وبالتالي فمع أن مصر قامت بجهد كبير للتمهيد للحوار بين الفصائل الفلسطينية ، إلا أن تأجيل الحوار الذي كان مقررًا أن يبدأ اليوم معناه أن تلك الفصائل مازالت غير مدركة أهمية استثمار اللحظة التاريخية التي تحدث عنها الوزير عمرو موسي ، ومعناه أن مخاوف السلطة الوطنية من شعبية حماس قبل العدوان الأخير علي غزة الأرجح أنها زادت بعد العدوان ، لكن لا بديل عن الانتخابات وتكوين حكومة وحدة وطنية ممثِلة ومفوّضة بإدارة الاحتلال . من جهة أخري فإنه مع ما قيل من الجميع عن التفويض العربي لمصر فإن الجميع أيضًا تشكك في مخرجات اجتماع وزراء الخارجية العرب المرتقب في الدوحة، وكما قال الوزير ناصيف حتّي توجد “شيزوفرينيا عربية” بمعني أن هناك من يخاف حتي من التعاطف مع الشعب الفلسطيني. وما أريد قوله هو إن مصر لا تتخلي عن التحرك / الدور تجاه غزة والتسوية السياسية للقضية الفلسطينية لكن المطلوب فلسطينيًا وعربيًا التعاون معها.

لقد كانت الندوة ثرية بقدر ثراء تجارب المتحدثين فيها، وليت أن أفكارها تصل إلى دوائر صنع القرار وتلقي منهم آذانًا صاغية.

نقلا عن صحيفة “الأهرام” في عددها الصادر اليوم السبت 12 يونيو الجاري

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى