
إنذار خطر: جماعة “الخمسة” في السودان ومساعي تقويض المرحلة الانتقالية
شكٌل إعلان خمسة سودانيين تأسيس حركة إسلامية جديد تُعرف بــ” تحرير الأمة الإسلامية من الحكام”مطلع شهر فبراير 2021 عبر فيديو تم تداوله، نقطة فارقة في مسار التحول الديمقراطي الذي يسعى السودان إلى تحقيقه خلال المرحلة الانتقالية، وعلامة استفهام حول دلالات التوقيت والنطاق المكاني المستخدم لهذا الإعلان المتمثل بالقرب من صوامع الغلال داخل مدينة القضارف السودانية.
فعقب نجاح السودان في اتخاذ خطوات إيجابية على الصعيدين الداخلي والخارجي كأحد مخرجات الحراك الشعبي، بات خطر عودة الإرهاب مجددًا للأراضي السودانية أحد التحديات الجسيمة وإنذار خطر يتطلب معه تحركًا استباقيًا من قيادات المرحلة الراهنة.
مسببات ودلالات مختلفة
إن المتأمل لطبيعة النطاق الجغرافي المُتخذ كمسرح للإعلان عن هذا التنظيم الجديد، وطرح فكرة إنشاء إمارة جديدة لكل دول العالم الإسلامي، يجد أنه تمثٌل في مدينة “القضارف” أحد مدن الشرق السوداني الحدودية ذات الطبيعة الحرجة، وتستهدف تلك الجماعات المُستحدثة إلى استغلال حالة الاضطراب والفوضى الأمنية في مناطق شرق السودان الناجمة عن التوترات الحدودية مع إثيوبيا في منطقة الفشقة، فضلًا عن مساعي فلول التنظيم الإخواني إلى إحداث حالة من الاضطراب الداخلي، الأمر الذي بات يُنذر بالخطر.
الأمر الآخر وثيق الصلة ببروز مثل تلك الحركات هو حالة التوتر التي لا يزال يعيشها السودان في مرحلة ما بعد البشير والتراكمات المتوارثة من هذه الحقبة، علاوة على استمرارية تحرك الدولة العميقة بشكل معرقل للمرحلة الانتقالية، فضلًا عن تواتر الاحتجاجات المختلفة، ولعل كل ذلك يكٌل بيئة خصبة ومسرحًا حيويًا لبروز الحركات المتطرفة.
ولعل إعلان تلك الجماعة عن نفسها في ذات التوقيت يأتي ليتزامن مع جملة من التطورات الهامة على الصعيد الداخلي والإقليمي، ويمكن توضيح ذلك في النقاط التالية:
- إقرار المصالحة الداخلية: لقد حقق السودان حالة من التوافق شبه الكامل مع الحكومة والحركات المسلحة المختلفة في الولايات التي شهدت توترات ونزاعًا مسلحًا ممتدًا خلال نظام “البشير” وعلى رأسها دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، وذلك في أكتوبر 2020، برعاية من جنوب السودان، هذا التطور المهم في ملف إقرار المصالحة والسلام الداخلي كان له انعكاسه المباشر على عودة السودان للتفاعل بصورة إيجابية داخل البيئة الإقليمية والدولية، وكان دافعًا مباشرًا وراء تحرك واشنطن لشبطها من قوائم الدول الراعية للإرهاب.
- توترات الحدود:تفاقم حدة التصدع في العلاقات السودانية الإثيوبية، وتعقد المشهد بين أديس أبابا والخرطوم، على خلفية التواترات الحدودية، خاصة بعد حالة التصعيد الذي شهدها ذلك الملف في الأونة الأخيرة، وخاصة في مدينة “الفشقة” السودانية، وما تبعها من حشد عسكري على الحدود المشتركة وانخراط القوات السودانية في حرب استنزاف مع بعض المليشيات المُسلحة الموالية لحكومة أديس أبابا إلى جانب الجيش الإثيوبي الذي لا يزال يقوم بعمليات تعبئة عسكرية في المناطق المواجهة للقوات السودانية في تلك المدينة، وذلك منذ نهاية عام 2020 ومطلع العام الجاري.
- انتهاء تفويض قوات حفظ السلام الدولية والأفريقية “يوناميد” من إقليم “دارفور” ورحيلها بصورة كاملة في 31 ديسمبر الماضي وذلك بناءًا على طلب الخرطوم وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2559 الذي أفضى في نهاية الأمر إلى إنهاء مهمة قوات “يوناميد” عقب مرور نحو 13 عامًا على تأسيسها، واستبدالها ببعثة “يونيتامس” الأممية لدعم المرحلة الانتقالة بالسودان واستكمال المهام الإدارية لبعثة اليوناميد داخل إقليم دارفور، وهو ما أوجد فراغًا أمنيًا داخل هذا الإقليم وأفسح المجال واسعًا أمام بروز النزاعات القبلية مرة أخرى، على الرغم من مساعي الدولة السودانية لملء الفراغ الأمني وقد تجلى ذلك بعقد اجتماع طارئ بين وزيرا الدفاع والداخلية بالخرطوم لبحث الترتيبات الأمنية والإدارية لمرحلة ما بعد خروج البعثة الأممية.
- استعادة الدور والتأثير: يأتي الإعلان عن قيام تلك الجماعة الجديدة في الأراضي السودانية، بعدما حققت الحكومة السودانية نجاحًا كبير في رفع اسم السودان من قوائم الإرهاب واستعادة دورها الدولي والإقليمي وإعادة النظر مرة أخرى من الشركاء الدوليين لإعادة التفاعل والتعاون مع السودان.
مساعٍ للضغط والعودة للمشهد
يشهد السودان مؤخرًا حالة من الاضطراب الداخلي وبيئة غير مستقرة في بعض الولايات وتحديدًا في ولاية القضارف ومدينة الفولة من حالة عنف وشغب داخل تلك المدن على خلفة الأوضاع الاقتصادية المتردية المتوارثة، حيث نتج عن تلك الأوضاع خروج المواطنين للاحتجاج خلال شهر فبراير الجاري.
ولعل هذا المجال بات خصبًا أمام الموالين لنظام البشير في محاولة لإعادة الحضور مرة أخرى، مستغلة حالة الفوضى والاضطراب داخل شرق السودان والتوترات المختلفة على طول الحدود السودانية، وتستهدف بصورة كبيرة في خلق حالة من الاستقطاب المجتمعي رغبة في العودة مرة أخرى.
ولعل استغلال مناطق في الشرق السوداني يمثل في رغبة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها التنظيم الدولي للإخوان في إيجاد موطئ قدم لها في أكثر المناطق توتر، وذلك لموقعها الجغرافي على طول الحدود الإثيوبية وما شهدته منطقة القضارف وإقليم الفشقة من نزوح الكثيريين في الداخل السوداني كناتج رئيسي للعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإثيوبي في إقليم تيغراي.
ويُعد الغطاء الإسلامي والشعارات المختلفة أحد المفردات المستخدمة من جانب النظام القديم للعب على مشاعر الشعب السوداني ومحاولة لاستقطابه، خاصة في ظل مواكبة الإدارة الحالية للتغيرات الإقليمية المختلفة وخوضها شوطًا هامًا على خط التطبيع مع إسرائيل.
وتدليلًا على ما سبق؛ فإن هناك رابطًا بين حركات الاحتجاج المختلفة التي يعيشها السودان، وبين تحرك الدولة العميقة السودانية الموالية لنظام البشير، حيث أصدرت النيابة العامة السودانية أوامر بإيقاف عدد من العناصر الموالين لحزب المؤتمر الوطني “الحزب الحاكم إبان حكم البشير”، وذلك لضلوعهم في تحريك الشارع السوداني ضد الحكومة الانتقالية، علاوة على قيام لجنة تصفية حزب المؤتمر الوطني المحلول التي تتبع لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو بإصدار تعليمات لكافة حكام الولايات باتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة رموز الحزب والكوادر والقيادات الخاصة التي تستهدف تأليب الرأي العام الداخلي.
انعكاسات محتملة
أحد التبعات الناجمة عن بروز مثل تلك الجماعات الإرهابية هو إحداث صورة خارجية عن ضعف الإدارة الحالية وتصوير الداخل السوداني على أنه يعاني بصورة كبيرة من فراغ أمني، مما يدفع الدول الغربية للتراجع مرة أخرى في التعاطي بإيجابية مع سودان ما بعد البشير، خاصة وأن بروز تلك الحركات يتزامن بتصاعد حدة الاحتجاجات في عدد من الولايات السودانية، وهو ما يُشكل تحديًا مضاعفًا أمام الإدارة السودانية الراهنة.
الأمر الأخر يتجلى في الإعلان عن نشأة تنظيم جديد سيساهم بصورة أو أخرى في الالتفاف حوله من جانب التنظيمات المختلفة والسعي لاكتساب نقاط على الأرض عبر عمليات نوعية تستهدف من خلالها التسويق لذاتها وتحقيق قدر من اكتساب عناصر لصفوفها وإيجاد روابط خارجية تُحقق من خلالها توفير الدعم والتمويل، ويُشكل حاضنة جديدة للإرهاب ومساعي التحول لبؤرة جامعة للفصائل الراديكالية والتنظيمات المتناثرة في العمق الأفريقي، وهو الأمر الذي يعتبر في مجمله مؤشرًا هامًا وتحدي جسيم أمام الإدارة السودانية التي تعمل جاهدة لإقرار السلام وتحقيق الاستقرار الأمني.مجمل القول؛ هناك تحرك ملحوظ في الداخل السوداني لاستغلال الأوضاع المختلفة لصالح فصيل معين موالي لنظام البشير يستهدف بصورة كبيرة خلط الأوراق وإرباك المشهد وعرقلة مسار المرحلة الانتقالية، الأمر الذي يُعد مدخلًا جوهريًا للدول التي تعاني من تراجع علاقتها مع الخرطوم كأحد أوراق الضغط عليها، والتغلغل في العمق السوداني لضرب حالة الاستقرار التي باتت يتسم بها السودان في أعقاب الحراك الشعبي.