مقالات رأي

د. نيڤين مسعد تكتب: بيئة الانتخابات الإيرانية

تم فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية الإيرانية يوم الثلاثاء الماضي، وتَقَدم الراغبون في الترشح بأوراقهم لوزارة الداخلية تمهيدًا لفحصها بواسطة مجلس صيانة الدستور. هذا المجلس الذي يتكون من ٦ فقهاء و٦ قضاة يقوم بالتأكد من مطابقة مشروعات القوانين التي يصدرها مجلس الشوري مع الدستور والشريعة الإسلامية، أما دوره الأهم فهو فلترة المرشحين علي مختلف المستويات ، وتعبير فلترة مقصود تمامًا لأن المجلس يشبه المصفاة التي لا تسمح بمرور إلا أقل القليل من المرشحين ، وفيما يخص انتخابات الرئاسة التي نحن بصددها فلقد جرت العادة علي إجازة ما بين ٤ إلي ٦ مرشحين وإن ارتفع العدد لعشرة في انتخابات عام ٢٠٠١، وهذا يعد من النوادر . مسألة الفلترة هذه لا تتوقف علي مجرد فحص الأوراق ، وإلا فكيف يمكن رَفْض ترشُح شخص معين لرئاسة الجمهورية بعد أن كان قد شغل نفس المنصب ؟ ، أو كيف يمكن رفض من وصل لمنصب نائب رئيس مجلس الشوري عندما يترشح مجددًا لعضوية المجلس ؟  ، في الأمر توجد مواءمات سياسية . وفي صراع الإصلاحيين مع المحافظين الذي أشرت إليه في مقال الأسبوع الماضي ، يعد مجلس صيانة الدستور أحد أهم أدوات المحافظين لضبط الساحة السياسية الإيرانية . لذلك وكما اشتكي وزير الخارجية محمد جواد ظريف في حواره المسرّب من سطوة الحرس الثوري في عملية صنع السياسة الخارجية ، انتقد رئيس الجمهورية حسن روحاني العام الماضي -وبشكل علني- الدور الذي يلعبه مجلس صيانة الدستور في العملية الانتخابية ، ومضي روحاني خطوة أبعد بأن اقترح الاستفتاء علي مشروع قانون يقيّد صلاحيات مجلس صيانة الدستور ويستدعي بالتالي تعديل المواد الدستورية التي تنظم عمل المجلس . لكن بالطبع لم يجد اقتراح روحاني آذانًا صاغية ، وكيف يجد هذه الآذان الصاغية بينما أن مجلس صيانة الدستور -المطلوب الاستفتاء علي تحجيم دوره -هو المخوّل دستوريًا بالإشراف علي أي استفتاء عام  ؟!

إن شروط الترشُح لرئاسة الجمهورية في الدستور تتضمن أن يكون المُرشَح من بين الرجال المتدينين السياسيين ، وأن يكون إيراني الأصل ويحمل الجنسية الإيرانية ، وأن يكون قديرًا في مجالس الإدارة والتدبير وله ماض جيد وتتوفر فيه شروط الأمانة والتقوي ، وأن يكون مؤمنًا بمبادئ الجمهورية الإسلامية وبمذهبها الرسمي . ومن جانبه قد يضع مجلس صيانة الدستور  شروطًا أخري قبيل حلول موعد الانتخابات الرئاسية ، والشروط التي وضعها منذ أيام بخصوص انتخابات ٢٠٢١ عبارة عن خمسة شروط ، البعض منها يشرح الشروط الواردة بالفعل في الدستور  ، والبعض الآخر منها يضيف إلي شروط الدستور . في مجال الشرح والتفسير يوجد شرطان :  عدم وجود سجّل جنائي للمرشَح ، وأن يكون المرشَح قد قضي ٤ سنوات علي الأقل في المناصب الإدارية . وفي مجال الإضافة يوجد شرطان : أن يكون عمر المرشَح  بين ٤٠ و٧٥ عامًا ، وأن يكون حاصلًا علي درجة الماجستير أو ما يعادلها وذلك علي الأقل . من جهة أخري سمح المجلس لأول مرة بترشُح القادة العسكريين برتبة لواء وما فوق بينما أن النص الدستوري حصر المرشحين في “المتدينين السياسيين” ، إلي جانب إمكانية ترشُح الوزراء ورؤساء البلديات في المدن التي يزيد عدد سكانها عن ٢ مليون نسمة . ولو تأملنا هذه الشروط سنجد أنها تتضمن ما وصفه أحد المحللين بعملية الهندسة الانتخابية ، والمقصود بذلك التدخل من أجل  فتْح الباب أمام ترشُح كبار قادة الحرس الثوري ، وقطْع الطريق علي مرشحين إصلاحيين بعينهم كوزير الاتصالات الحالي مثلًا الذي يقل سنه عن أربعين عامًا ، والحجة في ذلك أن خامنئي عندما تولّي رئاسة الجمهورية في عام ١٩٨١ كان عمره  ٤٢ عامًا . من جهة أخري فإن تحديد عدد سكان البلديات التي يُسمَح لرؤسائها بالترشُح للرئاسة لا يمكن إلا أن يستهدف أشخاصًا بذواتهم لأنه إن كان كل المطلوب هو أن تتوفر القدرات الإدارية للمرشح فإن عدد السكان لا علاقة له بتلك القدرات  . أما شرط الماجستير فهو شرط عجيب لا يوجد حتي في دول ذات مستوى مرتفع جدًا من التعليم ، وهو موضوع لحكمة بالتأكيد ، لكنها غير معلومة .

جدير بالذكر أن مجلس الشوري الذي يسيطر عليه المحافظون كان قد وافق علي مشروع قانون جديد للانتخابات الرئاسية في نهاية العام الماضي ، وتضمّن هذا المشروع قائمة كبيرة من الشروط التي لم يسبق العمل بها من قبل ، ومن ذلك شرط أن يتقدم المرشح المستقل بأسماء مستشاريه في القطاعات المهمة كالدفاع والاقتصاد والثقافة ، وشرط ألا يكون المرشح حاملًا لجنسية دولة أخري ولا حتي للبطاقة الخضراء التي تتيح له الإقامة في الخارج . ثم وكما يقضي الدستور الإيراني عُرِض مشروع القانون علي مجلس صيانة الدستور ليبدي فيه رأيه بالرفض أو القبول ، لكن المشروع لم يخرج منه في صورة قانون بل فوجئنا قبل أيام قليلة بالإعلان عن الشروط الخمسة التي سبقت الإشارة إليها . وتلك مناسبة لأذكر رحلة المعاناة الشديدة التي قطعتُها بحثًا عن معلومات تخص مصير مشروع قانون الانتخابات بعد أن خرج من مجلس الشوري حتي في المصادر باللغة الفارسية ، وذلك أن النظام الإيراني يتعامل مع كل ما يخصه باعتباره سرًا حربيًا حتي إن كان الأمر يتعلق بقانون الانتخابات الرئاسية ، هذا علي الرغم من أن أحداثًا كبيرة تبدأ بسرقة ملف البرنامج النووي وتنتهي بتخريب مفاعل ناتانز مرورًا باغتيال العالم النووي محسن فخري زادة تكشف عن حجم الاختراقات الأمنية للداخل الإيراني .

تلك إذن هي البيئة التنظيمية للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة ، أما البيئة الموضوعية بمعني القضايا التي تشغل الرأي العام قبيل الانتخابات ، و أبرز الأسماء التي سوف تترشح في هذه الانتخابات فموعدها في مقال الأسبوع القادم إن شاء الله  ، ثم يأتي دور مجلس صيانة الدستور ليقرر من يدخل في سباق الرئاسة ومن يُستبعَد .

نقلا عن صحيفة “الأهرام”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى