
المبعوث الأممي السابع للأزمة الليبية… الخلفية وتحديات الدور
وافق مجلس الأمن الدولي اليوم، 16يناير2021، على تعيين السلوفاكي “إيان كوبيش” مبعوثًا للأمم المتحدة في ليبيا، خلفًا للمبعوث السابق “غسان سلامة” الذي قدم استقالته لظروف صحية، 2مارس 2020، بعد توليه تلك المهمة لقُرابة عامين. وتُعد عملية تعيين مبعوث أممي جديد الى ليبيا خطوة بالغة الأهمية لحلحلة المشهد المتأزم، وقد شهدت أروقة المجلس العديد من الجولات التي طُرحت فيها خيارات عدة لخلافة سلامة، إلا أن الترشيح الأخير للأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش” حظي بموافقة مجلس الامن، ليُصبح “إيان كوبيش” المبعوث الاممي الـ (7) إلى ليبيا. ونتناول في هذا السياق خلفية السيد “إيان كوبيش”، والمهام التي سيناط به العمل عليها، بالإضافة للصعوبات والتعقيدات الأبرز التي سيكون عليه تجاوزها، وصولًا للنموذج المنشود لتسوية الصراع الليبي المتجدد.
المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا … من يكون؟
ولد “إيان كوبيش” (69عام) بجمهورية تشيكوسلوفاكيا، سنة 1952، ودرس العلاقات الاقتصادية الدولية في معهد موسكو الحكومي للشؤون الدولية، ويجيد العديد من اللغات كالسلوفاكية والتشيكية والإنجليزية والروسية والفرنسية. ويُعد المسار الوظيفي لكوبيش حافلًا بالمهام فقد عمل بوزارة خارجية جمهورية تشيكوسلوفاكيا السابقة من عام 1976 إلى عام 1992، ثم شغل منصب الممثل الدائم لسلوفاكيا لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف بالعام 1993، وأصبح ممثلًا خاصًا للاتحاد الأوروبي لآسيا الوسطى، وممثلًا شخصيًا لرئيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لآسيا الوسطى، ورئيس بعثة مراقبي الأمم المتحدة في طاجيكستان من 1998 إلى 1999.
وشغل إيان منصب مدير مركز منع النزاعات التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ثم أمينًا عامًا لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) من 1999 إلى 2005، وتم اختياره وزيرًا لخارجية سلوفاكيا من عام 2006 إلى عام 2009، وأصبح حينها رئيس للجنة وزراء مجلس أوروبا من 2007 إلى 2008.
وتم تعيين كوبيش أمينًا تنفيذيًا للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا من عام 2009 إلى عام 2011، ثم شغل منصب الممثل الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان (UNAMA) من عام 2011 إلى عام 2015، ثم تولى منصب الممثل الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (UNAMI)، من 2015 إلى 2018، وبعدها أصبح المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان (UNSCOL) منذ 9 يناير 2019.
وبتعيينه يُصبح كوبيش المبعوث الأممي الـ(7) الى الأزمة الليبية، بعد عبد الإله الخطيب (إبريل2011-أغسطس2011)، إيان مارتن (سبتمبر2011-أكتوبر2012)، طارق متري (أغسطس2012-أغسطس2014)، برناردينو ليون (أغسطس2014-نوفمبر2015)، مارتن كوبلر (نوفمبر2015-يونيو2017)، غسان سلامة (يونيو2017-مارس2020).
وتتمحور مهمة البعثة الأممية في إيجاد سبيل لتسوية الأزمة وإنهاء الاقتتال في ليبيا، ولذلك فإن طبيعة الصراع الليبي شكلت تعقيدات لم يتمكن المبعوثون السابقون من فك اشتباكها، وعلى السيد “إيان كوبيش” الآن العمل على تحقيق ذلك في ظل أوضاع يمكن أن تقود إلى اشتعال مواجهات عاصفة بكيان الدولة وجهود الحل الجارية، إذا لم يُحسن استغلالها في استدامة التسوية الشاملة.
مهام حاسمة في خضم مراوحة بين التسوية والصدام
تشير معطيات الحالة الليبية إلى أن مهمة المبعوث الأممي الجديد ستكون بالغة الدقة؛ ففي ظل المنجزات المتحققة كاتفاق وقف إطلاق النار (أكتوبر2020)، والاختراق المتحقق في مسارات الحوار السياسي والاقتصادي، إلا أن اتجاهات تحرك بعض الفواعل للارتداد على مخرجات المسارات السابقة تمثل خطرًا آخذًا بالتصاعد، قد يقضي على فُرص التسوية السلمية الشاملة. وعليه، فأمام السيد “إيان كوبيش” جُملة من المهام العاجلة، نشير الى أبرزها فيما يلي:
- استعادة ثقة الليبيين: سيحتاج المبعوث الجديد لإعادة بناء منظومة الثقة في جهود الأمم المتحدة بالحالة الليبية؛ إذ قادت تحركات ومواقف سابقيه لترسيخ غياب الحياد والموضوعية عن أعمال البعثة الأممية، ووجهت أطراف ليبية عديدة انتقادات للمبعوثين الذين لم يراعوا خصوصية المجتمع الليبي، بل وتخطى ذلك لاتهامهم بالانحياز لأطراف بعينها، أو تصرف كرؤساء وحكام للدولة الليبية.
وهي إشكالية أفقدت الجهود الأممية فاعليتها، وصرفت الأطراف الليبية عن دعمها بالشكل المطلوب، ولذلك فـ “كوبيش” أمام مهمة عاجلة مفادها الاتصال بمرونة مع الأطراف الليبية كافة -دون إقصاء أو تهميش- وإعادة رسم الدور الأممي كميسر لإجراءات التفاوض، ومحيد لكافة التأثيرات السلبية التي قد تهدد جهود التسوية.
- الاتصال المتوازن بالأطراف الدولية: يمثل منصب المبعوث الأممي شخصية ذات قدرة عالية على التفاعل مع الدول المنخرطة بالأزمات محل المعالجة، وحيث يبدو جليًا حجم التأثير الخارجي على الأوضاع في ليبيا، فعلى “إيان كوبيش” التعامل مع الدول المتداخلة والمهتمة بالحالة الليبية بشكل متوازن، بما يحقق تقريب وجهات النظر وحشد الدعم لمشروعات وبرامج وخطط الحل، بالإضافة لقطع الطريق على أية أنشطة خارجية تقوض من استقرار البلاد الهش، والمرشح للارتداد سلبيًا بفعل الانتهاكات الخارجية لقرارات مجلس الامن أو مخرجات الشرعية الدولية كمؤتمر برلين.
وهي مهمة شديدة التعقيد في الحالة الليبية، لا سيما مع وجود تحركات دولية قائمة تخالف الاتفاقات الليبية-الليبية للتسوية، ومحاولات بعض الأطراف الخارجية إسقاط التفاهمات السياسية وتعطيلها.
- تثبيت قواعد وقف إطلاق النار: كونه المنتج الوحيد شبه المُكتمل لمسارات التسوية، يتوجب على المبعوث الجديد تركيز جهوده بشكل سريع لإنجاح اتفاق وقف إطلاق النار المستدام الذي انتهت إليه أعمال اللجنة العسكرية (5+5)، ويتطلب منه ذلك فتح العديد من الملفات الشائكة ببداية عهدته، وفي مقدمتها إشكالية المرتزقة والقوات الأجنبية والمليشيات المسلحة.
ونظرًا للطبيعة المُركبة للصراع الليبي، فإن إدارة تلك الملفات ستستلزم توافقًا لم يتحقق في ليبيا منذ اندلاع الأزمة عام 2011، لذلك فتلك المهمة من أصعب الأدوار وأهمها؛ إذ يعني إسقاط التفاهمات العسكرية تجدد المواجهات المسلحة، وهو ما سيبدد كافة مسارات التسوية الأخرى التي لا تحقق ذات الاختراق الذي تم إنجازه بالملف العسكري.
- تجاوز عثرة الحوار السياسي: يواجه مسار التسوية السياسية عقبات متصاعدة، ولم تتمكن محاولات تجاوزها حتى الآن من تخطيها، ويُعد الانسداد السياسي تهديدًا مستمرًا لاستثمار الوضع الميداني الساكن في الوصول إلى هيكل انتقالي يعبر بالدولة الليبية وصولًا للانتخابات المقررة ديسمبر المُقبل.
ولذلك فهناك دور أممي مطلوب لحلحلة المشهد التفاوضي المتعثر، ووصول لجنة الحوار السياسي لآلية توافقية لاختيار الاجسام الانتقالية، ويحتاج “إيان كوبيش” للدخول على خط ذلك التعثر وإيجاد مخرج منه، بشكل فعال يضمن إنجاح الحوار وتفادي الانزلاق في خلافات مقوضة لما تحقق من اختراقات على صعيد الملفات المطروحة.
- استكمال الاختراق الاقتصادي: نجحت جهود التسوية المبذولة على صعيد المسار الاقتصادي في تحقيق نتائج إيجابية، انطلاقًا من عودة إنتاج وتصدير النفط، ومرورًا بتوحيد سعر صرف الدينار، ووصولًا لاتجاه الأطراف الليبية لإصدار موازنة موحدة للدولة للعام الحالي. ويحتاج هذا المسار إلى مزيد من الدعم والإسناد بشكل حتمي؛ إذ أهدرت حالة الانقسام المؤسسي مليارات الدولارات على الشعب الليبي، وفاقمت من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وسيكون على المبعوث الجديد العمل على تحقيق اختراق اقتصادي إضافي، بما يتضمن الوصول لتوحيد المصرف المركزي بفرعيه في طرابلس والبيضاء، وتحييد التأثيرات الصراعية بعيدًا عن أعمال المؤسسات المالية والاقتصادية، وتنفيذ إجراءات تدقيق شاملة ومحايدة في أعمال المؤسسات الليبية لوقف الظواهر السلبية التي تستنزف الثروات الليبية.
عقبات ممتدة على الطريق
فاقمت جولات الصراع الليبي الممتدة لعقد من الزمن اشتباك وتعقيد الأزمة، ولن يكن طريق تسوية النزاع المُركب ممهدًا أمام البعثة الأممية، بل سيجد المبعوث الجديد العقبات والألغام كامنةً على امتداد ميدان التسوية، ولذا فمن الأهمية الإشارة إلى العقبات الأكثر خطورةً على نشاط الدور الأممي، ويمكن استعراضها فيما يلي:
- تجذر الانقسام والشعور بالتهميش: تستشعر بعض المناطق والمكونات الليبية أنه تم اقصاؤها بشكل ممنهج من عملية التسوية، وترى أخرى أن تهميشها كان منهجًا واضح الأركان للبعثة الأممية فيما سبق، فضلًا عن تجذر الانقسام المؤسسي والمناطقي الذي تعايشه ليبيا الآن. وبذلك فالتشكك من الدور الأممي سيكون في مقدمة العقبات أمام أية خطى جديدة. ويتطلب ذلك إشراك كافة المناطق الليبية في العملية الانتقالية، لاسيما الجنوب الذي يمكن التعويل عليه في إبراز الموقف الليبي الذي لم يكن مستقطبًا أو طرفًا بالصراع على السلطة فيما مضى.
- الأجندات الخارجية المقوضة للاستقرار: تلعب أطراف خارجية وإقليمية أدوارًا مزعزعةً للاستقرار الليبي الهش، وتمثل أجنداتها خطرًا جسيمًا على الكيان الليبي الموحد المنشود حفظه من التقسيم والتحلل. وفي ظل استمرار تلك الأدوار الرامية لتعطيل التفاهمات المبرمة بل وإسقاطها، يمكن القول إن تلك الأجندات ستصبح حجر عثرة بالغ التأثير على مشروعات التسوية القائمة أو المستحدثة، وهو تهديد سيتوجب على المبعوث الأممي الالتفات إليه والتعاطي معه لتجاوز احتمالات تسببه في تعطيل الوصول لحل للأزمة، أو دفعه بعض الأطراف المحلية لتجديد دورات الصراع.
وفي النهاية، يمكن القول إن خطوة تعيين مبعوث أممي جديد للصراع الليبي إجراء مرهون التأثير على مسار الأزمة بعدة محددات، كقدرة الأطراف الليبية على تجاوز اختلافاتها والوصول لأُسس وأرضية توافقيه للحل، إلى جانب فاعلية المنهج الذي سيتبناه السلوفاكي “إيان كوبيش” لأداء مهمته، بالإضافة لمدى قوة الإرادة الدولية الداعمة للوصول لتسوية في خضم آتون الحرب التي مزقت النسيج المجتمعي الليبي، فإما أن يكون ذلك الاختيار مدخلًا لتيسير المرحلة التفاوضية ليصل الليبيون إلى توافق ممهد لمرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات، وإما يدخل المبعوث الجديد قائمة من كلفوا أمميًا بمهمة استعادة توازن دولة ليبيا ولم يحققوا أي نتائج إيجابية، أو رحلوا والأوضاع أسوأ مما تسلموها.