روسيا

“أصدقاء الماضي والحاضر والمستقبل”.. سياسة مصر الخارجية تجاه موسكو

تُمثل مصر حجر الأساس أمام أي قوة دولية تسعى لبناء علاقات وطيدة تُعزز من نفوذها في المنطقة العربية وشمال أفريقيا بالكامل حيث تتمتع مصر بموقع جيو-استراتيجي مميز لطالما مكنها من لعب دور مهم في صياغة السياسات الإقليمية والدولية حربًا وسلمًا، واعطاها مكانة خاصة في العالم الآسيوي والأفريقي، فضلاً عن كونها أحد كِبار اللاعبين في منطقة الشرق الأوسط بتاريخه المعقد والمأزوم منذ عقود ممتدة.

وتستند الأهمية “الجيو-استراتيجية”، لمصر على خمسة محاور رئيسية: تتمثل في؛ “الموقع الجغرافي، القوى البشرية الهائلة، الثروات الاقتصادية، والتراث الحضاري التاريخي العريق الذي يعود لآلاف السنين، فضلاً عن امتلاكها لأحد أقوى جيوش العالم”.

ومن هذا المنطلق، لطالما تميز مسار السياسة الخارجية المصرية في خلال سنوات ما بعد انتهاء عهد الفوضى وبداية عهد الاستقرار، بالسياسة القائمة على التنوع الدولي، التي لا يحتكر فيها طرفً بعينه على مصر خارطة علاقاتها.

وانتعشت العلاقات المصرية مع عديد من القوى الدولية غير الغربية مثل الصين وروسيا. وبالنسبة لموسكو، على وجه الخصوص، لطالما نظرت موسكو إلى القاهرة باعتبارها شريكا بارزا في شمال أفريقيا. وكانت قوة هذه الشراكة حاضرة منذ فترة الاتحاد السوفيتي، وصولا إلى الوقت الراهن، خاصة في أعقاب ثورة 2011، عندما أظهرت موسكو مرونة سياسية ساعدتها على أن تخرج من أيام الفوضى بصداقات أكثر متانة.

القاهرة موسكو.. تذكرة صداقة “ذهاب وعودة”

شهدت الفترة ما بين “1950- 1960″، الفترة الأكثر انتعاشًا في مسار العلاقات بين البلدين. إذ كانت مصر خلال تلك الفترة تُمثل أهم شريك بالنسبة للاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط. وبعد ذلك، أصيبت العلاقات بين البلدين بفترة من الارتباك خلال حكم الرئيس المصري الراحل أنور السادات. ثم تبدد هذا الارتباك بحلول منتصف الثمانينات، خلال عهد الرئيس المصري الراحل حسني مبارك.

وعلى مدار السنوات الماضية، خلال عهد الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، تعزز التعاون المصري الروسي بشكل كبير، ووصل إلى مستويات جديدة نوعيًا. ومرت رحلة توطيد العلاقات، بشكل غير مسبوق بين البلدان، بعدد من المحطات المهمة: جاءت كالتالي؛

  • قام الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتاريخ 12 أغسطس 2014، بزيارة إلى روسيا. وبهذه الطريقة، كانت روسيا هي أول دولة خارج العالم العربي يقوم الرئيس المصري بزيارة لها. وناقش الطرفان خلال الزيارة العلاقات التجارية والاقتصادية، وقضايا التعاون العسكري الفني، وقضايا الطاقة والأوضاع في الشرق الأوسط.
  • في الفترة ما بين 9 إلى 10 فبراير 2015، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بزيارة رسمية الى القاهرة. أسفرت عن توقيع اتفاقيات بشأن مشاركة شركة “روسآتوم” الروسية في بناء أول محطة للطاقة النووية في مصر. وكذلك توقيع اتفاقية حول انشاء منطقة تجارة حرة بين مصر والاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي. كما التقى بوتين خلال الزيارة بالبطريرك “ثيودور الثاني”، بطريريك الإسكندرية وسائر إفريقيا.

في التاريخ ما بين 26-27 أغسطس 2015، قام الرئيس السيسي بزيارة رسمية إلى روسيا. انعقدت خلالها محادثات رفيعة المستوى بين الطرفين، تم التطرق من خلالها إلى قضايا العلاقات الثنائية، بما في ذلك سُبل تعزيز التعاون في المجالات التجارية والاقتصادية والإنسانية.

  • كما تبادل الرئيسان خلالها، وجهات النظر حول القضايا الدولية، ولاسيما الأوضاع في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. كما التقى السيسي، خلال الزيارة بـ “سيرجي ناريشكين”، رئيس مجلس الدوما الروسي، و”أركادي دفوركوفيتش”، نائب رئيس الوزراء الروسي في ذلك الوقت. وبموجب دعوى من “سيرجي شويجو”، وزير الدفاع الروسي، قام السيسي، بزيارة إلى المركز الوطني للسيطرة الدفاعية للاتحاد الروسي.
  • وفي 5 سبتمبر 2016، التقى الرئيسان المصري والروسي، في مدينة “هانجتشو” بالصين. وجرت بينهما محادثات جانبية على هامش اجتماعات مجموعة قمة العشرين.
  • في 4 سبتمبر 2017، عقد الرئيس السيسي، ونظيره الروسي، اجتماعا في مدينة “شيامن” بالصين على هامش قمة البريكس.
  • في 11 ديسمبر 2017، قام بوتين بزيارة عمل إلى مصر. وناقش خلالها قادة البلدين، آفاق تطوير العلاقات الروسية المصرية في المجالات السياسية، والتجارية، والاقتصادية، والطاقة، والإنسانية وكذلك التسوية السورية. ونتيجة للمفاوضات، تم توقيع عقود إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية في مصر وتوريد الوقود النووي لمحطة الطاقة النووية هذه.
  • وفي الفترة ما بين “16-17 أكتوبر 2018″، قام الرئيس السيسي بعمل زيارة رسمية إلى روسيا. وفي أول أيام الزيارة، عقد رؤساء الدول اجتماعًا غير رسمي. وانعقدت المحادثات الرسمية في 17 أكتوبر، وناقش القادة خلالها القضايا الرئيسية المتعلقة بتعزيز التعاون المصري الروسي، وتبادلوا وجهات النظر حول أبرز قضايا الساعة على جدول الأعمال الدولي في وقتها. وعقب انتهاء المشاورات، تم توقيع اتفاقية بين مصر وروسيا بشأن الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي. كما التقى الرئيس السيسي خلال زيارته، بـ “ديميتري ميدفيدف” رئيس الوزراء الروسي في ذلك الوقت.
  • وبتاريخ 26 إبريل 2019، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرئيس السيسي على هامش منتدى الحزام والطريق الدولي في بكين.
  • فيما انعقد اجتماع للرئيسين بتاريخ 29 يونيو 2019، على هامش مجموعة العشرين في مدينة “أوساكا” باليابان. 
  • هناك اتصالات تُعقد بصفة دورية بين وزراء خارجية البلدان. كما تنعقد بينهم اجتماعات في إطار المنتديات الدولية والإقليمية، وعلى هامش دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
  • وفي الفترة ما بين “5- 6 إبريل 2019″، قام “سيرجي لافروف”، وزير الخارجية الروسي بعقد زيارة عمل إلى مصر، حيث أجرى محادثات مع نظيره المصري سامح شكري، واستقبله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
  • بتاريخ 24 يونيو 2019، انعقدت جولة جديدة من مشاورات “2+2″، بين وزراء الخارجية والدفاع في البلدان في موسكو. حيث شارك فيها كلاً من سامح شكري ومحمد أحمد زكي من الجانب المصري، وسيرجي لافروف وسيرجي شويجو من الجانب الروسي.
  • في يناير 2019، عقد “نيكولاي باتروشيف”، سكرتير مجلس الأمن الروسي زيارة إلى مِصر. وأجرى خلال الزيارة مشاورات مصرية روسية حول القضايا الأمنية. وكان الرئيس المصري في استقباله خلال الزيارة.
  • وفي يوليو 2019، عقد رئيس مجلس النواب المصري وقتها، الدكتور على عبد العال، اجتماعًا مع “فياتشيسلاف فولودوين”، رئيس مجلس الدوما، على هامش المنتدى الدولي لـ “تطوير البرلمانية” في موسكو.
  • في أوائل أكتوبر 2019، عقد “دينيس مانتوروف”، وزير الصناعة والتجارة الروسي زيارة الى القاهرة. وخلال الزيارة انعقدت اجتماعات مع الرئيس المصري، ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
  • في الفترة من يناير إلى أغسطس 2019، بلغ حجم التجارة الخارجية لروسيا ومصر 3.9 مليار دولار. وذلك بعد أن كان مستوى التبادل التجاري بين البلدان قد نما في عام 2018، بنسبة 14%، وبلغ نحو 7,7 مليار دولار، والذي يُعد رقم قياسي بالنسبة لكامل تاريخ العلاقات المصرية الروسية.
  • كما تم توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والاتحاد الاقتصادي الأورو آسيوي بحلول منتصف عام 2020.

نظرة على أبرز مراحل التعاون العسكري بين مصر وروسيا

تُعد مصر أحد الشركاء ذوي الأولوية بالنسبة لروسيا في مجالات التعاون العسكري والتقني. ففي عام 2017، فاز الاتحاد الروسي بمناقصة لتزويد مصر بنسخة بحرية من مروحيات “كا-52. ك “لحاملات طائرات الهليكوبتر من طراز ميسترال المُخصصة للبحرية الروسية. وفي أكتوبر 2018، أعلنت روسيا، أن المفاوضات بشأن إعادة تجهيز طائرات ميسترال وتزويد مصر بطائرات هليكوبتر تمر بمرحلة نشاط. كما شهد العام 2019

التدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين تحت عنوان “حُراس الصداقة”.

وتُعد مصر هي الشريك الإقليمي الأساسي لروسيا في مجالات مكافحة الإرهاب، حيث تُقدر روسيا جهود مصر في هذا المجال، بما في ذلك الحملة طويلة الأمد التي تشنها قوات الأمن المصرية في شمال سيناء ضد الإرهاب. وتتبنى مصر وروسيا موقفا وثيقا فيما يتعلق بالوضع في سوريا وليبيا وهو ضرورة تعزيز الحوار السياسي الشامل بين الأطراف المتنازعة وأنه لا يوجد بديل إلا الحل السياسي في كلا النزاعين.

وشهدت أواخر عام 2020، المناورات البحرية المشتركة بين البلدين تحت عنوان “جسر الصداقة-3″، والتي نظمت لأول مرة في البحر الأسود، وكانت تهدف لدعم جهود الأمن والاستقرار في المنطقة. بحيث عبرت بموجبها قطع بحرية مصرية مضيق الدردنيل والبوسفور للاشتراك في المناورات البحرية. وتُعد مناورات “جسر الصداقة-3″، أحد أهم التدريبات المشتركة بين مصر وروسيا لنقل وتبادل الخبرات بين القوات المسلحة لكلا البلدين وتعزيز آفاق التعاون العسكري.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى