إيرانروسيا

التحول في العلاقات الروسية الأمريكية وتأثيرها على مستقبل التعاون بين إيران وموسكو

منذ الإعلان عن فوز الجمهوري دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر 2024، بدأ الحديث يتزايد داخل الأوساط السياسية في إيران بشأن مستقبل العلاقات مع روسيا. فقد أبدى الرئيس الأمريكي ترامب إشارات إيجابية للغاية، وكذلك نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لحل الملفات المتأزمة والعالقة مع موسكو، وأهمها مسألة الحرب في أوكرانيا، وبدا أن علاقات القطبين الدوليين سوف تشهد مرحلة جديدة مختلفة عما سبقها. 

وفي هذا الصدد، انقسمت الآراء داخل إيران فيما يخص تأثير هذا التحول على مستقبل التعاون بين طهران وموسكو، وذلك ما بين من يرى أن روسيا سوف “تضحي” بتعاونها الاستراتيجي مع إيران لصالح العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة ترامب وما يشمله ذلك من تسوية ملفات عدة بين الطرفين، أهمها الحرب في أوكرانيا التي دخلت عامها الرابع، ومن يقول أيضاً إن موسكو سوف تعمل على موازنة علاقاتها الجيدة مع إدارة ترامب بمصالحها مع الجمهورية الإسلامية. 

ويمكن القول إن الأصوليين في إيران هم أكثر تشاؤماً إزاء مستقبل العلاقات الإيرانية الروسية من الإصلاحيين في البلاد. حيث كتبت العديد من وسائل الإعلام التابعة للأصوليين في إيران خلال الأسابيع الماضية تتوقع أن تعزز موسكو علاقاتها مع واشنطن على حساب مصالحها مع إيران. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن الإصلاحيين، الذين وصلوا إلى سُدة الرئاسة في إيران في يوليو الماضي، متفائلون دائماً فيما يخص مستقبل علاقات إيران مع روسيا، بل تباينت توجهاتهم أيضاً في هذا الصدد. 

فعلى سبيل المثال، عنونت صحيفة “اعتماد”، إحدى أهم الصحف الإصلاحية في الجمهورية الإسلامية، على سبيل المثال، عددها الصادر يوم 25 فبراير 2025 بـ “روسيا لن تخاطر بمصالحها من أجل إيران”، موضحة أن التحسن في العلاقات الروسية الأمريكية قد يضر بالتعاون الإيراني الروسي.

وعلى ذلك، لا يزال التساؤل قائماً بشأن مدى تأثير التحسن الإيجابي في العلاقات الروسية الأمريكية على مستقبل التعاون بين إيران وروسيا، خاصة في ضوء اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تم التوصل إليها بين الطرفين في يناير 2025.

وفيما يلي، نحاول الإجابة على هذا التساؤل على النحو التالي:

منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في عام 1991، مرت العلاقات الروسية الأمريكية بمنعطفات عدة ما بين التوتر والتحسن في العلاقات، والتي كان لطبيعة توجهات الرئيس الأمريكي نفسه دوراً مهماً بها. كما مثّلت حيوية الملفات التي أراد الطرفان التعاون بشأنها عاملاً مهماً في التقارب. 

وعلى سبيل المثال، بينما شهدت العلاقات بين موسكو وواشنطن تقارباً بين إدارة ترامب الأولى (2017 – 2021)، مرت علاقات الطرفين بمرحلة توتر هي الأكثر حدة خلال أكثر من 30 عاماً في عهد الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن (2021 – 2025). وتحسنت العلاقات مرة أخرى بين الجانبين مع عودة الجمهوري ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025. يعني ذلك أن التحول الإيجابي الجاري في العلاقات الروسية الأمريكية قد يكون مرحلياً ينتهي مع انتهاء إدارة الرئيس دونالد ترامب، ومن ثم يعود التوتر ليخيّم على مسار علاقات الطرفين مع رحيل ترامب عن البيت الأبيض في يناير 2029. 

حيث يتبني الرئيس ترامب من ناحية وجهات نظر تميل إلى تحسين العلاقات مع “روسيا – بوتين”، ومن ناحية أخرى فهو يسعى إلى ذلك التحسن بغية تسوية بعض الأزمات العالقة بين الطرفين التي يأتي على رأسها ملف الحرب في أوكرانيا التي كلفت الخزينة الأمريكية خلال عهد بايدن حوالي 120 مليار دولار خلال 3 سنوات، وهو رقم يتخطى إجمالي مساعدات الاتحاد الأوروبي خلال الفترة نفسها التي بلغت ما يقارب 51 مليار دولار حتى الآن. إذ، تُعد الكلفة الاقتصادية للحرب الأوكرانية إحدى دوافع ترامب للسعي لحل الأزمة، إلى جانب عوامل أخرى مهمة كتهديد هذه الحرب بإشعال حرب عالمية ثالثة وهزيمة الجانب الأوكراني، حسبما يرى ترامب ذاته. لذا، فإن رحيل ترامب كرئيس للولايات المتحدة قد يعني انتهاء فترة “شهر العسل” بين موسكو وواشنطن، وبالتالي عودة التأزم في علاقات الطرفين. 

وبما أن دوائر صنع القرار في موسكو تدرك مثل هذا الأمر، فإن الأخير يقودنا بالتالي إلى الاعتقاد القوي بأن روسيا لن تخاطر بمستقبل علاقاتها مع إيران من أجل بعض التسويات المرحلية مع واشنطن، حيث إن موسكو قد تعمل على تخفيض مستوى التعاون الاستراتيجي مع إيران في سبيل تسوية قضايا استراتيجية مع واشنطن، إلا أن هذا المسار لا يُتوقع أن يقودها إلى مرحلة من التوتر أو التأزم أو خفض مستوى تعاونها وعلاقاتها مع طهران إلى الحد الأدنى. 

بل إن إدارة ترامب ذاتها تحتاج بالأساس إلى استمرارية العلاقات الجيدة بين الاتحاد الروسي والجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ في ظل ميلها إلى اتباع نهج الدبلوماسية مع طهران لحل أزمتها النووية وقضايا أخرى شائكة مثل الملف الصاروخي والأنشطة العسكرية الإيرانية في المنطقة وإن كانت قد تراجعت خلال الأشهر الماضية. 

وقد اتضح هذا المسعى الأمريكي للعب روسيا دور وساطة مع إيران من خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير خارجية موسكو، سيرجي لافروف، إلى طهران في 25 فبراير 2025 وناقش هناك مع المسؤولين الإيرانيين مستقبل المفاوضات النووية مع الغرب ونقل رسائل القادة الأمريكيين إلى طهران في هذا الصدد، وذلك بعد حوالي أسبوع واحد من لقائه في العاصمة السعودية الرياض مع وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو.

يشير هذا إلى أن الولايات المتحدة لا تريد تحولاً سلبياً كبيراً أو تراجعاً هائلاً في مستوى التعاون بين موسكو وطهران، وأن من بين دوافع إدارة ترامب لتحسين العلاقات مع موسكو هي رغبتها في لعب دور الوساطة مع إيران لحل أزمتها النووية وعدم إجبار واشنطن وإسرائيل على اللجوء إلى الخيار العسكري المتمثل في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية لتدمير برنامجها النووي.

إذا كانت العلاقات الأمريكية الروسية تشهد في الوقت الراهن تحسناً، فهو، كما سلفت الإشارة، مرحلي على الأغلب ويرجح أن يتراجع مع انتهاء الولاية الثانية والأخيرة لترامب رئيساً للولايات المتحدة. وعلى الجانب الأخر، نجد أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن موسكو لن تغامر بالدخول في أزمة بخصوص علاقاتها مع طهران من أجل تسوية بعض الملفات مع واشنطن في عهد ترامب، حيث إن المصالح الروسية مع إيران استراتيجية عند مقارنتها بذلك التحسن المرحلي في العلاقات مع واشنطن. كما أن معطيات ومجريات الأحداث تؤكد أن التحسن في العلاقات بين موسكو وواشنطن لا يستلزم على الجانب الأخر تراجعاً في العلاقات الروسية الإيرانية.

وعلى أي حال، فإن أبرز المصالح الاستراتيجية بين طهران وموسكو، والتي لن تدع الأخيرة للمغامرة بمستقبل علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية، تتمثل فيما يلي:

استخدام روسيا لإيران كورقة ضغط استراتيجية في المعسكر الشرقي أمام الغرب:    

بالنظر إلى طبيعة العلاقات الصدامية لإيران مع الغرب بوجه عام ومع الولايات المتحدة على وجه الخصوص، سنجد أن روسيا تحتاج إلى البقاء قريبة من إيران والتحالف معها بشكل وثيق ومستمر؛ ذلك لأن الخلافات الروسية الغربية ليست مرحلية ومستمرة منذ قرون، وليس فقط منذ انتهاء الحرب الباردة في عام 1991. وتحاول روسيا في هذا الصدد حشد أكبر عدد ممكن من القوى الأخيرة المناوئة للغرب لتتحالف معها أمام التكتل الأخر؛ وذلك كي لا تكون وحدها في مثل هذه المواجهة، وهو ما دفعها بوجه عام إلى بناء علاقات قوية مع الصين وكوريا الشمالية وإيران خلال السنوات الماضية.

ولهذا، لا يُتوقع أن تعمل موسكو على الحد من مستوى تعاونها مع إيران إلى الحد الأدنى في المدى المنظور. إذ، يمكن القول إن روسيا توظف علاقاتها مع إيران لصالحها في مواجهة القوى الكبرى الأخرى.

حاجة روسيا العسكرية لإيران التي أكدتها الحرب الأوكرانية:   

 أكدت الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 2022 – ولا تزال مستمرة – على أهمية التعاون الروسي مع طهران في المجال العسكري. فقد أمدت إيران روسيا بالطائرات المسيرة “درونز”، وأهمها “شاهد”، التي أثبتت فعالية في ميدان الحرب الروسية الأوكرانية، كما عززتها أيضاً بنوعيات مختلفة من الصواريخ بعيدة المدى. وقامت طهران أيضاً بتدريب جنود وظباط من الجيش الروسي على استخدام هذه الأسلحة، ما مثّل تحولاً واضحاً في مجال التعاون العسكري بين البلدين، وقد أشارت العديد من التقارير الروسية إلى أن هذه الأسلحة الإيرانية “قد أحدثت فارقاً” في تلك الحرب.

لذا، فقد أثبتت حرب روسيا وأوكرانيا أن هناك دافعاً مهماً لدى موسكو من أجل استمرار زخم وقوة التعاون مع إيران وهو المجال العسكري؛ ذلك لأن روسيا سوف تحاول الحفاظ على مثل هذا التعاون تحسباً لأية مواجهات في المستقبل، علاوة على شكوك لا تزال مستمرة بشأن إمكانية تمكن ترامب من إنهاء الحرب خلال الأيام المقبلة.

التعاون الاقتصادي بين الروس والإيرانيين والمشاريع الكبرى المنتظرة:

ترتبط إيران وروسيا بعلاقات اقتصادية وتجارية وثيقة. وقد ازداد حجم هذه التجارة بين البلدين خلال السنوات الماضية بمعدل كبير. فقد أكد نائب رئيس الوزراء الروسي، أليكسي أوفيرتشوك، في ديسمبر 2024 أن حجم التجارة بين بلاده وإيران قد ارتفع خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي بنسبة 14.7% لتصل إلى 3.3 مليار دولار. وبعد أسابيع من هذه التصريحات، وقعت موسكو وطهران اتفاقية التعاون الاستراتيجية الشاملة التي تركز بشكل كبير على فتح آفاق واسعة للتعاون الاقتصادي بين البلدين لمدة 20 عاماً على الأقل.

وتأتي العديد من الأسباب لتشجع البلدين على تعزيز التجارة بينهما من بينها معاناتهما من العقوبات الخارجية الواسعة عليهما والتي أثرت على الجوانب الاقتصادية في بلديهما، ما يجعلهما في حاجة مستمرة لدعم التعاون الاقتصادي بينهما، خاصة مع القرب الجغرافي بينهما ووقوعهما على سواحل بحر قزوين.

وفي الوقت نفسه، ترتبط إيران وروسيا بمجالات تعاون اقتصادي أوسع من خلال عضويتهما في منظمات اقتصادية إقليمية ودولية مثل “بريكس”، علاوة على عزمهما تنفيذ مشروع تجاري دولي يُعرف باسم “ممر شمال جنوب” الذي من المقرر أن يمتد من الهند إلى روسيا عبر إيران وصولاً إلى أوروبا. 

أهمية التعاون المشترك بين روسيا وإيران في مناطق مختلفة حول العالم:    

لا يقتصر التعاون الإيراني الروسي على الجانب الاقتصادي المشترك أو العسكري فقط، بل يمتد إلى مناطق واسعة من العالم يتضمن القوقاز والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وغير ذلك. إذ، تشترك إيران وروسيا في مصالح سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية، أيضاً في هذه المناطق تدفعها للتعاون المشترك ومواصلة المشاورات والمسار الدبلوماسي، وتبادل المعلومات الأمنية لتعزيز المصالح الوطنية وتجنب الخلافات أو الصدام في هذه المناطق. ويجعل هذا بالتالي هنالك من ضرورة لمواصلة زخم العلاقات بين الطرفين.

لا يعني التقارب في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية خلال عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب وروسيا تهديداً واضحاً لعلاقات الأخيرة مع الجمهورية الإسلامية. إذ، يُعد ذلك التقارب بين واشنطن وموسكو أمراً مرحلياً يرجح أنه سينتهي مع رحيل إدارة ترامب، كما أن تعزيز الطرفين علاقاتهما لا يستلزم على الأغلب الحد من التعاون بين إيران وروسيا، بل إن الصفقات المنتظرة بين إيران وروسيا بشأن أوكرانيا تعزز من احتمالات المزيد من التقارب “المدروس” بين إيران وروسيا. 

وعلى الناحية الأخرى، تتسم العلاقات الروسية مع إيران بكونها استراتيجية تظهر على السطح بها العديد من المصالح مترامية الأطراف التي يصعب على روسيا التضحية بها من أجل تحسن مرحلي في العلاقات مع واشنطن لا تستلزم بالأساس – كما سبق القول – تراجع كبير في العلاقات مع إيران.

وعليه، يُتوقع أن يستمر زخم العلاقات الروسية الإيرانية بوجه عام مع احتمالات بتأثر بعض أوجه التعاون بين البلدين بشكل طفيف خلال الفترة المقبلة. كما يُتوقع أن تكون مسألة التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والغرب (والولايات المتحدة بشكل رئيس) رئيسية في هذا المضمار، بحيث إن التوصل إلى الاتفاق سوف يعني استمرار زخم العلاقات، وعدم التوصل على الجانب الأخر قد يقود إلى بعض التوتر “الحذر” في العلاقات.

المصادر والمراجع:

  1. “ارتفاع حجم التجارة بين روسيا وإيران 15% إلى 3.3 مليار دولار في 9 أشهر”، العربية نت، 23 ديسمبر 2024.    
https://2u.pw/EFNyOwQ0
  1. “رویکرد روسیه در قبال ایران؛ آیا پوتین، تهران را مهره معامله با ترامپ می‌کند؟”، يورونيوز فارسى، 3 مارس 20250
https://2u.pw/jPNSzj5a
  1. “رویترز: ایران به زودی صدها موشک بالستیک به روسیه تحویل خواهد داد”، راديو فردا، RFI فارسى، 10 أغسطس 2024.
https://2u.pw/Zd4F14ys
+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى